حوادث السيارات .. حقائق وأسباب

عبد المجيد بن عبد العزيز الدهيشي

2022-10-10 - 1444/03/14
التصنيفات: قضايا اجتماعية
عناصر الخطبة
1/ كثرة حوادث السيارات في الوقت الحاضر 2/ إحصائيات مذهلة عن حوادث السيارات في المملكة العربية السعودية 3/ حوادث السيارات بين القضاء والقدر واتخاذ أسباب الوقاية منها 4/ أسباب حوادث السيارات 5/ نصائح للشباب المتهورين في قيادة السيارات

اقتباس

إن الحديث عن حوادث السيارات حديث ذو شجون! وفيه من الآلام الكثير! كم من أبٍ خرَج من بيته سليمًا معافًى قد ودَّع أولاده وودَّعوه على أمل لقاء قريبٍ! ولكن حال دون اللقاء مرة ثانية حادثٌ مُروري! كم من أمٍّ...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

أمَّا بعد:

 

فإن الحديث عن حوادث السيارات حديث ذو شجون! وفيه من الآلام الكثير! كم من أبٍ خرَج من بيته سليمًا معافًى قد ودَّع أولاده وودَّعوه على أمل لقاء قريبٍ! ولكن حال دون اللقاء مرة ثانية حادثٌ مُروري! كم من أمٍّ رؤوم غاب عنها فَلذة كَبِدها، وتأخَّر أوان رجوعه، فقَلِقت وشعَرت بالخطر، فجاءها الخبر الأكيد، فقد توفِّي ابنها في حادث مروري! كم زوجة أعدَّت طعام الغداء أو العشاء لزوجها الذي تأخَّر عن أوان عودته من عمله يوميًّا، فجاءها الخبر، فعَلِمت أنْ لا لقاءَ آخرَ في هذه الدنيا! كم في المستشفيات والمَصحَّات من شخصٍ أصبَح حبيس الفراش، أو معاقًا فقَد القدرة على الحركة والتنقُّل، وأصبَح عالَةً على الآخرين، والسبب: حادث مروري! كم من شخص ادَّخر ماله لاقتناء سيارة كلَّفته الكثير، ورُبَّما رَكِبه الدَّيْن لأجْلها، تَلِفت في غَمضة عينٍ، أو لَحِق بها من التَّلفيَّات ما يكلِّف الكثير! وكم، وكم هي هذه الصور المؤلِمة التي قلَّما يَسلم منها بيت أو أسرة!

 

قديمًا كان الجدري وما أشْبَهه من الأوبئة تَعصف بالناس في بلادنا، فرُبَّما دخل الوباء قرية، فقضى على أكثر أطفالها في ظلِّ ضَعف الإمكانات، والآن جاء ما يقوم مقامه، بل يفوقه، ألا وهي: الحوادث المروريَّة.

 

وهذه الإحصائيَّات تقول: إن حوادث السيارات في المملكة تمثِّل القاتل الثاني بعد الأمراض، وقد بلَغ عدد الوَفَيات من جرَّاء حوادث السيارات عام 1412هـ "3495" وفاة، وفي عام 1415هـ "3789" وفاة، حسب الإحصائيات الرسميَّة، فضلاً عن الإصابات والإعاقات المتنوعة.

 

عباد الله: إنَّ الموت مقدَّر على الجميع، و (كُلُّ نَفْسٍ ذَائِقَةُ الْمَوْتِ) [آل عمران: 185].

 

وأسبابه كثيرة قد تعدَّدت والموت واحد، ولا رادَّ لقضاء الله، والمسلم يرضى بما قسم الله، ولكنَّ المسلم مأمور باتخاذ الأسباب، فقد نُهينا عن إلقاء أنفسنا في التَّهلكة: (وَلَا تُلْقُوا بِأَيْدِيكُمْ إِلَى التَّهْلُكَةِ) [البقرة: 195].

 

كما نُهينا عن قتْل أنفسنا: (وَلَا تَقْتُلُوا أَنْفُسَكُمْ إِنَّ اللَّهَ كَانَ بِكُمْ رَحِيمًا) [النساء: 29].

 

كما نُهينا عن إتلاف الأموال والعبَث بها: (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ) [النساء: 5]، وقال صلى الله عليه وسلمَ: "إنَّ الله كَرِه لكم ثلاثًا: قيل وقال، وإضاعة المال، وكثرة السؤال" [أخرَجه البخاري].

 

واتخاذ الأسباب عبادة؛ يروى أنَّ رجلاً قال: يا رسول الله أعْقلها -يعني دابَّته- وأتوكَّل، أو أطْلِقها وأتوكَّل؟ قال: "اعْقِلها وتوكَّل".

 

وإنَّ مِن فِعل السبب: اتِّخاذ الوقاية، وبذْل الجهد في منْع وقوع هذه الحوادث المروريَّة التي أهْلَكت الأنفس، وأتْلفَت الأموال.

 

أمَّا الأسباب التي تُعزى إليها كثرة حوادث السيارات، فهي كثيرة يأتي في مقدِّمتها:

 

1- السرعة؛ ففي إحدى الدراسات يتَّضح: أنَّ السرعة هي السبب الرئيس في حوادث المرور بنسبة 43.6 %، ومعلوم أنَّ السرعة تمنع من تلافي الحادث أو معالجة خطأ الآخرين.

 

2- ويلي السرعة السبب الثاني وهو: قطْع الإشارة بنسبة 18.4 %.

 

3- والسبب الثالث: التجاوز الخاطئ بنسبة 16.5 %، ومَرَدُّ ذلك كله -السرعة وقطْع الإشارة والتجاوز الخاطئ- إلى العجلة التي ابْتُلي بها الكثيرون في غير حاجة، وقد علَّمنا ديننا أن التأنِّي والرِّفق خيرٌ كله؛ ففي الحديث: "إن الله رفيق يحبُّ الرِّفق، ويعطي على الرِّفق ما لا يعطي على العنف، وما لا يعطي على ما سواه" [أخرَجه مسلم]، وفي الحديث الآخر يقول صلى الله عليه وسلمَ: "إنَّ الرِّفق لا يكون في شيء إلاَّ زانَه، ولا يُنزع من شيء إلاَّ شانه" [رواه مسلم].

 

4- والسبب الرابع: التهوُّر وعدم المبالاة، واعتقاد بعض السائقين أنَّ الطريق مِلك له.

 

5- والخامس: الانشغال عن الطريق بالتحدُّث مع المرافق أو عبر الهاتف -الجوَّال- أو تقليب الأشرطة، أو إطلاق النظر يَمنة ويَسرة.

 

6- والسادس: عدم الأخذ بالأسباب الواقية -بإذن الله- كاستعمال حزام الأمان، وليس استعماله بعيبٍ، بل هو أخْذٌ بالأسباب المشروعة، وحِفظ للنفس، ومن أهم فوائد اتِّخاذ الأسباب عدم الندم حين يقع المكروه.

 

7- والسابع: تسليم السيارة للقاصرين من الصِّغار، أو ناقصي الإدراك، ومعلوم أثر تسليم السيارة للصغير، فهو لا يُبالي، ويَجد مُتعته في منازلة أقرانه عن طريق العبث بالسيارة، ويظهر تساهُل الكثير من الأولياء ومُسارعتهم بإعطاء أبنائهم السيارةَ قبل التأكُّد من استقامتهم وتعقُّلهم، ثم غَفلتهم عن متابعة أبنائهم، فلربما كانت السيارة وبالاً على صاحبها المراهق، وسلوا المعلِّمين والمربين عن الأثر البالغ لتسليم السيارة للمراهقين، فكم تغيَّرت أخلاق فتيان بسبب السيارة؛ فعن طريقها يَسهل الذَّهاب إلى أيِّ مكان دون متابعة، وتذكَّر أيها الوالد قول النبي -صلى الله عليه وسلمَ-: "كلُّكم راعٍ، وكلكم مسؤول عن رعيَّته".

 

8- والثامن: قيادة ذَوِي البصر الضعيف وكبار السِّن ممن لا يُطيق القيادة، فرِفقًا بنفسك وبالمسلمين أيها الوالد العزيز، ويا معشر الأولاد: أعينوا آباءَكم واكْفوهم مؤونةَ القيادة إن كانوا عاجزين.

 

9- والتاسع: تَرْك صيانة السيارة الصيانة الضروريَّة، ولا سيَّما الإطارات والكوابح.

 

10- والسبب العاشر: القيادة في حال غَلبة النوم أو الإرهاق، وقد أُمِرنا بعدم الصلاة حال غلبة النوم، فما بالكم بالقيادة؟! قال صلى الله عليه وسلمَ: "إذا نَعَس أحدُكم وهو يصلي، فليَرقُد حتى يذهب عنه النوم؛ فإنَّ أحدكم إذا صلَّى وهو ناعس لا يَدري لعلَّه يَستغفر، فيَسُب نفسه" [أخرَجه البخاري].

 

11- والسبب الحادي عشر: التغاضي عن المخطئ المُرتكب للمخالفة المرورية؛ لعلاقة، أو وساطة، ولا شكَّ أنَّ في هذا خيانة للأمانة، وقد قال ربُّنا: (لَا تَخُونُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُمْ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ) [الأنفال: 27].

 

12- والثاني عشر: الحيوانات السائبة، وقد جاء الشرع بأمر أصحاب المواشي بحِفظها في الليل، وأُمِر الناس وأصحاب الزروع بحِفظ ما يخصُّهم في النهار؛ فهو وقت انتشارها، ففي السُّنن أنَّ ناقة للبَراء بن عازب -رضي َالله عنه- دخَلت حائط رجل فأفْسَدته عليهم، فقضى رسول الله -صلى الله عليه وسلمَ- على أهل الأموال حِفظها بالنهار، وعلى أهل المواشي حِفظها بالليل، ففي النهار يطالب قائدو السيارات بالتنبُّه لها، وفي الليل يطالب أصحاب المواشي بحِفظها ومنْعها من التعدِّي على طرق الناس ومُمتلكاتهم، ولا بدَّ من أخْذ الحَيْطة من قِبَل سائقي السيارات؛ فقد يكون هناك مواشٍ مُهملة لا راعي لها، واللبيب مَن توقَّع واستعدَّ للخطر قبل وقوعه.

 

13- والسبب الأخير: وهو شرٌّ من ذلك كله وأدهى، ألا وهو تعاطي الحبوب المحرَّمة بحجَّة أنها تُنشِّط وتَطرد النوم، وقد عَلِم الناس أنَّ النوم سلطان لا يُرَدُّ، وأنَّ لهذه الحبوب والسموم من الآثار السيئة ما لا يخفى، ومما لا يختلف فيه عاقلان أنَّ المخدرات داءٌ وبيلٌ، وشرٌّ مستطير، ضجَّت منه الأُمم كلها: مسلمها، وكافرها، وقد تعدَّى الأثر السلبي للمخدرات إلى الدين والنفس، والعِرض والعقل والمال، وهذه هي الضروريَّات الخمس التي أجْمَعت على حِفظها الشرائع السماوية.

 

ووالله، إنَّ العجب والغرابة تكمن في سرِّ التهالُك على هذه السموم التي تغطي العقل، وإذا ذهَب عقل الإنسان فما الذي بَقِي فيه؟ وأعجب كثيرًا ممن إذا سألته أو ناقَشته في تناوله للمخدرات، مع معرفته بأضرارها الدينية والصحية والاجتماعيَّة، قال لك: إن السبب هو الشيطان! فهل تولَّى الشيطان إدخال هذه السموم إلى جوفك، أو أنَّ ضَعف الوازع الإيماني وقلَّة البصيرة هو الذي أوْقَعك؟! فاللهمَّ لا شَماتة.

 

وأختم مقالي بنداء إلى أخي الشاب: تذكَّر من بَقُوا حبيسي بيوتهم لإعاقات دائمة، ومَن فقَدوا أباهم بسببك أنت! وهل ترضى ذلك لنفسك أو مَن تحب؟! فعلامَ إذًا التهوُّر والاستعجال والعبث بحجَّة عنادٍ أو تحدٍّ؟

 

إنَّ كثيرًا من النتائج الضخمة تحصل بسبب خطأ عابر لا يَستغرق لحظات، غير أنَّ حسراته وآلامه تبقى شهورًا وسنوات، كم من سائق عضَّ أصابع الندم على نزوة عابرة دعَته إلى السرعة والتهور، قادته إلى التسبُّب في فقْد الأرواح وإيلام الناس، ناهيك عما يَتبع ذلك من التأنيب النفسي والحسرة، كلما تذكَّر تلك الحادثة التي تَسبَّب فيها!

 

أسأل الله -تعالى- أن يرزقَنا البصيرة والفقه في الدين والرِّفق بالمسلمين.

 

والحمد لله ربِّ العالمين.

 

 

المرفقات

السيارات .. حقائق وأسباب1

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات