حماية جناب الإسلام

الشيخ د عبدالرحمن السديس

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/ من خصائص شريعتنا الإسلامية 2/ رسالةٌ ربانيةٌ عالميةٌ 3/ الإيمان بجميع الرسل وعدم الإساءة للأنبياء 4/ ضرورة سنِّ قوانين تُجرِّمُ التطاوُلَ على الأديان 5/ النصرة باتباع هدي الرسول عليه السلام

اقتباس

في خِضمِّ أمواج الفتنِ العاتِية، والتحديات الغاشِية، واستِفزازاتِ الحريات القاتِمة العاشِية، وخلخلةِ الوشائجِ الإنسانية الراسِية؛ لزِمَ إيضاحُ مقاطع الحق الذي دعَت إليه شرائعُ ربِّ البريَّات، فقامت على أصولها شُمُّ الحضارات، وبسَقَت على أطنابِها الأُممُ الباهِرات، والمُجتمعاتُ الزاهِرات، استِدناءً من دلالات الخير والسداد، واستِكناهًا لمعاني التعايُش الإنساني بين العباد، المُضمَّخ فحواه ..

 

 

 

 

الحمد لله، الحمد لله حمدًا لا يُدانَى ولا يُضاهَى، تبارك ربًّا وجلَّ إلهًا، أحمده -سبحانه- خصَّنا بشريعةٍ عمَّ الإنسانية سَناها، وأشرقَ بالرحمات الصيِّبات دُجاها.

فالحمد لله حمدًا لا نفادَ له *** والشكرُ لله في بدءٍ ومُختَتمِ
فلا تُعدُّ ولا تُحصَى محامِدُه *** ولا تُقاسُ بمنثورٍ ومُنتَظَـمِ

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادةً تُبلِغُ النفوسَ هُداها وتُقاها، وأشهد أن نبيَّنا وسيدَنا محمدًا عبدُ الله ورسوله جلَّى مُحكمات الحقِّ وأبانَ ذُراها وصُواها، اللهم يا ربَّنا فصلِّ وسلِّم وبارِك عليه المبعوث للعالمين رحمةً مُهداة، ونعمةً مُسداة، جلَّت خصائصُها ومزاياها، وآله وصحبِه الأُلى بلَغوا من الأمجاد مُنتهاها، والتابعين ومن تبِعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

أما بعد:

فيا عباد الله: خيرُ ما يُوصَى به سرًّا وإعلانًا، جُموعًا ووحدانًا: تقوى الإله ربِّنا ومولانا؛ فتقواه -تبارك وتعالى- مِشكاةُ الأنام في الدجِنَّة، ومرقاةٌ لأعالي المنازلِ في الجَنَّة، وبُرهانٌ للاستقامة ومئِنَّة، وإنها -وايْمُ الحقِّ- خيرُ الزاد للقلوب المُطمئنَّة: (وَتَزَوَّدُوا فَإِنَّ خَيْرَ الزَّادِ التَّقْوَى وَاتَّقُونِ يَا أُولِي الْأَلْبَابِ) [البقرة: 197].

أهـلُ التُّقـى أبـدًا عِـزٌّ ومفخرةٌ *** من جدَّ في السيرِ يُدرِك ما تمنَّاهُ
حيِّ الخِصالَ مع التقوى إذا اجتمعَت *** ذاك الجمالُ الذي قد سرَّ مرآهُ

أيها المسلمون: في خِضمِّ أمواج الفتنِ العاتِية، والتحديات الغاشِية، واستِفزازاتِ الحريات القاتِمة العاشِية، وخلخلةِ الوشائجِ الإنسانية الراسِية؛ لزِمَ إيضاحُ مقاطع الحق الذي دعَت إليه شرائعُ ربِّ البريَّات، فقامت على أصولها شُمُّ الحضارات، وبسَقَت على أطنابِها الأُممُ الباهِرات، والمُجتمعاتُ الزاهِرات، استِدناءً من دلالات الخير والسداد، واستِكناهًا لمعاني التعايُش الإنساني بين العباد، المُضمَّخ فحواه بعبير الحقِّ التِّبهاج، المُوشَّى مرآه بالوِئام الوهَّاج.

أيها المؤمنون: من أجلَى خصائص شريعتنا الإسلامية الزكيَّة: جمعُها جوهرَ الشرائع السماوية، وخُلاصةَ الرسالات الإلهية التي تبني أمجادَ المُجتمعات الإنسانية، وشوامِخَ الحضارات العليَّة، ولُبابَ القِيَم السنِيَّة، (وَمَا أَرْسَلْنَاكَ إِلَّا رَحْمَةً لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 107].

فهي رسالةٌ ربانيةٌ عالميةٌ، شمسُ الهُدى والحقيقة لكل البريَّة والخليقة، حتى غدَت من الأحداق بُؤبُؤَها، ومن الأصداف لُؤلُؤَها، في أزكى أرومةٍ وغِراسٍ: (كُنْتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران: 110].

وفي ضوء سَناها، ونور هُداها تسترِدُّ الإنسانيةُ المُضرَّجة المُعنَّاة في لفظِها ومبناها، وجوهرها ومغزاها بريقَ نقاوتها، وعِزَّ كرامتها؛ وذلك بانتِحاء تعايُشٍ دوليٍّ خيِّر، وشراكةٍ إنسانيَّة جازِمة تتغيَّؤُ المُحكمات والمُسلَّمات، والتكافُل الذي يُحقِّق حوار الحضارات وتكامُلها، لا صراعَها وتظالُمها.

دينُ السلام على البسيطةِ كلها *** دينٌ أقامَ العدلَ فـي سـاحاتها
عـدلٌ ومرحمةٌ وحُسنُ تعايُشٍ *** بين الشعوبِ على اختلافِ فِئاتِها

إن الذبَّ عن المُشترك الدينيِّ، والحثَّ على القاسم الإنسانيِّ: شريعةٌ مُحكَمة أمرَت بها الشرائعُ الإنسانيَّة، وكفَلَتها الدساتيرُ الأرضية، وما وُصِف القانون الدوليُّ بالإنساني إلا لاستِهدافه الإنسانيَّةَ في معناها التكريميِّ والقِيَميِّ والحقوقيِّ والتوافُقيِّ: (وَلَقَدْ كَرَّمْنَا بَنِي آدَمَ وَحَمَلْنَاهُمْ فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَرَزَقْنَاهُمْ مِنَ الطَّيِّبَاتِ وَفَضَّلْنَاهُمْ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّنْ خَلَقْنَا تَفْضِيلًا) [الإسراء: 70].

أيها المسلمون: وهذه المُبادراتُ النديَّة، والمفاهيمُ الجليَّة تُبحِرُ بالإنسانيَّة في أمداء الحياة الآمِنة الأجمل، ومُستقبلها الوارِف الأكمَل؛ إذ ليس للمُجتمعات الإنسانية المُعاصرة الضارِبة في يَهْماءِ العُنجُهيَّة، والنظرات الذاتية والإقصائية، ليس لها بديلٌ عن الحوار والالتِقاء إلا التِّيه والعناء، إلا يفعلوه كانوا كالمَرْخ والعَفار، كلما احتكَّ أسفرَ اللهيبَ والنارَ، وباؤُوا بالهُون والخَسار.

وليس لها دون مدِّ جُسور الثقة والائتلاف إلا التسافُكُ والاختلافُ، وما مآلُ التعايُش والاعتراف إلا النَّهَلُ من معينِ السلام والاغتراف، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنَّا خَلَقْنَاكُمْ مِنْ ذَكَرٍ وَأُنْثَى وَجَعَلْنَاكُمْ شُعُوبًا وَقَبَائِلَ لِتَعَارَفُوا إِنَّ أَكْرَمَكُمْ عِنْدَ اللَّهِ أَتْقَاكُمْ) [الحجرات: 13].

إخوة الإيمان: ومن أعظم وأجلِّ القواسِم التي تهُبّ على الأمم بأطيَب النواسِم: عبادةُ الله وحده لا شريك له، والإيمانُ بجميع الأنبياء والرُّسُل -عليهم الصلاة والسلام-، وعدمُ التطاوُل على مقام أحدٍ منهم، يقول -جلَّ شأنُه-: (قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا) [آل عمران: 64]. وتلك أعظمُ المناقِب، وأسمَى المراتب، ومُنتهاها صَفوُ الوِفاق، ومحضُ الاتفاق.

هذا، ولما تمرَّد فِئامٌ من المُجتمعات على أُصول الشريعة الربَّانيَّة، وهتَكوا الأعرافَ الدوليَّة، وتجرَّؤوا بكل صفاقةٍ وفَدامةٍ دون ارعِواءٍ أو ندامةٍ، ونالوا -يا ويْحَهم- من جَنابِ رسول ربِّ العالمين، وقُرَّة عيون المُسلمين، بأبي هو وأمي -صلى الله عليه وسلم-.

أمَا قرأتُم في التوراة هيئتَه *** ألم يُبشِّر بـه الإنجيلُ عنـدكمُ
أمَا علمتُم بأنَّ اللهَ ناصِرُه *** يكفيه هُزءُ شرارِ الناسِ دُونَكمُ

لذلك وجبَ على الفورِ دون إمهالٍ أو تراخٍ: البِدارُ في غيرةٍ دينيَّةٍ ما لها انشِداخ لسنِّ القوانين والضمانات التي تُجرِّمُ دون مَيزٍ أو ثَنِيَّةٍ التطاوُلَ على الدين والشرائعَ السماويَّة، وثَلْمَ جنابِ النبوَّات والرسالات بالإفكِ والبَذاءات؛ تنكيلاً بالعابثين وإيلامًا، وتشريدًا لمن خلفَهم وإفحامًا، وتبيانًا للعالَمِ وإفهامًا، وأنَّ ذلك قدحٌ في قُدسيَّة رسالات الله كلِّها في أشخاصِ مُبلِّغيها من الأنبياء والمُرسلين -عليهم الصلاة والسلام-، (كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ) [البقرة: 285].

شاهَت وجوهُ الشانِئين وكُلِّ مَن *** قد خاضَ في العِرضِ الشريفِ ولاكَ

أمة الإسلام: وتأكيدًا لمُحكمات التعايُش الإنسانيِّ الحضاريِّ، وإعلاءً لكلمتها، وتقويةً لشوكتها تحتَّم التوارُد على قيمةِ العدلِ بين العالمين، فبِه أمرَ الحَكَمُ العدلُ -سبحانه- في جميع الشرائع، لتحقيق أسمَى المعاني الحياتيَّة البدائع: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ) [النحل: 90].

والتآلف على نبذِ الظلم والقهر؛ لأنه أصلُ البلايا والنِّقَم، ومسلَبَةُ الرخاء والنِّعَم، وهنا تتقصَّف الأقلام، ويصطرِخُ كلُّ أبِيٍّ هُمام، أين العدلُ على ثرَى فلسطين؟! أين بيارقُ العدل في سُوريا التي تجاوزَ فيها الظلمُ والطغيان ما يُعجِمُ اللسان ويُعجِزُ البيان؟! مجازرُ ودماءُ، ورُضَّعٌ تحت الدمارِ وأشلاء.

أين مُشتركُ الوفاءِ بالعهود والمواثيق، وإنه لآكَدُ العُرَى وأوثقُ الخصائص التي تبسطُ من العدل والتراحُم رُواقَه، وتُشِعُّ في الدُّنَى ائتلاقَه. فمتى استعانَت الأممُ بهذا القاسم الوثيق طاشَت هيبتُها في قعرٍ سحيقٍ، وعمَّها الفناءُ كهشيمِ الحريق.

إن الأُمم التي ترومُ السلام العالميَّ المنشود، وتبذُل للتصافِي الإنسانيِّ كلَّ الجهود، لن تُدرِك أمانِيَها إلا بسَديد الأقوال، وشهيدِ الفِعال، المُجرَّدة عن كل اعتبارٍ ذاتيٍّ أو قوليٍّ، أو عنصريٍّ أو عِرقيٍّ، يُذكِي التعصُّب والكراهِية، ويُؤجِّجُ الصراعَ والعُنفَ والعُدوانيَّة.

بل إنما هو التسامِي الإنسانيِّ في أروع جماله الإحسانيِّ، وهل ينسى التعايُش الإنسانيُّ المنشود مأساةَ بُورما وأراكان، وهما يتجرَّعان من صُنوف الظلمِ والبُؤسِ كُؤوسًا دِهاقًا، ويُقلَدان من ألوان الاستِبداد الأرعَنِ أطواقًا، في تعتيمٍ إعلاميٍّ أغلَف، وتأهُلٍ دوليٍّ مُجحِف!!

هو الإسلامُ ما أسخاهُ غيثًا *** لهذا العـالَمِ الموبوءِ غدرًا
فـلا صُفرٌ به تعلُو زُنوجًا *** ولا بيضُ الأديمِ تُبيدُ حُمرًا

فيا هؤلاء وأولئك! يا عُقلاء العالَم! يا شُرفاء الإنسانية: إننا نُناشِدُكم التصديَّ لكل من يُحاول المِساسَ بالرسالات السماوية والثوابت والرموز الدينية، أحيُوا العدلَ العالميَّ وانشروه، ودكُّوا التباطُؤَ والتصامُم وارمِسوه، يلتئِم عقدُ المُشتركات الإنسانية والحضارية، مُعتبِرين أنَّ إنسانيَّة الجميع رهينةُ الجميع؛ إعلاءً لشأن القِيَم الفاضِلة التي نهَلَ رادَةُ الحضارات ونحاريرُ المُبادرَات من نبعِ مكارمِها السَّلسال، وارتشَفوا من مَعينها الذي جرَى وسالَ.

يقول -عليه الصلاة والسلام الرحمةُ المُهداة، والنعمةُ المُسداة-: "إنما بُعِثتُ لأتمِّمَ صالحَ الأخلاق". أخرجه البخاري في الأدب المفرد، وأحمد في المسند.

وقد شهِد -عليه الصلاة والسلام- في دار عبد الله بن جُدعان حِلفَ الفضول، وبُرهانُه: إشاعةُ الخير والنعماء بين ذوي الخصاصَة من بني الغَبراء، والقضاءُ على المسغَبة والفقر والأسقام والأدواء، والأخذُ على يدِ الظالِم، ونُصرة المظلوم، وذلك مِعراجٌ لرعاية المُشتركات الإنسانيَّة حقَّ رعايتها، وحفظها في سُموِّ مكانتها.

وبعدُ:

فثمَّة ملحظٌ مهمٌّ -يا رعاكم الله-، ألا وهو: أنه متى أُسِّس التوافُق العالميُّ على المُساواة والمُماثَلة لا على الفوقيَّة والمُفاضَلة والكيلِ بمِكيالَين، وسِياسة القضاء المهمات والنوازل المُدلهِمَّات بقوَّة الحق المجلُوَّة، لا بحقِّ الأنا والقوَّة؛ كان لهذا التوارُد مِلاكُ الشموخ، ومِساكُ الثبات والرسُوخ، وسينطلقُ العالَمُ -بإذن الله- إلى أفياءِ المحبَّة والرحمةِ والوِئام، والإنسانيَّة الزاخِرة، بالتقارُب والاحترام والسلام؛ بل وما أجمل هنا بل سيُعظِّم العالَمُ رسالات الملكِ العلاَّم وأنبياءَه ورُسُلَه الكرام، وفي ذُؤابَتهم سيدُ الأنام: محمدُ بن عبد الله -بأبي هو وأمي عليه الصلاة والسلام-.

وحينئذٍ ستهتِفُ الدنيا: ما أروعَ الحق حين ينتصِرُ ويأتلِق، وما أجملَ السلام حين يسُودُ ويتدفَّق، وما أبهَى العدل حين يسُوسُ ويتفتَّق، وما أبدعَ الأمن حين يعُمُّ العالَمَ ويترقرَق، ويومئذٍ يسعَدُ الجميعُ بالعَيش في ظلِّ عالَمٍ يسُودُه الأمنُ والاعتِدالُ والسلام، وتُرفرِفُ على جَنباتِه راياتُ الخير والتسامُح والوِئام، ذاك الرجاءُ والأمل، ومن الباري -تبارك وتعالى- نستلهِمُ خالِصَ القول وصوابَ العمل، والعِصمةَ من الخطأ والزَّلَل، إنه جوادٌ كريمٌ.

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، ونفعني وإياكم بما فيهما من الآياتِ والذكرِ والحكمة، أقول قولي هذا، وأستغفرُ الله العظيمَ الجليلَ لي ولكم ولكافة المسلمين من كل خطيئةٍ وإثمٍ؛ فاستغفِروه وتوبوا إليه، إن ربي لغفورٌ رحيمٌ.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله، أسبغَ علينا نعمًا غامرةً عِظامًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له تقدَّس إجلالاً وإعظامًا، وأشهد أن نبيَّنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه المُجتبى من العالمين رسالةً ومقامًا، اللهم صَلِّ على نبيِّنا وحبيبنا وقُدوتنا وسيدنا محمدِ بن عبد الله، وآله البالغين من محبَّته السنامَ، وصحبه المُقتفين لسُنَّته التِزامًا واعتِصامًا، والتابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ ما تعاقبَ النيِّران وداما.

أما بعد:

فيا أيها الناس: اتقوا الله تعالى، واعلموا أن تحقيق نُصرة النبي -صلى الله عليه وسلم- والوفاء: اتباع هدي الرسول المُصطفى دون غلوٍّ أو جَفا -عليه الصلاة والسلام- جهرًا أو خفَا.

إخوة الإيمان: ومن غُرَر المكارِم والخِلال، والحِكمةِ المُكتنِزة بسَديد الردود ورواجِح الفِعال: ما تطرَّزت به حضارةُ الإسلام في هذا الأوان، وإلى مديد الأزمان، بمناقب الفضلِ والجودِ الهتَّان، في الدفاع عن نبيِّنا وحبيبِنا سيدِ ولد عدنان، وذلك بالخُطوات العمليَّة الحضاريَّة، والمشروعات الإنسانيَّة الإيجابيَّة.

ومن تلك النماذج المُشرِقة: إرساءُ أكبر وأفخَم وأعظم توسِعةٍ تاريخيَّة للحرم المكي المُنيف، ومسجدِ الحبيبِ المُصطفى النبويِّ الشريفِ، وهذا الردُّ الحضاريُّ الرشيدُ إنما مُتِح من الروح المُترَعة بحبِّ سيدِ البريَّة -عليه أفضلُ الصلاة وأزكى التحيَّة-، وتعظيمٌ لشأن الرسالات السماوية، وإنها لرسالةٌ للمُجتمعات الإنسانية جهيرةٌ ناطقة، لكنها بالرشاد والحنكَة والأناةِ وادِقة، ولآلِئُ تلك الرسالة: لن تطولوا قدرَ حبيبِنا، وهذه نُصرتُنا له الحقيقيَّة الحضاريَّة -لا الغَوغائيَّة- في أجلَى معانيها وأسمَى مبانيها.

إن هذه التوسِعات التي دبَّجَها الحبُّ الشَّفيفُ هي رحمةٌ للحُجَّاج والعُمَّار والزوَّار من قاصِدي بيت الله الحرام، ومسجدِ المُصطفى -صلى الله عليه وسلم-، كي ينعَموا بأجواءٍ إيمانيَّةٍ فريدة، مِلؤُها السَّكينةُ الضارِعة، والأمنُ والطُّمأنينةُ الخاشِعة، دون نصَبٍ وزِحام، ومشقَّةٍ والتِدام.

وهذه التوسِعةُ ونظيرتها في المسجد الحرام المبرورةُ الشاسِعة المُترامِيةُ المكان -ولله الحمدُ والمنَّة- هي أسمَى ما يُتوَّجُ به شرفُ الزمان، في استِقبال طلائعِ حُجَّاج بيت الله الحرام الذين يتوافَدون هذه الأيام.

فمرحبًا بهم وأهلاً، وطِئتُم وهدًا وسهلاً، تشرُفُ بكم بلادُ الحرمين الشريفين، رُعاتُها ورعيَّتُها، في جامعة الحجِّ العظيمة التي تتجسَّدُ فيها المنافعُ والمقاصِدُ الشرعيَّة، والمصالِحُ والقواسِمُ والمُشتركاتُ الإنسانيَّة، (لِيَشْهَدُوا مَنَافِعَ لَهُمْ) [الحج: 28].

في نأيٍ تامٍّ بهذه الفريضة العظيمة عن كل ما يُعكِّرُ صفوَها، أو يخرُجُ بها عن سَنَنها، وذلك برفع الشِّعارات، أو تنظيمِ المسيرات والتظاهرات، ونحوِها من المُخالفات.

وها هُم المُسلِمون في مشارقِ الأرض ومغاربِها وقد أُثلِجَت صدورُهم، وابتَهَجت قلوبُهم مسرَّةً وحُبورًا، وتبريكًا وسرورًا، لَيرفَعون أكُفَّ الضراعة للمولَى -سبحانه وتعالى- أن يجزِيَ من يقِفُ وراء هذه الإنجازات العظيمة في الحرمين الشريفين عن الإسلام، وعن نبي الإسلام، ونُصرة قضايا المُسلمين، وخدمةِ الحرمين الشريفين، أعظمَ المثوبةِ والمنَّة، وأعالِيَ درجات الجنَّة، دُعاءٌ لا يزالُ يتكرَّرُ ويتعدَّد، ويزكُو ويتجدَّد، أن يجزِيَه خيرَ الجزاء وأوفاه، وأعظمَه وأسناه، إنه سميعٌ قريبٌ، كريمٌ مُجيبٌ.

آمينَ آمينَ لا أرضى بواحدةٍ *** حتى أبلغها ألفين آمينَ

فلعلَّه دُعاءٌ أصابَ الإجابةَ وألفَى.

ألا وصلُّوا وسلِّموا -رحمكم الله- على الرسول المُصطفى، والحبيب المُقتفَى، كما أمرَكم بذلك المولَى -جل وعلا-، فقال تعالى قولاً كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56].

يا ربِّ صلِّ على المُختار قدوتِنا *** محمـدٍ خيرِ مبـعوثٍ إلى الأُممِ
أزكـى صلاةٍ وتسليمٍ وتكرمةٍ *** والآل والصحبِ والأتباعِ كلِّهمِ

وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين، والأئمةِ المهديين الذين قضَوا بالحق وبه كانوا يعدِلون: أبي بكرٍ، وعمر، وعثمانَ، وعليٍّ، وعن سائر صحابةِ نبيِّك أجمعين، وعن التابعين ومن تبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين، وعنَّا معهم برحمتك يا أرحمَ الراحمين.

اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، اللهم أعِزَّ الإسلام والمسلمين، وسلِّم الحُجَّاج والمُعتمِرين، وسلِّم الحُجَّاج والمُعتمِرين، وسلِّم الحُجَّاج والمُعتمِرين والزائرين، واحمِ حوزةَ الدين، واجعل هذا البلدَ آمنًا مُطمئنًّا، سخاءً رخاءً، وسائرَ بلاد المُسلمين.
 

 

 

 

المرفقات

جناب الإسلام1

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات