عناصر الخطبة
1/اتخاذ التمائم عادة جاهلية حذر منها الإسلام 2/تعريف التمائم وأصنافها 3/بيان الهيئة الدائمة للإفتاء برئاسة سماحة المفتي -حفظه الله- حول تعليق التمائم 4/تعليق التمائم ذل وخسران 5/الصحابة أحرص الناس على العناية بسلامة عقيدتهماقتباس
اعلموا أن من عوائدِ الجاهليةِ التي نهى عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحذر أمته منها: اتخاذ التمائم التي يعتقد بعض الناس أنها تدفع العين، وتمنع الضرر كالقلائد والخرزات التي تعلق على الأولاد والبهائم بقصد دفع العين والحسد؛ لأنها من جنس الشرك بالله -تعالى- الذي مقته الله -تعالى-، وجعله سببًا للحرمان من...
الخطبة الأولى:
الحمدُ لله الذي هدنا للإسلامِ، ووفقنا لمعرفة العقيدة الصحيحة بما منَّ به علينا من أئمة أعلام، وأشهد أن لا إله إلا الله الملك العلام، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله سيد الأنام، صلى الله عليه وعلى آله وصحبه الكرام..
أما بعد: أيها الإخوة: اتقوا الله -تعالى- وأطيعوه، واحرصوا كل الحرص على حفظ عقيدتكم من الشرك؛ فإن الشركَ ضلال وإثم عظيم لا يغفره الله -تعالى- مهما عمل العبد من أعمال كثيرة وحسنة، فقد قال الله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ لَا يَغْفِرُ أَنْ يُشْرَكَ بِهِ وَيَغْفِرُ مَا دُونَ ذَلِكَ لِمَنْ يَشَاءُ وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدِ افْتَرَى إِثْمًا عَظِيمًا)[النساء: 48]، وفي الآية الأخرى قال: (وَمَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا بَعِيدًا)[النساء: 116].
ثم اعلموا: أن من عوائدِ الجاهليةِ التي نهى عنها رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وحذر أمته منها: اتخاذ التمائم التي يعتقد بعض الناس أنها تدفع العين، وتمنع الضرر كالقلائد والخرزات التي تعلق على الأولاد والبهائم بقصد دفع العين والحسد؛ لأنها من جنس الشرك بالله -تعالى-، الذي مقته الله -تعالى- وجعله سببًا للحرمان من الجنة، فقد قال سبحانه: (إِنَّهُ مَنْ يُشْرِكْ بِاللَّهِ فَقَدْ حَرَّمَ اللَّهُ عَلَيْهِ الْجَنَّةَ وَمَأْوَاهُ النَّارُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنْصَارٍ)[المائدة: 72].
وعَنْ عُقْبَةَ بْنِ عَامِرٍ الْجُهَنِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- أَقْبَلَ إِلَيْهِ رَهْطٌ فَبَايَعَ تِسْعَةً، وَأَمْسَكَ عَنْ وَاحِدٍ فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ بَايَعْتَ تِسْعَةً وَتَرَكْتَ وَاحِدًا؟ فَقَالَ: "إِنَّ عَلَيْهِ تَمِيمَةً" فَأَدْخَلَ الرَجُلُ يَدَهُ فَقَطَعَهَا فَبَايَعَهُ، وَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَقَدْ أَشْرَكَ"(رواه أحمد بإسنادٍ قوي والحاكم في مستدركه)، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ الرُّقَى، وَالتَّمَائِمَ، وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ"(رواه أبو داود وابن ماجه وأحمد وصححه الألباني).
والرقي هي التي تسمى العزائم، وخص منها الدليل الرقى الخالية من الشرك، فقد رخص فيها رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من العين والحُمَةِ.
والحُمة: هي ذوات السموم التي إذا أصابت ضربت بحُمَتِها، والحمة قيل: هي إما إبرة العقرب، وناب الحية، وإبرة الزنبور؛ لأنه يَحْدُثُ بسببها الحُمى والألم الشديد.
وقيل: هِيَ سُمُّ العَقْرَبِ وَشِبْهُهَا.
والرُقى الموصوفة بكونها شركًا هي الرُقى التي فيها شرك، من دعاءِ غيرِ الله، والاستغاثة والاستعاذة به، كالرقى بأسماء الملائكة والأنبياء والجن ونحو ذلك، أما الرقى بالقرآن وأسماء الله وصفاته ودعائه والاستعاذة به وحده لا شريك له، فليست شركًا، بل ولا ممنوعة، بل مستحبة أو جائزة.
وَالتَّمَائِمَ: جَمعُ تَمِيمَةُ، وَهْيَ: خرزات كانت العرب تعلقها على أولادهم، يتقون بها العين في زعمهم، وتشمل كل مَا عُلِّقَ مِنَ الْقَلَائِدِ يَتَّقُونَ بِهِ العَيْنَ وَنَحْو ذَلِك، وتُعَلَّقُ عَلَى الأَوْلاَدِ غالباً، وعلى الكبار من الرجال والنساء، وتعلق على الدواب، والبيوت، وغير ذلك.
والغالب في التمائم أنه تتقى بها العين، وتعلق أيضًا من أجل دفع المضار وجلب المنافع، وقَالَ بن الْجَوْزِيِّ: كَانُوا يُقَلِّدُونَ الْإِبِلَ أَوْتَارَ الْقَسِّيِّ لِئَلَّا تُصِيبَهَا الْعَيْنُ بِزَعْمِهِمْ فَأُمِرُوا بِقَطْعِهَا إِعْلَامًا بِأَنَّ الْأَوْتَارَ لَا تَرُدُّ مِنْ أَمْرِ اللَّهِ شَيْئًا.
وَالتِّوَلَةَ: بكسر التاء وفتح الواو، ما يوضع من السحر وغيره ليُحَبِّبَ المرأة إلى زوجها، قال ابن الأثير: "جعله من الشرك لاعتقادهم أنّ ذلك يؤثر ويفعل خلاف ما قدره الله -تعالى-".
أيها الأحبة: هذه هي التمائم وهذا مراد بعض الناس بتعليقها؟
وفي بيان الهيئة الدائمة للإفتاء برئاسة سماحة المفتي -حفظه الله- رقم (23407) قالوا ما نصه: "ومما يدخل في ذلك، أي: -في تعليق التمائم- تعليق التمائم على السيارات، حيث توضع خرقة في مقدمة السيارة أو مؤخرتها يُعتقد أنها تَدفعُ الحسدَ وتمنعُ الحوادثَ، فإن هذا من جنسِ عملِ أهلِ الجاهلية حيث كانوا يقلدون البهائمَ خوفًا عليها من العينَ، وقد أمرَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- بقطعِها، فَعَنْ أَبِي بَشِيرٍ الأَنْصَارِيَّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- أَنَّهُ كَانَ مَعَ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، فِي بَعْضِ أَسْفَارِهِ، وَالنَّاسُ فِي مَبِيتِهِمْ، فَأَرْسَلَ رَسُولُ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-، رَسُولًا أَنْ: "لاَ يَبْقَيَنَّ فِي رَقَبَةِ بَعِيرٍ قِلاَدَةٌ مِنْ وَتَرٍ، أَوْ قِلاَدَةٌ إِلَّا قُطِعَتْ"(متفق عليه).
قَالَ مَالِكٌ -رَحِمَهُ اللهُ-: أَرَى أَنَّ ذَلِكَ مِنْ أَجْلِ الْعَيْنِ، أي: نهاهم عن تعليقها؛ لأنهم كانوا يعتقدون أن تقليدَ الخيلِ بالأوتارِ يدفع عنها العين والأذى، فتكونُ كالعُوذة لها فنهاهم، وأعلمَهم أنها لا تدفعُ ضررًا ولا تصرفُ حذرًا.
وقد شددَ علماءُ الحنفية في ذلك ورأوا أنه شرك، قال الإمام الطحاوي الحنفي: "ذَلِكَ، عِنْدَنَا وَاللهُ أَعْلَمُ، مَا عُلِّقَ قَبْلَ نُزُولِ الْبَلَاءِ لِيُدْفَعَ، وَذَلِكَ مَا لَا يَسْتَطِيعُهُ غَيْرُ اللهِ -عَزَّ وَجَلَّ- فَنَهَى عَنْ ذَلِكَ لِأَنَّهُ شِرْكٌ".
وقال الزيلعي الحنفي: التميمةُ خيطٌ يُربطُ في العنقِ، أو في اليدِ في الجاهليةِ ليدفعَ المضرة عن أنفسِهم على زعمهم، وهو منهي عنه.
وقال الخادمي الحنفي: "ويستدلُ بهذا الحديثِ على منعِ الناسِ أن يعلقوا على أولادِهم التمائمَ والخيُوطَ والخرزات وغيرَ ذلك مما تختلفُ أنواعُه، ويظنون أنَّ ذلك ينفَعُهم، أو يدفعُ عنهم العينَ ومسَ الشيطانِ، وفيه نوعٌ من الشركِ -أعاذنا الله تعالى من ذلك-، فإن النفعَ والضَرَّ بيد اللهِ لا بيدِ غيرِه".
وقد دعا رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- على من اتخذَ تميمةً، سواء كانت على نفسِه، أو ولدِه، أو بهيمتِه، أو سيارتِه، فروى الإمامُ أحمد، وأبو يعلى، والطبراني، عَنْ عُقْبَةَ بْنَ عَامِرٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "مَنْ عَلَّقَ تَمِيمَةً فَلَا أَتَمَّ اللَّهُ لَهُ، وَمَنْ عَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ"(وراه الحاكم في مستدركه، وقال: هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الْإِسْنَادِ وَلَمْ يُخَرِّجَاهُ وأقره الذهبي)، وقوله صلى الله عليه وسلم: "فلا أتمَ اللهُ لَهُ" دعاءٌ عليه أن لا يتم الله له ما أراد من دفع المكروه بالوسيلة المحرمة، وقد وقعت حوادثُ شنيعةٌ لبعضِ الذين عقدوا على سياراتهم هذه الخيوط، فلم تنفعْهم وعرفوا معنى قول الله -تعالى-: (وَإِنْ يَمْسَسْكَ اللَّهُ بِضُرٍّ فَلَا كَاشِفَ لَهُ إِلَّا هُوَ وَإِنْ يُرِدْكَ بِخَيْرٍ فَلَا رَادَّ لِفَضْلِهِ يُصِيبُ بِهِ مَنْ يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَهُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ)[يونس: 107]، وَعَنْ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ عُكَيْمٍ الجُهَنِيِّ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- وَكَانَ بِهِ حُمْرَةٌ -وهي: وَرَمٌ مِنْ جِنْسِ الطَّوَاعِينِ- فَقِيْلَ لَهُ: أَلَا تُعَلِّقُ شَيْئًا؟ قَالَ: المَوْتُ أَقْرَبُ مِنْ ذَلِكَ، قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ تَعَلَّقَ شَيْئًا وُكِلَ إِلَيْهِ"(رواه أحمد، والترمذي، والطبراني، حسنه الألباني).
وحَسْبُ الإنسانِ خُذلانًا أن يتخلى اللهُ عن حفظِهِ، ويكله إلى مخلوقٍ ضعيفٍ لا يملك لنفسه ولا لغيره نفعًا ولا ضرًا.
وقالوا في ختام البيان: وإنا نهيب بإخواننا المسلمين أن يحذروا من وسائل الشرك، وأن يحسنوا في توكلِهم على الله -تعالى- وحده لا شريك له، فهو حسبُنا ونعم الوكيل.
اللهم إنا نسألك فعلَ الخيرات، وترك المنكرات.
وصلى الله وسلم على نبينا محمد وآله وصحبه أجمعين.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الولي الحميد الفعال لما يريد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له شهادة مخلص للحق مريد، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، أبان التوحيد ودل عليه، وأبان الشرك وحذر منه ببيان فريد، فمن وُفقَ للتوحيد فقد سَعِدَ، ومن جانبه شقي وللخير فقد، فصلوات ربي وسلامه عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين وسلم تسليماً كثيراً.
أما بعد: أيها الإخوة: اتقوا الله حق التقوى، واعلموا أن تعليق التمائم ذل وخسران، وسببٌ لدعاء سيد الأنام، فمعنى قَولُ رَسُولِ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم-: "وَمَنْ عَلَّقَ وَدَعَةً فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ"(الوَدَعَةً: شيءٌ يُخْرَجُ من البحرِ يشبِهُ الصدف يتقون به العين"، وقوله: "فَلَا وَدَعَ اللَّهُ لَهُ" أي: لا جعله في دعة وسكون. وقيل: لا خفف الله عنه ما يخافه. وهذا دعاء عليه، وفيه وعيدٌ شديدٌ لمن فعلَ ذلك، فإنه مع كونه شِركًا، فقد دعا عليه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- بنقيضِ مقصدِه.
أيها الإخوة: ولقد كان أصحابُ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من أحرص الناس على العناية بسلامة عقيدتهم وسلامة عقيدة من تحت أيدهم من الأهل والذرية، فَمن ذلك ما ذكرته زَيْنَبُ امْرَأَةُ عَبْدِ اللَّهِ بْنِ مَسْعُودٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَتْ: كَانَ عَبْدُ اللَّهِ إِذَا جَاءَ مِنْ حَاجَةٍ فَانْتَهَى إِلَى الْبَابِ تَنَحْنَحَ وَبَزَقَ كَرَاهِيَةَ أَنْ يَهْجُمَ مِنَّا عَلَى أَمْرٍ يَكْرَهُهُ، قَالَتْ: وَإِنَّهُ جَاءَ ذَاتَ يَوْمٍ فَتَنَحْنَحَ وَعِنْدِي عَجُوزٌ تَرْقِينِي مِنَ الْحُمْرَةِ، فَأَدْخَلْتُهَا تَحْتَ السَّرِيرِ، قَالَتْ: فَدَخَلَ فَجَلَسَ إِلَى جَانِبِي فَرَأَى فِي عُنُقِي خَيْطًا، فَقَالَ: مَا هَذَا الْخَيْطُ؟ قَالَتْ: قُلْتُ: خَيْطٌ رُقِيَ لِي فِيهِ، فَأَخَذَهُ فَقَطَعَهُ، ثُمَّ قَالَ: إِنَّ آلَ عَبْدِ اللَّهِ لَأَغْنِيَاءُ عَنِ الشِّرْكِ، سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُولُ: "إِنَّ الرُّقَى وَالتَّمَائِمَ وَالتِّوَلَةَ شِرْكٌ" قَالَتْ: قُلْتُ لَهُ: لِمَ تَقُولُ هَذَا وَقَدْ كَانَتْ عَيْنِي تَقْذِفُ فَكُنْتُ أَخْتَلِفُ إِلَى فُلَانٍ الْيَهُودِيِّ يَرْقِيهَا، فَكَانَ إِذَا رَقَاهَا سَكَنَتْ؟! فَقَالَ: إِنَّمَا ذَاكَ مِنَ الشَّيْطَانِ، كَانَ يَنْخَسُهَا بِيَدِهِ فَإِذَا رَقَاهَا كَفَّ عَنْهَا، إِنَّمَا كَانَ يَكْفِيكِ أَنْ تَقُولِي كَمَا قَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَذْهِبِ الْبَاسَ رَبَّ النَّاسِ، اشْفِ أَنْتَ الشَّافِي، لَا شِفَاءَ إِلَّا شِفَاؤُكَ شِفَاءً لَا يُغَادِرُ سَقَمًا"(رَوَاهُ أَحْمَدُ، قال الأرناؤوط: "حسن لغيره"، وروى نحوه ابن ماجه، وصححه الألباني).
اللهم وفقنا لسلوك الطريق المستقيم وجنبنا الضلال والغواية يا رحيم..
وصلوا وسلموا على نبيكم..
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم