عناصر الخطبة
1/بعض صور الاستغلال السيء لصندوق بنك التنمية العقاري 2/حكم بيع البيوت المبنية بقرض من بنك التنمية العقاري ورهنها إياه 3/مفاسد بيع البيوت المرهونة لصندوق بنك التنمية 4/بعض صور المعاملة الجائزة مع صندوق البنك العقارياقتباس
أيها الناس: إن بيع البيوت المرهونة لصندوق بنك التنمية، يتضمن مفاسد؛ منها: 1- عدم الوفاء بالعقد الجاري بين الصندوق والمستقرض، فإن عقد الرهن -كما هو معلوم عند أهل العلم- يستلزم منع بيع المرهون إلا برضا المرتهن صاحب الحق، حتى ولو باعه بشرط البقاء على الرهن. وعدم الوفاء بالعقد ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الغني الحميد، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له وهو على كل شيء شهيد، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، المبعوث بالرحمة والقول السديد، والعمل الرشيد، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه والتابعين لهم بإحسان، وسلم تسليمًا.
أما بعد:
أيها الناس: فإن مما أسسته الحكومة -وفقها الله تعالى- صندوق بنك التنمية العقاري، تريد من جملة ما تريد من ذلك توفير المساكن الحديثة لشعبها.
ولكن -مع الأسف الشديد- أن بعض الناس استغل ذلك استغلالًا سيئًا، يتضمن الكذب والخداع، وأكل المال بالباطل، ومخالفة مقتضى التعاقد، مع هذا الصندوق بطرق ملتوية، لا يجدر بالمؤمن بالله واليوم الآخر أن تصدر منه.
وسبق أن بيَّنَّا صورةً من هذه الاستغلالات السيئة، مثل الذين يقدمون طلبات بأسماء مزورة، يجعل الطلب باسم زوجته، وهو له، أو باسم ولده وليس لولده، لكن يفعل ذلك تزويرًا، وقد ارتدع عن ذلك من شاء الله هدايته، وفتح بصيرته، وأزال عنه غشاوة الطمع، ثم وفق الله الحكومة إلى إلغاء هذه الصورة فيما نسمع.
ثم أحدث الناس قضية أخرى، وهي: بيع البيوت التي استقرضوا لها من البنك ورهنوها إياه، سمعت بهذا من عدة أشهر، وكنت أقدم رِجْلًا وأؤخر أخرى في الكلام فيه، نظرًا لقلة وجوده من جهة، وتمعنًا في تصوره وتطبيقه على القواعد الشرعية من جهة أخرى، حتى علمت الآن أنه شائع كثير في بلدنا، وغيرها، يبيع المستقرض هذا البيت الذي رهن أرضه، وما عليها للبنك، والتزم بالقرض في ذمته، وحيث علم هؤلاء أن بيع المرهون لا يصح إلا بإذن من المرتهن، صاحب الحق، وأن البنك لا يسمح ببيعه، وكُتَّاب العدل لا يفرغون للمشتري صاروا يكذبون على كُتَّاب العدل، ويخادعونهم، فيذهب البائع والمشتري إلى كاتب العدل، ويدعي البائع أنه أجره البيت، أو وكله عليه، بقدر المدة التي يستوفي بها البنك قرضه، ووكله أيضًا بدفع قسط القرض إلى البنك كل سنة.
والله -تعالى- يعلم أنه لا تأجير ولا وكالة، وإنما هو بيع مغلف بكذب وخداع.
ألم يعلم هؤلاء أن الله سيسألهم عما نطقوا به: (مَا يَلْفِظُ مِن قَوْلٍ إِلَّا لَدَيْهِ رَقِيبٌ عَتِيدٌ)[ق: 18].
هكذا يقول الله -عز وجل-.
ويقول بعدها: (وَجَاءتْ سَكْرَةُ الْمَوْتِ بِالْحَقِّ ذَلِكَ مَا كُنتَ مِنْهُ تَحِيدُ)[ق: 19].
أفلا يذكر هؤلاء سكرة الموت لعلها توقظهم من سكرة الطمع والجشع المفضية إلى التلاعب بالعقود، وخداع المسؤولين؟
ألم يعلم هؤلاء أنهم سيسألون يوم القيامة أين عقد التأجير؟ وأين عقد الوكالة الذين خدعتم به عباد الله، حتى كتبوه في الصكوك الشرعية وأنتم كاذبون عليهم؟
ألم يعلم هؤلاء أنهم سيسألون عن ذلك فلا يستطيعون الجواب: (فَعَمِيَتْ عَلَيْهِمُ الْأَنبَاء يَوْمَئِذٍ فَهُمْ لَا يَتَسَاءلُونَ)[القصص: 66].
لماذا لم يكن عند هؤلاء شجاعة وجرأة وصراحة، فيقولوا: بعنا، ويقول المشترون: اشترينا.
إنهم لا يستطيعون ذلك؛ لأنهم يعلمون أنه مخالف لمقتضى العقد الصادر بينهم وبين صندوق بنك التنمية، وإنهم سيمنعون وأن الأمناء ذوي العلم من كتاب العدل لن يفرغوا لهم، فلجئوا إلى تلك الطرق الملتوية، ومن يخادع فإنما يخدع نفسه.
أيها الناس: إن هذا التصرف، أعني بيع البيوت المرهونة لصندوق بنك التنمية، يتضمن مفاسد؛ منها:
1- عدم الوفاء بالعقد الجاري بين الصندوق والمستقرض، فإن عقد الرهن - كما هو معلوم عند أهل العلم - يستلزم منع بيع المرهون إلا برضا المرتهن صاحب الحق، حتى ولو باعه بشرط البقاء على الرهن.
وعدم الوفاء بالعقد معصية لله -تعالى- لا ينبغي أن يقع من مؤمن، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ أَوْفُواْ بِالْعُقُودِ)[المائدة: 1].
(وَأَوْفُواْ بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْؤُولاً)[الإسراء: 34].
2- الكذب بإظهار عقود غير صدق، فهو يكتب للمشتري: أنه أَجَّره، أو وَكَّله، وليس ثَمَّ تأجير ولا توكيل.
3- خداع المسؤولين من كُتَّاب العدل وغيرهم، والسخرية الفعلية بهم.
4- ما قد يترتب على ذلك من الخصومات والنزاع في المستقبل، فقد يعتري البيت تلف، أو يحصل كساد في العقار، فلا يتمكن المشتري من تسديد القرض للصندوق.
والصندوق سيرجع على البائع الذي كان القرض باسمه، كما هو مقتضى البند السادس في وثيقة عقد القرض، فإذا كان الصندوق سيرجع على البائع بالنقص وقد باعه، فإن كان قد التزم به للمشتري صار الثمن مجهولًا؛ لأنه لا يُدْرى ماذا يكون النقص الذي سيغرمه البائع، وإن لم يلتزم به المشتري أفضى إلى المنازعات والخصومات بين البائع والمشتري، أو بين ورثتيهما إن ماتا، أو بين أحدهما وورثة الآخر، أو بين البائع والصندوق.
وكل عقد فيه جهالة، أو يفضي إلى النزاع والخصومات، فإن الشرع ينهى عنه.
أيها الإخوة: قد تقولون: إني ضيقت عليكم، والله -سبحانه- يعلم أني ما أردت التضييق عليكم، وإنما أردت أن تتمشى معاملاتكم على النهج المستقيم، والتقيد بالشرع القويم، وأن تبنى على الصراحة والصدق والبيان، فقد قال النبي -صلى الله عليه وسلم- في المتبايعين: "إن صدقا وبَيَّنَا بورك لهما في بيعهما، وإن كذبا وكتما محقت بركة بيعهما"[البخاري (2004) مسلم (1532) الترمذي (1246) النسائي (4464) أبو داود (3459) أحمد (3/402) الدارمي (2547)].
وليس في هذا تضييق، وأمامنا هنا طريقان للمعاملة الحلال -ولله الحمد-:
1- فإما أن يعجل صاحب البيت تسديد الأقساط ليفك رهنه ويبيعه بعد ذلك.
2- وإما أن يستأذن في بيعه من له حق الإذن في الصندوق، فإذا أذن له في بيعه جاز بيعه، وحينئذ تكون المعاملة واضحةً صريحةً، لا التواء فيها ولا خداع.
وإني لأرجو الله -تعالى- أن يوفق المسؤولين في الصندوق أن يفسحوا للناس في البيع إذا كان في ذلك مصلحة للناس بلا مضرة، إنه هو الجواد الكريم.
فاتقوا الله -تعالى عباد الله- واستقيموا في عباداتكم وآدابكم ومعاملاتكم على شريعة الله، واحذروا المعاصي، فإنها بها زيغ القلوب وحلول النكبات، وفوات المطلوب.
اللهم وفقنا لما تحب وترضى، وهيئ لنا من أمرنا رشدًا.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب فاستغفروه، إنه هو الغفور الرحيم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم