عناصر الخطبة
1/حكم تربية الأولاد 2/أهمية تهيئة البيئة الصالحة للأولاد 3/أفضل فترات التربية فترة الطفولة وخطر إهمالها 4/الغفلة والإهمال عن إصلاح الأولاد من ضعف الإيمان 5/ضرورة إبعاد الأولاد عن كل ما يضرهماقتباس
1/حكم تربية الأولاد 2/أهمية تهيئة البيئة الصالحة للأولاد 3/أفضل فترات التربية فترة الطفولة وخطر إهمالها 4/الغفلة والإهمال عن إصلاح الأولاد من ضعف الإيمان 5/ضرورة إبعاد الأولاد عن كل ما يضرهم..
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلعمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].
أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
أيها المسلمون: الأولاد من أعظم نعم الله التي يمنُّ بها على مَن يشاء مِن عباده، ومَن له أولاد قد لا يقدِّر هذه النِّعمة حقَّ قدْرِها، فلذا مَن لَم يرزَق بذرِّيَّة يبذل الغالي والرَّخيص وينتقل بين المستشفيات لطلب تحصيل الولد.
والولد -ذكرًا كان أو أُنْثى- إذا نشأ على طاعة الله، انتفع به أبواهُ أحياءً وأمواتًا؛ لذا حينما ذكر النَّبيُّ -صلى الله عليه وسلم- ما ينتفع به ابنُ آدم بعد مَماتِه، ذكر منهم الولَد وقيَّده بالصَّالح.
كلُّ والدينِ يتمنَّيان أن يكون أولادُهما من خير النَّاس في دينهم ودنياهم؛ لكن ليست المسألة مسألةَ تمنٍّ فقط، فلا بدَّ من بذْل الوسْع في تحرِّي أسباب فوزهم الدِّيني والدنيوي. وليس هذا أمرًا نتطوَّع به، بل هو أمر افترضه الله علينا؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَاراً وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلائِكَةٌ غِلاظٌ شِدادٌ لاَّ يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم:6].
ومَن فرَّط في ذلك، فقد ورد في ذلك الوعيد الشَّديد؛ فعن معقل بن يسار قال: سمِعْت النَّبيَّ -صلَّى الله عليْه وسلَّم- يقول: "ما مِنْ عبدٍ استرْعاه الله رعيَّة فلم يَحُطْها بنصيحة، إلاَّ لَم يجد رائحة الجنة"(رواه البخاري ومسلم).
أيها المسلمون: اعلموا أن من أهم ما أوجب الله عليكم تربية أولادكم؛ فإنهم أمانة في رقابكم وقد استرعاكم الله عليهم ولابد سائلكم عنهم، وسيحاسبكم على ما عملتموه نحوهم؛ إن خيرًا فخير وإن شرًا فشر، قال الله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التحريم:6].
قال ابن كثير -رحمه الله- عند تفسير هذه الآية: عن علي -رضي الله عنه- أدبوهم وعلموهم، وعن ابن عباس -رضي الله عنهما- اعملوا بطاعة الله، اتقوا معاصي الله، ومروا أهليكم بالذكر ينجكم الله من النار، وقال قتادة: "تأمرهم بطاعة الله وتنهاهم عن معصية بمنعهم عنها وزجرهم، يقول الرسول -صلى الله عليه وسلم-: "مروا أولادكم بالصلاة لسبع، واضربوهم عليها لعشر"(رواه أبوداود والترمذي).
عباد الله: إن فترة الطفولة أطول الفترات، وأحسنها لتعميق الإيمان وغرس المُثُل وتثبيت المفاهيم الصادقة، فإن الطفل في هذه المرحلة متلقٍّ مستمع مقلد متأثر؛ فهل من الدين والعقل تركه جيفة لمثل هذه التعاسات؟! إن مثل هذا الفساد الهائج ما ينبغي أن يكون طريقًا للخضوع والاستسلام، بل لا بد أن يستدعينا لليقظة وهجر النوم والكسل والقيام بالعمل والمواجهة، فلقد بلغ السيل الزُبى، وطفح الكيل بما فيه، وعلى من أراد النجاة، أن يسلك سبلها، ومن سبلها الاقتداء بالنبي -صلى الله عليه وسلّم- ولزوم غرزه في تربية الناشئة، وتعاهدهم بالعناية والرعاية.
أيها المسلمون: إن الولد ينشأ على ما هيأه له أبوه، فإن هيأ له البيئة الصالحة المصلحة، وحفظه في ذهابه وإيابه، وراقبه في خروجه ودخوله، وتفحص ما تقع عليه عينه وما تسمعه أذنه، إن كان حريصا على إسماعه القرآن وكلام أهل الإيمان، ومصاحبته الأخيار وأهل التقى، لا يرضى له أن يرافق إلا ذوي العقول الناضجة، ولا يسمح له أن يماشي إلا أصحاب الأهداف السامية.
أقول إن كان ذلك شأنه فلن يرى منه إلا كل خير، ولن يعود على مجتمعه إلا بكل خير، وأما إن كان الأب قد هيأ له بيئة عفنة منتنة، فيها الجرائد والمجلات، والقنوات والفضائيات، وأجهزة الألعاب الساقطات، التي تنقل كل شر وتبث كل سوء، وتعوده الجريمة وتبين له طرقها، وغفل مع ذلك عن مراقبته وضعف في متابعته، وأسلمه لرفاق السوء وجلساء الشر، ممن هم في كل واد يهيمون، يفسدون ولا يصلحون، حيناً في البراري أو الاستراحات، وحيناً في المطاعم أو على جوانب الطرقات، أقول إن كان هذا هو الجو الذي يعيش فيه الولد فما أسوأ حظه! وويل لأبيه منه وأمه، وتعس مجتمع يرجو منه خيرا أو ينتظر منه عزا.
وإنها لخيانة أيما خيانة، وتفريط في الواجب وتضييع للأمانة أن يهب الله الرجل الولد نقيا طاهرا؛ كأن قلبه صفحة بيضاء، ثم يلقي بهذه الصفحة النقية في مزابل الحياة ولا يصونها، لا يغرس في قلب هذا الولد حب الله ولا حب رسوله، ولا يحفظ فطرته ولا يرعاها، ولا يأمره بمعروف ولا ينهاه عن منكر، ولا يحثه على صلاة ولا ينشئه على طاعة، ولا يردعه عن كبيرة ولا يحول بينه وبين معصية، قال -صلى الله عليه وسلم فيما رواه البخاري-: "ما من عبد يسترعيه الله رعية فلم يحطها بنصحه إلا لم يجد رائحة الجنة " وفي رواية مسلم: " ما من عبد يسترعيه الله رعية يموت يوم يموت وهو غاش لرعيته إلا حرم الله عليه الجنة ".
ألا فلنتق الله -عباد الله- فإن تأثير الوالدين في تنشئة الأولاد كبير، فهم الذين يوجهونهم الوجهة الصالحة ويرعون فيهم الفطرة السليمة، وهم الذين في المقابل يحولون بينهم وبين الهدى، ويسلكون بهم سبل الضلال والردى، في الصحيح عن أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال -صلى الله عليه وسلم-: "ما من مولود إلا يولد على الفطرة، فأبواه يهودانه وينصرانه ويمجسانه، كما تنتج البهيمة بهيمة جمعاء، هل تحسون فيها من جدعاء؟" ثم يقول أبو هريرة: واقرؤوا إن شئتم "فطرة الله التي فطر الناس عليها لا تبديل لخلق الله".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لاَ تَخُونُوا اللهَ وَالرَّسُولَ وَتَخُونُوا أَمَانَاتِكُم وَأَنتُم تَعلَمُونَ * وَاعلَمُوا أَنَّمَا أَموَالُكُم وَأَولاَدُكُم فِتنَةٌ وَأَنَّ اللهَ عِندَهُ أَجرٌ عَظِيمٌ)[الأنفال:27-28].
أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم من كل ذنب فاستغفروه؛ إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية
الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله؛ وبعد:
أيها المسلمون: إن دينكم هو أغلى ما ملكتم، وطاعة ربكم هي أعز ما كسبتم، وإن التفريط في الدين والتفلت من الطاعات، والتهاون في الأخلاق الكريمة ونبذ الشمائل المحمودة، ورؤية الدين يضعف في نفوس الأولاد ثم لا يتحرك في أب ساكن ولا يدفعه للحفاظ عليه هم، إنه لضرب من ضعف الإيمان وشعبة من النفاق، وإنه ما ذاق عبد لذة الإيمان ووجد حلاوته، وما خالطت بشاشته قلبه ووجد برد اليقين في صدره، إلا وجدته حامدا لله على نعمة الهداية والإيمان، شاكرا لأنعم ربه محافظا عليها، متجنبا الغرور والطغيان، حريصا على إيصال الخير للآخرين وخاصة من تحت يده، قال -عليه الصلاة والسلام-: " ثلاث من كن فيه وجد حلاوة الإيمان: أن يكون الله ورسوله أحب إليه مما سواهما، وأن يحب المرء لا يحبه إلا لله، وأن يكره أن يعود في الكفر كما يكره أن يقذف في النار ".
فإلام السنة والغفلة -أيها الآباء والمربون-؟! وإذا كنتم قد ذقتم حلاوة الإيمان فعلا وعشتموه واقعا، فحتى متى التفريط في تربية الأولاد؟! حتى متى ترك الحبل لهم على الغارب؟ إلى متى وبعض الآباء لا يحسن من التربية إلا أن يغرس في نفوس أولاده كره الآخرين وحب الاعتداء عليهم أو ظلمهم أو أخذ حقوقهم؛ لأنهم ليسوا من جنسه أو قبيلته أو عشيرته؟ كيف تسمح له نفسه وهو يدعي الإيمان أن يغفل عن تعليمهم الخير وتذكيرهم بعظيم النعم، ثم يتركهم لقنوات الشر وأجهزة الفساد تضلهم وتدمر حياتهم؟ إنه لم يذق طعم الإيمان من رأى المفسدين يتخطفون أولاده من حوله ثم مضى وكأن الأمر لا يعنيه، لم يذق طعم الإيمان من نام وقنوات الشر في بيته تفسد أولاده، لم يذق طعم الإيمان من نام وأولاده ساهرون على المعاصي والموبقات، وإنها لمصيبة ألا يربي الأب ولده، ثم يسمح لغيره أن يفسد فطرته!.
ومن هنا، من هذا المنبر العظيم، الذي وقف على مثله رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فإننا نناشدكم الله أن تتقوه في أولادكم، فتخرجوا أجهزة الباطل من بيوتكم، وتحفظوا أولادكم من أصحاب السوء والفتنة، وتحولوا بينهم وبين التجمعات التي لا ترضي الله، وأن تدلوهم على أهل الخير، وتحرصوا على أن يصاحبوهم ويعملوا معهم، ويشاركوهم الدعوة إلى الله وتعليم كتاب الله، ويساهموا في حفظ أمن بلادهم وراحة أهلها، لا أن يكونوا معاول هدم في كيان أمتهم وبناء مجتمعهم، أو مصدر إزعاج لولاتهم وإخوانهم المسلمين.
نسأل الله أن يربي لنا أولادنا ويبارك لنا فيهم ويصلح أحوالنا وأحوالهم، ويجنبنا وإياهم مضلات الفتن.
هذا؛ وصلوا وسلموا على رسول الله...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم