عناصر الخطبة
1/عظم حق كبار السن 2/من الأمثلة على تقدير النبي صلى الله عليه وسلم لكبار السن ورفع منزلتهم 3/من حقوق كبار السن 4/وصية للشباب في مراعاة حقوق الكبار.اقتباس
ألا تَعْلَمُونَ -مَعَاشِرَ الآبَاءِ الكِبَارِ- أنَّكُم كِبارٌ في قُلُوبِنَا، كِبَارٌ في عُيونِنَا، كِبَارٌ بِعظيمِ حَسنَاتِكِم وَفَضلِكم بَعد اللهِ عَلينا؛ فَلَعَلَّنَا أنْ نُوَفِّيَكُمْ وَلو بَعضَ حَقَّكُمْ علينا؛ فَقَدْ أمَرَنَا رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ- بأَنْ يُسَلِّمَ الصَّغِيرُ عَلى الكَبِيرِ إجلالا لَهُ وَتَقْدِيراً...
الخطبة الأولى:
الحمدُ للهِ العزيزِ الغَفَّارِ، خَلقَ الإنْسانَ مِن صَلْصالٍ كَالفَخَّارِ، وخَلقَ الجَانَّ مِن مَارجٍ مِن نَارٍ، نَشهدُ أن لا إلهَ إلَّا اللهُ وَحْدَهُ لا شَريكَ لَهُ لا تُدرِكهُ الأَبصارُ وهو يُدرِكُ الأبصارَ، ونَشهدُ أنَّ سَيِّدَنَا وَنَبِيَّنا مُحمَّدًا عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ إمَامُ المُتَّقِينَ الأَبْرَارَ، الَّلهُمَّ صَلِّ وَسلِّم وَبَارِك عَليه وعلَى آلِهِ الأطْهَارِ، وَصَحْبِهِ الأَخْيَارِ، والتَّابِعينَ لَهمْ بِإحْسَانٍ مَا تَعَاقَبَ الليلُ والنَّهَارُ، وَعَنَّا مَعَهُمْ بِمَنِّكَ وَكَرَمِكَ يا عَزِيزُ يا غَفَّارُ، أمَّا بعدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -عبَادَ اللهِ- وَأَنزِلُوا النَّاسَ مَنَازِلَهُمْ، واعرفوا قَدْرَهُمْ وَقِيمَتَهُم؛ فَقد توافرتِ النصوصُ على إكرامِ وبرِّ ذُي الشَّيبَةِ الْمُسلمِ؛ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-: "إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللَّهِ إِكْرَامَ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ"(رواه أبو داود وحسنه الألباني)، وَقال رَسُولُنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ-: "مَن لَم يَرحمْ صَغِيرنَا، ويَعرف حَق كَبيرِنَا فَليسَ مِنَّا"(رواه البخاريُ في الأدب المفرد).
لِذا كَانَ حَقَّاً على الدُّعاةِ والمُربِّينَ تَذكيرُ المُؤمنينَ بِعَظِيمِ حَقِّ الكِبَارِ علينا؛ فذلِكَ مِن أعظَمِ الحُقُوقِ وَأفْضَلِ القُرُباتِ.
وَلَقَدْ ضَرَبَ لَنَا رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ- أروعَ الأمْثِلَةِ بِذلِكَ قَولاً وَتَطْبِيقاً؛ فَقَدْ أَمَرَ أَئِمَّةَ المَسَاجِدِ بِتَخْفِيفِ الصَّلاةِ مُرَاعَاةً لِكِبَارِ السِّنِّ؛ فَقَالَ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "إِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِلنَّاسِ، فَلْيُخَفِّفْ، فَإِنَّ مِنْهُمُ الضَّعِيفَ وَالسَّقِيمَ وَالكَبِيرَ، وَإِذَا صَلَّى أَحَدُكُمْ لِنَفْسِهِ فَلْيُطَوِّلْ مَا شَاءَ".
وَأخْبَرَ أَنَّ الأَكْبَرَ سِنًّا يُقَدَّمُ فِي الإِمَامَةِ إذَا تَسَاوَوا فِي القُرْآنِ، وَرَخَّصَ لِمَنْ أَدْرَكَهُ الحَجُّ وَهُوَ شَيخٌ كَبِيرٌ لا يَسْتَطِيعُهُ أَنْ يُحَجَّ عَنْهُ! وَفي حياتِهِ اليومِيَّةِ يُقَدِّمُ كِبَارَ السِّنِّ في الطَّعَامِ والشَّرَابِ كَمَا رَوى ابنُ عَبَّاسٍ رضِيَ اللهُ عنْهُما أنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ- كَانَ إذا سُقِيَ قَالَ وَيَقُولُ: "ابْدَؤُوا بَالكُبَرَاءِ أو بِالأَكَابِرِ".
وَجَاءَهُ مَرَّةً عُيينَةُ بنُ حِصْنٍ وَعندَهُ أبُو بَكْرِ وَعُمَرَ وَهُم جُلُوسٌ عَلى الأَرْضِ، فَدَعَا لِعُيينَةَ بِوسَادَةٍ وَأَجْلَسَهُ عَليهَا، وَقَالَ: "إذَا أَتَاكُمْ كَبِيرُ قَومٍ فَأَكْرِمُوهُ".
ألا تَعْلَمُونَ -مَعَاشِرَ الآبَاءِ الكِبَارِ- أنَّكُم كِبارٌ في قُلُوبِنَا، كِبَارٌ في عُيونِنَا، كِبَارٌ بِعظيمِ حَسنَاتِكِم وَفَضلِكم بَعد اللهِ عَلينا؛ فَلَعَلَّنَا أنْ نُوَفِّيَكُمْ وَلو بَعضَ حَقَّكُمْ علينا؛ فَقَدْ أمَرَنَا رَسُولُنَا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وآلهِ وَسَلَّمَ- بأَنْ يُسَلِّمَ الصَّغِيرُ عَلى الكَبِيرِ إجلالا لَهُ وَتَقْدِيرَاً!
مَعَاشِرَ الشَّبَابِ: الوالدِانِ أعظَمُ النَّاسِ بِرَّاً وإحسَانً خَاصَّةً عندَ كِبَرِهِمَا؛ كَمَا قَالَ رَبُّنَا -تَبَارَكَ وتَعَالى-: (وَقَضَى رَبُّكَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ وَبِالْوَالِدَيْنِ إِحْسَانًا إِمَّا يَبْلُغَنَّ عِنْدَكَ الْكِبَرَ أَحَدُهُمَا أَوْ كِلَاهُمَا فَلَا تَقُلْ لَهُمَا أُفٍّ وَلَا تَنْهَرْهُمَا وَقُلْ لَهُمَا قَوْلًا كَرِيمًا * وَاخْفِضْ لَهُمَا جَنَاحَ الذُّلِّ مِنَ الرَّحْمَةِ وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء:23-24].
مَعَاشِرَ الشَّبَابِ: مِنْ أعْظَمِ الواجِبَاتِ لِكِبَارِ السِّنِّ، طِيبُ مُعَامَلَتِهم، وذَلِكَ بِحُسْنِ الخِطَابِ، وَردِّ أجْمَلِ جَوابٍ، فَأَلِنْ لَهُمُ الكَلامَ، وَخَاطِبْهُمْ بِعِبَارَاتٍ تَدُّل على عُلُوِّ مَرْتَبَتِهمْ كَقَولِكَ يَا والدِي يا عَمِّي. وَأبْشِرْ فَ: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)[الرحمن:60].
فاللهُمَّ اهْدِنَا لأحْسَنِ الأَعْمَالِ والأقْوالِ والأخلاقِ لا يَهدي لأحسَنِهَا إلَّا أنتَ واصرفْ عَنَّا سيِّئَها لا يصرفُ عَنَّا سيِّئَها إلَّا أنتَ. وَاغْفِر لَنَا وَلِوالِدينا ولِمَنْ لَهُم حَقٌّ علينا، وأمدَّ أعْمَارَ كِبَارِنا بالصِّحة والعافيةِ، ونستغفرُ اللهَ مِن كُلِّ ذَنْبٍّ وَخَطِيئَةٍ فَاستَغْفِرُوا اللهَ إنَّ اللهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ عَظيمِ الإحْسَانِ، نَشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ المَلِكُ الدَّيَّانُ، ونَشهدُ أنَّ مُحمَّداً عبدُ اللهِ وَرَسُولُهُ المَبعُوثُ بالرَّحمَةِ وَالأَمَانِ؛ صَلَّى اللهُ وَبَارَكَ عَليهِ وَعلَى آلِهِ وأَصحَابِهِ وَسَلَّمَ تَسلِيماً على مَرِّ الزَّمانِ، أمَّا بعدُ:
فَاتَّقُوا اللهَ -يا مُؤمِنُونَ-، واعلموا أنَّ تَقوى الله هيَ خَيرُ زادٍ ليومِ المَعادِ.
أيُّها الآبَاءُ الكِبَارُ الكِرامُ: أنتم خيرُ النَّاسِ إنْ أحسَنْتُمُ العمَلَ؛ فقد قالَ نَبِيُّنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "خَيرُكُمْ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَحَسُنَ عَمَلُهُ، وَشَرُّكُمْ مَنْ طَالَ عُمُرُهُ وَسَاءَ عَمَلُهُ".
عِبَادَ اللهِ: مِنْ المُؤْسِفِ أَنْ يَنسى الشَّبَابُ حُقُوقَ الكِبَارِ، والأقْسَى أنْ يَكُونَ مِنْهُمْ تَعَدٍّ وأذِيَّةٍ لَهُمْ؛ بِسَبٍّ أو شَتْمٍ على أتفَهِ الأسْبَابِ؛ فاللهُ -تَعالى- يَقُولَ: (وَالَّذِينَ يُؤْذُونَ الْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ بِغَيْرِ مَا اكْتَسَبُوا فَقَدِ احْتَمَلُوا بُهْتَانًا وَإِثْمًا مُبِينًا)[الأحزاب:58].
وَهَؤُلاءِ الشَّبَابِ وإنْ كَانُوا قِلَّةً إلَّا أنَّهُ يَجِبُ تَأدِيبُهُمْ.
مَعَاشِرَ الشَّبَابِ: يَجِبُ أن نَتَبَسَّمَ فِي وُجُوهِ كِبَار السِّنِّ، وَأَنْ نُشعِرَهُمْ بِفَرَحِنَا لِرُؤيَتِهِمْ، فَلا تُصَعِّرْ خَدَّكَ إذا لَقِتَهُ، بَلْ بَادِرْهُ بالسَّلامِ وَتقْبِيلِ الرَّأْسِ وَكَمَا تَدِينُ تُدَانُ و: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)[الرحمن:60].
لاطِفْهُمْ بالكلامِ امْدَحْهُم وأَثْنِ على جُهُودِهِمْ، واذْكُر مَحَاسِنَهُم وَمَاضِيهِم، فَإنَّكَ قَطْعًا سَتَكْسَبُ قُلُوبَهُمْ! أكْرِمْهُمْ بِالهَدَايَا الْمُحبَّبةِ لَهُم، لِيَشْعُروا بِمَكَانَتِهمْ، مَازِحْهُمْ فَهَذا مِمَّا يَشْرَحُ صُدُورَهُم، فَإنَّهُم أَحْوَجُ مِنَّا إلى هَذا!
مَعَاشِرَ الشَّبَابِ: لا تَنْسَوا أنَّ لِكِبَار السِّنِّ مَخْزُونٌ مِن التَّجَارُبِ فَشَاوِرُهُمْ في شُؤونِكُمْ تَجِدوا عِنْدَهُمْ خَيراً كَثِيراً. امْلَؤا فَرَاغَهُم بِمَا يَنْفَعُهُمْ، مِنْ رَحَلاتٍ وَعِبَادَاتٍ. زُورُوهُمْ وآنِسُوهُمْ ولا تَغْفُلُوا عَنْهُمْ.
إخْوانِي: وَتعْظُمُ هَذِهِ الحُقُوقُ لِمَنْ زَادَتَ صِلَتُنَا بِهِمْ مِن وَالِدَينِ وَجِيرَانٍ، وَمَنْ كَانَ مُلازِمَاً لِطَاعَةِ اللهِ -تَعالى- أو فِي بَيتٍ مِن بُيُوتِ اللهِ -تَعالى-؛ فَهَذا رَجُلٌ كَبِيرُ سِنٍّ قَدْ تَكَلَّفَ العَنَاءَ لِيصِلَ إلى المَسْجِدِ؛ فالواجب مُراعاتهم لأجلِهم واحْتِرَامَاً لِبُيُوتِ اللهِ، وَتَعْظِيمَاً لِشَعَائِرِ اللهِ -تَعالى-.
أيُّها الكِرَامُ: احْذَرُوا مِن التَّدْقِيقِ على كِبَار السِّنِّ وَمُحَاسَبَتِهِم عَلى كُلِّ شَيءٍ؛ فَمَا عَادَ لَهُم صَبْرٌ على النَّقْدِ وَالأَخْذِ وَالرَّدِّ، وَمَا عَادُوا يَتَحَمَّلُونَ العِتَابَ.
فَاتَّقُوا اللهَ فِيهِمْ، وَأَحْسِنُوا إليهم؛ (فَإِنَّ اللّهَ لاَ يُضِيعُ أَجْرَ الْمُحْسِنِينَ)[هود:115].
هَذا وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلى إمَامِ المُرْسَلِينَ وَقُدْوَةُ المُؤمِنينَ، مُحَمَّدِ بنِ عبدِ اللهِ كَمَا أَمَرَنَا اللهُ فَقَالَ: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيماً)[الأحزاب:56]، وَقَالَ نَبِيُّنا -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَآلِهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
فَالَّلهُمَّ صَلِّ وَسَلِّمْ وَبَارِكْ على مُحَمَّدٍ وَعَلى آلهِ وَصَحْبِهِ أجمَعينَ، وَارْضَ عن خُلَفَائِهِ الرَّاشِدِينَ وَالتَّابِعِينَ ومَنْ تَبِعَهمْ بِمَنِّكَ يا أَكْرَمَ الأَكْرَمِينَ.
اللهمَ إنَّا نَسألُكَ حُسنَ القولِ، والعَمَلِ وحسنَ الختامِ والمُنقَلَبِ.
اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف والغنى.
اللهم أصلح لنا ديننا الذي هو عصمة أمرنا، وأصلح لنا دنيانا التي فيها معاشنا، وأصلح لنا آخرتنا التي فيها معادنا، واجعل الحياة زيادة لنا في كل خير والموت راحة لنا من كل شر.
اللهم بارك لنا في قُوَّاتِنَا.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة:201].
عباد الله: اذكروا الله يذكركم، واشكروه على نعمه يزدكم، (وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[العنكبوت:45].
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم