عناصر الخطبة
1/أهمية رعاية كبار السن 2/ثمرات الإحسان إلى كبار السن 3/فضائل كبار السن 4/من حقوق الكبير في الإسلام.اقتباس
وإن للكبير فضلاً في الإسلام وقدم صدق، ولقد تضافرت الأحاديثُ الواردة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن الخير مع الأكابر، والبركة مع كبار السن، وأن المؤمن لا يزاد في عمره إلا كان خيرًا له...
الخطبةُ الأولَى:
أما بعد فيا أيها الناس: لقد حفظ الإسلام الحقوق بين الناس وحَّد لها حدودًا، وأوجب على الجميع السير وفق هذه الحدود، وإعطاء كل ذي حق حقه.
وإن من المكارم العظيمة، والفضائل الجسيمة: البر والإحسان إلى كبار السن، ورعاية حقوقهم، والقيام بواجباتهم، وتعاهد مشكلاتهم، والسعي في إزالة المكدّرات والهموم والأحزان عن حياتهم، فإن هذا من أعظم أسباب التيسير والبركة، وانصراف الفتن والمحن والبلايا والرزايا عن العبد، وسبب للخيرات والبركات المتتاليات عليه في دنياه وعقباه.
أخرج أبو داود في سننه من حديث أبي الدرداء قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ابغوني ضعفاءَكم؛ فإنما تُرزَقُون وتُنْصَرون بضعفائكم"؛ فمِن هؤلاء الضعفاء في المجتمع الإنساني المُسِنُّ؛ لأنه يصاحب المرء مرحلةَ الكبر ضعفٌ عامّ، بحيث تظهر بعض التغيرات على جسم الإنسان في حالة تقدُّمه في السن، مثل تجعُّد الجلد وجفافه، وثقل في السمع، وضعف في البصر والحواس بشكل عام، وبطء الحركة، وتغير لون الشعر، وما يحدث من ضعف في العظام، وانخفاض لحرارة الجسم، وضعف الذاكرة والنسيان.
وبروز هذه التغيرات يتطلب رعايتهم؛ وقد أخرج أبو داود في سننه من حديث عبد الله بن عمرو، قال -صلى الله عليه وسلم-: "مَن لم يرحم صغيرنا ويعرِف حقَّ كبيرنا؛ فليس منا".
وإن للكبير فضلاً في الإسلام وقدم صدق، ولقد تضافرت الأحاديثُ الواردة عن الرسول -صلى الله عليه وسلم- بأن الخير مع الأكابر، والبركة مع كبار السن، وأن المؤمن لا يزاد في عمره إلا كان خيرًا له.
ولْيعلم المسلم أنه إذا قام بحق الكبير يسَّر الله له في كِبَره مَن يقوم بحقوقه؛ جزاء من جنس إحسانه، وسيأتي علينا يوم إن مدَّ الله في أعمارنا نكون فيه كبراء مُسنِّين، ضعيفي البدن والحواس، في احتياج إلى مَن حولنا؛ أن يرعوا حقنا، وإن كنا مضيعين حقوقهم في شبابنا، فسيضيع الشباب حقوقنا في كبرنا؛ لأن الله -عز وجل- يقول: (هَلْ جَزَاءُ الْإِحْسَانِ إِلَّا الْإِحْسَانُ)[الرحمن: 60]، وفي مقابل ذلك: (ثُمَّ كَانَ عَاقِبَةَ الَّذِينَ أَسَاءُوا السُّوأَى)[الروم: 10]؛ فإن جزاء الإحسان، والإساءة جزاؤها الإساءة.
وإن مِن حقوق الكبير في الإسلام: أن يُحسَن معاملاته، بحسن الخطاب، وجميل الإكرام، وطيب الكلام، وسديد المقال، والتودد إليه؛ فإن إكرام الكبير وإحسان خطابه هو في الأصل إجلال لله -عز وجل-؛ فقد جاء في سنن أبي داود من حديث أبي موسى قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إن مِن إجلال الله: إكرامَ ذي الشيبة المسلم".
فمن حقوق الكبير، إذا لقيناه أن نبدأه بالسلام مِن غير انتظار إلقاء السلام منه؛ احترامًا وتقديرًا له، فنسارع ونبادر بإلقاء السلام عليه بكل أدبٍ ووقار، واحترام وإجلال، بل بكل معاني التوقير والتعظيم، بل نراعي كِبَر سنّه في إلقاء السلام بحيث يسمعه ولا يؤذيه؛ وقد أخرج الشيخان في صحيحيهما من حديث أبي هريرة قال -صلى الله عليه وسلم-: "ليسلم الصغير على الكبير، والراكب على الماشي".
وإن مِن حقوق كبير السن: أن نُناديه بألطف خطاب، وأجمل كلام، وألين بيان، نراعي فيه احترامه وتوقيره، وقدره ومكانته، بأن نخاطبه بـ"العم" وغيره من الخطابات التي تدلّ على قَدْره ومرتبه ومنزلته في المجتمع بكِبَر سنّه، فهذه آداب في العرب مِن قبل أقرّها الإسلام وسار عليها الصحابة -رضوان الله عليهم-.
وإن مِن حقوق الكبيرِ في السن: أن نُقدّمه في الكلام في المجالس، ونُقدّمه في الطعام، والشراب والدخول والخروج؛ فقد جاء عن النبي -صلى الله عليه وسلم- من قوله وفعله ما يدل على هذا.
وإن مِن إجلال الكبير وحقه علينا: أن ندعو له بطول العمر، والازدياد في طاعة الله، والتوفيق بالسداد والصلاح، والحِفظ من كل مكروه، والتمتع بالصحة والعافية، وبحُسن الخاتمة، وحثَّ اللهُ -عز وجل- الأبناء على الدعاء للوالدين في حياتهما وبعد مماتهما؛ فقال: (وَقُلْ رَبِّ ارْحَمْهُمَا كَمَا رَبَّيَانِي صَغِيرًا)[الإسراء: 24].
اللهم أدِّبنا بآداب الإسلام، وأعنا على ذلك، أقول قولي هذا وأستغفر الله لي ولكم...
الخطبة الثانية:
أما بعد فيا أيها الناس: حقوق الكبير كثيرة يجمعها إجلاله واحترامه، ولهذا كان خير الناس من طال عمره وحسُن عمله، فيزداد بطول العمر من فِعْل الخيرات، والاستكثار من الحسنات.
وقيل: إن سليمان بن عبدالملك دخل مرة المسجد، فوجد في المسجد رجلاً كبير السن، فسلَّم عليه، وقال: يا فلان، تحبُّ أن تموت؟ قال: لا، قال له: ولِمَ؟ قال المُسِنّ: ذهب الشبابُ وشرُّه، وجاء الكِبَرُ وخيرُه، فأنا إذا قمت قلت: بسم الله، وإذا قعدت قلت: الحمد لله، فأنا أحبّ أن يبقى لي هذا.
وينبغي لنا أن نراعي الكبير لأنه يجد انكسارًا في نفسه لما حصل له من الضعف بعد القوة، فالإنسان في بداية عمره وعنفوان شبابه يكون غضًّا، طريًّا، طازجًا، ليّن الأعطاف، قويّ العضلات، بهي المنظر، ثم يشرع في الكهولة، فتضعف قواه، فيتغيّر طبعه، ثم يكبر شيئًا فشيئًا حتى يصير شيخًا كبير السن، ضعيف القوى، قليل الحركة، يعجِزُ عن المشي والحركة السريعة، فيتقدم إلى الأمام بطيئًا، ويتوكأ على العصيِّ.
وقد صوَّر الله -عز وجل- هذه الأحوال في القرآن الكريم: (اللَّهُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ ضَعْفٍ ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ ضَعْفٍ قُوَّةً ثُمَّ جَعَلَ مِنْ بَعْدِ قُوَّةٍ ضَعْفًا وَشَيْبَةً)[الروم: 54]؛ يعني أن الإنسانَ يمر بثلاث مراحل رئيسة: ضعف، ثم قوة، ثم ضعف، ولكن هذا الضعف الأخير هو الشيخوخة والهرم.
وقال في موضع آخر: (وَمِنْكُمْ مَنْ يُتَوَفَّى وَمِنْكُمْ مَنْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ)[الحج: 5] وأرذَلُ العُمر هو أدونه، وآخره الذي تضعف فيه القوى، وتفسد فيه الحواس، ويختلّ فيه النطق والفكر، ويحصل فيه قلة العلم وسوء الحفظ، والخَرَف، وخصَّه الله بالرذيلة؛ لأنه حالة لا رجاء بعده لإصلاح ما فسد.
فعلينا أن نراعي صحة كبير السن، ووضعه البدني والنفسي؛ بسبب الكبر والتجاوز في العمر؛ فإن هذه المرحلة مِن الحياة مستوجبة للعناية والاهتمام الكبير من الأقارب؛ فإن الضعف يسري ويجري في الإنسان كجريان الدم، فيضعف بدنه، وصحته، وحواسه، فما يصدر منه من خطأ فبمقتضى هذه السن المتقدّمة، بل إن تصرفاته في هذه السن المتقدمة لكثرة وهنه وضعفه، بل ضعف قواه أشبه ما يكون بتصرفات الصغير.
فعلينا أن نراعي حقوقهم، ولا نتركهم وحدهم، ولا نطرحهم في دُور المسنين من غير رقيب ولا رفيق، بل يتعين علينا رعاية حقهم مقابلة الإحسان عندما كنا صغيرين ضعفاء، فحملوا أعباءنا، وتحملوا مشاقنا، واهتموا برعايتنا كل الاهتمام حتى كبِرْنا وصرنا شبانًا أقوياء، فأشار إلى حالنا الله -عز وجل- في كتابه العزيز: (وَوَصَّيْنَا الْإِنْسَانَ بِوَالِدَيْهِ حَمَلَتْهُ أُمُّهُ وَهْنًا عَلَى وَهْنٍ وَفِصَالُهُ فِي عَامَيْنِ أَنِ اشْكُرْ لِي وَلِوَالِدَيْكَ إِلَيَّ الْمَصِيرُ)[لقمان: 14].
اللهم وَفِّقنا لهداك...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم