حقوق الطريق في الإسلام

رشيد بن إبراهيم بو عافية

2023-07-14 - 1444/12/26 2023-07-17 - 1444/12/29
التصنيفات: أخلاق وحقوق
عناصر الخطبة
1/مراعاة الإسلام لحق الطريق 2/مظاهر الإخلال في حق الطريق 3/ضرورة مراجعة حقوق الطريق وتطبيقها

اقتباس

الطريقُ في الإسلام موضوعٌ مقدَّسٌ مصونٌ بأنواع من الكمالات والفضائل الخُلُقية، ترتقي بالعُمران الإسلامي، وتُزَيّنُ الحياةَ المدنيَّةَ الإسلامية...

الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

أما بعد: عن أبي سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “إياكم والجلوسَ في الطرقات” قالوا: يا رسول الله ما لنا بدٌّ من مجالسنا نتحدَّثُ فيها، فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: “فإذا أبيتم إلا المجلس فأعطوا الطريقَ حقه”، قالوا: وما حق الطريق يا رسول الله ؟، قال: “غض البصر وكف الأذى وردُّ السلام والأمر بالمعروف والنهي عن المنكر”(رواه مسلم)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “الإيمان بضع وسبعون شعبة فأفضلها قول لا إله إلا الله وأدناها إماطة الأذى عن الطريق”(متفق عليه)، وقال -صلى الله عليه وسلم-: “كان على الطريق غصنُ شجرة يؤذي الناس فأماطها رجل -لم يعمل خيرا قط- فأدخل الجنة”(متفق عليه). ‌

 

معشر المؤمنين: إن ممَّا تميَّزَ به الإسلام من بين سائر الأديان والنظم أنَّهُ دينٌ راعى موضُوعَ الأخلاق والآداب الفاضلة رعايةً متميّزة، حتَّى أنَّ النبيَّ -صلى الله عليه وسلم- عرَّفَ النَّاس حقيقةَ دعوته فقال: “إنما بُعثتُ لأتمّمَ مكارمَ الأخلاق “.

 

ألاَ وإنَّ من أعظم الآداب والكمالات التي راعتها الشريعةُ وحضَّت على تمثُّلها في الحياة الإنسانية: آدابُ الطريق وحقُّ الطريق

 

الطريقُ في الإسلام موضوعٌ مقدَّسٌ مصونٌ بأنواع من الكمالات والفضائل الخُلُقية، ترتقي بالعُمران الإسلامي، وتُزَيّنُ الحياةَ المدنيَّةَ الإسلامية..

 

ومع هذا التقرير، فإنَّ نظرةً في أحوال كثيرٍ من المسلمين اليوم توحي للأسف الشديد بأنَّهم ابتعدُوا كثيرًا عن تمثُّل آداب الطريق وحقوقه، رغم أنَّهم أُمَّةُ الأخلاق والقيم والكمالات!، بل همُ الأمَّةُ التي ارتبطَ إيمانُها بإماطة الأذى عن الطريق، وهو ارتقاءٌ وتميُّزٌ ما تركَ شيئًا في الارتقاء والتميُّز!

 

جماعاتٌ هنا وهناكَ تجلسُ الساعات الطوال تقابلُ أبوابَ النَّاس ونوافذَهُم، ليس لها شُغلٌ إلاَّ القيل والقال، وإطلاق البصر واللسان، وإحراج الجيران، والتطلُّع في العَورات..!

 

جمهرةٌ من الصبيان أهملتهم التربية، وقذفتهم البيوتُ إلى الشارع، يتراكضون في الطرق والشوارع لا تسمعُ منهم إلا كلمات السّباب والشتيمة والسفاهة وإيذاء الناس، فصارَ الرجلُ لا يستطيعُ الجلوسَ في البيت من الحرج الذي يجدهُ من تلك الكلمات السيئات..!

 

حُفَرٌ كبيرةٌ وصغيرة عُمرُها سبعُ سنوات أو أكثر، يعثُرُ بها الكبير، ويتأذَّى بها الراكبُ والماشي، يستطيعُ الواحدُ لو أرادَ تسويتَها في ساعة، ومع ذلك فالجيرانُ يتّكلون على البلدية، والبلديَّة تتَّكلُ على الجيران، وتبقى الطرقُ بين هذا وذاك تُقطّعُ القلُوبَ والأفئدة..!

 

الكبيرُ فضلاً عن الصغير يجرُّ القمامة من أمام البيت ليَرْميَهَا حيثُما اتَّفق، المُهمُّ أن تبتعدَ عن البيت، يكنُسُ ساحةَ البيت فبدلَ أن يجمعَ الكُناسةَ في القُمامة؛ يَحرقُها أو يُبعثرُها في الطريق، المُهمُّ أن يتخلَّصَ منها وتبتعدَ عن البيت..!

 

أصبحنا لا نعرفُ المساحاتِ الخضراء في هندسة البيوت والشوارِعِ؛ لأنَّ الأمَّةَ لا تترُكُ مترًا واحدًا للجمال والتحضُّر، المهمُّ تشبيكُ الحديد، وصبُّ الإسمنت ولو على حساب الطريق في بعض الأحيان..!

 

محلاتٌ كثيرةٌ تبالغُ في إخراج السلع إلى الرصيف حتى ضيّقت على الناس فيمشُون في الطريق، أصحابُ السيارات يلومون الناسَ؛ لأنَّهم يمشُونَ في الطريق، والمُشاةُ يلومون أصحابَ المحلّات لأنهم السبب..!

 

تأمَّل عمارات المسلمين تجد كثيرًا من أصحاب الشّقق يصبُّ الماءَ المستقذر في الطريق من الطابق الأول والثاني والثالث والرابع، وربما أصابَ الماءُ النَّاسَ والسيارات، وتسبَّبَ في تلويث الشارع وجلب الحشرات، ولا يهُم، مادامَ البيتُ قد تخلَّصَ من الماء إلى الشارع..!

 

وإذا تحدَّثنا عن قواعد السياقة في الطريق فحدّث ولا حرج؛ حَلْبَةٌ للصراع والملاكمة، لا مكان فيه للابتسامة، الكلُّ يعاني من التوتر والقلق، الكُلُّ مُستعجل متشنّج، الكلُّ مستعدٌّ للشّجار؛ فكيف تمرُّ العَجوز أو الطفل الصغير والمرأة..؟! واقعٌ مأساويٌّ أليمٌ يحتاجُ فعلاً للمراجعة ..!

 

نسأل اللهَ العظيمَ التوفيقَ إلى ما يحب ويرضى، أقول قولي هذا وأستغفر اللهَ لي ولكم من كل ذنب إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

أيها الإخوةُ في الله: إننا في حاجة ماسَّة إلى مراجعة آداب الطريق وحقوقه، إنّنا -والله- في حاجة إلى أن نصونَ طُرُقنا ونرتقي بها وفق ما يتناسبُ مع إسلامنا وإيماننا وشريعتنا التي جاءت لتتمَّ مكارم الأخلاق..!

 

دعوةٌ صادقة إلى مراجعة هذا الموضُوع في الواقع والممارسة

 

علينا أن نراجعَ جُلوسنا في الطرقات أمام بيوت الناس نراقبُ الطالعَ والنازل ..!

 

علينا أن نضبطَ إطلاق الصبيان خارجَ البيت حفاظًا على الجار والطريق..!

 

علينا أن نبادرَ بإصلاح ما أمكنَ من الحُفر في الطريق بأنفسنا وبالتنسيق مع المسؤولين..!

 

علينا أن نتعلَّمَ كيف نتوحَّدُ بطريقة حضارية للمطالبة بحقوقنا وإيصال أصواتنا إلى المسؤولين..!

 

علينا أن نراجعَ أنفسنا في الأوساخ التي تُرمى في الشارع.. علينا أن نترُكَ الرصيف للنساء والناس ونترُكَ الطريقَ للسيارات.. ومع ذلك: علينا أن نعيدَ قراءةَ قانون المُرور في اليوم عشرَ مرَّات، لنتعلَّمَ كيف نتوقَّفُ ومتى وأين!، كيف نتجاوزُ ومتى وأين!، كيفَ نقودُ هذه الوسيلةَ وفق ما يتناسبُ مع إسلامنا وإيماننا وشريعتنا وأخلاقنا، وإلاَّ فالسيرُ على القدمين أرفقُ وأسلم..!

 

نسأل الله التوفيق إلى ما يحب ويرضى، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق والعصيان، واجعلنا من الراشدين.

 

وصلى الله وسلم وبارك على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

المرفقات

حقوق الطريق في الإسلام.pdf

حقوق الطريق في الإسلام.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات