حفظ القرآن

تركي بن عبدالله الميمان

2023-07-07 - 1444/12/19 2023-07-06 - 1444/12/18
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/حفظ الله للقرآن 2/أثر حفظ المسلم للقرآن 3/الدعوة لحفظ القرآن

اقتباس

وَلَمَّا تَكَفَّلَ اللهُ بِحِفْظِ كِتَابِه اصْطَفَى لَهُ أَئِمَّةً ثِقَاتٍ تَجَرَّدُوا لِتَصْحِيْحِهِ، وَبَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ فِي إِتْقَانِهِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ لِله أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ”...

الخُطْبَةُ الأُوْلَى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ، وَنَسْتَغْفِرُهُ ونَتُوبُ إِلَيه، مَنْ يَهْدِ اللهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَأُوْصِيْكُمْ وَنَفْسِي بِتَقْوَى اللهِ، فَمَنْ اتَّقَى اللهَ في الدُّنْيا؛ سَعِدَ في الآخِرَةِ! (مَثَلُ الْجَنَّةِ الَّتِي وُعِدَ الْمُتَّقُونَ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ أُكُلُهَا دَائِمٌ وَظِلُّهَا تِلْكَ عُقْبَى الَّذِينَ اتَّقَوْا).

 

عِبَادَ الله: إِنَّهُ مَصْدَرُ الهِدَايَةِ وَالإِيْمَان، وَأَفْضَلُ مَا تَشَاغَلَ بِهِ الإِنْسَان؛ إِنَّهُ حِفْظُ القُرْآن.

 

وَلَمَّا تَكَفَّلَ اللهُ بِحِفْظِ كِتَابِه اصْطَفَى لَهُ أَئِمَّةً ثِقَاتٍ تَجَرَّدُوا لِتَصْحِيْحِهِ، وَبَذَلُوا أَنْفُسَهُمْ فِي إِتْقَانِهِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: “إِنَّ لِله أَهْلِينَ مِنْ النَّاسِ” قالوا: يَا رَسُولَ اللهِ، مَنْ هُمْ؟ قال: “هُمْ أَهْلُ الْقُرْآنِ، أَهْلُ اللهِ وَخَاصَّتُهُ!”(رواه ابن ماجه، وصححه الألباني).

 

وَحِفْظُ القُرْآنِ شَرَفٌ خَاصٌّ لِأُمَّةِ الإِسْلامِ، لَيْسَ لِغَيْرِهِمْ مِن الأَنَام، قال جل جلاله: (مَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ وَلا الْمُشْرِكِينَ أَنْ يُنَزَّلَ عَلَيْكُمْ مِنْ خَيْرٍ مِنْ رَبِّكُمْ). قال بَعْضُ المُفَسِّرِيْن: “مَا حَسَدَتْكُمُ اليَهُودُ وَالنَّصَارَى عَلَى شَيءٍ كَحِفْظِ القُرْآن”. قالَ ابْنُ الجَزَرِي: “الِاعْتِمَادُ فِي نَقْلِ الْقُرْآنِ عَلَى حِفْظِ الصُّدُورِ؛ أَشْرَفُ خَصِيصَةٍ لِهَذِهِ الْأُمَّةِ، بِخِلَافِ أَهْلِ الْكِتَابِ الَّذِينَ لَا يَحْفَظُونَهُ”.

 

وَمِنْ خَصَائِصِ القُرْآنِ: أَنَّه مَحْفُوْظٌ في صُدُورِ العُلَمَاء، قال -عز وجل-: (بَلْ هُوَ آيَاتٌ بَيِّنَاتٌ فِي صُدُورِ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ). قالَ ابْنُ عَبْدِ البَرِّ: “طَلَبُ الْعِلْمِ دَرَجَاتٌ؛ فَأَوَّلُهُ: حِفْظُ كِتَابِ اللهِ عز وجل”.

 

وَمِنْ تَعْظِيمِ الرَّحْمَنِ تَوْقِيرُ حَافِظِ القُرْآن: فَفِي الحَدِيْث: “إِنَّ مِنْ إِجْلَالِ اللهِ: إِكْرَامُ ذِي الشَّيْبَةِ الْمُسْلِمِ، وَحَامِلِ الْقُرْآنِ”(رواه أبو داود).

 

وَعِمَارَةُ القَلْبِ بِحَسَبِ مَا فِيهِ مِن القُرْآن، فَـ ”الَّذِي لَيْسَ فِي جَوْفِهِ شَيْءٌ مِنَ القُرْآنِ: كَالبَيْتِ الخَرِبِ”(رواه الترمذي). قال العُلَمَاءُ: “في هَذَا الحَدِيثِ: التَّحْرِيْضُ عَلَى حِفْظِ القُرْآنِ أو بَعْضِهِ؛ لِيَكُونَ جَوْفُهُ عَامِرًا!”.

 

وَمَنْ جَمَعَ بَيْنَ الإِيْمَانِ وَالقُرْآنِ والتِّلَاوَةِ وَالعَمَلِ؛ فَقَدْ اجْتَمَعَ لَهُ جَمَالُ المَنْظَرِ وَالمَخْبَرِ، وَحُسْنُ الظَّاهِرِ وَالبَاطِنِ، قال -صلى الله عليه وسلم-: “مَثَلُ الْمُؤْمِنِ الَّذِي يَقْرَأُ الْقُرْآنَ: كَمَثَلِ الأُتْرُجَّةِ: رِيحُهَا طَيِّبٌ، وَطَعْمُهَا طَيِّبٌ!”(رواه البخاري، ومسلم). قال النَّوَوِي: “فِيهِ فَضِيلَةُ حَافِظِ الْقُرْآنِ”.

 

وَحَافِظُ القُرْآن لَا تَمَسّهُ النِّيْرَانُ، قال -صلى الله عليه وسلم-: “لَوْ كَانَ الْقُرْآنُ فِي إِهَابٍ -أي في جِلْد-، مَا أَكَلَتُهُ النَّارُ!”(رواه الطبراني، وحسَّنه الألباني).

 

وَمَنْ حَفِظَ القُرْآن حَفِظَهُ القُرْآنُ، قالَ ابْنُ عَبَّاس -رضي الله عنه-: “مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ؛ لَمْ يُرَدُّ إِلَى أَرْذَلِ الْعُمُرِ”. قال العَلَّامَةُ الشَّنْقِيطِيُّ: “تَوَاتَرَ عِنْدَ الْعَامَّةِ وَالْخَاصَّةِ: أَنَّ حَافِظَ كِتَابِ اللهِ، الْمُدَاوِمَ عَلَى تِلَاوَتِهِ، لَا يُصَابُ بِالْخَرَفِ وَلَا الْهَذَيَانِ!”.

 

وَحَافِظُ القُرْآنِ يَصْعَدُ في دَرَجَاتِ الجِنَانِ، قَالَ -صلى الله عليه وسلم-: “يُقَالُ لِصَاحِبِ الْقُرْآنِ: اقْرَأْ وَارْتَقِ وَرَتِّلْ: كَمَا كُنْتَ تُرَتِّلُ فِي الدُّنْيَا؛ فَإِنَّ مَنْزِلَتَكَ عِنْدَ آخِرِ آيَةٍ تَقْرَأُ بِهَا”(رواه الترمذي، وصححه الألباني). قال ابْنُ حَجَر: “لَا يَنَالُ هَذَا الثَّوَابَ، إِلَّا مَنْ حَفِظَ الْقُرْآنَ كَمَا يَنْبَغِي”.

 

وَلَوْلا تَيْسِيرُ اللهِ مَا اسْتَطَاعَ أَحَدٌ حِفْظَ القُرْآن؛ لِأَنَّهُ لَيْسَ مِنْ كَلَامِ البَشَرِ، لَكِنَّ اللهَ يَسَّرَهُ لِلْذِّكْرِ، وَإِلَّا فَإِنَّ طَاقَةَ البَشَرِ تَعْجَزُ عَنْ حِفْظِهِ وَحَمْلِهِ، قال -جل جلاله-: (وَلَقَدْ يَسَّرْنَا الْقُرْآنَ لِلذّكْرِ فَهَلْ مِن مّدّكِرٍ).

 

وَحَافِظُ القُرْآنِ رَفِيْقُ المَلَائِكَةِ؛ لِاتِّصَافِهِ بِصِفَاتِهِمْ، قال -صلى الله عليه وسلم-: “مَثَلُ الَّذِي يَقْرَأُ القُرْآنَ، وَهُوَ حَافِظٌ لَهُ؛ مَعَ السَّفَرَةِ الكِرَامِ البَرَرَةِ!”(رواه البخاري، ومسلم).

 

أَقُوْلُ قَوْلِي هَذَا، وَاسْتَغْفِرُ اللهَ لِيْ وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوْهُ إِنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحِيم.

 

 

الخُطْبَةُ الثَّانِيَةُ:

 

الْحَمْدُ للهِ عَلَى إِحْسَانِهِ، والشُّكْرُ لَهُ عَلَى تَوْفِيْقِهِ وَامْتِنَانِهِ، وَأَشْهَدُ أَلَّا إِلَهَ إِلَّا الله، وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُوْلُه.

 

أَمَّا بَعْدُ: فَإِنَّ أَعْظَمَ هَدِيَّةٍ يُقَدِّمُهَا الوَلَدُ إلى وَالِدَيْهِ هِيَ الإِقْبَالُ عَلَى القُرْآنِ؛ تِلَاوَةً، وَحِفْظًا، وَعِلْمًا، وَعَمَلاً، يقول -صلى الله عليه وسلم-: “مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، وَتَعَلَّمَهُ، وَعَمِلَ بِهِ؛ أُلْبِسَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ تَاجًا مِنْ نُورٍ، ضَوْءُهُ مِثْلُ ضَوْءِ الشَّمْسِ، وَيُكْسَى وَالِدَيْهِ حُلَّتَانِ لَا يَقُومُ بِهِمَا الدُّنْيَا! فَيَقُولَانِ: بِمَا كُسِيْنَا؟ فَيُقَالُ: بِأَخْذِ وَلَدِكُمَا الْقُرْآنَ”.  قال ابْنُ الجَوْزِي: “كَانَ السَّلَفُ إِذَا نَشَأَ لِأَحَدِهِمْ وَلَدٌ؛ شَغَلُوْهُ بِحِفْظِ القُرْآنِ والحَدِيْثِ؛ فَيَثْبُتُ الإِيْمانُ في قَلْبِهِ!”.

 

وَبَعْضُ أَبْنَاءِ المُسْلِمِيْنَ نَشَؤُوا على إِتْقَانِ الأَعْجَمِيَّةِ، وَالعُلُوْمِ الدُّنْيَوِيَّةِ، وَهَجَرُوا أَصْلَ العِلْمِ، وَمَنْبَعَ الفَهْم، قالَ ابْنُ تَيْمِيَّة: “حِفْظُ الْقُرْآنِ: مُقَدَّمٌ عَلَى كَثِيرٍ مِمَّا تُسَمِّيهِ النَّاسُ عِلْمًا: وَهُوَ إمَّا بَاطِلٌ أَوْ قَلِيلُ النَّفْعِ! فَإِنَّ الْمَشْرُوعَ أَنْ يَبْدَأَ بِحِفْظِ الْقُرْآنِ؛ فَإِنَّهُ أَصْلُ عُلُومِ الدِّينِ”، قَالَ بَعْضُ السَّلَفِ: “مَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ؛ فَقَدْ أُدْرِجَتِ النُّبُوَّةُ بَيْنَ جَنْبَيْهِ، إِلَّا أَنَّهُ لَا يُوْحَىَ إِلَيْهِ! وَمَنْ قَرَأَ الْقُرْآنَ، فَرَأَى أَنَّ أَحَدًا مِنْ خَلْقِ اللهِ: أُعْطِيَ أَفْضَلَ مِمَّا أُعْطِيَ؛ فَقَدْ حَقَّرَ مَا عَظَّمَ الله!”.

 

فَاعْرِفُوا شَرَفَ كِتَابِكُمْ! وَاحْفَظُوا حُرُوْفَهُ وَحُدُوْدَهُ؛ فَهُوَ دُسْتُورُ العِزَّةِ، وَمَصْدَرُ الحِكْمَةِ (لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ).

 

اللَّهُمَّ أَعِزَّ الإِسْلامَ والمُسْلِمِينَ، وأَذِلَّ الشِّرْكَ والمُشْرِكِيْن.

 

اللَّهُمَّ فَرِّجْ هَمَّ المَهْمُوْمِيْنَ، وَنَفِّسْ كَرْبَ المَكْرُوْبِين.

 

اللَّهُمَّ آمِنَّا في أَوْطَانِنَا، وأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُوْرِنَا، وَوَفِّقْ وَلِيَّ أَمْرِنَا وَوَلِيَّ عَهْدِهِ لما تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَخُذْ بِنَاصِيَتِهِمَا لِلْبِرِّ والتَّقْوَى.

 

عِبَادَ الله: (إِنَّ اللهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالإحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ).

 

فَاذْكُرُوا اللهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوْهُ على نِعَمِهِ يَزِدْكُمْ (وَلَذِكْرُ اللهِ أَكْبَرُ وَاللهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ).

المرفقات

حفظ القرآن.doc

حفظ القرآن.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات