حرمة الأموال

الشيخ عبدالعزيز بن محمد النغيمشي

2022-12-09 - 1444/05/15 2022-12-19 - 1444/05/25
عناصر الخطبة
1/من محاسن الشريعة الإسلامية 2/أهمية المال 3/وجوب صيانة المال العام 4/تحريم التعدي على المال العام 5/خطورة استحلال الأموال العامة والخاصة للمسلمين.

اقتباس

وحَرَّم الإسلامُ أكلَ أموالِ الناسِ بالباطلِ بشتى صُوَرِه، فَكُلُّ مالٍ أُخِذَ مِنْ صاحِبِه بغير وجه حقٍّ، فهو حرامٌ، بالغشِّ أو الخِداعِ، أو السرقةِ أو المكوسِ، أو غيرها مِن طرائقِ العدوانِ على الأموال، بالغصبِ أو الحيلةِ، أو المكرِ أو الخداع. كُلُّها فسادٌ وعدوانٌ، يُوْجِبُ المحقَ والهلاكَ والعذابَ على آخِذِهَا وعلى مَن أعانَ على أخذِها....

الخُطْبَةُ الأُولَى:

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب:70-71].

 

أيها المسلمون: أُمّةٌ تَتَوَشَّحُ وِشاحَ الشرفِ، وتتجَلَّلُ رِداءَ الكرامةِ، وتكتَسِي كساءَ المجد.. لها دُستورٌ مُحكَمٌ وكتابٌ قَوِيم.

 

لها دِينٌ كامِلٌ، قَوَّمَ العقيدةَ، وهذَّبَ السلوكَ، وتَمَّمَ الأخلاقِ، وأصلح شأن الفردِ وحمى كِيانَ المجتمع. دِينٌ أَقَام العدلَ وأمر به، وأَبْطَلَ الجورَ وحذَّرَ منه. دِينٌ تأَخذُ الأَمةُ بِتعالِيمِه، وتَسْتَمْسِكُ بأَحكامِه، تَهتدِي بهدي القُرآنِ، وتستنيرُ بأحادِيثِ السُّنةِ؛ فلا تنحرفُ عنها ولا تحيد، ولا تَزيغُ ولا تَميل؛ فتَبْقى قائمةً على الحقِّ باقيةً عليه. مُمسِكةً بالعزِّ سابقةً إليه.

 

شَرِيعةٌ أُحكِمَتْ مِنْ لَدُنْ حَكِيْمٍ خَبِير، هي للتمكينِ أَقوى سَنَدٌ، وهي للصدارةِ أَمتَنُ عِماد، لها أَنظمَةٌ للعدالةِ كافية، وللنزاهةِ وافِيَة.

 

أثْبَتَتِ الحقوقَ، فَحفظَت الأَنفسَ، وصانَتِ الأعراضَ، وعَصَمَتِ الدماءَ، وحمَتْ الأَموالَ؛ فلا بغيَ ولا بخسَ، ولا هَضمَ ولا عدوان.  

 

والمالُ هُو قِوامُ الحياةِ، وبِه عمارةُ الدنيا؛ بالحفاظِ عليهِ تُحفظُ مصالحُ العبادِ، وبالجُرأةِ عليه، تَفسُدُ على الناسِ معايشَهُم.

 

المالُ، هو واحدٌ من الضَّروراتِ التي أَمَرَ الدينُ بحمايَتها. تَوجيهٌ إلهِيٌّ وتوعيةٌ رَبَّانية (وَلَا تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَّتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَامًا وَارْزُقُوهُمْ فِيهَا وَاكْسُوهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلًا مَعْرُوفًا)[النساء: 5].

 

احفظوا أَموالَكُمْ، لا يتولَّى أَمْرَ المالِ مُفسدٌ، ولا يُؤْتَى المالُ لِسَفِيه؛ فإِن المالَ لحياتِكْمْ قِيامٌ. ولا قيامَ لِمَنْ لا يُحسِنُ للمالِ تدبير.

 

وحين يكون المالُ مِلْكاً لِقاصِرٍ؛ فإن الشريعةَ جاءتْ بِحِفْظِ مالِه وَأَمَرتْ بِصيانتِه، حتى يتحققُ رُشدُهُ، ويؤمَنُ في تَصَرُّفِه (وَابْتَلُوا الْيَتَامَى حَتَّى إِذَا بَلَغُوا النِّكَاحَ فَإِنْ آنَسْتُمْ مِنْهُمْ رُشْدًا فَادْفَعُوا إِلَيْهِمْ أَمْوَالَهُمْ)[النساء:6].

 

وأَمْوَالُ النَّاسِ عَامةً فيما بينهم، لها حُرْمَةٌ مَقْرُوْنَةٌ بِحرمَةِ النفسِ المعصومَة، والعِرضِ المُصَان. وقَفَ رسولُ الله -صلى الله عليه وسلم- خطيباً يومَ النَّحر بِمنًى في حجَّةِ الودَاعِ فقال: "إنَّ دِماءَكُم، وأمْوالَكم وأعْراضَكُم حرامٌ عَلَيْكُم كَحُرْمة يومِكُم هَذَا، في شهرِكُمْ هَذَا، في بلَدِكُم هَذَا، ألا هَلْ بَلَّغْتُ"(متفقٌ عَلَيهِ).

 

وَلِحُرْمةِ الأموالِ في الإسلامِ، أحلَّ الله البيعَ وحرَّم الرِّبا، فالربا جَوْرٌ وظلمٌ وفَسادٌ وعُدوانٌ، يَمْحَقُ الله الرِّبا. والمُرابُونَ قَدْ آذَنَهُمُ اللهُ بِحَرْبٍ مِنهُ ورَسوْلِه.

 

وَلِحُرْمةِ الأموالِ في الإسلامِ، أباحَ اللهُ المالَ مِنْ كَسْبٍ طَيِّبٍ، وحَرَّمَهُ مِن كَسْبٍ خَبِيث. حَرَّم الغِشَّ في البَيْعِ وفي الصَّنْعةِ وفي سائرِ العقودِ والتعامُلات، فقال رسولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قولاً زاجراً "مَنْ غشَّ فليس منِّي"(رواه مسلم).

 

وحَرَّم الإسلامُ أكلَ أموالِ الناسِ بالباطلِ بشتى صُوَرِه، فَكُلُّ مالٍ أُخِذَ مِنْ صاحِبِه بغير وجه حقٍّ، فهو حرامٌ، بالغشِّ أو الخِداعِ، أو السرقةِ أو المكوسِ، أو غيرها مِن طرائقِ العدوانِ على الأموال، بالغصبِ أو الحيلةِ، أو المكرِ أو الخداع. كُلُّها فسادٌ وعدوانٌ، يُوْجِبُ المحقَ والهلاكَ والعذابَ على آخِذِهَا وعلى مَن أعانَ على أخذِها، فَرَبُّ العالمينَ قد نهى وحذَّرَ وزَجَر: (وَلَا تَأْكُلُوا أَمْوَالَكُمْ بَيْنَكُمْ بِالْبَاطِلِ وَتُدْلُوا بِهَا إِلَى الْحُكَّامِ لِتَأْكُلُوا فَرِيقًا مِنْ أَمْوَالِ النَّاسِ بِالْإِثْمِ وَأَنْتُمْ تَعْلَمُونَ)[البقرة: 188].

 

وَحَرَّم الإسلامُ الرِّشوةَ، وهي كُلُّ عَطِيَّةٍ أو هَدِيَّةٍ أو مالٍ يُدفعُ لِيُشْتَرى به ذِمَّةُ مَنْ له قُدْرَةٌ أو وَجَاهَةٌ أو منصبٌ، لِيُعينَ على عَمَلِ ما لا يَحِلّ، أو على تحقيقِ منفعةٍ لم يكُن لِيَبْلُغَها قَبْلَ غيرِه بالعدلِ لولا هذا المالُ والعَطِيَّة.

 

وهذه الرشوةُ ولو كانت نزراً يسيراً، فإنها من كبائر الذنوبِ، وهي مِنْ أَكْلِ أَمْوالِ الناسِ بالباطل، جاء اللعنُ والوعيد لأركانها الثلاثة؛ الراشي والمرتشي والوسيط، في حديثِ ثوبانَ -رضي الله عنه- أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لعن الراشي والمرتشي والرائش"(رواه الإمامُ أحمد وغيره).

 

وفي القرآنِ قال الله: (سَمَّاعُونَ لِلْكَذِبِ أَكَّالُونَ لِلسُّحْتِ)[المائدة:42]؛ قال العلماءُ: والسُّحتُ هِيَ الرِّشْوَةُ. وللرشوةِ طرائقُ تتجلى في صورٍ شتى، وحين يلوحُ للنفسِ الرديئةِ بريقُ المالِ، وسُهولَةُ نَيْلِه، تتهاوى حصونُ المروءةِ، ويتداعى بنيان الأمانةِ، إنْ لم يَقُمُ في النفسِ وَرَعٌ صادِقٌ ومراقبةٌ وتقوى، (وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ رَقِيبًا)[الأحزاب: 52].

 

 بارك الله لي ولكم..

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، وأشهد أن لا إله إلا الله ولي الصالحين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله النبي الأمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابِه أجمعين وسلم تسليما.

 

 أما بعد: فاتقوا الله لعلكم ترحمون.

 

أيها المسلمون: إن استحلالَ الأموالِ العامةِ والخاصةِ للمسلمينَ بأدنى الحِيَل، والمشاركةِ في العدوان عليها، مِن أَعْظَمِ ضُرُوْبِ الفسادِ في الأرضِ، أرسلَ الله شُعيباً -عليه السلامُ- إلى قَومٍ فشا فيهم الفسادُ الاقتصادي، إذ شاعَ فيهم التطفيفُ في المكيالِ الميزان، فَوَعَظَهُم شُعيبُ وَحَذَّرَهُم وقال: (يَا قَوْمِ اعْبُدُوا اللَّهَ مَا لَكُمْ مِنْ إِلَهٍ غَيْرُهُ وَلَا تَنْقُصُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ إِنِّي أَرَاكُمْ بِخَيْرٍ وَإِنِّي أَخَافُ عَلَيْكُمْ عَذَابَ يَوْمٍ مُحِيطٍ * وَيَا قَوْمِ أَوْفُوا الْمِكْيَالَ وَالْمِيزَانَ بِالْقِسْطِ وَلَا تَبْخَسُوا النَّاسَ أَشْيَاءَهُمْ وَلَا تَعْثَوْا فِي الْأَرْضِ مُفْسِدِينَ * بَقِيَّةُ اللَّهِ خَيْرٌ لَكُمْ إِنْ كُنْتُمْ مُؤْمِنِينَ وَمَا أَنَا عَلَيْكُمْ بِحَفِيظٍ)[هود: 84-86].

 

فاستكبرَ أكثَرُهُم وأعرضوا، وقالوا ساخرين، (يَا شُعَيْبُ أَصَلَاتُكَ تَأْمُرُكَ أَنْ نَتْرُكَ مَا يَعْبُدُ آَبَاؤُنَا أَوْ أَنْ نَفْعَلَ فِي أَمْوَالِنَا مَا نَشَاءُ إِنَّكَ لَأَنْتَ الْحَلِيمُ الرَّشِيدُ)[هود:87]؛ يا شُعيبُ دَعْكَ في عبادتكَ وصلاتِكَ، ولا تَتجاوزْ إلى تبصيرنا في شؤونِ أموالنا، فنحنُ أدرى بها وأَعلم.

 

مَنْطقُ مَنْ يَدعو إِلى فصلِ الدينِ عن الدُنيا، وإِلى إِقصاءِ الشريعةِ عن الحياةِ، فَباتَ يقولُ ويُرَدِّد، الدينُ للهِ والوطنُ للجميع، والله قد قال وقوله الحق: (قُلْ إِنَّ صَلَاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَايَ وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الأنعام:162]، (إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ)[يوسف:40]، (وَمَنْ أَحْسَنُ مِنَ اللَّهِ حُكْمًا لِقَوْمٍ يُوقِنُونَ)[المائدة: 50]؛ فكلُّ أمرٍ في حياةِ الناسِ فهو خاضعٌ لحكم الله وشرعه، بهذا تَصلُحُ الحياةُ وينتفي خَبَثُها.

 

وإن مِما أوجَبَهُ الله على كُلِّ مسلمٍ، أن ينصح للمسلمين، وأن يَصدُقَ في حفظ حقوقِهم، وأن يُحبَّ لهم ما يحبُه لنفسه، وأن يُنكِرَ المُنكرِ ما استطاع، وأن لا يَكُونَ عوناً للمفسدِ على إفسادِه، ولا للمعتدي على عدوانِه، وأن يكشِفَ المفسدِينَ وأن يظهِرَ أمرَهم، وأَن لا يكونَ يداً جارِحَةً تُلِحقُ الأّذى بالمسلمين في أَموالِهم. واللهُ ناصِرٌ كُلَّ مظلومٍ، وقاصٍمٌ كُلَّ ظالِم.

 

واللهُ محاسِبٌ كُل معتدٍ على عدوانِه (وَمَنْ يَغْلُلْ يَأْتِ بِمَا غَلَّ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثُمَّ تُوَفَّى كُلُّ نَفْسٍ مَا كَسَبَتْ وَهُمْ لَا يُظْلَمُونَ)[آل عمران: 161].

 

اللهم احفظ علينا ديننا، ....

 

المرفقات

حرمة الأموال.pdf

حرمة الأموال.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات