حد الطلاق

عبد الرحمن بن صالح الدهش

2022-10-09 - 1444/03/13
عناصر الخطبة
1/ فضائل الزواج وثمراته 2/ مخاطر التسرع في الطلاق 3/ مفاسد الطلاق في المجتمع 4/ أسباب كثرة وقوع الطلاق 5/ أسباب الرغبة عن الزوجة 6/ التساهل في الحلف بالطلاق.

اقتباس

وإنَّ المزعج في الطلاق أن يكون سلاحاً بيد بعض السفهاء والحمقى يشهرونه في وجوه أزواجهم عند أدنى مخالفة، فهو سلاح يُرفع عند اختلاف في خروج أو دخول، وسلاح يُرفع عند إرادة سفر أو إقامة، وسلاح يُرفع عند حضور دعوة أو مناسبة، وسلاح يُرفع عند اختلاف في شراء ثوب أو إرجاعه، بل هو سلاح لزيادة أو قلة ملح الطعام، وهكذا... أمور تضحك العاقل الرزين، وشر البلية ما يضحك.

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه...

 

أما بعد:

فلئن سبق حديث عن نعمة الزواج مغتبطين أن يسر الله هذه النعمة لطائفة من أبنائنا وبناتنا، راجين الله تيسيره للطائفة الباقية.

 

مغتبطون بهذه النعمة؛ لأننا ندرك أن الزواج هو الطريق الصحيح لإغلاق باب الشر دون مريديه، فهو أغض للبصر وأحصن للفرج، والزواج سكن للنفس لاسيما في زمن تموج فيه الفتن.

       

وبعد ذلك أجدني محتاجاً أو مضطراً أن يكون الكلامُ عن انفصامٍ يضاد الألفة والوفاق، وفرقة تفلُّ ما أبرمته عقدة النكاح فيسر بها العدو، وتضيق بها صدور الأحباب والرفاق، إنه موضوع التسرع في الطلاق

 

والطلاق من حيث هو حدٌّ شرعي وحكم إلهي.

 

وإنَّ المزعج في الطلاق أن يكون سلاحاً بيد بعض السفهاء والحمقى يشهرونه في وجوه أزواجهم عند أدنى مخالفة، فهو سلاح يُرفع عند اختلاف في خروج أو دخول، وسلاح يُرفع عند إرادة سفر أو إقامة، وسلاح يُرفع عند حضور دعوة أو مناسبة، وسلاح يُرفع عند اختلاف في شراء ثوب أو إرجاعه، بل هو سلاح لزيادة أو قلة ملح الطعام، وهكذا... أمور تضحك العاقل الرزين، وشر البلية ما يضحك.

 

ألا فاعلموا عباد الله: أنَّ الله عظمَّ شأن الطلاق وجعله حداً من حدوده وقال: (وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ) [البقرة: 229]، وقال: (تِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ يُبَيِّنُهَا لِقَوْمٍ يَعْلَمُونَ) [البقرة: 230].

 

والطلاق حلّ ومخرج من مسؤولية النكاح إذا تعذرت سبل البقاء، وانغلقت أمام الزوجين طرق الإصلاح يعد التأني والصبر، لعلَّ الله يحدث بعد ذلك أمراً حينئذ يطلق ممتثلاً أمر الله -تعالى- لنبيه -صلى الله عليه وسلم-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ) [الطلاق: 1].

 

فالطلاق له عدة، أي: زمن ووقت يصح فيه ويكون شرعياً إذا وافق العدة فلا يجوز أن يطلقها وهي حائض ولا في طهر قد جامع فيه؛ ففي الصحيحين أن ابن عمر طلق زوجته وهي حائض، فكيف كان موقف النبي -صلى الله عليه وسلم- من هذا الطلاق البدعي، يقول عمر -رضي الله عنه- والد المطلِّق تغيظ النبي -صلى الله عليه وسلم- لذلك، وقال: "مره ليراجعها، ثم يمسكها حتى تطهر ثم تحيض ثم تطهر، فإن بدا له أن يطلقها فليطلقها قبل أن يمسها، فتلك العدة التي أمر الله بها أن تُطلَّق لها النساء".

 

فعُلم من هذا أن الطلاق لا بد أن يكون في حال طهر لم يجامَع فيه، وعلم من ذلك أن الحامل يصح طلاقها، والطلاق واقع عليها.

 

ثم بعد مراعاة الوقت فليحذر الحَمَق من جهة أخرى، فلا يجوز أن يُطلق بأكثر من واحدة، فلا يجوز أن يطلق مرتين ولا ثلاثاً فهذا تلاعب بالطلاق، واستعجال لأمر كانت للناس فيه أناة، وروي أن رجلاً طلق امرأته ثلاث تطليقات جميعًا، فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- غضبان، ثم قال: "أيُلعَب بكتاب الله وأنا بين أظهركم" حتى قام رجل، وقال: يا رسول الله ألا أقتله؟ (سنن النسائي، وقال الشيخ الألباني: ضعيف).

 

وعجب من أناس كرروا الطلاق مرات تلو مرات، فهو المرغي المزبد به يصرخ ويلعن، ويسب معه، وربما طلَّق عدد النجوم، أو طلق عدد كذا وكذا مما يمليه الشيطان عليه.

 

وفي مقابل هؤلاء الفئة المستهترة، فالطلاق يحمله ولده الصغير ليوصله إلى أمه، أو يكتبه في رسالة جوال لزوجته، فالطلاق وسيلة إغاظة وانتقام وطريق لإثبات الرجولة كما يتصور بعضهم.

 

ومسكين ذلك الزوج المغترب جاء إلى هذا البلد يسترزق فيه، يطلب لقمة العيش مسكين حينما يطلق زوجته إثر مكالمة هاتفية مع طول الغربة وبُعد الشقة، فتكون هديته أهله في زمن غربتهم وطول صبرهم كلماتِ الطلاق؛ لأنهم خالفوه في أمر في بيته أو لم يكلموه كما يريد، فبعده في بدنه لم يبعد أذيته لأهله، فيا سبحان الله!

 

ما ظنَّ هذا المطلِّق لأهله في زمن الفتن، وطول العهد ما ظنه بعد إسماعهم ما يكرهونه؟!

 

أليس الأجدر بك في مكالمتك إياهم أن توصيهم بتقوى الله، ومراقبته والبعد عن مواطن الفتن والخلوة المحرمة، والحذر من النظر المحرم والاختلاط بغير المحارم من الأقارب وغيرهم.

 

عباد الله: لا تفرحوا الشيطان بطيشكم، ولا تسمعوه ما يضركم ولا ينفعكم، واسمعوا ففي صحيح مسلم (4/2167) عن جابر قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إن إبليس يضع عرشه على الماء ثم يبعث سراياه فأدناهم منه منزلة أعظمهم فتنة يجيء أحدهم فيقول: فعلت كذا وكذا، فيقول: ما صنعت شيئًا، قال ثم يجيء أحدهم فيقول: ما تركته حتى فرقت بينه وبين امرأته قال: فيدنيه منه، ويقول: نِعْم أنت".

قال الأعمش: أراه قال فيلتزمه، أي: يضمه إلى نفسه ويعانقه.

 

عباد الله: بعد أن تضيق الحيلة، ويتعين الطلاق حلاً لا انتقاماً، فإن على المرأة ما دام طلاقها رجعياً أن تبقى في بيت زوجها حتى تنتهي عدتها، وهي في حكم زوجاته لا يجوز خروجها، ولا يجوز لزوجها أن يخرجها (لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ) [الطلاق: 1] تتزين له وتكلمه، ولا تمتنع من أي شيء يكون بين الزوجين؛ فإن جامعها فهو إرجاع لها وإبقاء لنكاحها.

 

وإذا كان الحكم هو أن تبقى المطلقة الرجعية في بيت زوجها، فإن ما يتسرع فيه بعض الأولياء من الآباء أو الإخوة، بل حتى بعض الأعمام والأخوال حينما يسمع أن موليته قد طُلقت لا يقرّ قراره حتى يخرجها من بيت زوجها من أي ساعة من ليل أو نهار، ويرى في ذلك حفظاً لحقها وحق أهله، وهذه حمية جاهلية، وجرأة على حق أوجبه الله.

 

 فتعقلوا أيها الأولياء! فالمرأة ليس لها إلا بيت زوجها وعصبية المحرم الشيطانية لن تنفع المرأة في عاجل أمرها ولا في آجله، وحينما يثبت الطلاق تجد المتعجل هو أول من يضيق ذرعاً بموليته المطلقة، والذي كان سبباً في إخراجها من بيتها. بل إنَّ الواجب لو طلبت من وليها أن يخرجها لكان على وليها أن يعقلها ويبين لها تبعات ذلك.

 

(يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ إِذَا طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ فَطَلِّقُوهُنَّ لِعِدَّتِهِنَّ وَأَحْصُوا الْعِدَّةَ وَاتَّقُوا اللَّهَ رَبَّكُمْ لَا تُخْرِجُوهُنَّ مِنْ بُيُوتِهِنَّ وَلَا يَخْرُجْنَ إِلَّا أَنْ يَأْتِينَ بِفَاحِشَةٍ مُبَيِّنَةٍ وَتِلْكَ حُدُودُ اللَّهِ وَمَنْ يَتَعَدَّ حُدُودَ اللَّهِ فَقَدْ ظَلَمَ نَفْسَهُ لَا تَدْرِي لَعَلَّ اللَّهَ يُحْدِثُ بَعْدَ ذَلِكَ أَمْرًا) [الطلاق: 1].

 

 

الخطبة الثانية:

 

أما بعد:

فإن للطلاق الذي سمعت بعض أحكامه أسباباً كثيرة.

 

نعد منها تساهل الأولياء في قبول الخاطب، والمسارعة في تزويجه، وعدم التحقق من صلاحه؛ فقد يتبين للمرأة أن زوجها الذي عقدت عليه آمالها، وسرحت في الأحلام تجاهه خيالها قد تكتشف أنه لا يصلي ألبتة، فضلاً عن جهله بطريق المسجد وحضور الجماعة فيا للمصيبة.

 

قد تكتشف أن زوجها من أصحاب السوابق الأخلاقية، وشاربي المسكر، ومروجي المخدر، ولم تعرف له توبة واضحة فيا للمصيبة!!

 

ومن أهونها وليس بهين أن زوجها مدخن، وقد وعد وليها بتركه وعداً عارضاً جاء في ثنايا الكلام أيام الخطوبة حتى يقبل، والولي لم يأخذ برأي موليته ويطلعها على هذا العيب الذي هو أعظم من عيب نقص وظيفته أو نحو ذلك مما يراه هو عيباً.

 

أيها الإخوة من أعظم أسباب الطلاق: الرغبة عن الزوجة بعد كانت ريحانة قلبه وأنس فؤاده، ومن أعظم أسباب الرغبة عن الزوجة..

 

لقد استجر الشيطان بعض المتزوجين، وأملى لهم وزيَّن النظر الحرام للنساء الأجنبيات النظر المباشر أو عبر مواقع السوء وقنوات الرذيلة، فقلبوا أبصارهم ينظرون الزنا ومقدماته ويستلذون بمشاهدته، زاعمين أنها فرجة مباحة، بل دعوا زوجاتهم لمشاركتهم تلك المتابعات، فماذا كانت النتيجة قذف الله في قلبه الرغبة عن زوجته، وقذف في زوجته الرغبة عنه عقوبة عاجلة، فاستثقل وجودها، وملَّ معاشرتها بعد أن وقع في حبائل الشيطان، فلم تفارق صور الحرام مخيلته فهو يعبّ من تلك المناظر ماء أجاجاً إن شرب منه زاده عطشاً, إن تركه يجد نفسه تطلبه فلم يصبر عنه. فإنا لله وإنا إليه راجعون.

 

ما أعظم الهوان على من هانت عنده محارم الله.

وإن من أسباب الرغبة عن الزوجة أن يريدها على أمر حرَّمه الله عليه، والله -تعالى- يقول (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ) [البقرة: 223].

 

فأباح الله الزوجة من مكان الحرث وهو قُبُلها، ومن الشذوذ الجنسي أن يستطيب إتيان المرأة في دبرها فِطَر تنكست.

 

عن ابن عباس قال: جاء رجل إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فقال: يا رسول الله هلكت. قال: وما الذي أهلكك؟ قال: حوَّلت رحلي الليلة، فلم يرد عليه شيئًا، فأوحي إلى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- هذه الآية: (نِسَاؤُكُمْ حَرْثٌ لَكُمْ فَأْتُوا حَرْثَكُمْ أَنَّى شِئْتُمْ)، يقول: أقبل وأدبر واتق الدبر والحيضة" (حديث حسن رواه النسائي وغيره).

 

وفي بعض الأحاديث "ملعون من أتى امرأته في دبرها".

وفي حديث آخر: "لا ينظر الله إلى رجل يأتي امرأته في دبرها".

واقرأ أدلة أخرى في آداب الزفاف للألباني لتعرف أن ذلك من كبائر الذنوب.

 

وقال الذهبي -رحمه الله-: "قد تيقنا بطرق لا محيد عنها نهي النبي -صلى الله عليه وسلم- عن أدبار النساء، وجزمنا بتحريمه، ولي في ذلك مصنف كبير".

 

أيها الإخوة: نشير إلى أمر تساهل فيه بعض الناس، ألا وهو الحلف بالطلاق، فعليَّ الطلاق أن تدخل بيتي، أو أن تأكل ذبيحتي!

 

ثم هذا الجهل يقابل بجهل مثله فيقول صاحبه: وأنا عليَّ الطلاق ألا أدخل بيتك، وألا آكل ذبيحتك، فيتحول الكرم المزعوم إلى عناد وتحدٍّ مذموم، ويحضر الشيطان، وتكون القطيعة !

 

ثم هذه المظلومة المرأة التي طلق عليها لا تدري عن أي شيء من جهل زوجها!

ألا فليعلم هؤلاء أن الطلاق يقع في هذه الحال عند جماهير العلماء!

حينها يخربون بيوتهم بأيديهم !

 

 

المرفقات

الطلاق

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات