حديث عن النوم

الشيخ عبدالعزيز بن محمد النغيمشي

2024-10-11 - 1446/04/08 2024-10-14 - 1446/04/11
عناصر الخطبة
1/النوم ليس من صفات الله تعالى ولا يعتريه 2/حقيقة النوم ومنافعه وضرر السهر ومخاطره 3/أكمل الناس هديا في النوم محمد عليه الصلاة والسلام 4/من سنن النوم وآدابه

اقتباس

نَوْمُكَ قَرِيْرَ العَيْنِ هادِئَ البال، مِنْ أَعظَمِ النِعَمِ وأَجَلِّها، تَضَعُ جَنْبَكَ على فِراشِكَ في عافِيةٍ، لا هَمٌّ ولا كَدَرٌ، ولا كُرُبٌ ولا ألَمُ، ولاَ خَوفٌ ولا مَرَضٌ، وَمَا نَعِمَ بالنَّومِ مَكْلُومٌ، وما أَخلَدَ إِليهِ مَهْمُوم، سَائِلْ مُعَنَّى أَعْيَا جَفْنَهُ السَّهَرُ، وَكَمْ أَجْفَلَتْ نَوماً هُمُومٌ طَوارِقُ...

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ؛ أَمَّا بَعْدُ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً ۚ وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ ۚ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ ۗ وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

 

أيها المسلمون: مَالِكُ المُلْكِ مُدَبِرُ الكَونِ رَبُّ العالَمِين، على العَرْشِ اسْتَوَى، يَعْلَمُ السِّرَ وأَخْفَى، أَحَاطَ بِكُلِّ شَيءٍ عِلْماً، وأَحصَى كُلَّ شَيءٍ عَدَداً، ذُو العِزَّةِ والجَلالِ، والقَهْرِ والكَمال، الكِبْرِياءِ والعَظَمَة، حَيٌّ قَيُّومٌ لا تَأَخُذُهُ سِنَةٌ ولا نَوْم،

 

لا تأَخُذُهُ سِنَةٌ: فُتُورٌ يَغْشَى الحَوَاسَّ فَيُضِعِفُها ثُمَّ يُسْلِمُها للنَّوم، والنَّوْمُ سُكُونٌ للجَوارِحِ، وغِيابٌ لِلْوَعِيِ، وضَعْفٌ للإِحساس؛ فَتَعالَى اللهُ الحَيُّ القَيُّومُ أَنْ يَنام، هُو القائِمُ على كُلِّ نَفْسٍ بِما كَسَبَت، هُوَ مَنْ قامَت بِهِ السماواتُ والأَرض، هُو الحفيظُ وهو الرَّقِيْب، وهو المُحِيْطُ وهوَ الشَّهِيد، هُو المَفْزَعُ في المُلِمَّات، والملاذُ في النائِبات؛ (يَسْأَلُهُ مَن فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ)؛ فَتَعالَى اللهُ الحَيُّ القَيُّومُ أَنْ يَنام؛ عَنْ أَبِي مُوسَى الأَشْعَرِيِّ -رضي الله عنه- قَالَ: قَامَ فِينَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- بِخَمْسِ كَلِمَاتٍ، فَقَالَ: «إِنَّ اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ- لَا يَنَامُ، وَلَا يَنْبَغِي لَهُ أَنْ يَنَامَ، يَخْفِضُ الْقِسْطَ وَيَرْفَعُهُ، يُرْفَعُ إِلَيْهِ عَمَلُ اللَّيْلِ قَبْلَ عَمَلِ النَّهَارِ، وَعَمَلُ النَّهَارِ قَبْلَ عَمَلِ اللَّيْلِ، حِجَابُهُ النُّورُ -وَفِي رِوَايَةٍ: حِجَابُهُ النَّارُ- لَوْ كَشَفَهُ لَأَحْرَقَتْ سُبُحَاتُ وَجْهِهِ مَا انْتَهَى إِلَيْهِ بَصَرُهُ مِنْ خَلْقِهِ»(رواه مسلم).

 

النَّومُ مَوْتَةٌ صُغْرى، باعِثُهُ إِعْياءٌ أَو تَعَبٌ أَو نَصَبٌ أَو إِرْهاق، بِهِ يُسْتَعادُ النَّشاطُ، وتَتَجَدَّدُ الطاقَة، وذاكَ في حَقِّ الخالِقِ -تَعالى- مُحال، فَهوَ سُبحانَهُ العَزِيْزُ الذي لا يُقْهَر، والقَدِيْرُ الذي لا يُغْلَبْ، والقَوِيُّ الذي لا يَضْعُفْ، والحَيُّ الذي لا يَموت، النَّائِمُ حالَ نَومِهِ في غَفْلَة؛ (وَمَا اللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ)، (وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ)، نَومٌ يُنَزَّهُ الخالِقُ عَنْه، ولكِنَّهُ في حَقِّ الإِنْسَانِ وَصْفُ كَمَال، إذْ بِهِ مِدَادُ قَوَّتِهِم، وغِذاءُ طاقَتِهِم.

 

النَّومُ آيَةٌ مِن آياتِ اللهِ التي أَودَعَها في عِبادِه؛ (وَمِنْ آيَاتِهِ مَنَامُكُمْ بِاللَّيْلِ وَالنَّهَارِ وَابْتِغَاؤُكُمْ مِنْ فَضْلِهِ إِنَّ فِي ذَلِكَ لآيَاتٍ لِقَوْمٍ يَسْمَعُونَ)، آيَةٌ دَالَّةٌ على ضَعْفِ المَخْلُوقِ وقُوةِ الخالِقْ، وعلى عَجْزِ المملوكِ وقُدْرَةِ المالِكْ، وعلى نَقْصِ النَّاسِ وكَمَالِ اللهِ.

 

النَّومُ آيَةٌ مِن الآياتِ الدَّالَّةِ على فَضْلِ اللهِ على عِبادِهِ، إِذْ بِهِ صَلاحُ حَالِهِم، ومِدادُ حَياتِهِم، بِهِ اسْتِجْماعٌ لِقُوَّتِهِم واسْتِرْجاعٌ لِنَشاطِهِم، ولَولا نَومٌ يَخْلُدُونَ إِليهِ لَهَلَكُوا؛ (وَجَعَلْنَا نَوْمَكُمْ سُبَاتًا)، قَاطِعاً لأَشْغالِكُم، مُرِيْحاً لأَبْدانِكُم، مُجَدِداً لِعُقُولِكُم، مُذْهِباً لِعَنائِكُم.

 

النَّومُ، آيَةٌ مِن آياتِ اللهِ الدالةِ على أَنَّ اللهَ -تَعَالى- هُوَ المُتَصَرِّفُ بالأَرواحِ، وأَنَّهُ هُوَ مَالِكُها، وأَنه هُو قاهِرُها، وأَنهُ هُو العالِمُ بِكُنْهِها، وأَنه هُوَ المُحِيطُ بِها وبِما يَحِلُّ بها، وأَنَّهُ هُوَ القَابِضُ لَها وهُوَ مُرسِلُها، وأَنهُ هو يُمِيْتُها وهو يُحِيِيْها؛ (يَسْأَلُونَكَ عَنِ الرُّوحِ قُلِ الرُّوحُ مِنْ أَمْرِ رَبِّي وَمَا أُوتِيتُمْ مِنَ الْعِلْمِ إِلَّا قَلِيلًا)، رُوحٌ لَها في اليَقَظَةِ حُضُورٌ، ولها في حَالِ النومِ خَفاءَ، تُقْبَضُ الروحُ حالَ النَّومِ قَبْضَةً صُغْرَى، ومَع اليقَظَةِ تُرْسَل (الله يَتَوَفَّى الْأَنْفُسَ حِينَ مَوْتِهَا وَالَّتِي لَمْ تَمُتْ فِي مَنَامِهَا فَيُمْسِكُ الَّتِي قَضَى عَلَيْهَا الْمَوْتَ وَيُرْسِلُ الْأُخْرَى إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ).

 

نَوْمُكَ قَرِيْرَ العَيْنِ هادِئَ البال، مِنْ أَعظَمِ النِعَمِ وأَجَلِّها، تَضَعُ جَنْبَكَ على فِراشِكَ في عافِيةٍ، لا هَمٌّ ولا كَدَرٌ، ولا كُرُبٌ ولا ألَمُ، ولاَ خَوفٌ ولا مَرَضٌ، وَمَا نَعِمَ بالنَّومِ مَكْلُومٌ، وما أَخلَدَ إِليهِ مَهْمُوم، سَائِلْ مُعَنَّى أَعْيَا جَفْنَهُ السَّهَرُ، وَكَمْ أَجْفَلَتْ نَوماً هُمُومٌ طَوارِقُ.

 

لِكُلِّ ما يُؤذي وَإِن قَلَّ أَلَمْ *** ما أَطوَلَ اللَيلَ عَلى مَن لَم يَنَم

 

والْمَرْءُ في حَيَاتِه ما بَينَ يَقَظَةٍ ومَنام، يَقَظَةٌ تُسْلِمُهُ لِسُلْطانِ النَّومِ، وَنَومٌ يُهيِّئُهُ لِنَشاطَ اليَقَظَة، وأَكَمَلُ النومِ ما كانَ للبَدَنِ أَنْفَع، واللَّيْلُ هُوَ مِيقاتُ السُكْنَى، والنَّهارُ مِيقاتُ المَعَاش؛ (وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ لَكُمُ اللَّيْلَ لِبَاسًا وَالنَّوْمَ سُبَاتًا وَجَعَلَ النَّهَارَ نُشُورًا).

 

وسَهَرُ الليلِ في البَطالَةِ يَقصِمُ الأَعمارَ، وما سَعَى في طَلَبِ المَغَانِمِ في النَّهارِ مَنْ لَمْ يَنَلْ حَظَهُ من نَومِ الليْل، وما مُدِحَ سَهَرُ الليلِ إِلا لِمَن باتَ لِرَبِهِ قانِتاً، أَو باتَ يَحْرُسُ في سَبٍيلِ اللهِ، أَو بَاتَ يَطلبُ عِلْماً نافِعاً، أَو باتَ في عَمَلٍ يُصْلحُ بِه أَمرَ دِينِهِ أَو دُنياه؛ (أَمَّنْ هُوَ قَانِتٌ آنَاءَ اللَّيْلِ سَاجِدًا وَقَائِمًا يَحْذَرُ الْآخِرَةَ وَيَرْجُو رَحْمَةَ رَبِّهِ قُلْ هَلْ يَسْتَوِي الَّذِينَ يَعْلَمُونَ وَالَّذِينَ لَا يَعْلَمُونَ إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ).

 

وأَكْمَلُ الناسِ هَدياً في كُلِّ الأَحوال، هو مُحمدُ بنُ عبدِ اللهِ بنُ عبدِ المُطَلِبِ -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ-؛ قَالَ ابنُ القَيِّمِ -رحمه الله-: "ومَنْ تَدَبّرَ نَوْمَهُ وَيَقَظَتَهُ صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ وَجَدَهُ أَعْدَلَ نَوْمٍ وَأَنْفَعَهُ لِلْبَدَنِ وَالْأَعْضَاءِ وَالْقُوَى، فَإِنّهُ كَانَ يَنَامُ أَوّلَ اللّيْلِ وَيَسْتَيْقِظُ فِي أَوّلِ النّصْفِ الثّانِي فَيَقُومُ وَيَسْتَاكُ وَيَتَوَضّأُ وَيُصَلّي مَا كَتَبَ اللّهُ لَهُ فَيَأْخُذُ الْبَدَنُ وَالْأَعْضَاءُ وَالْقُوَى حَظّهَا مِنْ النّوْمِ وَالرّاحَةِ، وَحَظّهَا مِنْ الرّيَاضَةِ مَعَ وُفُورِ الْأَجْر، وَهَذَا غَايَةُ صَلَاحِ الْقَلْبِ وَالْبَدَنِ وَالدّنْيَا وَالْآخِرَةِ، وَلَمْ يَكُنْ يَأْخُذُ مِنْ النّوْمِ فَوْقَ الْقَدْرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ، وَلَا يَمْنَعُ نَفْسَهُ مِنْ الْقَدْرِ الْمُحْتَاجِ إلَيْهِ مِنْهُ، وَكَانَ يَفْعَلُهُ عَلَى أَكْمَلِ الْوُجُوهِ، فَيَنَامُ إذَا دَعَتْهُ الْحَاجَةُ إلَى النّوْمِ عَلَى شِقّهِ الْأَيْمَنِ ذَاكِرًا اللّهَ حَتّى تَغْلِبَهُ عَيْنَاهُ"ا.هـ

 

وأَهْلُ الإِيِمَانِ والفَضْلِ والبَصِيْرَةِ، لَهْم اقْتِداءٌ بِرَسُولِهِم -صَلّى اللّهُ عَلَيْهِ وَسَلّمَ- في كُلِّ أَحْوالِهِم، ولَهُم فِيِهِ أَكْمَلُ اهْتِداءَ، يَسْتَمْسِكُونَ بِشِرْعَتِهِ، ويَسْتَنُّونَ بِسُنَّتِهِ، ويأَخُذُونَ بِأَمْرِه؛ قالَ البَراءُ ابنُ عازِبٍ -رضي الله عنه-: قالَ لِيْ رسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا أتَيْتَ مَضْجَعَكَ، فَتَوَضَّأْ وُضُوءَكَ لِلصَّلَاةِ، ثُمَّ اضْطَجِعْ علَى شِقِّكَ الأيْمَنِ، ثُمَّ قُلْ: اللَّهُمَّ أسْلَمْتُ وجْهِي إلَيْكَ، وفَوَّضْتُ أمْرِي إلَيْكَ، وأَلْجَأْتُ ظَهْرِي إلَيْكَ، رَغْبَةً ورَهْبَةً إلَيْكَ، لا مَلْجَأَ ولَا مَنْجَا مِنْكَ إلَّا إلَيْكَ، اللَّهُمَّ آمَنْتُ بكِتَابِكَ الذي أنْزَلْتَ، وبِنَبِيِّكَ الذي أرْسَلْتَ، فإنْ مُتَّ مِن لَيْلَتِكَ، فأنْتَ علَى الفِطْرَةِ، واجْعَلْهُنَّ آخِرَ ما تَتَكَلَّمُ بهِ"(رواه البخاري ومسلم).

 

وسُنَنُ النومِ كَثِيرَةٌ، مَنْ حافَظَ عَلَيْها أَدْرَكَ خَيْراً؛ (قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ جَعَلَ اللَّهُ عَلَيْكُمْ النَّهَارَ سَرْمَداً إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ مَنْ إِلَهٌ غَيْرُ اللَّهِ يَأْتِيكُمْ بِلَيْلٍ تَسْكُنُونَ فِيهِ أَفَلا تُبْصِرُونَ).

 

بارك الله لي ولكم،،،

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَن لا إِله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشهدُ أَن محمداً عبدهُ ورسولُهُ النبي الأَمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آلِهِ وأَصحابِه أجمعين؛ أَما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- لعلكم ترحمون.

 

أَيُّهَا المُسْلِمُوْن: والنَّومُ حَقٌّ مِنْ حُقُوقِ النَّفْسِ، والمَرْءُ يَحْفَظُ للنَّفسِ حَقَّها، لِتَأَخذَ نَصِيْباً مِن نَومٍ تَسْتَجْمِعُ فيهِ قُواها؛ قال سَلْمانُ الفارِسِيُّ لأَبي الدَّرْداءِ -رضي الله عنهما-: "إنَّ لنَفْسِكَ عليكَ حقًّا، ولِرَبِّكَ عليكَ حقًّا، ولِضَيْفِكَ عليكَ حقًّا، وإنَّ لِأهلِكَ عليكَ حقًّا؛ فأَعْطِ كلَّ ذي حقٍّ حقَّهُ؛ قال رسول اللهِ -صلى اللهُ عليه وسلم- صَدَقَ سَلْمان"(رواه البخاري).

 

أَعْطِ نَفْسَكَ حَقَها مِنْ النَّومِ، مِنْ غَيْرِ إِسرافٍ ولا تَقْتِيْر، ومِنْ غيْرِ إِفْراطٍ ولا تَفْرِيْط؛ ففي الإِسرافِ في النَّومِ تَلَفٌ للأَعْمار، وفي التَّقْتِيْرُ فيهِ تَلَفٌ للطَّاقات.

 

نَوْمٌ يَحْتَسِبُه المرءُ عَوْناً على العِبادَةِ في اليَقَظَة، يُدْرِكُ بِهِ راحَةَ البَدَنِ، وصَلاحَ القَلْبِ، وصَفاءَ النَّفسِ، وحُسْنَ الثَّوَاب.

 

تَنْقَلِبُ عادَاتُ العارِفِينَ إِلى عِباداتٍ، حِينَ احتَسَبُوا فيها العَونَ على أَداءِ القُرُبات.

 

نائِمٌ والأَجْرُ يُهْدَى إِليهِ، وكَمْ نالَ أَجْراً مُحسنٌ للنَّوايا؛ قالَ مُعاذُ بنُ جَبَلٍ لأَبي موسى الأَشعريِّ -رضي الله عنهما-: "أمَّا أنَا، فأنَامُ وأَقُومُ، وأَحْتَسِبُ نَوْمَتي كما أحْتَسِبُ قَوْمَتِي"(رواه البخاري).

 

ونَومٌ يَسْتَلِذُ المرءُ أَخْذَه فَلا يَهْوَى فِكاكَه، يُؤْثِرُهُ على عِبادَاتٍ، ويُقَدِّمُهُ على حُقُوق، فَيَطْوِي في النَّومِ فرائِضَ، ويُضَيِّعُ خِلالَهُ صَلَوات، إِنَّ ذاكَ لَنَومُ الحَسْرَةِ لَو يَعْلَمُون، وفي حديثِ رُؤْيا النبي -صلى الله عليه وسلم-: قالَ: "أَمَّا الذي يُثْلَغُ رَأْسُهُ بالحَجَرِ، فإنَّه يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفِضُهُ، ويَنَامُ عَنِ الصَّلَاةِ المَكْتُوبَةِ(رواه البخاري).

 

والمرءُ مُحاسَبٌ عَلَى تَفْرِيطِه، ولا عُذْرَ لِنائِمٍ تَرَاخَى في بَذِلِ الأَسبابِ المُعِينَةِ علَى اليَقَظَةِ لأَداءِ الفَرائِضَ في أَوقاتِها، واللهُ أَعْلَمُ بِما تُخْفِيهِ الضَّمائِر، وهوَ سُبحانَهُ العَلِيْمُ بِحقائِقِ المعاذِيْر.

 

ومَشاهِدُ التَّفرِيطِ تَسْرِيْ بِها العَدْوى، ومَساجِدُ الأَحياءِ تَرْوِيْ واقِعاً مُفْزِعاً في تَخَلُّفِ الكَثِيْرِ عَن الصَّلَوات، ومَنْ اسْتَهانَ بأَمرٍ تَجاوزَ فِيه، ومَنْ اعتَادَ تَقْصِيْراً زالَتْ وَحْشَتُهُ مِنْ قَلبِه.

 

وكَمْ مُدَّعٍ غَلَبَةَ النَّومِ وقَهْرَ سُلْطانِه، فَهو كَثِيْرُ التَخَلُّفِ عَن الصَّلَوات، كَشَفَتْ زَيْفَ دَعْواهُ وَثْبَةٌ لِوَظِيْفَةٍ، وهَبَّةٌ لِمَوعِدٍ، وفَزْعَةٌ لِامتِحان؛ (وَكَفَىٰ بِرَبِّكَ بِذُنُوبِ عِبَادِهِ خَبِيرًا بَصِيرًا)، (فَخَلَفَ مِنْ بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا).

 

اللهم أيقظ ضمائرنا، وأصلح قلوبنا،

 

المرفقات

حديث عن النوم.doc

حديث عن النوم.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات