عناصر الخطبة
1/أثر المعاصي والذنوب في إهلاك الأمم 2/الزنا جريمة من أحط الجرائم وأقذرها 3/عذاب الزناة والزواني 4/بعض الضوابط المحكَمة لمنع جريمة الزنا 5/ابتلاء الزناة والزواني بالأمراض الفتَّاكة 6/وجوب حماية الأجيال المسلمة من الغزو الثقافي.اقتباس
لا بد من غرس الإيمان بالله واليوم الآخِر في نفوس المسلمين، وزرع الخوف من عذاب الله في قلوبهم، والأخذ على أيدي السفهاء؛ حتى لا تغرق السفينة، وقبلَ ذلك وبعدَه لا بد من تيسير أمر الزواج...
من اختيارات الشيخ رحمه الله
الخطبة الأولى:
أيها الإخوة في الله: لقد اقتضت سنة الله -سبحانه وتعالى- أن الأمم لا تفنى، والقُوى لا تضعف إلا حين تسقط الهمم، وتستسلم الشعوب لشهواتها، فتتحوَّل أهدافُها من مُثُل عليا إلى شهوات دنيئة؛ فتَسُودُ فيها الرذائلُ، وتنتشر الفواحشُ، بل تفتك بها الأمراضُ الخبيثةُ، فلا تلبث أن تتلاشى وتضمحلّ وتذهب ريحُها، وتذهب ريحها، ويحق عليها قول الله -تعالى-: (وَإِذَا أَرَدْنَا أَنْ نُهْلِكَ قَرْيَةً أَمَرْنَا مُتْرَفِيهَا فَفَسَقُوا فِيهَا فَحَقَّ عَلَيْهَا الْقَوْلُ فَدَمَّرْنَاهَا تَدْمِيرًا)[الإسراء:16].
أيها الإخوة في الله: ومن اتباع الهوى ومخالَفة أوامر الله ارتكاب الفواحش والمعاصي، وإن من أحطِّها وأقذرها جريمة الزنا، حرَّمه ربُّنا وجعَلَه قرينًا للشرك، جعلَه قرينًا للشرك في سفالة المنزلة؛ إذ يقول الله -سبحانه وتعالى-: (الزَّانِي لَا يَنْكِحُ إلَّا زَانِيَةً أَوْ مُشْرِكَةً وَالزَّانِيَةُ لَا يَنْكِحُهَا إِلَّا زَانٍ أَوْ مُشْرِكٌ وَحُرِّمَ ذَلِكَ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ)[النور: 3]، وجعله قرينًا للشرك في الجزاء والعقوبة؛ إذ يقول عز وجل: (وَالَّذِينَ لَا يَدْعُونَ مَعَ اللَّهِ إِلَهًا آَخَرَ وَلَا يَقْتُلُونَ النَّفْسَ الَّتِي حَرَّمَ اللَّهُ إِلَّا بِالْحَقِّ وَلَا يَزْنُونَ وَمَنْ يَفْعَلْ ذَلِكَ يَلْقَ أَثَامًا * يُضَاعَفْ لَهُ الْعَذَابُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ وَيَخْلُدْ فِيهِ مُهَانًا)[الفرقان: 68-69].
وما ذاك إلا لأن الزنا من أقبح القبائح؛ يبدِّد الأموال، وينتهك الأعراضَ، ويقتل الذرية، ويهُلك الحرثَ والنسلَ.
بانتشاره تُغلَق أبواب الحلال، وتَنشأ طبقات بلا هوية، طبقات شاذَّة حاقدة على المجتمع، لا تعرف العطف، ولا العلاقات الأسرية؛ فيعم الفساد، ويتعرَّض المجتمع للسقوط.
أليس الزنا يجمع خلالَ الشرِّ كلَّها؟! أليس ينزع الحياءَ؟! أليس يُذهِب الورعَ والمروءةَ؟! أليس يطمس نور القلب ويجلب غضب الرب؟!
إن مفسدته منافية لمصلحة نظام العالَم، في حفظ الأنساب، وحماية الأبضاع، وصيانة الحرمات، والحفاظ على روابط الأُسَر وتماسك المجتمع.
إنه متعة حيوانية بهيمية، وقضاء شهوة وقتية، اختلاس وخداع، وهروب من المسؤولية، بل امتهان لكرامة الإنسان، ذكرًا كان أو أنثى، إن الزاني والزانية لا يعنيهما إلا قضاء مآربهما الساقطة، بل كل واحد منهما يجعل الآخر قنطرة ومعبرًا لهذه المآرِب، إنه لقاء حيواني بَحْت، لا غرض منه إلا قضاء الوطر المنحطّ.
أيها الإخوة في الله: لا بد من تقوى الله -عز وجل- ومراقبته، لا بد من الأخذ على أيدي السفهاء، لقد نهى الله عباده المؤمنين أن تأخذهم بالزناة والزواني رأفة في دين الله؛ (الزَّانِيَةُ وَالزَّانِي فَاجْلِدُوا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِئَةَ جَلْدَةٍ وَلَا تَأْخُذْكُمْ بِهِمَا رَأْفَةٌ فِي دِينِ اللَّهِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآَخِرِ وَلْيَشْهَدْ عَذَابَهُمَا طَائِفَةٌ مِنَ الْمُؤْمِنِينَ)[النور: 2].
مستحِلُّ الزنا كافرٌ خارجٌ من الدِّين، والواقع فيه من غير استحلال فاسق أثيم، يُرجَم إن كان محصَنًا، ويجلَد ويغرَّب إن كان غير محصَن، بل لقد نفى النبي -صلى الله عليه وسلم- الإيمانَ عن الزاني في أكثر من حديث، ثبَت في الصحيحين وغيرهما من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا يزني الزاني حين يزني وهو مؤمن".
وأخرَج أبو داوود والترمذي والبيهقي من حديث أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إن الإيمان سربال يسربله الله مَنْ يشاء، فإذا زنى العبد نُزِعَ منه سربال الإيمان، فإن تاب رُدَّ عليه".
أما عذاب الآخرة فأشد وأبقى؛ عذاب تذهل له النفوس، وتتقطع له الأفئدة؛ جاء في صحيح البخاري عن سمرة بن جندب -رضي الله عنه- في حديث طويل في خبر منام النبي -صلى الله عليه وسلم- "أن جبريل وميكائيل -عليهما السلام- جاءاه، قال: فانطلَقْنا فأَتَيْنا على مثل التَّنُّور، أعلاه ضيق، وأسفله واسع، فيه لغط وأصوات، قال: فاطَّلَعْنا فيه، فإذا فيه رجال ونساء عراة، فإذا هم يأتيهم لهب من أسفل منهم، فإذا أتاهم ذلك اللهب ضوضوا -أي صاحوا من شدة الحر- فقلتُ: مَنْ هؤلاء يا جبريل؟ قال: هؤلاء الزناة والزواني، فهذا عذابُهم إلى يوم القيامة".
أيها الإخوة في الله: وكما بيَّن اللهُ -سبحانه وتعالى- شناعة الزنا وسوء عاقبته في الدنيا والآخِرة، فقد وضَع ضوابط محكَمة، وسدودًا منيعة، تَحُول بين المؤمنين وبين الجريمة النكراء، وتقيهم شرَّ مخاطرها، ومن أبرز ذلك:
أولًا: إقامة الحد على الزاني، جَلْدًا أو رجمًا، مع التأكيد على عدم الرأفة بمرتكِب هذه الجريمة، وإقامة هذا الحد تكون بمشهد عام يحضره طائفةٌ من المؤمنين، فيكون أوقعَ في نفوس الفاعلين، ونفوس المشاهِدين.
ثانيًا: أمَر الله المؤمنين والمؤمنات بغض أبصارهم وحفظها عن النظر إلى ما لا يجوز النظر إليه؛ (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ * وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ)[النور: 30-31]، فلا يحل لمؤمن أن يتمتَّع بالنظر إلى النساء، كما لا يحل لامرأة أن تتمتَّع بالنظر إلى الرجال، سواء كان التمتُّع نفسيًّا أو جنسيًّا، فكلُّ ذلك حرامٌ، وإن بعضًا من ذوي النفوس السافلة والإرادات الضعيفة غلبَتْهم أنفسُهم حتى أطلَقُوا لها العنانَ في رؤية ما يشاءون؛ فأصبحوا أسرى لأهوائهم المنحرفة، حتى صدَّهم ذلك عن ذِكْر الله وعن مصالحهم.
ومع ذلك فهم لا ينالون من تلك النظرات إلا الهمَّ والأمانيَّ الكاذبةَ، لَعِبَ الشيطانُ بعقولهم حتى أنزلَهم إلى مُشارَكة البهائم، (يَعِدُهُمْ وَيُمَنِّيهِمْ وَمَا يَعِدُهُمُ الشَّيْطَانُ إِلَّا غُرُورًا)[النساء: 120].
ثالثًا: أمَر اللهُ نساء المسلمين بالحجاب؛ صيانةً لهن، وصيانة للرجال من الوقوع في تلك الفاحشة، (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[الأحزاب: 59]، ويقول جلَّ وعلا: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعًا فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ ذَلِكُمْ أَطْهَرُ لِقُلُوبِكُمْ وَقُلُوبِهِنَّ)[الأحزاب: 53]، هذا أمر الله، وهذا حكم الله، وهذا شرع الله.
أما دعاة السفور فينادُون بهدم هذا السد، ينادُون أن تخرج المرأة إلى المجتمع بلا حجاب محادِّين لله ولرسوله، مستبدِلِينَ طاعة الله بمعصيته، ورضاه بسخطه، وثوابه بعقابه، مسيئين لأنفسهم ولأبناء مجتمعهم، يريدون للمجتمع السقوطَ في مستنقعات الرذيلة، تلك أمانيهم، فخيَّب الله تلك الأمانيَّ، ووقانا شرورَهم، وردهم إلى الحق، أو أخذهم أخذ عزيز مقتدر، إنه على كل شيء قدير.
رابعًا: منَع الإسلامُ خلوة الرجل بالمرأة التي ليست من محارمه؛ لأن ذلك مدعاة إلى إغراء الشيطان لهما بالفاحشة، مهما بلَغَا من التقوى والدِّين، ثبَت في الصحيحين أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "إيَّاكم والدخولَ على النساء، فقال رجل من الأنصار: يا رسول الله أفرأيتَ الحَمْوَ، قال: الحَمْوُ الموتُ".
فإذا كان قريب الزوج ممنوعًا من الدخول على زوجة قريبه، مع أنه قد يكون ذا غَيرة عليها، وعلى فرِاش قريبه، فكيف بغيره؟!
خامسًا: نهى الإسلام عن سفر المرأة بدون محرَم؛ لأن في ذلك ضياعًا لها، وغيابًا عن الرقيب من أوليائها، وهي ضعيفة، سرعانَ ما تخضع لافتراس الذئاب البشرية، رغبةً أو رهبةً، ثبَت في الصحيحين من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "لا يحلُّ لامرأة تؤمِن بالله واليوم الآخِر أن تسافر مسيرةَ يوم وليلة إلا مع ذي مَحرَمٍ".
أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ * إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ * فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاءَ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ)[المؤمنون: 5: 7].
بارك الله لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله حمدا طيبًا كثيرًا مباركًا فيه كما يحب ربنا ويرضى، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه ومن اهتدى بهداهم إلى يوم الدين.
أيها الإخوة في الله: كانت تلك هي أهم الوسائل التي اتُّخِذت للحيلولة بين المؤمنين وبين الوقوع في تلك الفاحشة الخبيثة، فاتقوا الله وقفوا عن مسؤولياتكم، وخذوا على أيدي سفهائكم، فكلكم راع وكلكم مسؤول عن رعيته.
أيها الإخوة في الله: روي عن ابن ماجه وغيره من حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لم تظهر الفاحشة في قوم قط، حتى يعلنوا بها، إلا فشا فيهم الطاعون والأوجاع التي لم تكن مضت في أسلافهم".
إن الأمراض التي يتعرض لها الزناة والزواني، بل ويتعرض لها المجتمع أمراض فتاكة وقاتلة، اكتشف بعضها وبعضها لم يكتشف حتى الآن، اكتشف لبعضها علاج، وعجز الأطباء عن علاج أعظمها خطرًا، وأشدها ضررًا.
إنها أمراض وليدة هذه القاذورات، تعقد الندوات والاجتماعات، وتكتب البحوث والتقارير والنشرات، ويحاول الدارسون والباحثون الوصول إلى علاج لذلك المرض، لكنهم حتى الآن لم يصلوا إليه، ولربما لو توصلوا إليه خرج لهم مرض آخر.
إن ما يسمَّى بمرض "الإيدز"، أو فَقْد المناعة في الجسم الإنساني حتى يصبح الجسم معرَّضًا للإصابة بالأمراض والأورام الخبيثة التي تقضي عليه بسرعة، سببه الزنا واللواط وشرب المخدِّرات.
إن هذا المرض الذي لا يقتصر على المصابين به، بل يتعدَّى إلى الزوجة والأولاد، وربما انتقل إلى شخص آخَر، من جرَّاء نقل دم أو غيره.
إن هذا المرض يهدد الشعوب التي تنتشر فيها الحرية الجنسية، والتفسُّخ الخُلُقي، والشذوذ الجنسي والدعارة المعلَنة المقنَّنة.
تنشر تلك الفواحش في سوق الملذات والشهوات في دُورِ الأزياءِ، وقاعات السينما، وشاشات التلفاز، وصالات المسارح، وشواطئ البحار والأنهار، وبيوت اللهو والدعارة، وأغلفة المجلَّات، والصحف السَّيَّارة، بل نقول -ولا نخشى لائمًا-: حتى في ردهات مستشفياتهم، ومِلَاحاتهم الجوية، ونستحي أن نقول: في دُور تعليمهم ومعاقل تربيتهم.
إن هذا المرض يهدد تلك الشعوب، ويهدد من يسافر إلى بلاد تلك الشعوب..
إنه لا بد من حماية الأبناء المسلمين من تلك الأبواق المضلِّلة، التي تسعى في نشر السقوط الاجتماعي، والتحلل الخلقي، بل تزعم أنه خلق التحضر والارتقاء، وتسميه بغير اسمه، ونبيكم محمد -صلى الله عليه وسلم- سماها قاذورات.
لا بد من حماية أبناء المسلمين مما يبتذل في أسواقهم ووسائل إعلامهم من الأغاني الماجنة والصور الفاضحة، والقصص الساقطة، والأفلام الهابطة التي تصادم الفطرة، وتنابذ كل القيم الإيمانية المستقرة في ضمائر الأسوياء من البشر.
لا بد من غرس الإيمان بالله واليوم الآخِر في نفوس المسلمين، وزرع الخوف من عذاب الله في قلوبهم، والأخذ على أيدي السفهاء؛ حتى لا تغرق السفينة، وقبلَ ذلك وبعدَه لا بد من تيسير أمر الزواج، فإذا جاءكم من ترضون دينه وخُلُقَه فزوِّجوه، إلَّا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد كبير.
هذا وصَلُّوا وسَلِّمُوا على نبيِّكُم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم