ثم لتسألن يومئذ عن النعيم

الشيخ خالد القرعاوي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ ذم الإسراف والتبذير 2/ أهمية الاعتدال والقصد في الإنفاق 3/ تحريم إضاعة المال في غير طائل 4/ مساوئ الإسراف ومفاسده 5/ صور غير مقبولة من الإسراف في المجتمع 6/ خطورة الإسراف في الماء والكهرباء.

اقتباس

انتَشَرَتْ في الآوِنَةِ الأخِيرَةِ بَعْضُ المَقاطِعِ التي تَدُلُّ على السَّفَهِ والإسْرَافِ والتَّبْذِيرِ الذي لا مُبَرِّرَ لَهُ إلاَّ حُبُّ الإسْرَافِ والظُّهُورِ! والجَمِيلُ في انْكِشَافِها أنَّها صَارتْ بِإجْمَاعِ المُسلِمينَ مَحَلَّ نَقْدٍ وَتَهَكُّمٍ بَلْ وفي بَعضِ الأَحْيَانِ دُعَاءٍ عليهم! .. مِنْ الإسْرَافِ البَيِّنِ المُحَرَّمِ مَا يَقَعُ مِنْ بَعْضِنا فِي حَفَلاتِ الزِّوَاجَاتِ والمُنَاسَبَاتِ، مِنْ تَنَافُسٍ وَبَذْخٍ وإِنْفَاقٍ فِي غَيرِ مَحَلِّهِ، مُجَارَةً للآخَرِينَ! أو بِسْمِ التَّجدِيدِ والتَّنْويعِ! وَذَلِكُمْ واللهِ خَطَرٌ عَظِيمٌ على مُستَقْبَلِ الزَّوْجَينِ؛ وَعَلى المُجتَمَعِ كلِّهِ....

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحَمدُ للهِ عَزَّ وَقَهَرَ، خَلَقَنا على أَحسَنِ الصُّورِ، نَشهَدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وَحدَهُ لا شَرِيكَ لَهُ يُضَاعِفُ الحَسَنَاتِ، وَيعْفُو عن السَّيِّئاتِ، وَنَشهَدُ أنَّ نَبِيَّنا مُحمَّدَاً عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ، الطَّاهِرُ المُطهَّرُ خَيْرُ البَشَرِ، صلَّى اللهُ وسلَّمَ وباركَ عليه، وعلى آلِهِ وَصَحبِهِ خَيرِ صَحْبٍ ومَعشَرٍ، وَمَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ وإيمانٍ إلى يومِ المَحشَرِ.

 

 أمَّا بعدُ: فَيا مُسلِمونَ، اتَّقُوا اللهَ رَبَّكم، فإنَّ التَّقوى هي الأَسَاسُ وَعلَيها المُعوَّلُ، واشكُروا اللهَ على ما أَمَدَّكُم بِهِ من النِّعَمِ والصِّحَةِ والأمْنِ وَأَغْدَقْ.              

 

إنَّنَا واللهِ عَن النَّعِيمِ لَمَسْئُولُونَ فَالمَوقِفُ بَينَ يَدي اللهِ تَعالَى رَهِيبٌ، والكَاتِبُ أَمِينٌ لا يَظلِمُ:  (كِرَامًا كَاتِبِينَ * يَعْلَمُونَ مَا تَفْعَلُونَ) [الانفطار: 10]، والشَّاهِدُ؟ (اقْرَأْ كِتَابَكَ كَفَى بِنَفْسِكَ الْيَوْمَ عَلَيْكَ حَسِيبًا).

 

 أتَدْرُونَ يا مُؤمِنُونَ: طَاعَةُ الْشَّيْطَانِ هِيَ أَصْلُ الْخُسْرَانِ وَأَسَاسُ الْإِفْلَاسِ: (وَمَنْ يَتَّخِذِ الْشَّيْطَانَ وَلِيًّا مِنْ دُونِ الله فَقَدْ خَسِرَ خُسْرَانًا مُّبِينًا)[الْنِّسَاءِ: 119]؛ لأنَّهُ يُزَيِّنُ تَرَكَ الطَّاعَاتِ وَإِتْيَانَ المُحَرَّمَاتِ!

 

خُذوا على سَبِيلِ المِثَالِ قَولَهُ تَعالى: (إِنَّ الْمُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ) [الإسراء: 28]، فَالمُسْرِفُ والمُبَذِّرُ لَيسَ مُتَّبِعَاً للشَّيطانِ فَقطْ بَلْ مِنْ سُوءِ عَمَلِهِ صَارَ للشَّيطانِ أَخَاً وَصَاحِبَاً! سُبْحَانَ اللهِ أَلِهَذَا الحَدِّ تَكُونُ عَاقِبَةُ الإسرَافِ والتَّبذِيرِ؟

 

نَعمْ يا مُؤمِنُونَ بَلْ أَشَدُّ! لأنَّ الإسْرَافَ فِعْلٌ يُبغِضُهُ اللهُ وَيَأبَاهُ: (إِنَّهُ لا يُحِبُّ المُسْرِفِينَ)[الأعراف: 31]. وَهُوَ سَبَبٌ مِن للضَّلالِ وَطَرِيقٌ لِلهَلاكِ وَالخَسَارِ، قَالَ تَعَالى: (إِنَّ اللهَ لا يَهدِي مَن هُوَ مُسرِفٌ كَذَّابٌ) [غافر:  28].

 

وَقَد اتَّصَفَ بِالإِسرَافِ شَرُّ خَلقِ اللهِ، قَالَ سُبحَانَهُ عَن فِرعَونَ: (وَإِنَّ فِرعَونَ لَعَالٍ في الأَرضِ وَإِنَّهُ لَمِنَ المُسرِفِينَ)[يونس: 83].

 

إِخْوَةَ الإِسْلامِ: دِينُنَا دِينُ القِسْطِ والعَدْلِ والمِيزَانِ! فِي كُلِّ مَجَالاتِهِ، عَقِيدَةً وَعِبَادَةً وَمُعَامَلَةً وَعَادَةً وَخُلُقَاً: (وَكَذَلِكَ جَعَلْنَاكُمْ أُمَّةً وَسَطاً)[البقرة: 143] .  

 

وَجَاءتْ شَرِيعَتُنَا لِتَحْفَظَ الدِّينَ، والنَّفْسَ، والمَالَ، والعِرْضَ، والعَقْلَ، وَمِنْ هَذا المُنطَلَقِ حَذَّرَ الرَّبُّ -جَلَّ وعَلا- مِنَ الإسْرَافِ والتَّبذِيرِ، وَنَهَى عَنْ البُخْلِ والتَّقْتِيرِ.

 

وإليكُمْ يا كِرامُ بَعضَ المَفَاهِيمِ المُهِمَّةِ حتى نَعرِفَ مَا هو مُباحٌ لَنا وَمَا هُوَ مُحَرَّمٌ علينَا؟!

فالأصلُ أنَّ اللهَ أَحَلَّ لَنا كُلَّ الطَّيِّبَاتِ وَحَرَّمَ عَلَينَا الخَبائِثَ. فَالتَّحْذِيرُ مِن الإسْرَافِ، لا يَعْنِي تَرْكَ المُبَاحِ؛ ألِمْ يَقُلِ اللهُ تِعَالى: (وَكُلُوا وَاشْرَبُوا وَلاَ تُسْرِفُوا إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ المُسْرِفِينَ * قُلْ مَنْ حَرَّمَ زِينَةَ اللَّهِ الَتِي أَخْرَجَ لِعِبَادِهِ وَالطَّيِّبَاتِ مِنَ الرِّزْقِ)[الأعراف: 32].

 

 وَفي المُستَدْرَكِ أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: كُلُوا وَاشْرَبُوا وَتَصَدَّقُوا فِي غَيْرِ سَرَفٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ إِنَّ اللَّهَ –تَعَالَى- يُحِبُّ أَنْ يَرَى أَثَرَ نِعْمَتِهِ عَلَى عَبْدِهِ. هَذَا حَدِيثٌ صَحِيحُ الإِسْنَادِ. وَمِنْ قَبْلُ وَصَفَ اللهُ الأَتْقِيَاءِ: (إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا) [الفرقان: 67].

 

 هَلْ تَأَمَّلْتُمْ يا مُؤمِنُونَ: إنَّهُ الاعتِدَالُ في كُلِّ شَيءٍ في المَلبَسِ والمَأكَلِ والمَشْرَبِ والمَركَبِ والمَسْكَنِ. فَإذا أعطَاكَ اللهُ وَأَمَدَّكَ فاجْعَلِ المَالَ خَادِمَاً لَكَ، لا أَنْ تَخْدِمَهُ! اجْعَلِ المَالَ حَارِسَاً لَكَ لا أَنْ تَحْرِسَهُ! اجْعَلِ المَالَ مُنْفَقَاً فِي وَجْهِهِ وَحِلِّهِ لا أَنْ تُمْسِكَهُ!

 

 إذَاً ما الإِسْرَافُ؟ الإِسْرَافُ: هُوَ مُجَاوَزَةُ الحَدِّ وَتَعَدِّي المَشْرُوعِ،  وزِيَادَةُ الصَّرْفِ عَلى مِقْدَارِ الحَاجَةِ.

 

والتَّبْذِيرُ: هُوَ صَرْفُ المَالِ فِي غَيرِ وَجْهِهِ وَحِلِّهِ. وَفِي الحَدِيثِ المُتَّفَقِ عَلَيهِ: "إنَّ اللهَ كَرِه لَكُمُ قِيلَ وَقَالَ، وَكَثْرةَ السُّؤَالِ، وإِضَاعَةَ المَالِ".

قَالَ الإمَامُ النَّوويُّ -رَحِمَهُ اللهُ-: "إِضَاعَةُ المَالِ تَبْدِيدُهُ وَصَرْفُهُ فِي غَيرِ الوُجُوهِ المَأْذُونِ فِيها مِنْ مَقَاصِدِ الآخِرَةِ والدُّنيا".  

 

أيُّها الأخُ المُؤمِنُ: لَكَ أنْ تَلْبَسَ مَا تَشَاءُ مِمَّا أَبَاحَهُ اللهُ وَأحَلَّهُ لَكْنْ بِدُونِ سَرَفٍ وَلاَ مَخِيلَةٍ:  (فَمَنْ لَبِسَ ثَوْبَ شُهْرَةٍ أَلْبَسَهُ اللَّهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ ثَوْبَ مَذَلَّةٍ). قَالَ تَعالى: (يَا بَنِي آدَمَ خُذُوا زِينَتَكُمْ عِندَ كُلِّ مَسْجِدٍ)[الأعراف: 31].

 

 فَعِنَّدَ كُلِّ صَلاةٍ نَحنُ مَأمُورُونَ بِلُبْسِ أَحْسَنِ مَا نَجِدُ ولا يُعَدُّ ذلِكَ إسرَافَاً. فَحُسْنُ المَلْبَسِ وَجَمَالُهُ مَطْلُوبٌ قَدْرِ الاستِطَاعَةِ وَالوُجْدِ. عَنْ أَبِى الأَحْوَصِ الْجُشَمِيِّ عَنْ أَبِيهِ قَالَ: رَآنِي النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- وَعَلَىَّ أَطْمَارٌ أَيْ ثِيَابٌ بَالِيَةٌ فَقَالَ: «هَلْ لَكَ مِنْ مَالٍ؟». قُلْتُ: نَعَمْ. قَدْ آتَانِيَ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ- مِنَ الشَّاءِ وَالإِبِلِ. قَالَ: «فَلْتُرَ نِعْمَةُ اللَّهِ وَكَرَامَتُهُ عَلَيْكَ، فَهُوَ سُبْحَانَهُ يُحِبُّ ظُهُورَ أَثَرِ نِعْمَتِهِ عَلى عَبْدِهِ» صححه الألباني.

 

أيُّها الأخُ المُؤمِنُ: تَخَيَّرْ مِنْ الطِّيبِ مَا تَشَاءُ. وَمِنْ الطِّيِّبِ مَا تَشَاءُ فَقَدْ قَالَ رَسُولُ الهُدى -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-:  «حُبِّبَ إِلَيَّ مِنَ الدُّنْيَا النِّسَاءُ وَالطِّيبُ، وَجُعِلَ قُرَّةُ عَيْنِي فِي الصَّلاَةِ». وَقَالَ: «إِنَّ اللَّهَ جَمِيلٌ يُحِبُّ الْجَمَالَ».

 

أَيُّها المُسلِمُونَ: آفَةُ الإسْرَافِ أَنَّهُ يَزْرَعُ العَدَاوَةَ في قُلُوبِ الفُقَرَاءِ! وَيَكْسِرُ قُلُوبَهُمْ، فَليسَ مِن الأُخُوَّةِ الإيمَانِيَّةِ أنْ تَكُونَ شَبْعَانًا مُتْرَفَاً وَجَارُكَ فَقِيراً جَائِعَاً.

 

وَمِنْ آفَاتِ الإسْرَافِ أنْهُ جَعَلَ أُنَاسَاً مِنْ ذَوي الدَّخْلِ المَحدُودِ يَسْتَدِينُونَ لا لِسَدِّ الحَاجَةِ وإنَّمَا لِلْكَمَالِيَّاتِ وَمُجَارَاةِ الأَغْنِيَاءِ. فَذَاكَ لِتَرْمِيمِ مَنْزِلِهِ وآخَرُ لِتَغْيِيرِ أثَاثِهِ وَهكَذا وَصَدقَ اللهُ: (وَلاَ تُطِيعُوا أَمْرَ المُسْرِفِينَ)[الشعراء: 151]، قَالَ وَهْبُ بنُ مُنَبِّهِ -رَحِمَهُ اللهُ-: "مِنْ التَّرَفِ أنْ يَلْبَسَ الإنْسَانُ وَيَأْكُلَ وَيَشْرَبَ مِمَّا لَيسَ عِنْدَهُ، وَمَا جَاوَزَ الكَفَافَ فَهُوَ تَبْذِيرٌ". وَصَدَقُ اللهُ: (كَذَلِكَ زُيِّنَ لِلْمُسْرِفِينَ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [يونس: 12].

 

  وَفِي الصَّحِيحِ أنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- قَالَ: "الْمُتَشَبِّعُ بِمَا لَمْ يُعْطَ كَلاَبِسِ ثَوْبَيْ زُورٍ".  فاللهُمَّ أَغْنِنَا بِحَلالِكَ عنْ حَرَامِكَ وَبِفَضْلِكَ عمَّنْ سِواكَ.

 

أقُولُ ما سَمعتُم وأسْتَغفِرُ اللهَ لي وَلَكُمْ وَلِسَائِر المُسلِمينَ مِن كُلِّ ذَنْبٍّ فاستَغفِرُوهُ إنَّهُ هُوَ الغَفُورُ الرَّحيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ العَليمِ الخَبيرِ، نَشهدُ أن لا إلهَ إلاَّ اللهُ وحدَهُ لا شَريكَ لَهُ العَليُّ الكَبِيرُ،  ونَشهَدُ أنَّ نبيَّنا مُحَمَّدًا عبدُ اللهِ ورَسُولُهُ البَشِيرُ النَّذِيرُ والسِّرَاجُ المُنِيرُ، اللَّهمَّ صَلِّ وسلِّم وبَارِك عليهِ، وعلى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ سَارَ على نَهجِهم إلى يَومِ المَصيرِ.

 

 أَمَّا بَعْدُ: فَاتَّقُوا اللهَ تَعَالَى وَأَطِيعُوهُ، (وَاتَّقُوا الْنَّارَ الَّتِي أُعِدَّتْ لِلْكَافِرِينَ * وَأَطِيعُوا اللهَ وَالْرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ : 132].

 

أَنتَ رَبِّي فِي تَصَا ***رِيفِكِ خَيرُ الأَحكَمِينَ

أَنتَ بِي أَعلَمُ مِنِّي *** أَنتَ خَيرُ الأَكرَمِينَ

 أنتَ أَولَى بِيَ مِنِّي *** فَأَعنَّا يَا مُعِينُ

 

عِبَادَ اللهِ: انتَشَرَتْ في الآوِنَةِ الأخِيرَةِ بَعْضُ المَقاطِعِ التي تَدُلُّ على السَّفَهِ والإسْرَافِ والتَّبْذِيرِ الذي لا مُبَرِّرَ لَهُ إلاَّ حُبُّ الإسْرَافِ والظُّهُورِ! والجَمِيلُ في انْكِشَافِها أنَّها صَارتْ بِإجْمَاعِ المُسلِمينَ مَحَلَّ نَقْدٍ وَتَهَكُّمٍ بَلْ وفي بَعضِ الأَحْيَانِ دُعَاءٍ عليهم!                    

 ألا فَاتَّقُوا اللهَ يا أهْلَ البَطَرِ والتَّرَفِ، واحذَروا سُوءَ فِعْلِكُمُ المَشينَ.   

            

أيُّها المُؤمِنُ: مِنْ الإسْرَافِ البَيِّنِ المُحَرَّمِ مَا يَقَعُ مِنْ بَعْضِنا فِي حَفَلاتِ الزِّوَاجَاتِ والمُنَاسَبَاتِ،  مِنْ تَنَافُسٍ وَبَذْخٍ وإِنْفَاقٍ فِي غَيرِ مَحَلِّهِ، مُجَارَةً للآخَرِينَ! أو بِسْمِ التَّجدِيدِ والتَّنْويعِ! وَذَلِكُمْ واللهِ خَطَرٌ عَظِيمٌ على مُستَقْبَلِ الزَّوْجَينِ؛ وَعَلى المُجتَمَعِ كلِّهِ: (وَاتَّقُوا فِتْنَةً لَا تُصِيبَنَّ الَّذِينَ ظَلَمُوا مِنْكُمْ خَاصَّةً وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ شَدِيدُ الْعِقَابِ) [الأنفال: 25].

 

 واللهُ سَائِلُنا عَنْ مَالِنا فِيمَا أَنْفَقْنَاهُ! فَلْنُعِدَّ لِلسُّؤَالِ جَوَابًا! وَيَبْلُغُ الخَطَرُ مُنتَهاهُ حينَ تُرْمى بَقَايَا الأطْعِمَةِ في النِّفَايَاتِ فَهذا واللهِ كُفرٌ بِالنِّعَمِ، وَسَبَبٌ فِي تَحَوُّلِهَا وَزَوَالِها: (وَلاَ تُبَذِّرْ تَبْذِيراً * إِنَّ المُبَذِّرِينَ كَانُوا إِخْوَانَ الشَّيَاطِينِ وَكَانَ الشَّيْطَانُ لِرَبِّهِ كَفُوراً)[الإسراء: 27].

 

عَلى القَيِّمِ العَاقِلِ أنْ لا يَنْهَزِمَ أَمَامَ رَغَبَاتِ ضِعَافِ الدِّينِ وَالعُقُولِ، فاللهُ يَقُولُ: (وَلاَ تُؤْتُوا السُّفَهَاءَ أَمْوَالَكُمُ الَتِي جَعَلَ اللَّهُ لَكُمْ قِيَاماً وَارْزُقُوَهُمْ فِيهَا وَاكْسُوَهُمْ وَقُولُوا لَهُمْ قَوْلاً مَّعْرُوفاً)[النساء: 5]. وَمِنْ هُنَا نَشْكُرُ الجَمْعِيَّاتِ الخَيرِيَّةِ التي أخَذَت على عاتِقِها مَشْرُوعَ حِفظِ النِّعمَةِ فَجَزَاهُمُ اللهُ خيرًا.

 

أيُّها المُؤمِنُ: وَمِنْ أَخْطَرِ أَنْوَاعِ الإسْرَافِ إِنْفَاقُ الأَمْوَالِ بِالمُحَرَّمَاتِ! فَهَلْ يُعَدُّ مُقْتَصِدَاً مَنْ أَنفَقَ أمْوَالَهُ فِي سَفَرِيَّاتٍ مُحَرَّمَةٍ أو حَفَلاتٍ مَاجِنَةٍ؟ هَلْ يُعَدُّ مُقْتَصِدَاً مَنْ اشتَرى مُسْكِرَاً أو مُخَدِّراً؟ أو عِلَبَ دُخَانٍ مُفْسِدِاً؟! أتُرَونَ مَنْ أنفَقَ أَمْوَالَهُ على الأشرِطَةِ الغِنائيَّةِ والمُسلْسلاتِ الخَبِيثَةِ أنَّهُ سَيَسْلَمُ مِنْ عَذَابِ اللهِ وَمُحاسَبَتِهِ؟ (وَقِفُوهُمْ إِنَّهُمْ مَسْئُولُونَ).

قَالَ الإمامُ الزُّهْرِيُّ: "الإسْرَافُ إِنْفَاقُ المَالِ فِي المَعَاصِي".

 

 أيُّها الأخُ المُؤمِنُ: المَاءُ نِعْمَةٌ عُظْمَى، والكَهْرَبَاءُ مِنْحَةٌ كُبْرَى، والوَقُودُ بِأَنْوَاعِهِ هِبَةٌ مِن اللهِ لَنا، فَهَلْ يَقَعُ فِيها إسْرَافَاً؟!

نَعَم عبادَ اللهِ: وَيَقَعُ فِيها إسرَافَاً وَهَدْرَاً كَبيراً! تَأَمَّلوا حَالَ بَعضِنَا عِندَ الوُضُوءِ أو الاغْتِسَالِ وعِندَ غَسْلِ الأَحْواشِ والسَّيَّاراتِ وعندَ سَقْي أَشْجَارِ المَنَازلِ! كَمْ يُهدَرُ فِيها مِن كَمِّيَّاتِ مِياهٍ نَحنُ بِأَمَسِّ الحَاجَةِ إليها اليومَ وَغَدَاً ومُستَقْبَلاً! وَفِي حَدِيثٍ أنَّ رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- مَرَّ بِسَعدٍ وَهُوَ يَتَوَضَّأُ؛ فَقَالَ لَهُ: "مَا هَذا السَّرَفُ؟! "فَقَالَ: أَفِي الوُضُوءِ إِسْرَافٌ يَا رَسُولَ اللهِ؟! قَالَ: "نَعَمْ، وَلو كُنْتَ عَلى نَهْرٍ جَارٍ". (رواه ابن ماجه وحسنه الألباني في السلسلة الصحيحة).

 

كَيفَ حالُ بَعضِنا مع الكَهْرَبَاءِ؟ كَثيرٌ مِنْ الشَّبَابِ لا يَعرِفُونَ قَدْرَهُ ولا تَكَالِيفَهُ! تَجِدُ أَحَدَهُم يَخْرُجُ مِنْ غُرفَتِهِ أو مَكانِ جُلُوسِهِ وَكُلُّ شيءٍ مَفتُوحٌ ولا يُبالي! بل إنْ بَعضَ الشَّبابِ يَقِفُ السَّاعَاتِ الطِّوالِ تَارِكاً سَيَّارَتَهُ تَصْرِفُ وَقُودَاً وهو يَتَحَدَّثُ مَعَ صَاحِبِهِ! أو يَأخُذُ المَدينَةَ طُولاً وَعَرْضَاً، دَوَرانٌ بِلا هَدَفِ ولا عَمَلٍ! ألا يُعَدُّ ذلِكَ إسْرَافَاً؟ بلى واللهِ.

 

أيُّها الكِرَامُ: المُحَافَظَةُ على المَاءِ والطَّاقَةِ بِأنْواعِها، والاقْتِصَادُ فِيها  وَاجِبٌ على الجَمِيعِ، لأنَّهُ حَقٌّ مُشتَرَكٌ، وَنَقْصُهُ ضَرَرٌ على الجَمِيعِ، فَوَفْرَةُ المَالِ لَيس عُذْرًا ولا مُبَرِّراً لِلإسْرَافِ (ثُمَّ لَتُسْأَلُنَّ يَوْمَئِذٍ عَنِ النَّعِيمِ)[التكاثر: 8]. يَقُولُ رَبُّنُّا تَبَارَكَ وَتَعالى:  (وَلاَ تَجْعَلْ يَدَكَ مَغْلُولَةً إِلَى عُنُقِكَ وَلاَ تَبْسُطْهَا كُلَّ البَسْطِ فَتَقْعُدَ مَلُوماً مَّحْسُوراً) [الإسراء:  29].

 

إنَّهَا لَيستَ دَعْوَةً لِلبُخْلِ والتَّقْتِيرِ عَلى الأَهْلِ والأولادِ، وَلَكِنَّها دَعْوَةٌ لإعَادَةِ النَّظَرِ فِي كَثِيرٍ مِنْ عَادَاتِنا وَتَصَرُّفَاتِنا وَنَفَقَاتِنا، عَلَى ضَوْءِ وَصْفِ اللهِ لَنا: (وَالَّذِينَ إِذَا أَنفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَاماً) [الفرقان: 67]. إنَّهُ القَصْدُ والعَدْلُ لا غَيرَ، والتَّوَازُنُ وحُسْنُ التَّدْبِيرِ لا شَكَّ، وَقَدْ قِيلَ: "لا عَقْلَ كَالتَّدْبِيرَ".

 

 هَذا هُو المَنْهَجُ الرَّبَّانِيُّ الذي بِهِ استِغْنَاءٌ عَنِ الخَلْقِ، وَتَضْيِيقُ الفَجْوَةِ بَينَ الأَغْنِياءِ والفُقَرَاءِ، وَتَوفِيرُ المَالِ النَّافِعِ لِيُصرَفَ فِي المَصَالِحِ العَامَّةِ والخَاصَّةِ.

 

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ رَحِمَكُمُ اللهُ والزَمُوا هَدْيَ دِينِكُم واسْلُكُوا مَسْلَكَ العَدْلِ وَالوَسَطِ.  فاللَّهُمَّ أَنْتَ رَبُّنا لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ خَلَقْتَنا وَنَحنُ عَبِيدُكَ وَنَحنُ عَلَى عَهْدِكَ وَوَعْدِكَ مَا اسْتَطَعْنا نَعُوذُ بِكَ مِنْ شَرِّ مَا صَنَعْنا نَبُوءُ لَكَ بِنِعْمَتِكَ عَلَينا وَنَبُوءُ بِذنُوبِنَا فاغْفِرْ لنا فَإِنَّهُ لاَ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ أَنْتَ، اللَّهُمَّ اكْفِنَا وَأغْنِنا بِحَلالِكَ عَنْ حَرَامِكَ وَبِفَضْلِكَ عَمَّن سِواكَ.

 

 اللهمَّ لا تُؤَاخِذْنَا بِمَا فَعَلَ السُّفَهاءُ مِنَّا.  لاَ إِلَهَ إِلاَّ أَنْتَ، أَنْتَ مَولانَا نِعَمَ المَولَى ونِعمَ النَّصِيرُ. (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ) [العنكبوت: 45].

 

 

 

المرفقات

لتسألن يومئذ عن النعيم

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات