ثمرات طاعة الله ورسوله

عبدالعزيز بن عبدالله آل الشيخ

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: التربية
عناصر الخطبة
1/ وجوب طاعة الله ورسوله باستسلام 2/ ثمرات طاعة الله ورسوله 3/ وقفات محاسبة لمعرفة موقفنا من بعض الفرائض 4/ توجيهُ فئاتٍ من المجتمع لطاعة الله ورسوله

اقتباس

إن الله جعل دين الإسلام منهجاً عظيماً للمسلم يستضيء به في حياته الفردية والجماعية، فعلى المسلم أن يتقي الله، ويلزم شرع الله، ويتخذه منهجاً له في حياته؛ ليسير على منهج قويم والطريق المستقيم: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً) ..

 

 

 

 

إنَّ الحمدَ لله، نحمدُه ونستعينُه، ونستغفرُه، ونتوبُ إليه، ونعوذُ به من شرورِ أنفسِنا، ومن سيِّئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مُضِلَّ له، ومن يضلل فلا هاديَ له، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه صلَّى اللهُ عليه وعلى آلهِ وصحبِهِ، وسلَّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدين.

أمَّا بعدُ: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حَقَّ التقوى.

يقول الله -جل وعلا-: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَنْ يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلالاً مُبِيناً) [الأحزاب:36].

أخيَّ المسلم: إنَّها آية تمحيص وابتلاء لتضع المؤمن على محك الإيمان الصحيح، ليتبين صادقُ الإيمان من ضده، وليتبين الكيس من العاجز، إنَّها تكشفُ حقيقةَ الإيمان عندما يصطدمُ أمر الله وأمر رسوله بهوى النفوس ومشتهياتها، إنَّها آيةٌ يتوقف عندها المسلمُ عند معانيها ثم يفكر في واقعيه وحياته، هل هو مُطبقٌ لهذه الآية؟ هل هو مقابلٌ لأوامر الله أم يختار ما يهواه ويرفض ما سوى ذلك؟!.

إنَّها آيةٌ تتضمن الإسلام الصحيح، وهو الاستسلام لأوامر الله والانقياد لها، وأن أوامر الله ورسوله يقبلها المسلم، ويستجيب لها وإن خالفت الهوى وعادات مجتمع الناس، وأيُّ اعتبار آخر فلا قيمة لذلك، أمرُ الله وأمرُ رسوله مُقدم عند المسلم على كلِ اعتبار.

أيُّها المسلم: إن الله -جل وعلا- أمرنا بطاعته وبطاعة رسوله، ونهانا عن اتباع الهوى وخطوات الشيطان، قال الله -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَوَلَّوْا عَنْهُ وَأَنْتُمْ تَسْمَعُونَ) [الأنفال:20].

وقال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ) [الأنفال:24]، وقال -جل وعلا-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُوْلِي الأَمْرِ مِنْكُمْ) [النساء:59]، وقال: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَاحْذَرُوا فَإِنْ تَوَلَّيْتُمْ فَاعْلَمُوا أَنَّمَا عَلَى رَسُولِنَا الْبَلاغُ الْمُبِينُ) [المائدة:92].

ونهانا عن اتباع الهوى قال الله -جل وعلا-: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ) [الجاثية:18]، وقال -جل جلاله-: (وَلَنْ تَرْضَى عَنْكَ الْيَهُودُ وَلا النَّصَارَى حَتَّى تَتَّبِعَ مِلَّتَهُمْ قُلْ إِنَّ هُدَى اللَّهِ هُوَ الْهُدَى وَلَئِنْ اتَّبَعْتَ أَهْوَاءَهُمْ بَعْدَ الَّذِي جَاءَكَ مِنْ الْعِلْمِ مَا لَكَ مِنْ اللَّهِ مِنْ وَلِيٍّ وَلا نَصِيرٍ) [البقرة:120]، وقال: (وَأَنْ احْكُمْ بَيْنَهُمْ بِمَا أَنزَلَ اللَّهُ وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَهُمْ) [المائدة:49].

وحذرنا من خطوات الشيطان فقال: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ كُلُوا مِمَّا فِي الأَرْضِ حَلالاً طَيِّباً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [البقرة:168]، وقال: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [البقرة:208]، ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "لا يؤمن أحدكم حتى يكون هواه تبعاً لما جئتُ به".

أيُّها المسلم: لطاعة الله وطاعة رسوله ثمرات عظيمة للمسلم، فأول ذلك أن طاعة الله وطاعة رسوله علامة الإيمان: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنْ كُنتُمْ مُؤْمِنِينَ) [الأنفال:1].

ومنها: أن طاعة الله وطاعة رسوله سببٌ في دخول الجنة، قال -جل وعلا-: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ يُدْخِلْهُ جَنَّاتٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ الْفَوْزُ الْعَظِيمُ) [النساء:13].

وطاعة الله وطاعة رسوله تجعل العبد مع النبيين والصديقين والشهداء والصالحين، قال -جل وعلا-: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَالرَّسُولَ فَأُوْلَئِكَ مَعَ الَّذِينَ أَنْعَمَ اللَّهُ عَلَيْهِمْ مِنْ النَّبِيِّينَ وَالصِّدِّيقِينَ وَالشُّهَدَاءِ وَالصَّالِحِينَ وَحَسُنَ أُوْلَئِكَ رَفِيقاً) [النساء:69].

طاعة الله وطاعة رسوله فيها الفوز والفلاح: (وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَيَخْشَ اللَّهَ وَيَتَّقِيهِ فَأُوْلَئِكَ هُمْ الْفَائِزُونَ) [النور:52].

وطاعة الله ورسوله سببٌ لرحمة الله: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَالرَّسُولَ لَعَلَّكُمْ تُرْحَمُونَ) [آل عمران:132].

طاعة الله وطاعة رسوله سببٌ للقوة والثبات: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُوا وَاذْكُرُوا اللَّهَ كَثِيراً لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ * وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ وَاصْبِرُوا إِنَّ اللَّهَ مَعَ الصَّابِرِينَ) [الأنفال:45-46].

وطاعة الله وسوله سببٌ لهداية: (وَإِنْ تُطِيعُوهُ تَهْتَدُوا) [النور:54]، وسببٌ لقبول العمل؛ فإنَّ الله يقول: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَلا تُبْطِلُوا أَعْمَالَكُمْ) [محمد:33]، فطاعة ورسوله سببٌ لقبول الأعمال بتوفيق الله وفضله.

أيَّها المسلم: إن الله جعل دين الإسلام منهجاً عظيماً للمسلم يستضيء به في حياته الفردية والجماعية، فعلى المسلم أن يتقي الله، ويلزم شرع الله، ويتخذه منهجاً له في حياته؛ ليسير على منهج قويم والطريق المستقيم: (ثُمَّ جَعَلْنَاكَ عَلَى شَرِيعَةٍ مِنْ الأَمْرِ فَاتَّبِعْهَا وَلا تَتَّبِعْ أَهْوَاءَ الَّذِينَ لا يَعْلَمُونَ * إِنَّهُمْ لَنْ يُغْنُوا عَنكَ مِنْ اللَّهِ شَيْئاً) [الجاثية:18-19].

فمن توفيق الله للعبد أن يقبل ما أمره الله به، وما اختاره الله له، ولا يجعل خيرةً فيما أمره الله ورسوله، بل ينفذ أوامر الله، وينفذ أوامر رسوله على قدر استطاعته وطاقته.

أيَّها المسلم: قضى الله، وأمرك بعبادته وحده لا شريك له، وإخلاص الدينِ له، وأن تخصه بجميع العبادات، فالدعاء والرجاء والخوف والذبح والنذر، وتوجه القلوب محبةً وخوفاً ورجاء إنَّما هو لله، وعملك بكل شؤونك تريد به وجه الله والدار الآخرة: (قُلْ إِنَّ صَلاتِي وَنُسُكِي وَمَحْيَاي وَمَمَاتِي لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ * لا شَرِيكَ لَهُ وَبِذَلِكَ أُمِرْتُ) [الأنعام:162-163].

أخيَّ المسلم: قضى الله وأمرك بالصلوات الخمس في يومك وليلتك، فهل استجبت لله في أمرك وإطاعته في أمره؟ فأديت تلك الصلوات الخمس في أوقاتها كاملة الأركان والواجبات مُحافظاً عليها جُمعاً وجماعات، مُحاولاً الاقتداء بنبيك والتأسي به في صلواته، وهو القائل: "صلوا كما رأيتموني أصلي"، أم أطعت هواك والشيطان فتكاسلت عن هذه العبادة، واستخففت بها، فاتق الله فيها، فإنَّ محافظتك عليها دليل الإيمان الصحيح: (وَالَّذِينَ هُمْ عَلَى صَلَوَاتِهِمْ يُحَافِظُونَ * أُوْلَئِكَ هُمْ الْوَارِثُونَ * الَّذِينَ يَرِثُونَ الْفِرْدَوْسَ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ) [المؤمنون:9-11].

قضى الله بأنَّ الزكاة أحد أركان الإسلام، وأنَّها الركن الثالث من أركان الإسلام، فهل استجبت لأمر الله، وأديتها كاملةً تامة، واخترت أمر الله لك فطهرت مالك من الزكاة؟ أم تهاونت بذلك وارتكبت الحيل المتعدية لكي تضيق أمر الزكاة، ولكيلا تؤديها على الوجه المطلوب؟ فاعلم أنَّ الله سوف يحاسبك عن هذا كُله.

فرض الله عليك الصوم والحج، فهل أديت هذين الركنين أداءً كاملا؟ أديت الصوم وأنت في صحة وسلامة، وتجنبت ما حرم الله عليك، وأخلصت لله؟ أديت ركن الحج في صحة من بدنك وعافية قبل أن يحال بينك وبين ذلك.

أخيَّ المسلم: قضى الله، وأمرك بالبر بالأب والأم والإحسان إليهما، وخدمتهما، والقيام بحقهما خير قيام، فهل امتثلت أمر ربك، واخترت ما اختاره الله، لك فبررت بالأبوين وأحسنت إليهما، ورفقت بهما، وعاملتهما باللطف والإحسان والرحمة والرقة، وكنت لهما مُطيعاً في أمر الله، باراً بهما؟ أم اخترت لنفسك الكسل والتهاون بهما وجعلتهما في أماكن الرعاية؛ فراراً وضجراً منهما؟ وتلك أخلاق اللؤماء.

أخي المسلم: أمرك الله بصلة رحمك، واختار لك الأمر العظيم، وجعل الصلة سبباً لبركة عمرك ومالك وولدك، وعزاً لك في الدنيا والآخرة، فهل قبلت هذا من الله؟ أمَّ تهاونت بالرحم، وانصرفت عنهم، وخدعك مالك وصحتك، وصددت عنهم لفقرهم؟ وذلك خلقٌ سيء.

أيُّها الشاب المسلم: إنَّ الله -جل وعلا- أمرك بغضِ بصرك، وتحصين فرجك: (قُلْ لِلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ) [النور:30]، هل قبلت أمر الله؟ فغضضت البصر، وحفظت الفرج، وصنت نفسك عما حرم الله عليك، وسعيت بالزواج الحلال الطيب، واستعنت بالله على ذلك؟ أم انشغلَت نفسك بتطلع بصرك إلى هنا وهناك، ولم تحفظ فرجك عن محارم الله؟ فاتقِ الله؛ فإن الله اختار لك ما فيه عزك وكرامتك وسعادتك في الدنيا والآخرة.

أخي الشاب المسلم: هل علمت أن المسكرات والمخدرات من أعظم البلايا؟ وأعظم داء وجودها وتعاطيها -نسأل الله السلامة والعافية- فيها إفساد دينك، وإفساد عقلك وأخلاقك والقضاء على كيانك، وتحويلك من إنسان ذا خلق ودين إلى إنسان منحل بعيد عن كل كرامة وفضيلة، فنتبه لنفسك.

هل تعلم أن من يروج المخدرات ويُساهم فيها ويبثها في المجتمع ملعون على لسان محمد -صلى الله عليه وسلم-؛ لكونه أعان على الباطل، وساهم في الباطل؟ فاتق الله، ولا تخدعنك مكاسبها المادية فتضحي بدينك وأخلاقك في سبيل الحصول على هذه المادة التي تأتيك من هذا الطريق المعوج الذي لا خير فيه.

أخي المسلم: دينك يدعوك إلى أن تكون متمسكاً بدين الإسلام في مظهرك في سلوكك في أقوالك وأفعالك، فهل استجبت لأمر الله ورسوله، ومثلت الإسلام في أقوالك وأعمالك؟ أم اخترت التغرير، وتمييع والأخلاق، والبعد عن هذه الفضائل، فانتبه لنفسك أخي المسلم، أقبل من الله ما أمرك به، ولا تختار غير المنهج الصحيح، فإن خلاف ذلك خطأٌ وضلال مبين.

أيُّها القاضي المسلم: إن الله أمرك بالعدل بقوله: (... وَإِذَا حَكَمْتُمْ بَيْنَ النَّاسِ أَنْ تَحْكُمُوا بِالْعَدْلِ إِنَّ اللَّهَ نِعِمَّا يَعِظُكُمْ بِهِ إِنَّ اللَّهَ كَانَ سَمِيعاً بَصِيراً) [النساء:58]، فهل كنت كذلك؟ قضيت بالعدل وأخذت الخصمين واتقيت الله، فلم تكن العلاقة الشخصية، والعلاقة الأسرية والمصالح المادية تحول بينك وبين العدل، فإنَّ الله أوجب عليك ذلك لتكون قاضياً عادلاً موئلك في الجنة، والقاضي إذا قضى بعلم واخلاص لله، فإنه بتوفيق الله في جنات النعيم.

أخي المسلم: يا من منَّ الله عليه بالمال، وأعطاه من المال ما أعطاه، اتق الله في مالك، وفكر في نفسك؛ فالله -جل وعلا- أنَّعم عليك بهذا المال، فهل أنت من الشاكرين له، القائمين بحق المال خير قيام؟ هل هذا المال سببٌ لطاعة ربك وتواضعك لربك وشكرك لنعم الله عليك؟ أم كان هذا المال سبباً للعصيان والطغيان والكبر والتعالي على الحق، والتعالي على الخلق: (كَلاَّ إِنَّ الإِنسَانَ لَيَطْغَى * أَنْ رَآهُ اسْتَغْنَى) [العلق:6-7]، ونِعْمَ المالُ الصالح للرجل الصالح!.

أيها المسؤول في أي الدوائر الحكومية: اتق الله في نفسك، واعلم أن الله اختارك وأمرك بأن تكون عادلاً في أمورك، متقياً الله في تعاملك ممنً تحت يديك بالعدل والإحسان والإنصاف، بعيداً عن الميل الشخصي والذاتي، لا تقيم الناس على أسس عرقية، ولا على مصالح مادية، ولكن تقيمها على العدل، وإعطاء كل ذي حق حقه، وتنفيذ الأوامر الصادرة بعدلِ ودقةٍ وأمانة؛ لتكون ممن أدى الأمانات إلى أهلها، فتكون من المتقين.

أيها المسؤول عن مشاريع الأمة وتنفيذ مصالحها: اتقِ الله، أمرك الله بأداء الأمانة، والإخلاص والصدق وعدم الكذب والانحراف، فاتقِ الله فيما تؤديه وما تنفذه من مشاريع الأمة، اتقِ الله، واصدق في معاملتك، وإيَّاك والكذب! وإيَّاك والخيانة! وإيَّاك والغش! فإنها مصالح الأمة، أوزاره عليك عظيمة، فاتق الله، وخلِّصْ نفسك، وأدِّ ما أوكل إليك من مشروع بإخلاصٍ وصدقٍ وأمانةٍ؛ لأن الأمة ستُنفع بهذه الطرق الطيبة، أما إن كان التنفيذ سيئاً وخيانةً ورشوةً وتساهلاً وتهاونا بالمسئولية وخداعا للأمة، فإن ما يصيبُ الأمة من نقصٍ وخللٍ في أي مشروع نفذته فمسؤوليته عليك حيا وميتا، فاتق الله في ذاتك تقوى تقيك عذاب الله.

أيَّها المسؤولون عن شركات التصنيع والتوريد، اتقوا الله في أنفسكم، وبما تقدموه للمجتمع من صناعة تصنعونها أو أشياء توردونها، فاتقوا الله فيها وكونوا مع الصادقين، فإن الله حرم عليكم الغش: "ومن غشنا فليس منا".

فمن الغش أن تكون الصناعة رديئة ضعيفة لا تحافظ على المواصفات المعتبرة، أو يستورد أمور دنيئة رديئة يُسجلها ويكسوها بشعار قوي خداعاً للناس وتضليلاً عليهم، فاتق الله في نفسك، واعلم أن الله سيسألك عن كل هذا، فلْنتَّقِ الله القائل: (وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْراً أَنْ يَكُونَ لَهُمْ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ) [الأحزاب:36]. فلا خيار لنا أمام أوامر الله إلا التنفيذ، ولا أمام ما نهى الله إلا بالاجتناب، فلا نختار إلا ما اختاره الله لنا، ولا نختار غير ما شرع الله لنا، هذا الإيمان الصحيح.

ثَبَّتَنِي الله وإيَّاكم على قوله الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، إنَّه وليٌ ذلك والقادر عليه، أقولُ قولي هذا وأستغفر الله العظيم الجليل لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه وتوبوا إليه، إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

الحمدُ لله، حمدًا كثيرًا طيِّبًا مباركًا فيه، كما يُحِبُّ ربُّنا ويَرضى، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أنْ محمَّدًا عبدُه ورسولُه، صلَّى اللهُ عليه وعلى آله وصحبِه، وسلّمَ تسليمًا كثيرًا إلى يومِ الدينِ.

أما بعد: فيا أيُّها الناسُ، اتَّقوا اللهَ تعالى حقَّ التقوى، واقبلوا أوامر الله، وارضوا بها، ولتطمئن بها نفوسكم.

أنزل الله على نبيه -صلى الله عليه وسلم- قوله تعالى: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) [البقرة:284]، فأتى الصحابة النبي -صلى الله عليه وسلم- وجلسوا على الركب وقالوا: يا رسول الله، كلفنا من الأعمال ما نطيق: الصلاة والصيام والحج، وقد جاءت آية لا تطاق لنا بها. فقال: "ما هي؟". قالوا: قول الله: (وَإِنْ تُبْدُوا مَا فِي أَنفُسِكُمْ أَوْ تُخْفُوهُ يُحَاسِبْكُمْ بِهِ اللَّهُ) فإن حُوسبنا على خطرات أنفسنا هلكنا. قال: "أتريدون أن تقولوا سمعنا وعصينا؟ قولوا: سمعنا وأطعنا"، فلما ارتضاها القوم وجرت بها ألسنتهم أنزل الله عقبها: (لا يُكَلِّفُ اللَّهُ نَفْساً إِلاَّ وُسْعَهَا لَهَا مَا كَسَبَتْ...).

وقال -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله تجاوز لي عن أمتي ما حدثت بها أنفسها ما لم يتكلموا به أو يعملوا".

أختي المسلمة، أختي المؤمنة: إن الله اختار لك الخير والصلاح، اختار لك عزاً وكرامة في الدنيا والآخرة، فأمرك الله بغض بصرك وحفظ فرجك، قال -تعالى-: (وَقُلْ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ) [النور:31]، أمرك الله بالحجاب فقال: (وَإِذَا سَأَلْتُمُوهُنَّ مَتَاعاً فَاسْأَلُوهُنَّ مِنْ وَرَاءِ حِجَابٍ) [الأحزاب:53]، وقال: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُوراً رَحِيماً) [الأحزاب:59].

نهاك نبيك -صلى الله عليه وسلم- أن تُسافري بلا محرم... وحرم عليك الخلوة بمن ليس لك محرماً، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "ما خلا رجل بامرأة إلا كان الشيطان ثالثهما"، وقال: "إيَّاكم والدخولَ على النساء!" فقالوا: الحمو؟ قال: "الحمو الموت"، كل ذلك لإبعادك عن الرذائل، وحفظا لكرامتك وعزتك.

أيتها المرأة المسلمة: إن الله أراد لك الخير والصلاح فجعلك مسلمةً مؤمنةً قانتةً صادقةً صابرةً خاشعةً متصدقةً صائمةً ذاكرة الله كثيرا، وعدك بالثواب العظيم، (... وَالْحَافِظِينَ فُرُوجَهُمْ وَالْحَافِظَاتِ...) (... أَعَدَّ اللَّهُ لَهُمْ مَغْفِرَةً وَأَجْراً عَظِيماً) [الأحزاب:35]، أطيعِي الله ورسوله يُبارك لك في عمرك وعملك: (فَاسْتَجَابَ لَهُمْ رَبُّهُمْ أَنِّي لا أُضِيعُ عَمَلَ عَامِلٍ مِنْكُمْ مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى بَعْضُكُمْ مِنْ بَعْضٍ) [آل عمران:195].

أيتها المسلمة: أن الله يريد لك الخير، ويريد لك اجتناب الضلال واتباع الشهوات والميل مع الشهوات والشبهات.

أيتها المرأة المسلمة: إن الله أمرك بطاعته وطاعة رسوله، وعدك الخير، والثواب العظيم، وأمرك بالقرار في بيتك وتربية الأولاد، ونهاك عن تبرج الجاهلية الأولى، نهاك عن السفور والتبرج والتعري للرجال، وحذرك من هذه المصائب، ونبيك -صلى الله عليه وسلم- يقول: "اتقوا النساء؛ فإن أول فتنة بني إسرائيل كانت بالنساء".

أيتها المرأة المسلمة: يدعوك إسلامك إلى الاستقامة على دين الله، والمحافظة على القيم والفضائل والمكارم، فهل تطيعين مَن هو أولى بك منك؟ أم مَن يريدون تحررك من القيم والفضائل وإبعادك عن كل الأخلاق والمكارم؟ من يريدون الزج بك في كل هاوية لا تحمدين عقباها، تحت مظلة الطمع المادي فقط، فاتقي الله في نفسك، والزمِي شرع الله؛ ففيه العزة والكرامة لك في الدنيا والآخرة.

احذري طاعة من يريد أن يعرضك لذئاب البشر، وضعفاء النفوس، وعُبَّاد الشهوات، اتقي الله تقوى يحفظك الله بها عن الحرام، كوني مسلمة مؤمنة تربين أجيالا صالحة تخدم المجتمع بعزٍ وكرامة وتمسّك بالقيم والفضائل، فاتقي الله في نفسك تقوى تحمين بها نفسك عن محارم الله، غضي البصر، واحفظي الفرج، وابتعدي عن كل المغريات التي يعمى بها ضعفاء الإيمان.

أسأل الله أن يحفظ الجميع بالإسلام، وأنَّ يثبتنا وإيَّاكم على قوله الثابت في الحياة الدنيا وفي الآخرة، إنَّه على كل شيء قدير.

واعلموا -رحمكم اللهُ- أنّ أحسنَ الحديثِ كتابُ الله، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ.

وعليكم بجماعةِ المسلمين، فإنّ يدَ اللهِ على الجماعةِ، ومن شذَّ شذَّ في النار.

وصَلُّوا رَحِمَكُم اللهُ على عبد الله ورسوله محمد كما أمركم بذلك ربكم قال تعالى: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56].

اللَّهُمَّ صلِّ وسلِّم وبارِك على سيدنا محمد...

 

 

 

 

 

المرفقات

طاعة الله ورسوله

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات