تولي الله للعبد

سالم بن محمد الغيلي

2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/صفات فطر عليها الإنسان 2/لا غنى للإنسان عن الله طرفة عين 3/بعض أسباب الحصول على ولاية الله 4/بعض فوائد وثمرات نيل العبد لولاية الله

اقتباس

إذا تولاك الله هداك للحق، وأخرجك من ظلمات الكفر والجحود والنفاق إلى نور الإيمان. إذا تولاك الله دافع عنك ضد الحاقدين والحاسدين والماكرين. إذا تولاك الله جمع قلبك عليه، وعلى توحيده، وعلى اللجوء إليه في ساعات الخير، وساعات الضيق. وإذا تولاك الله وفقك وسددك، واستجاب دعاءك، وأعطاك...

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وسلم ما تعاقبت الليالي والأيام. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا)[الأحزاب: 70].

 

عباد الله: صفات لا تنفك عن الإنسان مهما كانت دنياه، مهما كان غناه، مهما كانت عافيته، مهما كان علمه وفصاحته، فهو ضعيف: (وَخُلِقَ الْإِنسَانُ ضَعِيفًا)[النساء: 28]، وهو عجول: (وَكَانَ الْإِنسَانُ عَجُولًا)[الإسراء: 11]، وأكثر ما فيه الجدال: (وَكَانَ الْإِنسَانُ أَكْثَرَ شَيْءٍ جَدَلًا)[الكهف: 54]، (إِنَّ الْإِنسَانَ خُلِقَ هَلُوعًا)[المعارج: 19]، وفقره دائم، فقير إلى الله، محتاج إلى الله، مضطر إلى الله مهما علا شأنه، فقير إلى الله في كل نفس، في كل نبضة قلب، في كل طرفة عين، في كل حركة في كل سكنة: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[فاطر: 15] محتاجون إلى الله في كل حياتنا، وفي دنيانا وآخرتنا.

 

ومن حاول أن يستغني عن الله لن يستطيع، سيهلك، استغنى فرعون بملك مصر والأنهار تجري من تحته؛ فأغرقه الله مع جنوده في البحر، واستغنى النمرود عن الله فمات من بعوضة دخلت في خياشيمه، وكان يُضرب بالنعال على رأسه حتى تسكن البعوضة حتى مات، واستغنى قارون بكنوزه فخسف الله به وبداره الأرض، وهكذا تمضي السنن؛ سنن الله لا تقف أبداً، ونحن نعوذ بالله أن يتخلى الله عنا ولو طرفة عين، ونعوذ بالله ربنا أن يكلنا إلى أعمالنا، أو إلى حولنا وقوتنا وأنفسنا طرفة عين.

 

ولذلك -عباد الله- يجب أن يسعى المسلم جاهداً يسعى جاهداً إلى أن يتولاه الله، إلى أن يكون الله وليه في كل شؤونه، في كل حياته، في كل أموره، وإذا تولى الله العبد فلا تسأل عن سعادته وفلاحه وفوزه وتوفيقه وتسديده، ومن أين نجلب ولاية الله لنا؟ من أين نأتي بها من أين نشتريها؟

إنها لا تباع ولا تشترى.

 

إن ولاية الله لي ولك نحصل عليها بأمور لابد أن نقوم بها، أمور يسيره سهلة بسيطة يستطيع الجميع أن يأتي بها يستطيع، الكل أن يجلب ولاية الله له فيصير ولياً لله يتولى الله كل أمره؛ منها: أولا: الإيمان بالله: الإيمان أن تكون مؤمناً مصدقاً بما جاء عن الله وعن رسوله -صلى الله عليه وسلم-.

 

ثانيا: تقوى الله: فما أفلح إلا المتقون وما نجى إلا هم، لا تتفلت على أوامر الله، لا تتمرد على شرعه، لا تغرك دنياك وما حزت فيها، فقد يكون تمردك سبب ذهابها في طرفة عين.

 

ثالثا: العمل الصالح: اعملوا صالحاً، اعمل من الصالحات المنجيات الباقيات، انظر كم تعمل لدنياك؟ وكم تجد في طلبها؟ فأعمل لأخرتك، اغرس غرسها.

 

رابعا: المداومة: داوم، لا تنقطع، لا تروغ، لا تفتر، لا تزكي نفسك، لا تغفل، لا تتكبر، داوم على أي عمل صالح تعمله، أثبته؛ كما كان يفعل صلى الله عليه وسلم، و "أحب الأعمال إلى الله أدومها وإن قل".

 

خامسا: طهارة الصدر، طهارة القلب: (إِنَّ اللّهَ يُحِبُّ التَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِينَ)[البقرة: 222]، طهر صدرك تعش سعيداً، طهر قلبك تسلم حسناتك، ويكمل إيمانك، وترضي ربك، طهر صدرك من الشرك والشك والرياء والعجب والسمعة، والنفاق والشقاق، طهر صدرك على الخلق من الغش والحسد والحقد والكراهية والبغضاء، طهر جوارحك، طهر نظرك، طهر سمعك، طهر بيتك، كن طاهراً يحبك الله ويتولاك.

 

أعمال سهلة يسيرة، ييسرها الله على أهل الايمان والصدق، سهلة على من يحب الله ورسوله -صلى الله عليه وسلم-، فإذا فعلتها فأبشر ثم أبشر، اطمئن سيتولى الله أمورك كلها؛ يدبرها، ييسرها، يهونها، يبارك فيها، يسددها، يهديك، يقويك، يدافع عنك، يمنعك، يحميك، يبدد خوفك وحزنك.

 

إذا تولاك الله هداك للحق، وأخرجك من ظلمات الكفر والجحود والنفاق إلى نور الإيمان: (اللَّهُ وَلِيُّ الَّذِينَ آمَنُوا يُخْرِجُهُم مِّنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ ۖ وَالَّذِينَ كَفَرُوا أَوْلِيَاؤُهُمُ الطَّاغُوتُ يُخْرِجُونَهُم مِّنَ النُّورِ إِلَى الظُّلُمَاتِ أُولَئِك أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ)[البقرة:257].

 

يهديك، والهداية لوحدها كم تساوي؟ كم قيمتها؟ يهديك للعمل الصالح، يسددك، يحبب إليك الطاعة والايمان، ويعينك عليها وعلى فعلها: (مَن يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَن يُضْلِلْ فَلَن تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُّرْشِدًا)[الكهف:17].

 

إذا تولاك الله دافع عنك ضد الحاقدين والحاسدين والماكرين: (إِنَّ اللَّهَ يُدَافِعُ عَنِ الَّذِينَ آمَنُوا)[الحج: 38]، "من عادى لي ولياً فقد آذنته بالحرب"(البخاري).

 

نسأل الله -تعالى- أن يتولانا وإياكم في الدنيا والآخرة، وأن يثبت قلوبنا على الإيمان والعمل الصالح حتى نلقاه؛ إنه ولي ذلك.

 

وللحديث بقية...

أقول ما تسمعون...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله حمداً كثيراً طيباً مباركاً فيه كما يُحب ربنا ويرضى.

 

عباد الله -أيها المسلم أيها المؤمن-: إذا تولاك الله جمع قلبك عليه، وعلى توحيده، وعلى اللجوء إليه في ساعات الخير، وساعات الضيق: (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيمًا فَاتَّبِعُوهُ وَلَا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَن سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُم بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الأنعام: 153].

 

وإذا تولاك الله وفقك وسددك، واستجاب دعاءك، وأعطاك سؤالك: "فإذا أحببته كنت سمعه الذي يسمع به، وبصره الذي يبصر به، ويده التي تبطش بها، ورجله التي يمشي بها، وإن سألني لأعطينه، ولئن استعاذني لأعيذنه"(البخاري).

 

وإذا تولاك الله رفع عنك الخوف والحزن، يؤَمِّنُكَ الله أماناً لا تخاف بعده على نفسك وأهلك ومالك، واسمعوا هذا النداء من الله: (أَلَا إِنَّ أَوْلِيَاءَ اللَّهِ لَا خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلَا هُمْ يَحْزَنُونَ) منهم؟ (الَّذِينَ آمَنُوا وَكَانُوا يَتَّقُونَ * لَهُمُ الْبُشْرَى فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ)[يونس: 62-64].

 

حتى عند الموت تأتي إليهم الملائكة ملائكة الرحمة، وتقول لهم: لا تخافوا مما أمامكم، ولا تحزنوا على ما خلفتم، وتبشرهم بالجنة.

 

كل هذا في أضيق الساعات، وأشد اللحظات، وأخطر الأوقات: (إِنَّ الَّذِينَ قَالُوا رَبُّنَا اللَّهُ ثُمَّ اسْتَقَامُوا تَتَنَزَّلُ عَلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةُ أَلَّا تَخَافُوا وَلَا تَحْزَنُوا وَأَبْشِرُوا بِالْجَنَّةِ الَّتِي كُنتُمْ تُوعَدُونَ * نَحْنُ أَوْلِيَاؤُكُمْ فِي الْحَيَاةِ الدُّنْيَا وَفِي الْآخِرَةِ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَشْتَهِي أَنفُسُكُمْ وَلَكُمْ فِيهَا مَا تَدَّعُونَ)[فصلت: 30-31].

 

وفي القبر، قال صلى الله عليه وسلم عن المؤمن: "ويأتيه رجل حسن الوجه، حسن الثياب، طيب الريح، فيقول: أبشر بالذي يسرك هذا يومك الذي كنت توعد"(أحمد).

 

إذا تولاك الله رحمك يوم القيامة حيث لا راحم إلا الله، ولا منقذ إلا الله، قال صلى الله عليه وسلم: "لله -عز وجل- مائة رحمة، وإنه قسم رحمة واحدة بين أهل الأرض فوسعتهم إلى آجالهم، وذخر تسعة وتسعين رحمة لأوليائه، والله -عز وجل- قابض تلك الرحمة التي قسمها بين أهل الأرض إلى التسع والتسعين، فيكملها مائة رحمة لأوليائه يوم القيامة"(أحمد)، (فَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَاعْتَصِمُوا بِاللَّهِ هُوَ مَوْلَاكُمْ فَنِعْمَ الْمَوْلَى وَنِعْمَ النَّصِيرُ)[الحج: 78].

 

فالله الله -أيها الأحبة- لا نستغني عن الله، ولا تلهينا نِعَمه عن الافتقار إليه، ولا تلهينا دنيانا عن طاعته، والمداومة على عبادته: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تُلْهِكُمْ أَمْوَالُكُمْ وَلَا أَوْلَادُكُمْ عَن ذِكْرِ اللَّهِ وَمَن يَفْعَلْ ذَلِكَ فَأُولَئِكَ هُمُ الْخَاسِرُونَ * وَأَنفِقُوا مِن مَّا رَزَقْنَاكُم مِّن قَبْلِ أَن يَأْتِيَ أَحَدَكُمُ الْمَوْتُ فَيَقُولَ رَبِّ لَوْلَا أَخَّرْتَنِي إِلَىٰ أَجَلٍ قَرِيبٍ فَأَصَّدَّقَ وَأَكُن مِّنَ الصَّالِحِينَ)[المنافقون:9-10].

 

وصلوا وسلموا...

 

المرفقات

تولي الله للعبد

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات