تهويد القدس

فهد بن عبدالله الصالح

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ فلسطين: الأرض المباركة 2/ جرائم اليهود في فلسطين ومحاولات تهويدها 3/ أمور يتحتّم علينا معرفتها عن اليهود 4/ مظاهر هزيمة اليهود ونصر الإسلام 5/ توجيهات للمسلمين تجاه فلسطين وقضيّته

اقتباس

ومن آخر جرائمهم في حق المسجد الأقصى, وحق المدينة المقدسة, بل في حق الشعور الإسلامي عامة: بناء معبد يهودي أسموه (الخراب) وهو فعلا خراب على اسمه, خراب للقيم, وخراب للمتعبدات والمقدسات على بعد أمتار من المسجد الأقصى, والذي استغرق بناؤه عدة سنين, ورصدت له ميزانية بقيمة اثني عشر مليون دولار, تقاسمتها الحكومة الإسرائيلية ..

 

 

 

الحمد لله القائل في محكم التنزيل: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) [المائدة:82]. أحمده سبحانه أبان الطريق وأوضح المحجة, وأشهد أن لا اله إلاَ الله وحده لا شريك له, أعزنا بالإسلام, ومهما ابتغينا العزة بغيره أذلنا الله, وأشهد أن محمداً عبده ورسوله وخاتم أنبيائه القائل: " بٌعثت بين يدي الساعة, وجعل رزقي تحت ظل رمحي, وجعلت الذلة والصغار على من خالف أمري) صلى الله عليه،،.

أمَا بعد: فاتقوا الله -أيها المسلمون- واستمسكوا بدينكم وتحاكموا إليه واحذروا أعداءه واتقوا الله الذي أنتم به مؤمنون.

عباد الله: قضية القضايا، قضية المسلمين الأولى في هذا العصر، قضية فلسطين، والقدس رمز القضية الفلسطينية، والأقصى رمز مدينة القدس.

أرض فلسطين الأرض التي بارك الله فيها؛ قال تعالى: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطاً إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) [الانبياء:71]. وقال سبحانه: (وَلِسُلَيْمَانَ الرِّيحَ عَاصِفَةً تَجْرِي بِأَمْرِهِ إِلَى الْأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا ) [الانبياء: 82].

وكما وصفها الله بالبركة, فقد وصفها بالقداسة؛ قال تعالى: (يَا قَوْمِ ادْخُلُوا الْأَرْضَ الْمُقَدَّسَةَ الَّتِي كَتَبَ اللَّهُ لَكُمْ) [المائدة: 21]، وأقسم الله بها بقوله: (وَالتِّينِ وَالزَّيْتُونِ) [التين:1], ومن بركات هذه الأرض المقدسة: أنها موطن الأنبياء مهد الرسالات.

ومن بركات بيت المقدس: أنه ثاني مسجد وضع في الأرض, وقبلة المسلمين الأولى, وثالث المساجد التي لا تشد الرحال بقصد الصلاة إلاً إليها، والصلاة فيه تعدل خمسمائة صلاة فيما سواه, إلاً المسجد الحرام والمسجد النبوي, وقد أٌسري برسول الله إليه, وعرج به منه إلى السماوات العلى, وأمً فيه الأنبياء جميعاً.

أيها المسلمون: من جرائم اليهود في حق الشعب الفلسطيني الأعزل: أنه عاني الويلات منذ ستين سنة على أيدي اليهود وأعوانهم, من قتل وتعذيب وسجن وترويع وهدم للمساكن ومصادرة لها, ولم يشهد التاريخ كله تهجيرا جماعيا كما وقع على إخوتنا في فلسطين, ومطاردة المجاهدين منهم حتى خارج أرضهم.

وتتعرض القدس منذ أن أحتلها اليهود عام سبع وستين إلى مكايد ومؤامرات يراد منها تهويد القدس, أي: إزالة الوجود العربي والإسلامي منها, وجعلها خاصة لليهود, ويراد منها -أيضا- هدم المسجد الأقصى, وبناء المعبد اليهودي مكانه, وسلسلة تهويد القدس بدأت مع أول يوم لاحتلالها.

ووفقاً لتقارير إسرائيلية: فقد تم بناء حوالي ثمانية وثلاثين ألف وخمسمائة وحدة سكنية في أحياء القدس, وعلى شكل حزام سكنى حولها, في الوقت الذي لم تسمح فيه سلطات الإحتلال ببناء بيت واحد للفلسطينيين في مدينة القدس, أو حتى زيادة طوابق على بيت قديم، كل ذلك من أجل تقليص عدد الفلسطينيين المقيمين في مدينة القدس, وزيادة عدد اليهود بالهجرة إلى القدس من المدن المجاورة, بتوفير مستوطنات جاهزة لهم.

وتخطط الحكومة الإسرائيلية -كما ذكرت صحفها- إلى بناء حوالي تسعين ألف وحدة سكنية استيطانية, خلال السنوات العشر القادمة, لتستوعب أكثر من 400000 يهودي,
فبهذه السياسة -أيها الأخوة- يكثر عدد اليهود في مدينة القدس, وسيضطر الفلسطينيون -عند ضيق منازلهم, أو تهدمها, أو زواج شبابهم- إلى السكن في ضواحي المدينة، وقانون السلطات الإسرائيلية لا يسمح بالدخول للمدينة إلاً ببطاقة إسرائيلية, أو تصريح مؤقت.

وبهذا المخطط يتم تهويد مدينة القدس التي طالما قالوا مرارا وتكرارا أنها العاصمة الأبدية لإسرائيل ولن يتنازلوا عنها مطلقاً.

ويصاحب مسلسل تهويد مدينة القدس، مسلسل آخر هو: هدم المسجد الأقصى, وإقامة المعبد اليهودي على أنقاضه.

بدأت أول فقرات المسلسل بعد سنتين من احتلاله؛ ففي عام تسعة وتسعين كان الحريق المروع للمسجد الأقصى, وأتت النيران على جدرانه, وعلى منبره وأثاثه, وفي عام ثمانين جرت محاولة لنسفه, حيث أكتشف بالقرب من المسجد أكثر من طن من المتفجرات, وتم إبطال مفعولها بفضل من الله، وفي عام اثنين وثمانين قام متطرف يهودي من أعضاء حركة (كاخ) بمحاولة لنسف المسجد الأقصى.

وفي عام 84 اكتشف الحراس المسلمون للأقصى عدداً من الإرهابين اليهود في الساحات المحيطة بالمسجد, وهم يعدون لعملية نسف تامة له، وفي نفس السنة كانت محاولة لقصف المسجد بالطائرات؛ وتأتي الحفريات والأنفاق القريبة من المسجد لخلخلة البناء, ينفذونها دون ضجة إعلامية ـ تارة يقولون: إنها لإصلاح شبكات المياه، وتارة يقولون: إنها بحث عن هيكل سليمان, تلكم الأكذوبة والأسطورة, والمقصود بهيكل سليمان ليس هيكلا عظمياً لإنسان ميت, ولكنه هيكل مباني وبقايا جدران يزعمون أنه القصر الذى بناه نبي الله سليمان عليه وعلى نبينا أفضل صلاة وسلام, وأن مكانه هو نفس أرض المسجد الأقصى, وأن المسلمين بنوا المسجد الأقصى على أنقاضه, وهي أكذوبة مضحكة.

والتاريخ القديم ذكر أن القصر الذي بناه سليمان عليه السلام قد هدمه الكافر بختنصّر, ولكن كما قال الله تعالى: (وَذَلِكَ إِفْكُهُمْ وَمَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) [الاحقاف: 28]

ومن آخر جرائمهم في حق المسجد الأقصى, وحق المدينة المقدسة, بل في حق الشعور الإسلامي عامة: بناء معبد يهودي أسموه (الخراب) وهو فعلا خراب على اسمه, خراب للقيم, وخراب للمتعبدات والمقدسات على بعد أمتار من المسجد الأقصى, والذي استغرق بناؤه عدة سنين, ورصدت له ميزانية بقيمة اثني عشر مليون دولار, تقاسمتها الحكومة الإسرائيلية, ومتبرعون من يهود العالم؛ فاحتفلوا به منذ أيام, وقام الشرفاء من أبناء الأرض المحتلة بالاحتجاج والتنديد, فرد عليهم أحفاد القردة والخنازير بمنعهم من الاحتجاج, وألقوا عليهم الغاز المسيل, والأعيرة المطاطية, فأصيب منهم عشرون, ومنعوا المصلين من دخول المسجد الأقصى, وأغلقت المحال التجارية أبوابها, وعم الإضراب التجاري المدينة.

مما تقدم, ومن الواقع المشاهد -أيها الأخوة- نعرف أن اليهود لن يتخلوا عن مدينة القدس التي فيها المسجد الأقصى, وستكون عاصمة لهم, وسيخططون لهدم المسجد الأقصى قبلة الأنبياء, ومهبط الرسالات, ومسرى المصطفى الحبيب.

وبعد: -أيها المسلمون- فيجب علينا أن نعرف عدة أمور: يجب أن نعرف أن اليهود هم أعدى أعداء الإسلام, وعداوتهم لنا تاريخية قديمة, والشواهد على ذلك كثيرة, ولا أعظم شهادة من الله إذ يقول: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِلَّذِينَ آمَنُوا الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُوا) [المائدة:82]، ويصفهم الله بوصف سيء؛ فيقول: (وَيَسْعَوْنَ فِي الْأَرْضِ فَسَاداً وَاللَّهُ لا يُحِبُّ ) [المائدة: 64], أي: يجتهدون في نشر الفساد بكل أنواعه, من نشر الخلاعة والمجون, والتحلل الأخلاقي, ومن السعي في تفكيك المجتمعات وإبعادها عن دينها, ومن نشر الفوضى والإضرابات والصراعات.

ومن طبائع اليهود -قاتلهم الله- نقض العهود والمواثيق وهى صفة متأصلة في نفوسهم يقول الله تعالى (أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْداً نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُونَ) [البقرة:100]، ولقد نقضوا عهودا أبرموها مع أنبياء الله: موسى, وعيسى, ومحمد عليهم الصلاة والسلام.

ويجب أن نعلم -أيها المسلمون- أن اليهود في أفعالهم ينطلقوم من عقائدهم الباطلة، فهم يعتقدون؛ كما قال الله عنهم: (لَيْسَ عَلَيْنَا فِي الْأُمِّيِّينَ سَبِيلٌ) [آل عمران: 75]، والأميون هم: الأمم غير اليهودية، وقد جاء في توراتهم المحرفة: أن الرب قال لإبراهيم عليه السلام: (أرفع عينيك وانظر من الوضع الذي أنت فيه شمالا وجنوبا وشرقا وغربا؛ لأن الأرض التي أنت ترى لك أعطيها, ولنسلك إلى الأبد).

وجاءت تصريحات زعمائهم متفقة مع عقائدهم المحرفة, يقول رئيس وزرائهم السابق: " إن سيادة دولة إسرائيل مع كل أجزاء القدس, ومن بينها الحرم, واقع قائم لا رجعة فيه "، ويقول وزير الأديان الصهيوني: " إن جبل البيت هو لنا بحكم الشراء؛ لأن أبانا إبراهيم اشتراه, وبحكم الاحتلال ".

ولما اعتدى بعض اليهود على الأقصى, قال وزير خارجيتهم: " إن على الجميع عدم المضي في التوهم بأن علماً آخر غير العلم الإسرائيلي, قد يرفع فوق حرم القدس الشريف ".

ولقد قالت جولد مائير قديماً: " أنني أتمنى أن أصحو ذات يوم, ولا أجد طفلاً فلسطينياً على وجه الأرض".

ويجب أن نعرف -أيها المسلمون- أن الاعتداء على المتعبدات دليل على ضعف الأمة, كما قال الله تعالى: (وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً) [الحج: 40]، والأمة العاجزة عن الدفاع عن الأعراض والدماء, كما حدث في البوسنة, والشيشان, وفلسطين, وغيرها من باب أولى, عاجزة عن الدفاع عن مبنى مسجد, مما يدل على ضعف الأمة, وتفرقها وهوانها عن الناس.

ومع هذا الظلم الدامس, فإننا يجب أن نعرف ونوقن أن العاقبة للمتقين, وأن النصر حليف المؤمنين, والفجر لا يكون بزوغه إلا بعد اسوداد الليل, ولكن الأيام دول يداولها بين الناس؛ فلقد هزمت إسرائيل في هجومهم الأخير على قطاع غزة الصغير, وطردت من جنوب لبنان, وتعاني من تمرد جنودها, وتهربهم من الخدمة العسكرية, وقلت الهجرة إليها, وفقدت تعاطف الكثير من المؤسسات الدولية, وأمست دولة الاحتلال تُدرج ضمن الدول المعتدية, وبعض مسؤوليها عرضة للمساءلة في المحاكم الدولية.

والمستقبل يبشر بنصر المؤمنين, وتلاشي أسطورة ما يسمى: إسرائيل؛ ففي الحديث الصحيح عن أبى هريرة رضي الله عنه أن الرسول قال: " لا تقوم الساعة حتى يقاتل المسلمون اليهود, فيقتلهم المسلمون حتى يختبئ اليهودي من وراء الحجر والشجر, فيقول الحجر والشجر: يا مسلم يا عبد الله هذا يهودي خلفي, فتعالى فاقتله, إلاً الغرقد؛ فإنه من شجر اليهود " رواه البخاري ومسلم, وغيرهما واللفظ لمسلم.

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم (أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُوا وَإِنَّ اللَّهَ عَلَى نَصْرِهِمْ لَقَدِيرٌ الَّذِينَ أُخْرِجُوا مِنْ دِيَارِهِمْ بِغَيْرِ حَقٍّ إِلَّا أَنْ يَقُولُوا رَبُّنَا اللَّهُ وَلَوْلا دَفْعُ اللَّهِ النَّاسَ بَعْضَهُمْ بِبَعْضٍ لَهُدِّمَتْ صَوَامِعُ وَبِيَعٌ وَصَلَوَاتٌ وَمَسَاجِدُ يُذْكَرُ فِيهَا اسْمُ اللَّهِ كَثِيراً وَلَيَنْصُرَنَّ اللَّهُ مَنْ يَنْصُرُهُ إِنَّ اللَّهَ لَقَوِيٌّ عَزِيزٌ) [الحج:39-40].

بارك الله لي ولكم …

 

 

 

الخطبة الثانية

 

 

إن المسلمين مدعوون في هذا الزمن إلى العودة إلى الدين, وإلى فهم الإسلام الفهم الصحيح المتكامل, وإلى الاعتزاز بالإسلام والدعوة إليه, والتفاني في التضحية من أجله بالغالي والنفيس.

كما أن على المسلمين تحقيق الولاء والبراء, ففي الحديث: " أوثق عرى الإيمان: الحب في الله والبغض في الله ", فبغض اليهود والنصارى من مقتضيات التوحيد: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لا تَتَّخِذُوا الْيَهُودَ وَالنَّصَارَى أَوْلِيَاءَ بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاءُ بَعْضٍ وَمَنْ يَتَوَلَّهُمْ مِنْكُمْ فَإِنَّهُ مِنْهُمْ إِنَّ اللَّهَ لا يَهْدِي الْقَوْمَ الظَّالِمِينَ) [المائدة:51]

كما يجب على المسلمين إقامة الوحدة الإسلامية بين المسلمين والسعي في تحقيقها, وبداية ذلك بتوثيق رابطة الإخاء بين المسلمين, وإشاعة المودة والرحمة بينهم, والسعي في مصالحهم, والسؤال عنهم, ونصيحتهم ومناصرتهم.

ويجب على المسلمين إحياء شريعة الجهاد في سبيل الله؛ ففي الجهاد العزة والتمكين, والجهاد هو السبيل الوحيد لاسترداد المقدسات, والذود عن الأعراض والدماء والممتلكات.

ويجب الوقوف مع الأخوة في فلسطين بكل يملكه الإنسان من دعم مادي, سواء بدفع الزكاة المشروعة, أو التبرع العام؛ لدعم الأسر الفقيرة, وبناء المستشفيات, وتعليم الأبناء في المدارس والجامعات, ويوجد جهات مصرح لها بجمع التبرعات؛ لأن تقوية اقتصادهم هو مما يقويهم, ويقهر عدوهم, ويفشل مخططاته, في حصارهم وتجويعهم.

كما يجب التعاطف مع الأخوة المحاصرين والمجاهدين والمسجونين والمشردين بالدعاء لهم, والسؤال عنهم, ومتابعة قضيتهم, وبيان عقائد اليهود وما يخططون له, فكل هذه مما بخدم القضية, وينصر الأخوة, ويقطع الطريق على المجرم, ويفشل خطط المستعمر, ويقيم العدل ويستعيد المقدسات, ويحمي الدماء والأوطان, وما ذلك على الله بعزيز.

هذا وصلوا وسلموا...
 

 

 

 

 

المرفقات

1143

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات