تعليم القرآن رسالة عز وشرف تيسيرها واجب شرعي ومطلب وطني

خالد بن سعد الخشلان

2022-10-07 - 1444/03/11
عناصر الخطبة
1/ فضائل القرآن الكريم 2/ ثمرات الاعتصام بالقرآن والتمسك به 3/ عواقب الإعراض عن هدي القرآن 4/ تعليق على تخريج أكثر من الف حافظ للقرآن الكريم.

اقتباس

وكلما كانت المجتمعات معنية بكتاب ربها القرآن العظيم تعلمًا وتعليمًا، حفظًا ومدارسة نالت من الخيرية أعلى المراتب وحازت من الفضائل قصب السبق وأرفع الدرجات، والأمة الإسلامية بمجموعها تظل محفوظة بحفظ الله من أعدائها، محوطة بعناية الله من مكرهم ومؤامراتهم ما دامت الأمة تُعلي من شأن كتاب ربها علمًا وعملاً، تربيةً وسلوكًا، حكمًا وتحاكمًا، هدًى واهتداء..

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه، ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله وصفيه وخليله وأمينه على وحيه وخيرته من خلقه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أئمة الهدى ومصابيح الدجى ومن تبعهم واكتفى وسلم تسليما كثيرا إلى يوم الدين.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أما بعد فيا عباد الله! اتقوا الله وأطيعوه، فما خلقكم -سبحانه وتعالى- إلا لعبادته وطاعته وتقواه، فحققوا في حياتكم ما خلقتم من أجله، ففي ذلك صلاح معاشكم ومعادكم وفلاح دنياكم وآخرتكم.

 

فعن ذلك كله ستسألون وتحاسبون، وعلى ضوئه أنتم مجزيون (أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ) [المؤمنون:115]، منَّ الله عليَّ وعليكم بتقواه، وأعاننا على ذكره وشكره وحسن عبادته وطاعته؛ إنه سميع مجيب.

 

أيها الإخوة المسلمون: لقد كان من أعظم ما شرفت به أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- ما امتنَّ الله عليها به من إنزال القرآن العظيم على النبي محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي هو أعظم كتب الله، وأحسنها وأصدقها حديثًا، فهو ذِكْر للأمة، هو شرف الأمة، هو عزها، هو مجدها (وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) [الزخرف:44]، جعله الله -عز وجل- كتاب هداية للأمة، به يُهتدى من ظلمات الشرك والجهل، به يُهتدى من ظلمات الشبه (إِنَّ هَذَا الْقُرْآنَ يِهْدِي لِلَّتِي هِيَ أَقْوَمُ) [الإسراء: 9].

 

فلا كلام ككلام -عز وجل- تهتدي به القلوب، وتدرك به النفوس حقائق الأمور، وهو الشقاء لمن استشفى به من أمراض الشبهات والشهوات من الأمراض المعنوية والحسية (وَنُنَزِّلُ مِنَ الْقُرْآنِ مَا هُوَ شِفَاء وَرَحْمَةٌ لِّلْمُؤْمِنِينَ وَلاَ يَزِيدُ الظَّالِمِينَ إَلاَّ خَسَارًا) [الإسراء:82]، وهو الروح الذي تحيا به القلوب فلا حياة للقلوب بدونه (وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَا إِلَيْكَ رُوحًا مِّنْ أَمْرِنَا مَا كُنتَ تَدْرِي مَا الْكِتَابُ وَلَا الْإِيمَانُ) [الشورى: 52].

 

وهو النور الذي يستضيء به المسلم مهما ادلهمت الخطوب، واشتدت الظلمات والكروب، فيهتدي المسلم بآياته وتوجيهاته ويستنير ببصائره وبيناته (وَلَكِن جَعَلْنَاهُ نُورًا نَّهْدِي بِهِ مَنْ نَّشَاء مِنْ عِبَادِنَا وَإِنَّكَ لَتَهْدِي إِلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ) [الشورى:52].

 

القرآن العظيم هو العصمة، هو النجاة لمن اعتصم به واستمسك بهداه (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُوا) [آل عمران: 103]، من اعتصم بالقرآن أمن من الفتن وهدي إلى الحق وإلى طريق مستقيم.

 

كتاب الله -عز وجل- هو دستور الهداية ودليل الفلاح والنجاح والفوز والنجاة في الدنيا والآخرة (فَمَنِ اتَّبَعَ هُدَايَ فَلَا يَضِلُّ وَلَا يَشْقَى * وَمَنْ أَعْرَضَ عَن ذِكْرِي فَإِنَّ لَهُ مَعِيشَةً ضَنكًا وَنَحْشُرُهُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَعْمَى * قَالَ رَبِّ لِمَ حَشَرْتَنِي أَعْمَى وَقَدْ كُنتُ بَصِيرًا * قَالَ كَذَلِكَ أَتَتْكَ آيَاتُنَا فَنَسِيتَهَا وَكَذَلِكَ الْيَوْمَ تُنسَى) [طه: 123- 126].

 

هذا القرآن سبيل الرفعة والعزة، سبيل المنَعَة من كان من أهله حقًّا وصدقًا، رفعه الله وأعزه، ومن أعرض عنه كتب الله عليه الذل والهوان، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "إن الله يرفع بهذا الكتاب أقوامًا ويضع به آخرين".

 

وهو باب من أبواب الظفر بالخيرية على مستوى الأفراد والجماعات والدول والشعوب، يقول -صلى الله عليه وسلم-: "خيركم من تعلم القرآن وعلمه"، فكيف بمن اهتدى بهداه، كيف بمن طبَّق شرعه واحتكم إليه، كيف بمن تخلق بأخلاقه وتأدب بآدابه؟

 

وكلما كانت المجتمعات معنية بكتاب ربها القرآن العظيم تعلمًا وتعليمًا، حفظًا ومدارسة نالت من الخيرية أعلى المراتب وحازت من الفضائل قصب السبق وأرفع الدرجات، والأمة الإسلامية بمجموعها تظل محفوظة بحفظ الله من أعدائها، محوطة بعناية الله من مكرهم ومؤامراتهم ما دامت الأمة تُعلي من شأن كتاب ربها علمًا وعملاً، تربيةً وسلوكًا، حكمًا وتحاكمًا، هدًى واهتداء، وقد قال بعض أهل العلم عند قوله تعالى: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9]، قال: إن مهمة حفظ القرآن الكريم لما يجعلها الله لأحد من خلقه وإنما تكفل الله -عز وجل- وحده بحفظ كتابه: (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر:9].

 

لكن الأمة المسلمة هي نفسها المحتاجة للقرآن حتى تُحفظ، ولا تزال الأمة محفوظة بحفظ الله لها مهما تكالب عليها الأعداء ورموها بسهامهم وأسلحتهم مهما خططوا ودبروا للقضاء عليها تظل الأمة الإسلامية محفوظة ما دامت حافظة للقرآن الكريم تعلمًا وتعليمًا، حافظة للقرآن الكريم تلاوة وتدبرًا، حافظة للقرآن الكريم علمًا وعملاً، حافظة للقرآن الكريم قضاءً وتشريعًا، حافظة للقرآن الكريم هداية واهتداءً، حافظة للقرآن الكريم سلوكًا وتربية وتخلقًا.

 

ومتى تخلت الأمة الإسلامية عن ذلك، وقطعت علائقها مع كتاب الله -عز وجل- تخلى الله عنها وأسلمها إلى أعدائها وحينئذ تكون النهاية المرة والعاقبة الأليمة بالأمة يوم تتخلى عن كتاب ربها ودستور عزها.

 

والمتأمل للتاريخ يدرك هذا تمام الإدراك، فما حصل للأمة عز ونصر وسؤدد إلا يوم كانت أمة القرآن حقًّا وحقيقة وما كتب عليها الذل والهوان إلا يوم أعرضت عن كتاب ربها وتنكبت صراط القرآن المستقيم وجعلت القرآن وراءها ظهريًّا.

 

يقول -صلى الله عليه وسلم-: "تركت فيكم ما إن تمسكتم به لن تضلوا أبدًا كتاب الله وسنتي".

 

هذا هو سبيل العز لأمة الإسلام، وهذا هو طريق النصر لها، هذا سبيل التمكين لأمة الإسلام، هذا سبيل التمكين لها والبقاء، وهذا طريق السؤدد والريادة لها لا طريق البتة غيرها ولا سبيل للنصر والريادة سواه، يقول الله -عز وجل- لنبيه محمد -صلى الله عليه وسلم-: (فَاسْتَمْسِكْ بِالَّذِي أُوحِيَ إِلَيْكَ إِنَّكَ عَلَى صِرَاطٍ مُّسْتَقِيمٍ * وَإِنَّهُ لَذِكْرٌ لَّكَ وَلِقَوْمِكَ وَسَوْفَ تُسْأَلُونَ) [الزخرف:44].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول هذا القول وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه، والشكر له على توفيقه وامتنانه، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله الداعي إلى رضوانه صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه وسلم تسليمًا كثيرًا إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدى هدي محمد رسول الله، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار، وعليكم بجماعة المسلمين؛ فإن يد الله مع جماعة المسلمين، ومن شذ عنهم شذ في النار.

 

أيها المسلمون عباد الله: استعينوا بتقوى الله -عز وجل- ومراقبته على تحقيق مقاصدكم، والوصول إلى أهدافكم ومبتغاكم من نيل رحمة الله ومرضاته، والفوز بالجنة ونعيمها، جعلني الله وإياكم من أهل تقواه ورحمته ومغفرته ورضاه إن ربي سميع مجيب.

 

أيها الإخوة في الله: في الأيام الماضية حدث حدثان مهمان لهما علاقة بكتاب الله -عز وجل- أحدهما مسابقة الملك عبدالعزيز الدولية لحفظ القرآن وترتيله وتفسيره، والتي أقيمت في رحاب المسجد الحرام، ورعتها وزارة الشئون الإسلامية، وشارك فيها العشرات من أبناء المسلمين من مختلف القارات والدول والشعوب والأقليات.

 

والحدث الآخر تخريج الجمعية الخيرية لتحفيظ القرآن الكريم بمنقطة الرياض ما يقرب من ألف حافظ للقرآن، وكلاهما حدثان مهمان يبهجان النفوس المؤمنة ويسران الخواطر ويبعثان على التفاؤل والنصر والأمل لأمة القرآن والسنة.

 

وإننا لنهيب بالمسئولين امتداد هذه المسيرة الخيرة المباركة لتعليم القرآن الكريم وتحفيظه على المستوى الخاص والعام في المدارس والجمعيات والمراكز الخيرية في المدن والقرى والمراكز والأرياف، وبذل مزيد من الجهد والعمل لنشر حلقات تعليم كتاب الله -عز وجل-، وتذليل الصعوبات والعقبات وتيسير الأنظمة والإجراءات التي من شأنها تحقيق مزيد من العناية بكتاب الله -عز وجل-؛ ففي ذلك والله الخير والهدى، فيه العز والنصر فيه الأمن والطمأنينة، فيه الفلاح والظفر في الدنيا والآخرة.

 

 وإن أيّ تراجع عن هذه المسيرة الخيرة تحت أيّ دعوى لنذير شؤم وشر يربأ بأهل الخير والصلاح وحملة القرآن يربأ بهم سلوك ذلك.

 

وإن كل إجراء يسهم في نشر رسالة تعليم القرآن وحفظه يصبّ في عز هذه البلاد وريادتها، وكل إجراء يسهم في تقليص تعليم القرآن وتحفيظه فهو يسهم في نقصان الخيرية التي عُنيت بها هذه البلاد المباركة وحظيت بها هذه البلاد المباركة منذ عشرات السنين.

 

فنسأل الله -عز وجل- للقائمين على أمور تعليم القرآن مزيدًا من الهداية والتوفيق ومزيدًا من الهدى والرشاد والسداد لاستمرار رسالة تعليم القرآن وتحفيظه لأبناء المسلمين وبناتهم إن ربي سميع مجيب.

 

هذا وصلوا وسلموا على نبيكم محمد بن عبدالله؛ فقد أمركم ربكم بهذا في كتابه، فقال عز من قائل: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب: 56]، وقال عليه الصلاة والسلام "من صلى عليَّ صلاة صلى الله عليه بها عشرًا".. اللهم صل وسلم وبارك...

 

 

المرفقات

القرآن رسالة عز وشرف تيسيرها واجب شرعي ومطلب وطني

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات