عناصر الخطبة
1/من مظاهر عظمة الله تعالى 2/من موجبات محبته سبحانه وإجلاله وتعظيمه 3/إضعاف الذنوب لتعظيم الله تعالى في القلوب 4/اغتنام بقية رمضان 5/أحكام زكاة الفطر 6/من آداب العيد اقتباس
تعظيمُ الله في القلوب، وإجلالُه في النفوس، والتعرّف على آلائه وأفضالِه، وقدرُه حقَّ قدره، هو -والله- زادُ العابدين، وقوّة المؤمنين، وسلوَى الصابرين، وهو سياج المتَّقين.
الخطبة الأولى:
أمّا بعد: أيّها المسلمون، فتقوَى الله -تعالى- خيرُ وصيةٍ، وخير لباسٍ وأكرَم سجيّة، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران:102].
من اتّقى الله وقاه، ومن خانَه هتَك ستره وابتلاه، الواقفُ بغير بابِ الله عظيمٌ هوانُه، والمؤمِّل غيرَ فضل الله خائبةٌ آماله، والعامِل لغير الله ضائعةٌ أعمالُه، الأسباب منقطعةٌ إلا أسبابه، هو الله الذي يُخشى، وهو الله الذي يُرجَى، وأهلُ الأرض كلِّ الأرض لا والله ما ضَرّوا ولا نَفَعوا، ولا خفضوا ولا رفعوا، (فَاعْلَمْ أَنَّهُ لا إِلَهَ إِلاَّ اللهُ وَاسْتَغْفِرْ لِذَنبِكَ وَلِلْمُؤْمِنِينَ وَالْمُؤْمِنَاتِ وَاللهُ يَعْلَمُ مُتَقَلَّبَكُمْ وَمَثْوَاكُمْ) [محمد:19].
أيّها المسلمون، أيّها المتعبّدون، أيّها الصائمون القائمون: وأنتم في ختام شهرِ رمضان قد كلَّت منكم الأجساد، وتطاول ليلُ العبّاد، وظمِئَت في النهار حلوق الصُوّام، وتطلَّعتم إلى الختام، فإنَّ خلقًا من خلقِ الله امتلأَت قلوبهم بمعرفتِه، وفاضت نفوسُهم بتعظيمه، بذَلوا صالحًا أضعافَ ما بذَلتم، وعبَدوا الله فوقَ ما عبدتم، ورأوا أنهم لم يفعلوا شيئًا! وقد أخبر النبيّ أنّه ما في السموات السبع موضع قدمٍ ولا شبر ولا كفّ إلا وفيه ملكٌ قائمٌ أو ملكٌ راكعٌ أو ملكٌ ساجِد، فإذا كان يومُ القيامة قالوا جميعًا: سبحانَك! ما عبدناك حقَّ عبادتك، إلا أنّا لا نشرك بك شيئًا.
أيّها المسلمون: تعظيمُ الله في القلوب، وإجلالُه في النفوس، والتعرّف على آلائه وأفضالِه، وقدرُه حقَّ قدره، هو -والله- زادُ العابدين، وقوّة المؤمنين، وسلوَى الصابرين، وهو سياج المتَّقين.
من الذي عرف الله فاستهان بأمره أو تهاون بنهيه؟ ومن الّذي عظّمه فقدّم عليه هواه؟ وما قدَره مَن غدَا عنه لاهٍ، فالله -سبحانه- يُعبد ويُحمَد ويُحَبّ لأنه أهلٌ لذلك ومستحقُّه، بل ما يستحقّه -سبحانه- لا تناله قدرَة العباد ولا تتصوّره عقولُهم؛ لذلك قال أعرف الخلق بربِّه كما في الحديثِ الصحيح: "لا أحصي ثناءً عليك، أنت كما أثنيتَ على نفسك"، وفي الصحيحين: "ولا أحدَ أحبّ إليه المدح من الله؛ ولذلك مدح نفسه".
أيها المسلمون: ربُّكم الذي تعبدون، وله تصلّون وتصومون، وإليه تسعون وتحفِدون، ربٌّ عظيم، له من صفاتِ الكمال والجلالِ ما يفوق الوصفَ والخيال، (وَقُلِ الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي لَمْ يَتَّخِذْ وَلَدًا وَلَم يَكُن لَّهُ شَرِيكٌ فِي الْمُلْكِ وَلَمْ يَكُن لَّهُ وَلِيٌّ مِّنَ الذُّلَّ وَكَبِّرْهُ تَكْبِيرًا) [الإسراء:111].
لا إله إلا الله العظيم! سبّحت له الأفلاك، وخضعت له الأملاك، (سَبَّحَ لِلَّهِ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ * لَهُ مُلْكُ السَّمَاوَاتِ وَالأَرْضِ يُحْيِي وَيُمِيتُ وَهُوَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * هُوَ الأَوَّلُ وَالآخِرُ وَالظَّاهِرُ وَالْبَاطِنُ وَهُوَ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ) [الحديد:1-3].
سبحانه وبحمدِه، كيف لا يستولي حبُّه على القلوب وكلّ خيرٍ منه نازل، وكلّ فضلٍ إليه، فمنه -سبحانه- العطاء والمنع، والابتلاء والمعافاة، والقبضُ والبسط، والعدلُ والرحمة، واللُّطف والبرّ، والفضل والإحسان، والسِّتر والعَفو، والحِلم والصّبر، وإجابة الدعاء وكشف الكربة وإغاثةُ اللهفة، بل مطالبُ الخلق كلِّهم جميعًا لديه، وهو أكرم الأكرمين، وقد أعطى عبدَه فوقَ ما يؤمِّله قبلَ أن يسألَه، يشكُر القليلَ من العمل وينميه، ويغفر الكثير من الزلَل ويمحوه؛ فكيف لا تحبّ القلوب من لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يذهب بالسيئات إلا هو؟!.
يجيب الدعوات، ويقيل العثرات، ويغفر الخطيئات، ويستر العورات، ويكشف الكربات؛ فهو أحقّ من ذُكر، وأحق من شُكر، وأحقّ من عُبد وحُمد، وأنصرُ من ابتُغِي، وأرأَف من ملك، وأجود من سُئل، وأوسع من أعطى، وأرحم من استُرحِم، وأكرم من قصِد، وأعزّ من الُتجئ إليه، وأكفَى من تُوكِّل عليه، أرحمُ بعبده من الوالدة بولَدِها، وأشدّ فرَحًا بتوبةِ التائب من فرَح من وجد ناقتَه بعد فقدِها وعليها طعامه وشرابه في أرض مهلكة.
فسبحانَ الله وبحمده! هو الملك لا شريكَ له، والفرد لا ندَّ له، (كُلُّ شَيْءٍ هَالِكٌ إِلاَّ وَجْهَهُ) [القصص:88]، لن يطاعَ إلا بإذنِه، ولن يعصَى إلا بعلمِه، يطاع فيشكر، ويُعصى فيعفو ويغفِر؛ فهو أقربُ شهيد، وأجلّ حفيظ، وأوفى بالعهد، وأعدلُ قائمٍ بالقِسط، حال دون النفوس، وأخذ بالنواصي، وكتب الآثار، ونسخ الآجال؛ فالقلوب له مفضية، والسِّرّ عنده علانية، والغيبُ لديه مكشوف، وكلّ أحدٍ إليه ملهوف، عنتِ الوجوه لنور وجهه، وعجزتِ العقول عن إدراكِ كُنهِه، أشرقَت لنور وجههِ الظلمات، واستنارت له الأرضُ والسماوات، وصلَحَت عليه جميع المخلوقات.
أزمَّة الأمور كلّها بيده، ومَرادُّها إليه، مستَوٍ على سريرِ مُلكِه، لا تخفى عليه خافيةٌ في أقطار مملكتِه، تصعَد إليه شؤون العباد وحاجاتهم وأعمالهم، فيأمر -سبحانه- بما شاء، فينفُذُ أمره، ويغلب قهره، (يَسْأَلُهُ مَنْ فِي السَّمَوَاتِ وَالأَرْضِ كُلَّ يَوْمٍ هُوَ فِي شَأْنٍ) [الرحمن:29].
يغفر ذنبًا، ويكشف كربًا، ويفكّ عانيًا، ويجبر كسيرًا، وينصر ضعيفًا، ويغني فقيرًا، يحيي ويميت، ويُسعِد ويشقِي، ويُضلّ ويهدِي، ويُنعم على قوم ويَسلب نعمتَه عن آخرين، ويعزّ أقوامًا ويذلّ آخرين، (هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ عَالِمُ الْغَيْبِ وَالشَّهَادَةِ هُوَ الرَّحْمَنُ الرَّحِيمُ * هُوَ اللهُ الَّذِي لا إِلَهَ إِلا هُوَ الْمَلِكُ الْقُدُّوسُ السَّلامُ الْمُؤْمِنُ الْمُهَيْمِنُ الْعَزِيزُ الْجَبَّارُ الْمُتَكَبِّرُ) [الحشر:22- 23].
له القدرةُ المطلقَة والإرادَة التامّة، كلَّم موسى تَكليمًا، وتجلَّى للجبل فجعله دكًّا هشيمًا، وهو -سبحانه- فوق سمواته لا تخفى عليه خافية، يسمع ويرى دبيب النملة السوداء على الصخرةِ الصّماء في الليلةِ الظلماء، لا تشتبِه عليه الأصوات مع اختلافِ اللغات وتنوّع الحاجات، ولا تتحرَّك ذرّةٌ في الكون إلا بإذنه، (وَعِندَهُ مَفَاتِحُ الْغَيْبِ لاَ يَعْلَمُهَا إِلاَّ هُوَ وَيَعْلَمُ مَا فِي الْبَرِّ وَالْبَحْرِ وَمَا تَسْقُطُ مِن وَرَقَةٍ إِلاَّ يَعْلَمُهَا وَلاَ حَبَّةٍ فِي ظُلُمَاتِ الأَرْضِ وَلاَ رَطْبٍ وَلاَ يَابِسٍ إِلاَّ فِي كِتَابٍ مُّبِينٍ) [الأنعام:59]، (اللهُ لاَ إِلَهَ إِلاَّ هُوَ الْحَيُّ الْقَيُّومُ لاَ تَأْخُذُهُ سِنَةٌ وَلاَ نَوْمٌ لَّهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الأَرْضِ) [البقرة:256].
حجابه النور، لو كشَفه لأحرقَت سبحاتُ وجهه ما انتهى إليه بصره، فإذا كانت سبحاتُ وجهه الأعلى لا يقوم لها شَيءٌ من خلقه؛ فما الظنّ بجلال ذلك الوجهِ الكريم وجمالِه وبهائه وعظمَته وكبريائه؟ لذا كان أعظم نعيمِ أهل الجنة التلذُّذ بالنّظر إلى وجهِ الكريم جلّ جلاله، وهو موقفٌ عظيمٌ يتجلّى فيه كبرياء الله وعظمته وجماله وجلاله.
أيّها المسلمون: وفي موقفٍ آخَر دلَّت على بعضِه آياتٌ من القرآنِ وأحاديث من السنة، أورد ابن كثير رحمه الله أنه حين ينفخ إسرافيل في الصورِ نفخةَ الصعق فيموتُ أهل السموات والأرض، ويجيء ملك الموت فيسأله ربه وهو أعلم: من بقي؟ فيقول: بقيتَ أنت الحيّ الذي لا يموت، وبقي حملةُ العرش، وبقي جبريل وميكائيل وإسرافيل، وبقيتُ أنا، فيأمره ربّه بقبض أرواحهم، ثم يقول وهو أعلم: من بقي؟ فيقول ملك الموت: يا رب، بقيتَ أنت الحيّ الذي لا يموت، وبقيت أنا، فيقول الله -عز وجل-: أنت خلقٌ من خلقي فمُتْ، فيموت، فإذا لم يبقَ إلاَّ الله الواحد القهارُ كان آخرًا كما كان أوّلاً طوَى السمواتِ والأرضَ طيَّ السجلّ للكتب، ثم دحاها، ثم يقول: أنا الجبار، أنا الجبار، أنا الجبار (ثلاثًا)، ثم هتَف بصوته: لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ لمن الملك اليوم؟ ثم يجيب نفسَه بنفسِه: لله الواحد القهار. ثم يبدّل الله الأرض غيرَ الأرض والسموات، فيبسطهما ويسطحهما ثم يمدّهما، ثم يزجُر الله الخلقَ كلَّهم زجرة فإذا هم في هذه الأرض المبدّلة، فيحيي الله الخلق، فيقِف الناسُ موقفًا واحدًا مقداره سبعونَ عامًا، لا ينظر إليهم ولا يقضِي بينهم حتى يشفَع فيهم محمّدٌ .
وروى ابن كثير بسنده أنَّ رسول الله محمدًا يقول: "فأرجع فأقف مع الناس، فبينما نحن وقوفٌ إذ سمعنا حسًّا من السماء شديدًا فهالنا، فنزل أهل السماء الدنيا بمثلَي من في الأرض من الجنّ والإنس، حتى إذا دَنوا من الأرض أشرقَتِ الأرض بنورِهم وأخذوا مصافَّهم وقلنا لهم: أفيكم ربُّنا؟ قالوا: لا، وهو آتٍ، ثم ينزل من أهل السماء الثانية بمثلَي من نزَل من الملائكةِ وبمثلَي من فيها من الجنّ والإنس، حتى إذا دنَوا من الأرض أشرقت بنورهم وأخَذوا مصافَّهم وقلنا لهم: أفيكم ربُّنا؟ فيقولون: لا، وهو آتٍ، ثم ينزلون على قدرِ ذلك من التّضعيف من كل سماء، حتى ينزل الجبارُ جلّ جلاله في ظُللٍ من الغمامِ والملائكة، فيحمِل عرشَه يومئذٍ ثمانية، أقدامهم في تخوم الأرض السفلى، والأرض والسموات إلى حجزتهم والعرش على مناكبهم، لهم زَجلٌ في تسبيحِهم يقولون: سبحانَ ذي العرش والجبروت، سبحانَ ذي الملك والملكوت، سبحانَ الحيّ الذي لا يموت، سبحانَ الذي يميتُ الخلائق ولا يموت، سبّوحٌ قدوس ربّ الملائكة والروح".
أيّها المسلمون: والله أعظم شأنًا وأعزّ سلطانًا، ولكنّ الذنوبَ التي رانت على القلوب حجبَت تعظيمَ الربّ في النفوس وأضعفَت وقارَه في القلوب، ولو تمكّن وقارُ الله وعظَمتُه في قلبِ العبد لما تجرّأ على معاصيه أبدًا، فإنّ عظمة الله -تعالى- وجلالَه في القلب تقتضِي تعظيمَ حرماته والاستسلامَ لحكمه وأمرِه ونهيه، وهذا التعظيمُ يحول بينَك وبين الذّنوب.
والمتجرِّئون على معاصِي الله ما قدَروا الله حقَّ قدره، وكفَى من عقوبات الذنوبِ أن تضعِف هذا التعظيم في القلب حتى يستمرِئ المخذولُ المعاصيَ، فيهون على الله، فيرفع الله مهابتَه من قلوب الخلق، ويستخفُّون به كما استخفَّ بأمر الله، وقد ذكر الله -تعالى- أنه غطّى على قلوبِ المصرِّين على الذنوبِ وطبَع عليها، وأنه نسِيَهم كما نسوه وأهانهم وضيعَّهم كما ضيَّعوا أمره؛ لهذا قال -سبحانه- في آية سجود المخلوقاتِ له: (وَمَن يُهِنِ اللهُ فَمَا لَهُ مِن مُّكْرِمٍ) [الحج: 18].
فعلى قدر خوفِك من الله يهابُك الخلق، وعلى قدرِ تعظيمِك لله يعظمِّك الخلق، وعلى قدرِ محبَّتك لله يحبّك الخلق. وإنما يُستَدفَع البلاء بالتوبة والاستغفار، والاستسلامِ لأمر الله الواحد القهار، (وَتُوبُوا إِلَى اللَّهِ جَمِيعًا أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ) [النور:31].
بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول قولي هذا، وأستغفر الله -تعالى- لي ولكم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله الذي باسمه تُبتدَأ الصالحات وبحمده تُختتم، والحمد لله العفوِّ الكريم الأكرم، وأشهد أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمّدًا عبده ورسوله، وخيرته من خلقه، ومُصطفاه من سائر الأمَم، صلّى الله وسلَّم وبارك عليه، وعلى آله وصحبه والتابعين، ومن اقتفَى أثرَهم والتزم.
أمّا بعد: أيّها المسلمون، أيّام شهرِكم كسفائِن أبحرَت واحتواها الأفُق وغيَّبها الغسَق، وما ظلَّ إلا مَركبٌ أو مركَبان يجافيها السّاحِل وتستدنِيها الأمواج، وهي موشكةٌ أن يبتلِعها اليمّ، فمن استدرَك نفسَه في هذين المركبين فإنّ الرحلةَ لم تفُت، ومن تأخَّر عنها فقد حرَمته همّته وأضاعته غفلتُه، وما ثمّة في شهركم إلا أُوَيقاتٌ وركعاتٌ معدودات وسجدات ومواطنُ قليلة تُتَحرَّى فيها الدعوات، ثمّ إلى الله المورد، وعند عَتَبات بابه الموعِد، والله أعلم هل نلتَقي في القادِم أو لا نلتقي.
أيّها الصائمون: إنّ من سُنَن الهدى ومعالم البرّ والإحسان في ختام هذا الشّهر الكريم ما شَرَعه الله -تعالى- على لسان رسولِه من إخراجِ زكاة الفطر، فهي طُهرةٌ للصائم، وطُعمةٌ للمساكين، ووَجهٌ مشرِق في محاسِن هذا الإسلام العظيمِ، حيث العيدُ للغنيّ والفقير والواجِد والمعدم، وحتّى يكون عيدًا فلا بدّ أن يفرَح الجميع.
وصدقةُ الفطر واجبةٌ بالإجماع كما حكاه ابن المنذر والبيهقي وغيرهما. وفي حديث ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي "فرضَ زكاةَ الفطر صاعًا من تمر أو صاعًا من شعير على كلّ حرٍّ أو عبدٍ ذَكرٍ أو أنثى من المسلمين" رواه البخاري ومسلم.
أما الجنين فلا يجِب الإخراجُ عنه، لكن يستحبّ ذلك لفِعل الخليفة الراشد عثمان بن عفان، رضي الله عنه.
والمنصوص عليه في الأحاديث الصحيحة هو التّمر والبُرُّ والشّعير والأقِط والزبيب، ويجزِئ أن يخرج من غالب قوتِ البلد، كالأرز ونحوه من الطعام.
ووقت إخراج زكاة الفطر وأفضلُه يومُ العيد قبل الصلاة، ويجوز تقديمها قبلَ العيد بيوم أو يومين، ولا يجوز تأخيرُها إلى ما بعدَ صلاة العيد؛ فأخرجوها -رحمكم الله- طيّبةً بها نفوسُكم، ثم ابتهِجوا بعيدِكم، واشكروا الله -تعالى- على التّمام، واسألوه القبول وحسنَ الختام.
وإن من سنن الهُدى التي شرعها الله -عزّ وجلّ- وسنّها رسوله التكبيرَ ليلة العيد وصبيحةَ العيد، قال الله -تعالى- في آيات الصيام: (وَلِتُكْمِلُواْ الْعِدَّةَ وَلِتُكَبِّرُواْ اللهَ عَلَى مَا هَدَاكُمْ وَلَعَلَّكُمْ تَشْكُرُونَ) [البقرة:185]. وصفته أن يقول المسلم: "الله أكبر الله أكبر لا إله إلا الله، الله أكبر الله أكبر ولله الحمد"، أو نحو ذلك كأن يقول: "الله أكبر كبيرًا والحمد لله كثيرا". ويُسَنّ جهرُ الرجال به في البيوت والمساجد والطرقات والأسواق.
ومن السّنّة أن يأكلَ المسلِم تمرات قبل الخروج إلى صلاة العيد، ثلاثًا أو خمسًا أو سبعًا أو أكثر من ذلك يقطعُها على وتر، كما في صحيح البخاري.
وقد "كان النبيّ يأمُر بإخراجِ الجميعِ إلى صلاةِ العيدِ حتى العواتِق والحيّض وذوات الخدور" رواه مسلم.
ألا فاهنؤوا -أيها المسلمون- بصومكم، وافرحوا بعيدكم، واشكروا ربكم، واستقيموا وأبشروا! تقبّل الله منّا ومنكم، وأعادَ رمضانَ علينا وعليكم في أحسنِ حال.
ثم صلّوا وسلّموا على الهادي البشير والسّراج المنير عبدِ الله ورسوله محمّد.
اللهم صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمدٍ، وعلى آله الطيّبين الطاهرين وصحابته أجمعين، والتابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللّهمّ أعزّ الإسلام والمسلمين، وأذلَّ الشرك والمشركين، وانصُر عبادَك المؤمنين، واجعَل هذا البلَد آمنًا مطمئنًّا وسائر بلاد المسلمين...
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم