عناصر الخطبة
1/منزلة الأذان وألفاظه 2/بعض السنن المتعلقة بالأذان 3/المواطن التي ذكر فيها الأذان في القرآناقتباس
أيها المؤمنون: الأذان شعار الإسلام، وعلامة الإيمان، ومطردة الشيطان، وطمأنينة النفوس وأُنسها وسكونها، ويترتب عليه وعلى السنن المتعلقة به أجورٌ عظيمة، وثواب جزيل، ففيه غفران الذنوب، ودخول الجنات، وحلول شفاعة النبي الكريم -صلوات الله وسلامه وبركاته عليه-. هذه سنة عظيمة تهاون بها كثير من الناس؛ فترتب على التهاون بها ضعفًا في عنايتهم بالصلاة تبكيرًا وخشوعًا وطمأنينة في الصلاة، بينما...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمدُه ونستعينُه ونستغفره ونتوبُ إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسله، وصفيُّه وخليلُه، وأمينُه على وحيه، ومبلِّغ الناس شرعَه، فصلوات الله وسلامه عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد: أيها المؤمنون -عباد الله-: اتقوا الله -تعالى-، وراقبوه جل في علاه في جميع شؤونكم وأحوالكم مراقبةَ من يعلمُ أن ربه يسمعُه ويراه.
أيها المؤمنون: روى الإمام البخاري في كتابه الصحيح عن أبي أمامة سهل بن حُنيف الأنصاري -رضي الله عنه- قال: "سَمِعْتُ مُعَاوِيَةَ -رضي الله عنه- وَهُوَ جَالِسٌ عَلَى الْمِنْبَرِ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ، قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ مُعَاوِيَة:ُ اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَنَا، فَقَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، فَقَالَ مُعَاوِيَةُ: وَأَنَا، فَلَمَّا أَنْ قَضَى التَّأْذِينَ قَالَ معاوية: يَا أَيُّهَا النَّاسُ إِنِّي سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صلى الله عليه وسلم- عَلَى هَذَا الْمَجْلِسِ حِينَ أَذَّنَ الْمُؤَذِّنُ يَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ مِنِّي مِنْ مَقَالَتِي" أي يقول مثلما يقول المؤذن.
عباد الله: أفاد هذا الخبر العظيم أهمية وصية الناس وحثهم من خلال منبر الجمعة المبارك على العناية بالأذان سماعًا وإنصاتا وقولًا بمثل ما يقول المؤذن، مع العناية بالسنن العظيمة المتعلقة بالأذان؛ لما يترتب على ذلك من بركات عظيمة، وخيرات عميمة، وفوائد جمة.
أيها المؤمنون: الأذان؛ شعار الإسلام، وعلامة الإيمان، ومطردة الشيطان، وطمأنينة النفوس وأُنسها وسكونها، ويترتب عليه وعلى السنن المتعلقة به أجورٌ عظيمة وثواب جزيل؛ ففيه غفران الذنوب، ودخول الجنات، وحلول شفاعة النبي الكريم -صلوات الله وسلامه وبركاته عليه-، روى عبد الرزاق في مصنفه عن الإمام الحافظ عبد الملك بن عبد العزيز بن جريج -رحمه الله- قال: "حُدِّثت أن ناسا كانوا فيما مضى كانوا ينصتون للتأذين كإنصاتهم للقرآن فلا يقول المؤذن شيئا الا قالوا مثله" قال شيخ الإسلام ابن تيمية -رحمه الله تعالى-: "لا ينبغي لأحد أن يدع إجابة النداء".
أيها العباد: هذه سنة عظيمة تهاون بها كثير من الناس؛ فترتب على التهاون بها ضعفًا في عنايتهم بالصلاة تبكيرًا وخشوعًا وطمأنينة في الصلاة، بينما -عباد الله- من يوفقه للعناية بهذه الشعيرة سماع الأذان، وأن يقول مثل ما يقول المؤذن، وأن يأتي بالسنن التوابع له فإنه يحصِّل من وراء ذلك خيرًا عظيما وثوابًا جزيلا.
أيها المؤمنون: والسنن التي تتعلق بالأذان خمس سننٍ عظيمات؛ لنعتن بها -عباد الله- عناية عظيمة أولى هذه السنن: أن تقول وفقك الله مثلما يقول المؤذن، روى الإمام مسلم في صحيحه عن عمر بن الخطاب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "إِذَا قَالَ الْمُؤَذِّنُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، فَقَالَ أَحَدُكُمُ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، ثُمَّ قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، قَالَ: أَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا رَسُولُ اللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الصَّلاَةِ، قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: حَيَّ عَلَى الْفَلاَحِ، قَالَ: لاَ حَوْلَ وَلاَ قُوَّةَ إِلاَّ بِاللَّهِ، ثُمَّ قَالَ: اللَّهُ أَكْبَرُ، اللَّهُ أَكْبَرُ، قَالَ اللَّهُ: أَكْبَرُ اللَّهُ، أَكْبَرُ، ثُمَّ قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ" قَالَ: لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ، مِنْ قَلْبِهِ دَخَلَ الْجَنَّةَ".
الثانية -عباد الله-: أن تقول بعد سماعك للمؤذن في الشهادتين: شهادة أن لا إله إلا الله، وأن محمدًا رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: وأنا أشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأن محمدًا عبده ورسوله، رضيت بالله ربًا، وبالإسلام دينا، وبمحمدٍ -صلى الله عليه وسلم- رسولا، لما روى مسلم في صحيحه عن سعد بن أبي وقاص -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ الْمُؤَذِّنَ وَأَنَا أَشْهَدُ أَنْ لاَ إِلَهَ إِلاَّ اللَّهُ وَحْدَهُ لاَ شَرِيكَ لَهُ وَأَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، رَضِيتُ بِاللَّهِ رَبًّا وَبِمُحَمَّدٍ رَسُولاً وَبِالإِسْلاَمِ دِينًا؛ غُفِرَ لَهُ ذَنْبُهُ".
الثالثة -عباد الله-: أن تصلي على النبي الكريم -صلى الله عليه وسلم- بعد فراغ الأذان وقولك مثلما يقول المؤذن، لما روى مسلم في صحيحه عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "إِذَا سَمِعْتُمُ الْمُؤَذِّنَ فَقُولُوا مِثْلَ مَا يَقُولُ ثُمَّ صَلُّوا عَلَىَّ، فَإِنَّهُ مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاَةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا، ثُمَّ سَلُوا اللَّهَ لِيَ الْوَسِيلَةَ؛ فَإِنَّهَا مَنْزِلَةٌ فِي الْجَنَّةِ لاَ تَنْبَغِي إِلاَّ لِعَبْدٍ مِنْ عِبَادِ اللَّهِ وَأَرْجُو أَنْ أَكُونَ أَنَا هُوَ، فَمَنْ سَأَلَ لِيَ الْوَسِيلَةَ حَلَّتْ لَهُ الشَّفَاعَةُ".
الرابعة -عباد الله-: سؤال الله الوسيلة وهي منزلة عالية في الجنة لنبينا الكريم -عليه الصلاة والسلام- بالصيغة التي أرشدنا إليها، ففي صحيح البخاري عن جابرٍ -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "مَنْ قَالَ حِينَ يَسْمَعُ النِّدَاءَ: اللَّهُمَّ رَبَّ هَذِهِ الدَّعْوَةِ التَّامَّةِ وَالصَّلَاةِ الْقَائِمَةِ، آتِ مُحَمَّدًا الْوَسِيلَةَ وَالْفَضِيلَةَ، وَابْعَثْهُ مَقَامًا مَحْمُودًا الَّذِي وَعَدْتَهُ؛ حَلَّتْ لَهُ شَفَاعَتِي يَوْمَ الْقِيَامَةِ".
الخامسة -عباد الله- من السنن المتعلقة بالأذان: أن تدعو بعد ذلك كله بما تشاء من خيري الدنيا والآخرة، روى أبو داود في سننه عن عبد الله بن عمرو بن العاص -رضي الله عنهما- أن رجلًا قال: "يا رسول الله إِنَّ الْمُؤَذِّنِينَ يَفْضُلُونَنَا؟" فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "قُلْ كَمَا يَقُولُونَ فَإِذَا انْتَهَيْتَ فَسَلْ تُعْطَهْ"، وروى أبو داود في سننه عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدَّعْوَةُ بَيْنَ الأَذَانِ وَالإِقَامَةِ لاَ تُرَدُّ؛ فَادْعُوا".
أيها المؤمنون: لنعظِّم الأذان، وليكن له منزلة عظيمة في قلوبنا؛ فإذا كنا في طلب علم أو قراءة قرآن أو مدارسة حديث أو ذكرٍ لله -عز وجل- فضلًا عن انشغالنا بأحاديث الدنيا، ونحو ذلك، فلنوقف ذلك كله، ولنستمع إلى الأذان كلمةً كلمة، لفظةً لفظة، ولنقُل مثلما يقول المؤذن، ولنأتِ بهذه السنن العظيمات المتعلقات بالأذان، فإن ذلك -عباد الله- يُثمر بركة عظيمة، وفضلًا عميما، وثوابًا جزيلا.
أعاننا الله أجمعين على طاعته وذكره وشكره، وحسن عبادته.
أقول هذا القول، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كثيرا، وأشهدُ أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها المؤمنون -عباد الله-: اتقوا الله -تعالى-.
عباد الله: ذُكِر الأذان في موطنين من القرآن؛ في الموطن الأول، قال الله -تعالى-: (وَإِذَا نَادَيْتُمْ إِلَى الصَّلَاةِ اتَّخَذُوهَا هُزُوًا وَلَعِبًا)[المائدة: 58]، وفي الثاني قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِذَا نُودِيَ لِلصَّلَاةِ مِنْ يَوْمِ الْجُمُعَةِ فَاسْعَوْا إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ)[الجمعة: 9].
في الأول بيانٌ لحال الكفار والمشركين مع الأذان، وأنهم يتخذون هذه الشعيرة هزوا بهذا الأذان، وهزوًا بالصلاة التي يُدعى إليها بهذا الأذان، وهزوا بالدين كله؛ لأنهم لا يعرفون قدر دين الله -جل وعلا- الذي خلق الخلق لأجله، وأوجدهم لتحقيقه.
وفي الموطن الثاني بيانٌ لحال المؤمنين مع الأذان، وأنهم إذا أذَّن المؤذن يستمعون للأذان، ثم يحرك في قلوبهم هذا الاستماع للأذان اتجاهًا للصلاة، واقبالًا عليها، وعنايةً بها.
ولهذا -عباد الله-؛ فإني أقول ناصحًا ومذكرا في هذا المقام: إنَّ رفع المؤذن الصوت بالأذان هو إعلامٌ بأن مشروع الصلاة العظيم قد بدأ؛ فليتوقف كل شيء، فليتوقف كل عمل، فلتتوقف كل مصلحة، وليبدأ المرء بالاتجاه للصلاة طهارةً واستعدادًا وتهيئًا وتعظيمًا لله -سبحانه وتعالى-، وقد أثرت في قلبه تأثيرًا عظيمًا كلمات الأذان المباركات التي هي تعظيم لله رب الأرض والسموات، وإعلان للتوحيد، وإقرار بالرسالة، ودعوة إلى نيل الفلاح بإقامة الصلاة؛ وهذا فيه الإيمان باليوم الآخر وما أعد الله فيه لأهله من جميل الثواب، وعظيم المآب.
فما أعظمها من كلمات، وما أجلَّها من دعوات تامات كريمات.
نسأل الله -عز وجل- أن يعمر قلوبنا أجمعين حبًّا لهذه الكلمات العظيمات، وتعظيما للأذان ولكلماته، وتحقيقًا لما دل عليه من تعظيم لله وتوحيدٍ وإقرارٍ وإيمانٍ وتصديقٍ وإذعان، أعاننا الله أجمعين على ذلك وعلى كل خير بمنِّه وكرمه.
هذا وصلُّوا وسلِّموا على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: ٥٦]، وقال صلى الله عليه وسلم: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا".
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد. وارضَ اللهم عن الخلفاء الراشدين؛ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وارض اللهم عن الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
اللهم آمنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا.
اللهم وفِّق ولي أمرنا لهداك وأعِنه على طاعتك، اللهم وفِّقه وولي عهده لما تحبه وترضاه من سديد الأقوال وصالح الأعمال.
اللهم انصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم كن لهم ناصرًا ومُعينا. اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم.
اللهم آت نفوسنا تقواها، وزكها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها. اللهم اغفر لنا ولوالدينا ووالديهم وذرياتهم وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
اللهم اغفر لنا ذنبنا كله، دقه وجلَّه، أوله وآخره، علانيته وسره.
اللهم إنا نسألك بأسمائك الحسنى وصفاتك العليا وبأنك أنت الله لا إله إلا أنت يا حي يا قيوم يا رحمن يا رحيم يا ذا الجلال والإكرام أن تنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين.
اللهم أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من اليائسين، اللهم إنا نسألك غيثًا مغيثا، هنيئًا مريئا، سحًّا طبقا، نافعًا غير ضار، اللهم أغث قلوبنا بالإيمان وديارنا بالمطر، اللهم يا ربنا نسألك سقيا رحمة لا سقيا هدمٍ ولا عذابٍ ولا غرق.
اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أغثنا، اللهم أعطنا ولا تحرمنا، وزدنا ولا تنقصنا، وآثرنا ولا تؤثر علينا.
(رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ)[البقرة: 201].
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم