تزكية النفوس وإصلاحها

أحمد طالب بن حميد

2024-10-11 - 1446/04/08 2024-10-19 - 1446/04/16
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/للقلوب غذاء ونماء مثل الأبدان 2/أقسام الناس من حيث تزكية النفس وتدسيتها 3/الحث على تزكية النفس والتحذير من تدسيتها 4/خيرات وبركات كثرة ذكر الله تعالى

اقتباس

إذا استحلى اللسانُ ذِكرَ اللهِ وما والاه، وأسرعتِ الجوارحُ إلى طاعة الله، فحينئذ يدخل حُبُّ الإيمان في القلب، كما يدخل الماءُ الباردُ الشديدُ بردُه في اليومِ الشديدِ حرُّه للظمآنِ الشديدِ عطشُه، ويصيرُ الخروجُ من الإيمان أكرهَ إلى القلوب من الإلقاء في النار، وأَمَرَّ عليها من الصبر...

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ للهِ، الحمدُ لله ربِّ العالَمِينَ، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وليُّ الصالحينَ، وأشهدُ أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، إمام الأنبياء والمرسَلينَ، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك محمد؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، واعلموا أن الله -تبارك وتعالى- خلق القَلْبَ لتوحيده والإخلاص له والإقبال عليه، وأن للقلوب زكاةً ونماءً كنماء الأبدان، وأغذيةً وأدواءَ، فمَنِ اتقى نواقضَ الشرك ونواقصَه ونقَّى قلبَه من أوساخ البدع والذنوب والمعاصي فقد أفلح وتزكَّى.

 

وقد تابَع اللهُ بين سبعة أيمان أقسَم بها -سبحانه- على فلاح مَنْ زكَّى نفسَه، وخيبة مَنْ دنَّسَها قال تعالى: (وَالشَّمْسِ وَضُحَاهَا * وَالْقَمَرِ إِذَا تَلَاهَا * وَالنَّهَارِ إِذَا جَلَّاهَا * وَاللَّيْلِ إِذَا يَغْشَاهَا * وَالسَّمَاءِ وَمَا بَنَاهَا * وَالْأَرْضِ وَمَا طَحَاهَا * وَنَفْسٍ وَمَا سَوَّاهَا * فَأَلْهَمَهَا فُجُورَهَا وَتَقْوَاهَا * قَدْ أَفْلَحَ مَنْ زَكَّاهَا * وَقَدْ خَابَ مَنْ دَسَّاهَا)[الشَّمْسِ: 1-10]، .

 

والناسُ يومَ القيامةِ اثنانِ: أهلُ إجرامٍ وتدسيةٍ، أو أهلُ فَلَاحٍ وتزكيةٍ؛ (إِنَّهُ مَنْ يَأْتِ رَبَّهُ مُجْرِمًا فَإِنَّ لَهُ جَهَنَّمَ لَا يَمُوتُ فِيهَا وَلَا يَحْيَا * وَمَنْ يَأْتِهِ مُؤْمِنًا قَدْ عَمِلَ الصَّالِحَاتِ فَأُولَئِكَ لَهُمُ الدَّرَجَاتُ الْعُلَا * جَنَّاتُ عَدْنٍ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الْأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَذَلِكَ جَزَاءُ مَنْ تَزَكَّى)[طه: 74-76].

 

ولا زكاةَ ولا فَلاحَ إلا بفضلِ الرحيمِ؛ (وَلَوْلَا فَضْلُ اللَّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ مَا زَكَا مِنْكُمْ مِنْ أَحَدٍ أَبَدًا وَلَكِنَّ اللَّهَ يُزَكِّي مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ سَمِيعٌ عَلِيمٌ)[النُّورِ: 21].

 

والعروة الوثقى، والوسيلة العُظمى توحيدُ محبةٍ وخضوعٍ، وصلاةُ قنوتٍ وخشوعٍ، ولسانٌ رَطْبٌ مِنْ ذِكْرِ اللهِ، ومحبةٌ واتباعٌ وتعزيرٌ وتوقيرٌ لرسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم-؛ (قَدْ أَفْلَحَ مَنْ تَزَكَّى * وَذَكَرَ اسْمَ رَبِّهِ فَصَلَّى)[الْأَعْلَى: 14-15].

 

وإذا امتلأ القلب بشي ضاق عن غيره، قال الله -تعالى-: (مَا جَعَلَ اللَّهُ لِرَجُلٍ مِنْ قَلْبَيْنِ في جَوْفِهِ)[الْأَحْزَابِ: 4]، والمزاحَمةُ مدافَعةٌ، والغلبةُ للكثرةِ، والقلوبُ آنيةُ اللهِ في أرضِه، فأحبُّها إلى الله أرقُّها وأصفاها، وإنَّما يكون ذلك بما يُصَبُّ فيها؛ ولذلك لم يكن للقلب أن يتسع للشيء وضده، قال ابن مسعود -رضي الله عنه-: "إن هذا مأدبة الله، فمن دخل فيه فهو آمن"، وما ذاك إلا لأنَّه تشبع بطعامها، وتضطلع بشرابها، ومن ترك المأمور شغل بالمحظور، ومن أنقض ظهره بالأوزار ضعف عن الأذكار، ومن أضنى نفسه في الابتداع ضعف عن الاتباع، قال تعالى: (فَنَسُوا حَظًّا مِمَّا ذُكِّرُوا بِهِ فَأَغْرَيْنَا بَيْنَهُمُ الْعَدَاوَةَ وَالْبَغْضَاءَ إِلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ وَسَوْفَ يُنَبِّئُهُمُ اللَّهُ بِمَا كَانُوا يَصْنَعُونَ)[الْمَائِدَةِ: 14]، قال الله -تعالى-: (وَمَنْ يَعْشُ عَنْ ذِكْرِ الرَّحْمَنِ نُقَيِّضْ لَهُ شَيْطَانًا فَهُوَ لَهُ قَرِينٌ * وَإِنَّهُمْ لَيَصُدُّونَهُمْ عَنِ السَّبِيلِ وَيَحْسَبُونَ أَنَّهُمْ مُهْتَدُونَ)[الزُّخْرُفِ: 36-37]، ومن علَتْ همتُه سَلِمَتْ من الآفات مهجته، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "من كانت الآخرة همه جعل الله غناه في قلبه، وجمع له شمله، وأتته الدنيا وهي راغمة، ومن كانت الدنيا همه جعل الله فقره بين عينيه، وفرق عليه شمله، ولم يأته من الدنيا إلا ما قدر له".

 

ومِنْ عاجِل البشرى لمَنْ أقبَل بقلبه إلى ربه أن تُقبِل قلوبُ العباد إليه، وتتوافق على حبه، قال بعض السلف: "ما أقبل عبد إلى الله بقلبه إلا أقبل الله -عز وجل- بقلوب المؤمنين إليه، حتى يرزقه مودتهم ورحمتهم".

 

بارَك اللهُ لي ولكم في وحيه، وهدانا لسنة نبي الله وهديه، وثبتنا على دينه وشرعه؛ (وَأَقِيمُوا الصَّلَاةَ وَآتُوا الزَّكَاةَ وَأَقْرِضُوا اللَّهَ قَرْضًا حَسَنًا وَمَا تُقَدِّمُوا لِأَنْفُسِكُمْ مِنْ خَيْرٍ تَجِدُوهُ عِنْدَ اللَّهِ هُوَ خَيْرًا وَأَعْظَمَ أَجْرًا وَاسْتَغْفِرُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ)[الْمُزَّمِّلِ: 20].

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الذي نظَر إلى قلوب أوليائه بفضل رحمته فزكَّاها، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، أزكى البرية وأتقاها، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك، نبينا محمد؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].

 

عبادَ اللهِ: إذا استحلى اللسانُ ذِكرَ اللهِ وما والاه، وأسرعتِ الجوارحُ إلى طاعة الله، فحينئذ يدخل حُبُّ الإيمان في القلب، كما يدخل الماء البارد الشديد بردُه في اليوم الشديد حرُّه للظمآن الشديد عطشُه، ويصير الخروجُ من الإيمان أكرهَ إلى القلوب من الإلقاء في النار، وأَمَرَّ عليها من الصبر، وما صفَا القلبُ، ولا حلَا الذِّكْرُ، ولا صلحت الجوارحُ، ولا رُفعت الأعمالُ بمثل الصلاة والسلام على رسول الله -صلى الله عليه وسلم-؛ فالله أمركم بذلك، وهو -سبحانه- عليه صلى والملائك، فقال قولًا كريمًا: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على البشير النذير، السراج المنير، وارض اللهمَّ عن الأئمة الخلفاء الراشدين، الأئمة المهديين؛ أبي بكر وعمر وعثمان وعلي، وعن سائر الصحابة أجمعين، وعن التابعين ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذلَّ الشركَ والمشركينَ، وانصر عبادك المؤمنين، ونج المستضعَفين من المسلمين، اللهمَّ فرج كربهم، واشف مريضهم، وداو جريحهم، وفك أسيرهم، وتقبل شهيدهم، واشف صدور المؤمنين من عدوهم، اللهمَّ انصر أهل فلسطين على اليهود الغاصبين، والصهاينة المعتدين، وطهر المسجد الأقصى من رجسهم، ونج العباد من كيدهم ومكرهم، واجعل الدائرة على أعداء الملة والدين.

 

اللهمَّ آمِنَّا في أوطاننا، وأيد بالحق إمامنا، ووفِّقْه لهداكَ، واجعل عملَه في رضاكَ، وارزقه بطانة الخير وأعوان السير، اللهمَّ وولي عهده، وانصر بهما دينك، وأعل بهما كلمتك، اللهمَّ ووفق ولاة أمور المسلمين للعمل بكتابك وسُنَّة نبيِّكَ ولما فيه الخير للبلاد والعباد.

 

عبادَ اللهِ: اذكروا الله واعبدوه، واشكروه ولا تكفروه، إنه جليس الذاكرين، وعدو الكافرين؛ (سُبْحَانَ رَبِّكَ رَبِّ الْعِزَّةِ عَمَّا يَصِفُونَ * وَسَلَامٌ عَلَى الْمُرْسَلِينَ * وَالْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ)[الصَّافَّاتِ: 180-182].

 

 

المرفقات

تزكية النفوس وإصلاحها.doc

تزكية النفوس وإصلاحها.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات