عناصر الخطبة
1/فضل تربية البنات وأهميتها 2/دعوة الإسلام أفراده للستر والحشمة 3/أهمية ترويض البنات على الستر 4/مظاهر التساهل في الستر والحمشة لدى البنات 5/تحذير العلماء من التساهل في لباس الصغيرات 6/الأثر السيء في الكبر المترتب على إهمال ستر البنات في الصغر.اقتباس
وَإِنَّكَ لَتَعْجَبُ أَنْ تَرَى أُمًّا مُلْتَزِمَةً بِالْحِجَابِ، وَابْنَتُهَا الشَّابَّةُ سَافِرَةٌ مُتَبَرِّجَةٌ، فِي بَلَدٍ مُحَافِظٍ لَا يُعْرَفُ عَنْ نِسَائِهِ السُّفُورُ وَقِلَّةُ الْحَيَاءِ!، فَمِنْ أَيْنَ جَاءَ هَذَا السُّفُورُ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الْقَنَوَاتِ الَّتِي غَزَتْ بُيُوتَنَا، وَمَا تَبُثُّهُ مِنْ أَفْكَارٍ تَمْلَأُ بِهِ عُقُولَ بَنَاتِنَا الصِّغَارِ...
الخطبة الأولى:
إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.
إِنَّ أَصْدَقَ الْحَدِيثِ كِتَابُ اللَّهِ، وَأَحْسَنَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وَكُلَّ ضَلَالَةٍ فِي النَّارِ. (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].
أَيُّهَا الْمُؤْمِنُونَ: إِنَّ مِنْ نِعَمِ اللَّهِ -تَعَالَى- عَلَى عِبَادِهِ أَنْ يَرْزُقَهُمُ الذُّرِّيَّةَ، وَتِلْكَ ثَمَرَةُ الزَّوَاجِ وَأَحَدُ مَقَاصِدِهِ الْعَظِيمَةِ؛ (يَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ إِنَاثًا وَيَهَبُ لِمَنْ يَشَاءُ الذُّكُورَ * أَوْ يُزَوِّجُهُمْ ذُكْرَانًا وَإِنَاثًا وَيَجْعَلُ مَنْ يَشَاءُ عَقِيمًا إِنَّهُ عَلِيمٌ قَدِيرٌ)[الشُّورَى: 49-50]، وَالذُّرِّيَّةُ كَمَا أَنَّهَا نِعْمَةٌ فَهِيَ مَسْؤُولِيَّةٌ عَظِيمَةٌ، وَالْمَسْؤُولِيَّةُ فِي الْبَنَاتِ أَعْظَمُ مِنْهَا فِي الْأَوْلَادِ؛ لِحَاجَتِهِنَّ أَكْثَرَ لِلرِّعَايَةِ وَالتَّرْبِيَةِ؛ وَلِذَلِكَ رَتَّبَ الشَّرْعُ الْأَجْرَ الْعَظِيمَ عَلَى تَرْبِيَةِ الْبَنَاتِ، وَالْعِنَايَةِ بِهِنَّ وَالْقِيَامِ بِأَمْرِهِنَّ؛ فَعَنْ أَنَسِ بْنِ مَالِكٍ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُ- قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنْ عَالَ جَارِيَتَيْنِ -أَيْ: بِنْتَيْنِ- حَتَّى تَبْلُغَا؛ جَاءَ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَنَا وَهُوَ، وَضَمَّ أَصَابِعَهُ"(رَوَاهُ مُسْلِمٌ)، وَقَالَ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "مَنِ ابْتُلِيَ مِنْ هَذِهِ الْبَنَاتِ بِشَيْءٍ؛ كُنَّ لَهُ سِتْرًا مِنَ النَّارِ"(رَوَاهُ الْبُخَارِيُّ).
وَالْإِعَالَةُ: هُوَ الْقِيَامُ بِمَا يُصْلِحُهُنَّ، وَلَا يَقْتَصِرُ ذَلِكَ عَلَى الطَّعَامِ وَالشَّرَابِ وَاللِّبَاسِ وَالتَّزْوِيجِ فَقَطْ؛ بَلْ يَكُونُ بِحُسْنِ التَّرْبِيَةِ وَالْأَدَبِ، وَأَنْ يُرَبِّيَهُنَّ وَفْقَ شَرْعِ اللَّهِ -تَعَالَى-؛ لِتَكُونَ الْبِنْتُ صَالِحَةً مُصْلِحَةً فِي بَيْتِهَا وَمُجْتَمَعِهَا، قَالَ الْإِمَامُ النَّوَوِيُّ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "وَمَعْنَى "عَالَهُمَا" قَامَ عَلَيْهِمَا بِالْمُؤْنَةِ وَالتَّرْبِيَةِ وَنَحْوِهِمَا"، وَقَالَ الشَّيْخُ ابْنُ بَازٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "الْإِحْسَانُ لِلْبَنَاتِ وَنَحْوِهِنَّ يَكُونُ بِتَرْبِيَتِهِنَّ التَّرْبِيَةَ الْإِسْلَامِيَّةَ وَتَعْلِيمِهِنَّ، وَتَنْشِئَتِهِنَّ عَلَى الْحَقِّ، وَالْحِرْصِ عَلَى عِفَّتِهِنَّ، وَبُعْدِهِنَّ عَمَّا حَرَّمَ اللَّهُ مِنَ التَّبَرُّجِ وَغَيْرِهِ، وَبِذَلِكَ يُعْلَمُ أَنَّهُ لَيْسَ الْمَقْصُودُ مُجَرَّدَ الْإِحْسَانِ بِالْأَكْلِ وَالشُّرْبِ وَالْكُسْوَةِ فَقَطْ؛ بَلِ الْمُرَادُ مَا هُوَ أَعَمُّ مِنْ ذَلِكَ؛ مِنَ الْإِحْسَانِ إِلَيْهِنَّ فِي عَمَلِ الدِّينِ وَالدُّنْيَا".
أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ: إِنَّ مِمَّا سَعَى لَهُ الشَّيْطَانُ وَيَسْعَى لَهُ فِي كُلِّ وَقْتٍ وَحِينٍ أَنْ يُغْرِقُ الْمُجْتَمَعَاتِ فِي الْفَسَادِ الْأَخْلَاقِيِّ، وَأَوَّلُ مَا يَبْدَأُ بِهِ هُوَ نَزْعُ الْحَيَاءِ وَالسَّتْرِ عَنِ النِّسَاءِ؛ فَتَتَعَرَّى الْمَرْأَةُ دُونَ أَنْ تَشْعُرَ بِالْغَرَابَةِ مِمَّا هِيَ فِيهِ، رَغْمَ أَنَّهُ مُخَالِفٌ لِمَا جُبِلَتْ عَلَيْهِ النِّسَاءُ مِنَ الْحَيَاءِ وَالْحِشْمَةِ؛ وَلِذَلِكَ حَذَّرَنَا رَبُّنَا مِنْ هَذَا الْمَسْلَكِ الشَّيْطَانِيِّ فَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (يَا بَنِي آدَمَ لَا يَفْتِنَنَّكُمُ الشَّيْطَانُ كَمَا أَخْرَجَ أَبَوَيْكُمْ مِنَ الْجَنَّةِ يَنْزِعُ عَنْهُمَا لِبَاسَهُمَا لِيُرِيَهُمَا سَوْآتِهِمَا)[الْأَعْرَافِ: 27].
فَالشَّيْطَانُ يَسْعَى لِنَزْعِ اللِّبَاسِ وَكَشْفِ الْعَوْرَاتِ، وَالْإِسْلَامُ يَدْعُو لِلسَّتْرِ وَالْحِجَابِ وَالْحِشْمَةِ، قَالَ -تَعَالَى-: (يَا أَيُّهَا النَّبِيُّ قُلْ لِأَزْوَاجِكَ وَبَنَاتِكَ وَنِسَاءِ الْمُؤْمِنِينَ يُدْنِينَ عَلَيْهِنَّ مِنْ جَلَابِيبِهِنَّ ذَلِكَ أَدْنَى أَنْ يُعْرَفْنَ فَلَا يُؤْذَيْنَ وَكَانَ اللَّهُ غَفُورًا رَحِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 59]، وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَى جُيُوبِهِنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ)[النُّورِ: 31]، وَقَالَ -عَزَّ وَجَلَّ-: (وَلَا يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِنْ زِينَتِهِنَّ)[النُّورِ: 31].
أَيُّهَا الْآبَاءُ: إِنَّ هَذِهِ الْأَوَامِرَ الشَّرْعِيَّةَ الْمُوَجَّهَةَ لِلْمُؤْمِنَاتِ يَنْبَغِي أَنْ تَعْتَادَهَا الْمُسْلِمَةُ مُنْذُ صِغَرِهَا؛ حَتَّى تَتَرَبَّى عَلَيْهَا، وَتُنَشَّأَ عَلَى مَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْهَا مُنْذُ الصِّغَرِ، وَيَصِيرَ لَهَا عَادَةً تَسْتَقْبِحُ أَنْ تَتْرُكَهَا تَحْتَ أَيِّ ظَرْفٍ مِنَ الظُّرُوفِ، وَلَا يَنْبَغِي التَّسَاهُلُ فِي ذَلِكَ؛ فَالرَّسُولُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- حَثَّنَا عَلَى أَنْ نُدَرِّبَ أَوْلَادَنَا عَلَى الصَّلَاةِ مُنْذُ السَّنَةِ السَّابِعَةِ، وَأَنْ نَضْرِبَهُمْ عَلَى تَرْكِهَا فِي سِنِّ الْعَاشِرَةِ، مَعَ أَنَّهُمْ لَمْ يَبْلُغُوا سِنَّ التَّكْلِيفِ بَعْدُ، وَقَدْ كَانَ الصَّحَابَةُ -رَضِيَ اللَّهُ عَنْهُمْ- يُدَرِّبُونَ أَبْنَاءَهُمْ صِغَارًا عَلَى الْأَحْكَامِ الشَّرْعِيَّةِ كَالصِّيَامِ؛ لِيَعْتَادُوهَا كِبَارًا.
أَيُّهَا الْأَحِبَّةُ: لَكِنْ مِمَّا يُؤْسَفُ لَهُ فِي زَمَانِنَا هَذَا أَنْ نَجِدَ مَظَاهِرَ عَدَمِ الْحِشْمَةِ وَالسَّتْرِ فِي لِبَاسِ الْبَنَاتِ وَالتَّسَاهُلِ فِي ذَلِكَ؛ بِدَعْوَى أَنَّهُنَّ صَغِيرَاتٌ لَمْ يَبْلُغْنَ بَعْدُ، وَمِنْ مَظَاهِرِ ذَلِكَ التَّسَاهُلِ:
لُبْسُ الْقَصِيرِ غَيْرِ السَّاتِرِ، وَإِظْهَارُ الْمَفَاتِنِ مِنْ جَسَدِ الْبِنْتِ، فَتَرَى لِبَاسَهَا يَكْشِفُ عَنْ سَاقَيْهَا؛ بَلْ فَخِذَيْهَا أَحْيَانًا، وَمِنْهُنَّ مَنْ تَمْشِي فِي الشَّارِعِ بِلِبَاسٍ عَارٍ قَدْ كَشَفَ عَنْ صَدْرِهَا وَظَهْرِهَا وَأَكْتَافِهَا، أَوْ تَلْبَسُ لِبَاسًا يَلْفِتُ الْأَنْظَارَ إِلَيْهِ تَحْتَ مُسَوِّغِ صِغَرِ السِّنِّ.
وَمِنْ مَظَاهِرِ ذَلِكَ: إِظْهَارُ الْبِنْتِ بِكَامِلِ زِينَتِهَا وَجَمَالِهَا أَمَامَ النَّاسِ فِي الْحَفْلَاتِ الْغِنَائِيَّةِ، وَرُبَّمَا زَيَّنُوا وَجْهَهَا بِمَسَاحِيقِ التَّجْمِيلِ مِمَّا تَسْتَخْدِمُهُ النِّسَاءُ وَالتَّبَاهِي بِذَلِكَ، مَعَ مَا يُصَاحِبُ ذَلِكَ مِنْ مُوسِيقَى وَغِنَاءٍ وَرَقْصٍ مِنْ تِلْكَ الْفَتَيَاتِ الصَّغِيرَاتِ، مِمَّا شَاعَ وَانْتَشَرَ فِي هَذَا الزَّمَانِ!.
وَمِنْ مَظَاهِرِ ذَلِكَ: مُشَاهَدَةُ قَنَوَاتِ الْفِسْقِ وَالْفُجُورِ، وَمَا تَبُثُّهُ مِنْ فَسَادٍ أَخْلَاقِيٍّ وَسُلُوكِيٍّ عَلَى مَدَارِ السَّاعَةِ، دُونَ رَقِيبٍ وَلَا حَسِيبٍ!، وَهَذِهِ الْقَنَوَاتُ الْفَاجِرَةُ هِيَ مِنْ أَكْبَرِ الْمُحَفِّزَاتِ عَلَى التَّبَرُّجِ وَنَزْعِ الْحِجَابِ وَقِلَّةِ الْحَيَاءِ وَعَدَمِ الْحِشْمَةِ، وَكَثِيرٌ مِنْ بَنَاتِ هَذَا الزَّمَانِ إِنَّمَا سَاءَتْ أَخْلَاقُهُنَّ، وَنَزَعْنَ الْحِجَابَ وَالْحَيَاءَ عَنْهُنَّ بِسَبَبِ التَّأَثُّرِ بِمَحَاضِنِ الْفَسَادِ هَذِهِ، وَقَدْ سَرَتْ إِلَيْهِنَّ أَفْكَارُ التَّغْرِيبِ وَالْفَسَادِ فِي غَفْلَةٍ عَنِ الْوَالِدَيْنِ اللَّذَيْنِ تَرَكَا الْحَبْلَ عَلَى الْغَارِبِ!.
وَإِنَّكَ لَتَعْجَبُ أَنْ تَرَى أُمًّا مُلْتَزِمَةً بِالْحِجَابِ، وَابْنَتُهَا الشَّابَّةُ سَافِرَةٌ مُتَبَرِّجَةٌ، فِي بَلَدٍ مُحَافِظٍ لَا يُعْرَفُ عَنْ نِسَائِهِ السُّفُورُ وَقِلَّةُ الْحَيَاءِ!، فَمِنْ أَيْنَ جَاءَ هَذَا السُّفُورُ إِلَّا مِنْ هَذِهِ الْقَنَوَاتِ الَّتِي غَزَتْ بُيُوتَنَا، وَمَا تَبُثُّهُ مِنْ أَفْكَارٍ تَمْلَأُ بِهِ عُقُولَ بَنَاتِنَا الصِّغَارِ؛ حَتَّى إِذَا كَبِرْنَ تَمَرَّدْنَ عَلَى شَرْعِ رَبِّهِنَّ لَهُنَّ بِالْحِجَابِ؟!.
وَمِنْ مَظَاهِرِ ذَلِكَ: قَصَّاتُ الشَّعْرِ وَتَسْرِيحَاتُهَا الَّتِي تُحَاكِي الْكَافِرَاتِ أَوِ النِّسَاءَ الْفَاجِرَاتِ، وَبَعْضُ هَذِهِ الْقَصَّاتِ تَذْهَبُ بِشَعْرِ الْبِنْتِ وَتُحَوِّلُهَا إِلَى وَلَدٍ!، وَتَقْلِيدُ الْفَاجِرَاتِ يُعَظِّمُهُنَّ فِي نُفُوسِ بَنَاتِنَا؛ فَالتَّقْلِيدُ أَمْرُهُ خَطِيرٌ، وَهُوَ مَسْخٌ لِاسْتِقْلَالِيَّةِ الْمَرْءِ وَشَخْصِيَّتِهِ، فَكَيْفَ نَغْرِسُهُ فِي نُفُوسِ بَنَاتِنَا الصِّغَارِ، ثُمَّ نُثْنِي عَلَيْهَا بِأَنَّ تَسْرِيحَتَهَا أَوْ قَصَّتَهَا كَتِلْكَ الْمُغَنِّيَةِ أَوِ الرَّاقِصَةِ الْفَاسِقَةِ؟!
وَمِنْ مَظَاهِرِ ذَلِكَ: لُبْسُ الْبَنَاتِ مَلَابِسَ الْأَوْلَادِ؛ كَالْبِنْطَالِ وَغَيْرِهِ، حَتَّى يَظُنَّ الرَّائِي لَهَا أَنَّهَا وَلَدٌ وَلَيْسَتْ بِنْتًا!، وَقَدْ نَصَّ أَهْلُ الْعِلْمِ عَلَى تَحْرِيمِ إِلْبَاسِ الصَّبِيِّ مَا يَحْرُمُ عَلَى الْبَالِغِ لُبْسُهُ، وَهَذَا مِنْ تَشَبُّهِ النِّسَاءِ بِالرِّجَالِ، وَهُوَ مُحَرَّمٌ فِي دِينِنَا.
أَعُوذُ بِاللَّهِ مِنَ الشَّيْطَانِ الرَّجِيمِ: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنْفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)[التَّحْرِيمِ: 6].
أَقُولُ مَا سَمِعْتُمْ وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ وَلِوَالِدَيَّ وَلِوَالِدِيكُمْ وَلِسَائِرِ الْمُسْلِمِينَ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ إِنَّهُ غَفُورٌ رَحِيمٌ.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ لِلَّهِ حَقَّ حَمْدِهِ، وَالصَّلَاةُ وَالسَّلَامُ عَلَى خَيْرِ خَلْقِهِ، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَمَنْ تَبِعَهُ، أَمَّا بَعْدُ:
عِبَادَ اللَّهِ: إِنَّ النَّفْسَ الْبَشَرِيَّةَ تَتَرَبَّى عَلَى مَا اعْتَادَتْ عَلَيْهِ، وَإِنَّ مَرْحَلَةَ الصِّغَرِ هِيَ الْمَرْحَلَةُ الْأَسَاسُ فِي التَّرْبِيَةِ عَلَى الْفَضَائِلِ وَالْأَخْلَاقِ وَالْقِيَمِ، وَضَيَاعُ الْمَرْءِ فِي هَذِهِ الْمَرْحَلَةِ وَتَفَلُّتُهُ مِنَ الْأَوَامِرِ الشَّرْعِيَّةِ، وَتَسَاهُلُ الْأَهْلِ فِي ذَلِكَ يُهَوِّنُ فِي نَفْسِهِ أَحْكَامَ الشَّرْعِ عِنْدَمَا يَكْبُرُ، إِذْ يَرَاهَا صَعْبَةَ التَّطْبِيقِ عَسِيرَةَ التَّنْفِيذِ.
وَالنَّفْسُ كَالطِّفْلِ إِنْ تُهْمِلْهُ شَبَّ عَلَى *** حُبِّ الرَّضَاعِ وَإِنْ تَفْطِمْهُ يَنْفَطِمِ
وَلِلَّهِ دَرُّ بَنَاتِ الصَّحَابَةِ وَكَمَالِ حَيَائِهِنَّ؛ فَهَذِهِ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- تَقُولُ لِأَسْمَاءَ بِنْتِ عُمَيْسٍ: "إِنِّي أَسْتَقْبِحُ مَا يَصْنَعُ بِالنِّسَاءِ، يُطْرَحُ عَلَى الْمَرْأَةِ الثَّوْبُ فَيَصِفُهَا"، تَقُولُ هَذَا عَنِ الْمَرْأَةِ إِذَا مَاتَتْ وُوِضَعَتْ فِي نَعْشِهَا!، قَالَتْ أَسْمَاءُ: يَا ابْنَةَ رَسُولِ اللَّهِ! أَلَا أُرِيكِ شَيْئًا رَأَيْتُهُ بِالْحَبَشَةِ؟ فَدَعَتْ بِجَرَائِدَ رَطْبَةٍ فَحَنَتْهَا، ثُمَّ طَرَحَتْ عَلَيْهَا ثَوْبًا، فَقَالَتْ فَاطِمَةُ: "مَا أَحْسَنَ هَذَا وَأَجْمَلَهُ!، إِذَا مُتُّ فَغَسِّلِينِي أَنْتِ وَعَلِيٌّ، وَلَا يَدْخُلُ عَلَيَّ أَحَدٌ"، فَيَا سُبْحَانَ اللَّهِ! تُرَى مَاذَا سَتَقُولُ فَاطِمَةُ بِنْتُ مُحَمَّدٍ لَوْ رَأَتْ كَثِيرًا مِنْ بَنَاتِ عَصْرِنَا؛ وَقَدْ أَلْقَيْنَ الْحِجَابَ وَالسِّتْرَ عَنْهُنَّ وَهُنَّ عَلَى قَيْدِ الْحَيَاةِ؟!
وَقَدْ سُئِلَ الشَّيْخُ عَبْدُ الْعَزِيزِ بْنُ بَازٍ -رَحِمَهُ اللَّهُ- عَنْ لُبْسِ الصَّغِيرَاتِ الْمَلَابِسَ الْقَصِيرَةَ؛ فَأَجَابَ: "لَا يَجُوزُ التَّسَاهُلُ فِي ذَلِكَ مَعَ الْبَنَاتِ الصِّغَارِ؛ لِأَنَّ تَرْبِيَتَهُنَّ عَلَيْهِ يُفْضِي إِلَى اعْتِيَادِهِنَّ لَهُ وَكَرَاهِيَتِهِنَّ لِمَا سِوَاهُ إِذَا كَبِرْنَ، فَيَقَعُ بِذَلِكَ الْمَحْذُورُ وَالْفِتْنَةُ"، وَسُئِلَ الشَّيْخُ ابْنُ عُثَيْمِينَ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: بَعْضُ النِّسَاءِ -هَدَاهُنَّ اللَّهُ- يُلْبِسْنَ بَنَاتِهِنَّ الصَّغِيرَاتِ ثِيَابًا قَصِيرَةً تَكْشِفُ عَنِ السَّاقَيْنِ، وَإِذَا نَصَحْنَا هَؤُلَاءِ الْأُمَّهَاتِ، قُلْنَ: نَحْنُ كُنَّا نَلْبَسُ ذَلِكَ مِنْ قَبْلُ وَلَمْ يَضُرَّنَا ذَلِكَ بَعْدَ أَنْ كَبِرْنَا، فَمَا رَأْيُكُمْ بِذَلِكَ؟؛ فَأَجَابَ: "أَرَى أَنَّهُ لَا يَنْبَغِي لِلْإِنْسَانِ أَنْ يُلْبِسَ ابْنَتَهُ هَذَا اللِّبَاسَ وَهِيَ صَغِيرَةٌ؛ لِأَنَّهَا إِذَا اعْتَادَتْهُ بَقِيَتْ عَلَيْهِ وَهَانَ عَلَيْهَا أَمْرُهُ، أَمَّا لَوْ تَعَوَّدَتِ الْحِشْمَةَ مِنْ صِغَرِهَا بَقِيَتْ عَلَى تِلْكَ الْحَالِ فِي كِبَرِهَا، وَالَّذِي أَنْصَحُ بِهِ أَخَوَاتِنَا الْمُسْلِمَاتِ أَنْ يَتْرُكْنَ لِبَاسَ أَهْلِ الْخَارِجِ مِنْ أَعْدَاءِ الدِّينِ، وَأَنْ يُعَوِّدْنَ بَنَاتِهِنَّ عَلَى اللِّبَاسِ السَّاتِرِ وَعَلَى الْحَيَاءِ؛ فَإِنَّهُ مِنَ الْإِيمَانِ".
قَدْ يَنْفَعُ الْأَدَبُ الْأَوْلَادَ فِي صِغَرٍ *** وَلَيْسَ يَنْفَعُهُمْ مِنْ بَعْدِهِ أَدَبُ
إِنَّ الْغُصُونَ إِذَا عَدَّلْتَهَا اعْتَدَلَتْ *** وَلَا يَلِينُ وَلَوْ لَيَّنْتَهُ الْخَشَبُ
فَيَا أَوْلِيَاءَ الْأُمُورِ: اتَّقُوا اللَّهَ فِي بَنَاتِكُمْ؛ فَإِنَّهُنَّ أَمَانَةٌ فِي رِقَابِكُمْ، نُخَاطِبُ دِينَكُمْ وَغَيْرَتَكُمْ وَرُجُولَتَكُمُ: اتَّقُوا اللَّهَ فِي هَؤُلَاءِ الْبَنَاتِ، لَا تَعْرِضُوهُنَّ كَالسِّلْعَةِ لِكُلِّ نَاظِرٍ، حَافِظُوا عَلَى عَفَافِ أُسَرِكُمْ وَطُهْرِهَا، أَحْسِنُوا التَّرْبِيَةَ وَقُومُوا بِمَا أَوْجَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكُمْ، طَهِّرُوا بُيُوتَكُمْ مِنْ وَسَائِلِ الْفَسَادِ وَقَنَوَاتِ الْفُجُورِ، وَعَوِّدُوا بَنَاتِكُمْ عَلَى الْحِجَابِ مِنَ الصِّغَرِ؛ حَتَّى يَكُونَ ذَلِكَ عَادَةً لَهُنَّ لَا يَسْتَغْنِينَ عَنْهُ، لَا تَسْمَحْ لِزَوْجَتِكَ أَنْ تُلْبِسَ بَنَاتِكَ اللِّبَاسَ الْقَصِيرَ وَالضَّيِّقَ وَالشَّفَّافَ وَالْفَاتِنَ، وَكُنْ قَيِّمًا أَنْتَ عَلَيْهَا؛ فَـ (الرِّجَالُ قَوَّامُونَ عَلَى النِّسَاءِ)[النِّسَاءِ: 34].
اللَّهُمَّ احْفَظْنَا وَأَوْلَادَنَا، وَوَفِّقْنَا وَإِيَّاهُمْ لِمَا تُحِبُّ وَتَرْضَى، وَوَفِّقْنَا لِتَرْبِيَتِهِمُ التَّرْبِيَةَ الْحَسَنَةَ الصَّالِحَةَ، وَاجْعَلْهُمْ لَنَا قُرَّةَ عَيْنٍ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ، يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.
وَصَلُّوا وَسَلِّمُوا عَلَى نَبِيِّكُمْ؛ (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56].
اللَّهُمَّ أَعِزَّ الْإِسْلَامَ وَالْمُسْلِمِينَ، وَاخْذُلْ أَعْدَاءَكَ أَعْدَاءَ الدِّينِ.
اللَّهُمَّ آمِنَّا فِي أَوْطَانِنَا، وَأَصْلِحْ أَئِمَّتَنَا وَوُلَاةَ أُمُورِنَا، وَارْزُقْهُمُ الْبِطَانَةَ الصَّالِحَةَ النَّاصِحَةَ.
اللَّهُمَّ اغْفِرْ لِلْمُسْلِمِينَ وَالْمُسْلِمَاتِ، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِهِمْ، وَاجْمَعْ عَلَى الْحَقِّ كَلِمَتَهُمْ.
رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.
إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى، وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَالْبَغْيِ، يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ، فَاذْكُرُوا اللَّهَ يَذْكُرْكُمْ، وَاشْكُرُوهُ عَلَى النِّعَمِ يَزِدْكُمْ، وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ، وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم