تراشق الأعذار للنجاة من النار

ملتقى الخطباء - الفريق العلمي

2022-10-05 - 1444/03/09
التصنيفات: الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
1/التراشق بالأعذار أعظم صور الحسرة 2/تبرؤ المتبوعين من أتباعهم 3/التراشق بالتهم يوم يجمع الله الخلائق   4/تبرؤ الشيطان من أتباعه 5/تبرؤ المستكبرين من المستضعفين 6/التراشق بالأعذار في النار

اقتباس

إنه مشهد عظيم، عندما يبرز الخلائق جميعاً للقاء الله، ويخرجون من قبورهم للعرض على الله، في تلك الساعة الحرجة، وذلك الموقف العسير، يقول الأتباع المقلدون للقادة المستكبرين إنّا كنا في الدنيا لكم تبعاً، عندما كنتم تأمروننا بالضلال فنتبعكم، وتزينون لنا الباطل فنصفق لكم، ونأخذ بكلامكم، فأضللتمونا، وكنتم السبب المباشر في إغوائنا...

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي جعل النار مثوى للكافرين، وعاقبة المجرمين والمتكبرين والمتجبرين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، الملك الحق المبين، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله الذي أخبر أن جهنم مثوى الظالمين، اللهم صل وسلم على محمد وعلى آله وأصحابه أئمة المتقين، وعلى التابعين لهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

عباد الله: إن من أعظم صور الحسرة التي يلقاها أهل الكفر والضلال يوم القيامة؛ الحسرة عندما يتبرأ الأتباع من متبوعيهم، ويتهم بعضهم بعضاً بأنه كان السبب في إضلاله عن الصراط المستقيم، وانحرافه عن الهدي القويم، ويتبادلون التهم حول ذلك.

 

كل فريق منهم يريد أن يُخلص نفسه من النار بإلقاء اللوم على من كان سبباً في إغوائه وإقحامه في النار، فيحمله مسؤولية ذلك، ويحاول أن يتبرأ منه، ولكن هيهات هيهات، فلا جدوى في ذلك اليوم من تراشق التهم، وتبادل الاتهامات، فالكل اليوم مسئول عن نفسه ومحاسب عنها. يقول الله -تبارك وتعالى-: (إِذْ تَبَرَّأَ الَّذِينَ اتُّبِعُوا مِنَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا وَرَأَوا الْعَذَابَ وَتَقَطَّعَتْ بِهِمُ الأَسْبَابُ * وَقَالَ الَّذِينَ اتَّبَعُوا لَوْ أَنَّ لَنَا كَرَّةً فَنَتَبَرَّأَ مِنْهُمْ كَمَا تَبَرَّؤوا مِنَّا كَذَلِكَ يُرِيهِمُ اللهُ أَعْمَالَهُمْ حَسَرَاتٍ عَلَيْهِمْ وَمَا هُم بِخَارِجِينَ مِنَ النَّارِ) [البقرة:164 - 167].

 

يتبرأ المتبوعون من التابعين، وتتقطع بينهم همزات الوصل التي كانت في الدنيا؛ لأنها كانت لغير الله، وعلى غير ما يريد الله، علاقات باطلة، وأواصر قامت على الباطل، وتعلقت بالباطل، وتبين لهم أن هؤلاء الزعماء كانوا كاذبين، ولا يملكون من الأمر شيئاً، فماذا كانت النهاية؟!.

 

اضمحلت أعمالهم، وتلاشت أحوالهم، وتعاظمت حسراتهم، وبانت لهم أعمالهم التي يؤملون نفعها وحصول نتيجتها، فانقلبت عليهم حسرة وندامة عندما يوقنون أنهم خالدون في النار لن يخرجوا منها أبدا، فهل بعد هذا الخسران خسران؟ وهل بعد هذه الحسرة من حسرة؟ فلم يبقَ معهم إلا تبادل اللوم، والتبرؤ من بعضهم البعض.

 

عندها يتمنى التابعون أن يردوا إلى الدنيا فيتبرأوا من متبوعيهم، وأنى لهم ذلك؟ فقد فات الأمر، وانتهى الوقت، ومع هذا، فهم كذبة، فلو ردوا لعادوا لما نهوا عنه، وإنما هو قول يقولونه، وأماني يتمنونها، حنقاً وغيظاً على المتبوعين لما تبرأوا منهم.

 

ويقول -سبحانه وتعالى- مبيناً صورة أخرى من صور تبادل التهم، وتراشق الأعذار، من أجل النجاة من النار: (وَبَرَزُوا لِلَّهِ جَمِيعًا فَقَالَ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ قَالُوا لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا أَمْ صَبَرْنَا مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ) [إبراهيم : 21].

 

إنه مشهد عظيم، عندما يبرز الخلائق جميعاً للقاء الله، ويخرجون من قبورهم للعرض على الله، في تلك الساعة الحرجة، وذلك الموقف العسير، يقول الأتباع المقلدون للقادة المستكبرين إنّا كنا في الدنيا لكم تبعاً، عندما كنتم تأمروننا بالضلال فنتبعكم، وتزينون لنا الباطل فنصفق لكم، ونأخذ بكلامكم، فأضللتمونا، وكنتم السبب المباشر في إغوائنا، (فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا مِنْ عَذَابِ اللَّهِ مِنْ شَيْءٍ) هل تدفعون اليوم عنا من العذاب شيئاً، ولو كان شيئاً يسيراً تتحملوه عنا، وتأخذوه منا؟ فماذا يقولون لهم؟ يقولون لهم: (لَوْ هَدَانَا اللَّهُ لَهَدَيْنَاكُمْ) فلا يغني أحد عن أحد شيئاً، (سَوَاءٌ عَلَيْنَا أَجَزِعْنَا) من العذاب (أَمْ صَبَرْنَا) عليه، (مَا لَنَا مِنْ مَحِيصٍ) أي: لا ملجأ لأحد منا يلجأ إليه، ولا مهرب لنا من عذاب الله، ومالنا جميعاً منه خلاص أو مهرب.

 

وعندما يرونهم يوم القيامة يقولون: (رَبَّنَا هَؤُلاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُوا مِنْ دُونِكَ) هؤلاء هم من كنا نعبدهم من دونك، وهؤلاء من كنا ندعوهم معك في الدنيا، عرفنا اليوم أنهم ليس عندهم نفع، ولا يملكون شفاعة ولا نفعا، ولكن هؤلاء المتبوعين لم يسكتوا عليهم، وإنما قاموا بالرد عليهم والدفاع عن أنفسهم، (فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ) ردّ عليهم شركاؤهم قولهم، فقالوا لهم: (إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ) حيث جعلتمونا شركاء لله، وعبدتمونا معه فلم نأمركم بذلك، ولا زعمنا أن فينا استحقاقا للألوهية، فاللوم عليكم لا علينا.

 

فحينئذ يستسلمون لله، ويخضعون لحكمه، ويعلمون أنهم مستحقون للعذاب -والعياذ بالله-. (وَإِذَا رَأَى الَّذِينَ أَشْرَكُوا شُرَكَاءَهُمْ قَالُوا رَبَّنَا هَؤُلَاءِ شُرَكَاؤُنَا الَّذِينَ كُنَّا نَدْعُو مِنْ دُونِكَ فَأَلْقَوْا إِلَيْهِمُ الْقَوْلَ إِنَّكُمْ لَكَاذِبُونَ * وَأَلْقَوْا إِلَى اللَّهِ يَوْمَئِذٍ السَّلَمَ وَضَلَّ عَنْهُمْ مَا كَانُوا يَفْتَرُونَ) [النحل 86: 87].

 

ثم يبين الله -تبارك وتعالى- مشهداً آخر من مشاهد تبادل الأعذار، إنه مشهد لرأس الشر، وإمام أهل النار، عندما يتبرأ من متبوعيه، ويوجه لهم ضربة قاضية قوية تزيد من حسراتهم، وتكثر من همومهم وآلامهم، فيقول لهم وهم في النار: (إِنَّ اللَّهَ وَعَدَكُمْ وَعْدَ الْحَقِّ وَوَعَدْتُكُمْ فَأَخْلَفْتُكُمْ وَمَا كَانَ لِيَ عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي فَلَا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ إِنَّ الظَّالِمِينَ لَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [إبراهيم : 22].

 

لقد وعدكم الله بالخير والفلاح، ووعدتكم بالخير فأخلفتكم الوعد؛ لأن الخير لا يمكن أبداً أن يحصل مني لكم، فاستجبتم لي اتباعا لأهوائكم وشهواتكم، (فَلا تَلُومُونِي وَلُومُوا أَنْفُسَكُمْ) فأنتم السبب فلوموا أنفسكم قبل أن تلوموا أي أحد، (مَا أَنَا بِمُصْرِخِكُمْ) ما أنا بمغيثكم من الشدة التي أنتم بها، (وَمَا أَنْتُمْ بِمُصْرِخِيَّ) فلكل واحد منا قسطه من العذاب فليتحمله، (إِنِّي كَفَرْتُ بِمَا أَشْرَكْتُمُونِ مِنْ قَبْلُ).

 

وفي سورة سبأ، يقص الله -سبحانه وتعالى- علينا صورة أخرى من صور التراشق بالأعذار بين الضعفاء والمستكبرين، للتخلص من العذاب فيقول: (وَقَالَ الَّذِينَ كَفَرُوا لَنْ نُؤْمِنَ بِهَذَا الْقُرْآنِ وَلَا بِالَّذِي بَيْنَ يَدَيْهِ وَلَوْ تَرَى إِذِ الظَّالِمُونَ مَوْقُوفُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ يَرْجِعُ بَعْضُهُمْ إِلَى بَعْضٍ الْقَوْلَ يَقُولُ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لَوْلَا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا لِلَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ * وَقَالَ الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [سبأ 31: 33].

 

يقول الأتباع الرعاع المستضعفون للأقوياء والقادة والمستكبرين, أنتم الذين زينتم لنا الكفر والضلال، وحلتم بيننا وبين الهداية والإيمان، فتبعناكم على ذلك، فالآن نريد العذاب أن يقع عليكم وحدكم دوننا، لأنه (لَوْلا أَنْتُمْ لَكُنَّا مُؤْمِنِينَ).

 

فيجيبهم المستكبرون جواباً فيه من الاستفهام والإخبار مافيه, فيقولون لهم، (أَنَحْنُ صَدَدْنَاكُمْ عَنِ الْهُدَى بَعْدَ إِذْ جَاءَكُمْ بَلْ كُنْتُمْ مُجْرِمِينَ) يخبرونهم أنهم مشتركون معهم في الجرم، وحينما اخترتم الإجرام فإنكم اخترتموه راضين به، ومقتنعين بصحته، ولستم مقهورين عليه.

 

فيجيبهم المستضعفون مرة أخرى على جوابهم عن سؤالهم واتهامهم لهم بالإجرام فيقولون لهم: (بَلْ مَكْرُ اللَّيْلِ وَالنَّهَارِ إِذْ تَأْمُرُونَنَا أَنْ نَكْفُرَ بِاللَّهِ وَنَجْعَلَ لَهُ أَنْدَادًا) أنتم الذين أضللتمونا بمكركم ودهائكم، إذ تُحَسِّنون لنا الكفر، وتدعوننا إليه، وتقولون لنا: أنه الحق، وتقدحون في الحق وتهجنونه، وتزعمون أنه الباطل، فما زال مكركم بنا، وكيدكم إيانا، حتى أغويتمونا وفتنتمونا.

 

وفي النهاية يندم الجميع ويستيقنون أنه لا تنفع الحسرات، ولا يجدي البكاء والزفرات، ولا حاجة للحوار والتراشق بالكلمات، إذ لا مفر في ذلك اليوم من العذاب والنكال، (وَأَسَرُّوا النَّدَامَةَ لَمَّا رَأَوُا الْعَذَابَ وَجَعَلْنَا الْأَغْلَالَ فِي أَعْنَاقِ الَّذِينَ كَفَرُوا هَلْ يُجْزَوْنَ إِلَّا مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

 

بارك الله لي ولكم في القرآن العظيم، ونفعنا بما فيه من الآيات والعظات والذكر الحكيم، قلت ما سمعتم، واستغفر الله العظيم لي ولكم فاستغفروه، وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، والعاقبة للمتقين، ولا عدوان إلا على الظالمين، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

 

عباد الله: وفي مشهد آخر من مشاهد التلاوم والتراشق، يصوره الله بتصوير عجيب بديع فيقول: (وَأَقْبَلَ بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ يَتَسَاءَلُونَ * قَالُوا إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ * قَالُوا بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ * وَمَا كَانَ لَنَا عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ * فَحَقَّ عَلَيْنَا قَوْلُ رَبِّنَا إِنَّا لَذَائِقُونَ * فَأَغْوَيْنَاكُمْ إِنَّا كُنَّا غَاوِينَ * فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ) [الصافات 27: 33].

 

لقد أقبلوا فيما بينهم يلوم بعضهم بعضاً، فقال الأتباع للمتبوعين والرؤساء: (إِنَّكُمْ كُنْتُمْ تَأْتُونَنَا عَنِ الْيَمِينِ) أي كنتم في الدنيا تأتوننا بالقوة والغلبة، فتضلونا وتصدونا عن اتباع الحق وسلوك طريقه، ولولا أنتم لكنا مؤمنين. فـ (قَالُوا) لهم (بَلْ لَمْ تَكُونُوا مُؤْمِنِينَ) فلا تلومونا فأنتم أصلاً لم تكونوا مؤمنين، ولا زلتم على الشرك لم تؤمنوا، وكنا وإياكم جميعاً مشركين، فأي: شيء فضلكم علينا؟ وعلى أي شيء تلومونا؟.

 

فنحن لم نجبركم على الكفر، ولم نأمركم به، أو نقهركم عليه، وإنما دعوناكم إلى طريق الغواية، فاستجبتم لنا، فلا تلومونا ولوموا أنفسكم،(ومَا كَانَ لنا عليكم مِنْ سُلْطَانٍ بَلْ كُنْتُمْ قَوْمًا طَاغِينَ), فاليوم نحن وإياكم قد حقّ علينا العذاب، وسنذوقه وسنشترك فيه كما اشتركنا في الدنيا في الكفر،(فَإِنَّهُمْ يَوْمَئِذٍ فِي الْعَذَابِ مُشْتَرِكُونَ).

 

ومن مشاهد التراشق بالأعذار وتبادل التهم بين المقلدين والكبراء: هذا المشهد العظيم الذي يقول الله -تبارك وتعالى- عنه: (وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ * قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ) [غافر 47: 48].

 

يخبر الله في هذه الآيات العظيمة عن تخاصم أهل النار، وعتاب بعضهم لبعض، واستغاثتهم بخزنة النار، وعدم الفائدة في ذلك فيقول: (وَإِذْ يَتَحَاجُّونَ فِي النَّارِ) يحتج التابعون بإغواء المتبوعين، ويتبرأ المتبوعون من التابعين، فَيَقُولُ الضُّعَفَاءُ لِلَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا على الحق، (إِنَّا كُنَّا لَكُمْ تَبَعًا فَهَلْ أَنْتُمْ مُغْنُونَ عَنَّا نَصِيبًا مِنَ النَّارِ) ولو قليلاً.

 

فـ(قَالَ الَّذِينَ اسْتَكْبَرُوا) مبينين عجزهم ونفوذ الحكم الإلهي في الجميع: (إِنَّا كُلٌّ فِيهَا إِنَّ اللَّهَ قَدْ حَكَمَ بَيْنَ الْعِبَادِ) إنّا جميعاً في النار، ولكل فريق منا حظه من العذاب. فما معهم إلا أن ينادوا (خَزَنَةِ جَهَنَّمَ علهم أن يخلصوهم من العذاب فيقولون لهم: (ادْعُوا رَبَّكُمْ يُخَفِّفْ عَنَّا يَوْمًا مِنَ الْعَذَابِ).

 

فـيقول لهم الخزنة موبخين لهم، ومبينين أن شفاعتهم لا تنفعهم، ودعاءهم لن يفيدهم شيئًا: (أَوَ لَمْ تَكُ تَأْتِيكُمْ رُسُلُكُمْ بِالْبَيِّنَاتِ)؟ (قَالُوا بَلَى) قد جاءونا بالبينات، وقامت علينا الحجة، فيرد عليهم خزنة النار فيقولون لهم: (فَادْعُوا وَمَا دُعَاءُ الْكَافِرِينَ إِلا فِي ضَلالٍ) استمروا في الدعاء الذي لا يجدي، فدعاؤكم باطل لاغ غير مستجاب؛ لأن الكفر يحبط جميع الأعمال، ويصدّ عن إجابة الدعاء.

 

هذه مشاهد من مشاهد الحسرة والندامة يوم القيامة، فالحذر الحذر، والانتباه الانتباه، لينتبه كل امرئٍ لنفسه من أهل السوء والضلال؛ حتى لا يقع فريسة لهم فيتبرؤون منه في يوم لا ينفع فيه شيء.

 

صلوا وسلموا وأكثروا من الصلاة والسلام على من أمركم ربكم بالصلاة والسلام عليه، فقال عز من قائل كريم: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب : 56].

 

 

 

المرفقات

الأعذار للنجاة من النار

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات