عناصر الخطبة
1/الإمامة أصل ركين لصلاح الدنيا والدين 2/تنظيم الدين لشؤون الراعي والرعية 3/الوحدة والاتفاق في السمع والطاعة للإمام 4/التحذير من زرع الفتن والفرقة في المجتمع المسلماقتباس
إنَّ الله -تعالى- أمَر ولاة أمور المسلمين بأن يؤدوا ما عليهم من الأمانة للرعية، وأن يحكموا بالعدل، وأمَر الرعية بأن يسمعوا لهم ويطيعوهم فيما أمروهم أو نهوهم عنه، ما لم تكن في معصية الخالق، ففي طاعتهم صلاح الدين والدنيا، وفي مخالفتهم فساد الدين والدنيا...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الذي جعَل دِينَه دينَ رحمةٍ ووحدةٍ واجتماعٍ، وجعَل النجاةَ لمن استسلَم لشرعه وأطاع، وأمَر المسلمينَ بالوحدة والاعتصام بدِينِه والاتباع، ونهاهم عن الاختلاف والتفرق والصراع، أشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، بلَّغ الرسالةَ وأدَّى الأمانةَ ونصَح الأمةَ، وجاهَد في الله حقَّ الجهاد حتى أتاه اليقين، صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه، ومَنْ تَبِعَهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.
أما بعدُ: فأوصيكم -عبادَ اللهِ- بالتقوى؛ فهي النجاة في الآخرة والأُولى؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71].
أيها الناسُ: الإمامةُ أصلٌ عليه استقرَّتْ قواعدُ الملة، وانتظمَتْ به مصالحُ الأمة، وترتَّبَتْ عليه أحكامُ الشرع، وقد شرع الله لكل أمة إمامًا أناط به تدبير الدولة، وفوض إليه السياسة، وأوجب عليه العدل، وجعل له على الرعية حق السمع والطاعة، قال تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَطِيعُوا اللَّهَ وَأَطِيعُوا الرَّسُولَ وَأُولِي الْأَمْرِ مِنْكُمْ فَإِنْ تَنَازَعْتُمْ في شَيْءٍ فَرُدُّوهُ إِلَى اللَّهِ وَالرَّسُولِ إِنْ كُنْتُمْ تُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَالْيَوْمِ الْآخِرِ ذَلِكَ خَيْرٌ وَأَحْسَنُ تَأْوِيلًا)[النِّسَاءِ: 59].
وعن عرباض بن سارية -رضي الله عنه- قال: "صَلَّى لَنَا رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- الْفَجْرَ، ثُمَّ أَقْبَلَ عَلَيْنَا، فَوَعَظَنَا مَوْعِظَةً بَلِيغَةً، ذَرَفَتْ لَهَا الْأَعْيُنُ، وَوَجِلَتْ مِنْهَا الْقُلُوبُ، فَقُلْنَا: يَا رَسُولَ اللهِ، كَأَنَّ هَذِهِ مَوْعِظَةُ مُوَدِّعٍ، فَأَوْصِنَا. قَالَ: "أُوصِيكُمْ بِتَقْوَى اللهِ وَالسَّمْعِ وَالطَّاعَةِ، فَإِنَّهُ مَنْ يَعِشْ مِنْكُمْ بَعْدِي يَرَى اخْتِلَافًا كَثِيرًا، فَعَلَيْكُمْ بِسُنَّتِي وَسُنَّةِ الْخُلَفَاءِ الرَّاشِدِينَ الْمَهْدِيِّينَ، عَضُّوا عَلَيْهَا بِالنَّوَاجِذِ، وَإِيَّاكُمْ وَمُحْدَثَاتِ الْأُمُورِ، فَإِنَّ كُلَّ مُحْدَثَةٍ بِدْعَةٌ، وَإِنَّ كُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ"(رواه أحمد والترمذي).
عبادَ اللهِ: لقد اقتضَتْ سُنَّةُ اللهِ في خَلقِه أنَّه لا يُصلِح حالَهم، ولا تستقيم حياتُهم إلا في ظل وجود إمام يسوسهم، فيُنَظِّم لهم شؤونَهم، ويحفظ حقوقَهم، فبه تصان الأعراضُ، وتُعصَم الدماءُ، وتقام الحدودُ، ويُحفَظ الدينُ، ويُقِيم فيه العدل، ويَدفَع عنهم الظلم، ويأمن في وجوده الخائف، ويقوى الضعيف، ويرتدع الظالم، ويمنع الفوضى، ويذب عن الحمى، ويوحد الكلمة.
إن الجماعة حبلُ اللهِ فاعتصِموا *** منه بعُروتِه الوثقى لمن دانَا
كم يدفع اللهُ بالسلطان معضلةً *** في دِينِنا رحمةً منه ودنيانا
أيها الناسُ: إنَّ الله -تعالى- أمَر ولاة أمور المسلمين بأن يؤدوا ما عليهم من الأمانة للرعية، وأن يحكموا بالعدل، وأمَر الرعية بأن يسمعوا لهم ويطيعوهم فيما أمروهم أو نهوهم عنه، ما لم تكن في معصية الخالق، ففي طاعتهم صلاح الدين والدنيا، وفي مخالفتهم فساد الدين والدنيا، فعن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "السمع والطاعة على المرء المسلم فيما أحب وكره، ما لم يؤمر بمعصية"(رواه البخاري).
ألَا وإنَّ لولي الأمر عهدًا وبيعةً في ذمة الرعية، قد حرَّم اللهُ نكثَه ونبذَه، وخيانتَه وغدرَه، فلا تخلعوا يدًا من طاعة، ولا تشقوا عصَا المسلمين؛ (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولًا)[الْإِسْرَاءِ: 34]، عن عبد الله بن عمر -رضي الله عنهما- قال: "سمعتُ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَنْ خلَع يدًا من طاعة، لَقِيَ اللهَ يومَ القيامة لا حجةَ له، ومَنْ مات وليس في عنقه بيعةٌ ماتَ ميتةً جاهليةً"(رواه مسلم)، أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ وَلَا تَنْقُضُوا الْأَيْمَانَ بَعْدَ تَوْكِيدِهَا وَقَدْ جَعَلْتُمُ اللَّهَ عَلَيْكُمْ كَفِيلًا إِنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا تَفْعَلُونَ)[النَّحْلِ: 91].
بارَك اللهُ لي ولكم في القرآن والسُّنَّة، ونفعنا وإيَّاكم بما فيهما من الآيات والحكمة، أقول ما تسمعون، وأستغفِر اللهَ فاستغفِروه، إنه هو الغفور الرحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله وحده، والصلاة والسلام على من لا نبي بعده، وعلى آله وصحبه.
عبادَ اللهِ: إن الله -تعالى- قد جمع أمركم على دين واحد، ورسول واحد، وكتاب واحد، وقبلة واحدة، وأمركم بالوحدة والاتفاق، ونهاكم عن الاختلاف والافتراق، قال تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا)[آلِ عِمْرَانَ: 103]، ولن تتم الوحدة والاتفاق إلا بالسمع والطاعة للإمام، ولن يقوم أمر الدين في الأمة إلا بالسمع والطاعة للإمام، ولن يستتب الأمن ويستقيم العدل إلا بالسمع والطاعة للإمام، ولن تصان الحرمة ويدفع عن الحمى إلا بالسمع والطاعة للإمام، ولن يرتدع الظالم وينصر المظلوم، وينصف للضعيف من القوي إلا بالسمع والطاعة للإمام، ولن تنهض أمة إلا إذا دانت بالسمع والطاعة للإمام، فاتقوا الله وحافظوا على وحدتكم، واسمعوا وأطيعوا لولاة أمركم؛ (وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)[الْأَنْفَالِ: 46]، واحرصوا على بلدانكم وأمنكم، وتمسكوا بدينكم.
أيها الناسُ: إنَّ الفُرْقة والاختلاف أعظم وأكبر وسائل الهدم للأمم والحضارات، وفي الماضي والحاضر عبرة للمعتبرين.
إنَّ الفُرْقة والاختلاف تهدد كيان الأمة وتخلخل تماسكها.
إنَّ الفُرْقة والاختلاف هي سبيل الفوضى، وآلة الهدم، ووقود الفتن والحروب، ولقد نهى الله -تعالى- عن الاختلاف والفرقة، وجعلها من أسباب الفشل والضعف، بل ومن أسباب العذاب، قال تعالى: (وَأَطِيعُوا اللَّهَ وَرَسُولَهُ وَلَا تَنَازَعُوا فَتَفْشَلُوا وَتَذْهَبَ رِيحُكُمْ)[الْأَنْفَالِ: 46]، وقال: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ تَفَرَّقُوا وَاخْتَلَفُوا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْبَيِّنَاتُ وَأُولَئِكَ لَهُمْ عَذَابٌ عَظِيمٌ)[آلِ عِمْرَانَ: 105].
وإنَّ من أعظم الحروب والفتن، التي يكيد بها الأعداء زرع الفتنة والاختلاف في الأمة؛ ألَا وإن مساندتهم غدر وخيانة، وضياع للأمانة، فعن أبي هريرة -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من خرج من الطاعة وفارق الجماعة فمات مات ميتة جاهلية، ومن قاتل تحت راية عمية، يغضب لعصبة، أو يدعو إلى عصبة، أو ينصر عصبة فقتل فقتلة جاهلية، ومن خرج على أمتي يضرب برها وفاجرها ولا يتحاشى من مؤمنها، ولا يفي لذي عهد عهده فليس مني ولست منه"(رواه مسلم).
اللهُمَّ أَصلِحْ أحوالَ المسلمينَ، وأمِّنْهم في أوطانهم، واجمَعْ شملَهم، ووحِّد كلمتَهم على الحق، وألِّفْ بينَ قلوبِهم، وأَصلِحْ ذاتَ بينِهم، اللهُمَّ وجنِّبْهُم الخلافَ والفتنَ، ما ظهَر منها وما بطَن، وسُدَّ عنهم مساربَ الفوضى، واكلأهم بالأمن والاستقرار.
اللهمَّ أعِزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وانصُرْ عبادَكَ الموحِّدينَ، واجعل اللهمَّ هذا البلد آمِنًا مطمئنًا وسائرَ بلاد المسلمين، اللهُمَّ آمِنَّا في أوطاننا، وأصلح أئمتنا وولاة أمرنا، اللهمَّ وفِّق وليَّ أمرنا خادمَ الحرمينِ الشريفينِ بتوفيقِكَ، وأيِّده بتأييدِكَ، اللهمَّ ألبسه ثوب الصحة والعافية، يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ وفِّقه ووليَّ عهدِه لما تحبُّ وترضى، يا سميعَ الدعاءِ.
اللهُمَّ تقبل منا إنك أنت السميع العليم، وتُبْ علينا إنك أنت التواب الرحيم، اللهُمَّ صل على محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم