تحصين الأسرة

الشيخ عبدالعزيز بن محمد النغيمشي

2024-08-09 - 1446/02/05 2024-08-14 - 1446/02/10
عناصر الخطبة
1/أهمية الأسرة ومكانتها 2/كيف تقى الأسرة من المنكرات 3/ثمرات صلاح الأسرة واستقامتها

اقتباس

حَصانَةُ الأُسْرَةِ، مِنْ مَزالِقِ الهَوى، وَحِمايَتِهَا مِنْ أَوْحَالِ الشَّهَوَات، وَوِقايَتِهَا مِنْ مَكَائِدِ الشَّيطانِ، والنأَيِ بِها عَن دُرُوبِ الضَّلالاتْ. حَصانَةٌ، تَبْقَى بِها الأُسْرَةُ في مَنَعَةٍ وسَلامَةٍ وثَبَات؛ فَأَخْطَرُ ما يُهَدِّدُ الأُسْرَةَ، أَنْ تَنْتَشِرَ فِيها المخُالَفاتُ الشَّرْعِيةُ، وأَفْجَعُ...

تحصين الأسرة من المنكرات

الخطبة الأولى:

 

الحمْدُ للهِ رَبِّ العالَمِين، خَلَقَ فَقَدَّر، ومَلَكَ فَدَبَّر، وشَرَعَ فَيَسَّر، لَهُ الأَمْرُ كُلُّه؛ (وَإِلَيْهِ يُرْجَعُ الْأَمْرُ كُلُّهُ فَاعْبُدْهُ وَتَوَكَّلْ عَلَيْهِ وَمَارَبُّكَ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ)، وأَشْهَدُ أَن لا إِله إلا اللهُ وحَدَهُ لا شَرِيْكَ لَه، لا يُسأَلُ عَما يَفْعَلُ وهُمْ يُسْأَلُون، وأَشْهَدُ أَنَّ محمداً عبْدُهُ ورَسُولُه، بَلَّغَ الرِسالَةَ أَكْمَلَ بَلاغْ، ونَصَحَ الأُمَةَ أَتَمَّ نُصْح، فأَقامَها عَلى أَكْمَلِ شَرِيْعَةٍ وأَقْوَمِ دِين؛ (لَقَدْ مَنَّ اللَّهُ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ إِذْ بَعَثَ فِيهِمْ رَسُولًا مِّنْ أَنفُسِهِمْ يَتْلُو عَلَيْهِمْ آيَاتِهِ وَيُزَكِّيهِمْ وَيُعَلِّمُهُمُ الْكِتَابَ وَالْحِكْمَةَ وَإِن كَانُوا مِن قَبْلُ لَفِي ضَلَالٍ مُّبِينٍ)، صلى اللهُ وسَلَّمَ وبارَكَ عليه وعلى آله وأَصحابِه وعلى مَنْ اسْتَمْسَكَ بِسُنَّتِهِ إِلى يَومِ الدينِ؛ أَما بعدَ: فاتَّقُوا الله -عبادَ اللهِ- لعلكم ترحمون.

 

أيها المسلمون: الأُسْرَةُ حِصْنٌ مَنِيْعٌ، وقَلْعَةٌ مْحْكَمَةٌ، وَمَأَوَى وَظِلّ فِيها للفَرْدِ مُسْتَقَرٌّ، وفيها لَهُ مأَمَنٌ، وفيها لَهُ مُسْتَراح، حاوِيَةٌ حاضِنَةٌ حامِيَةٌ، في كَنَفِها كُفُوفُ العَطاءِ تُبْذَل. وفي مَعَاقِلِهَا عُقُولُ الرِّجَالِ تُصْقَلْ، وفي أَرْوِقَتِها أَثْوابُ الحَياءِ تُحاك.

 

الأُسْرَةُ، وَاهاً لَها، ما أَكْرَمَها إِنْ صَلُحَتْ، ما أَشْرَفَهَا إِنْ كَرُمَتْ، ما أَزْكاها إِنْ طَابَتْ، صِيانَتُها أَمانٌ، ورِعايَتُها ضَمانٌ، وإِضاعَتُها خِيانَة.

 

الأُسْرَةُ، أَمْتَنُ حَلَقَةٍ، وأَصْلَبُ قاعِدَةٍ، وأَرْسَى وَتَد، يُجْمَعُ شَمْلُها بِالدِّيْن، ويُلَمُّ شَتاتُها بالإِيْمان على الدِّيْنِ يُرسَى عِمَادُهَا، ويُنْشَرُ بِسَاطُهَا، ويُحْمَى حِمَاها.

 

تَتَمَزَّقُ الأُسْرَةُ حِينَ يَتَمَزَّقُ فيها لِباسُ الصَّلاحَ وتَخْرُبُ، حِينَ يُخْرَقُ فِيها مَرْكَبُ التَّقْوَى، تَظَلُّ الأُسْرَةُ في طُمأَنِينَةٍ وراحَةٍ ورَغَدٍ، مَا لَمْ يَنْخُرْ فِيها دَاءٌ يُفْقِدُهُا مَناعَتَها، ويَسْلُبُها اسْتِقَامَتَهم، ويُجَرِّدُها مِنْ حَيائِها.

 

 يَظَلُّ رَبُّ الأُسْرَةِ يُكافِحُ في الحَياةِ ويَشْقَى، حَتَّى يُؤَمِنَ لأُسْرَتِهِ بَيْتاً يَلِيْقُ بِهِم، وَدَاراً تَسْتُرُهُمْ وتُؤْوِيْهِم، يَحْمِيْ البَيْتَ مِن المَخَاطِرِ، ويُحَصِّنُهُ بالحَدِيْدِ، ويُحِيْطُهُ بالأَسْوار، ويَزْرَعُ على جَنَبَاتِه عَدَساتِ مُراقَبَةٍ، يَفْزَعُ لِمَرْآها كُلُّ مُخَرِّبٍ ومُعْتَدِ وعابِثْ، حًصَانَةً للدارِ، وحِمايَةً لِلْمال، وَوِقايَةً للمُمْتَلَكاتِ،  يُهَيِّئُ الدَّارَ لأُسْرَتِهِ، بِما يَقِيْهِمْ حَرَّ الصَيْفِ ويُحَفِفُ عَنْهُمْ بَردَ الشِّتاءَ، يَبْذلُ المالَ في طَلَبِ راحَتِهِم، ويُنْفِقُ النَّفِيْسَ في سَبِيلِ الهَناء، سُرُورُه في الحَياةِ، أَنْ يَرَى أَهْلَهُ في دَعَةٍ، وكَدَرُهُ إِن رَآهُمْ في عَناءَ -فَضَاعَفُ اللهُ لِرَبِّ الأُسْرَةِ ثَوابَه، وأَعلى قَدْرَهُ وحَمَى مَكانَتَهُ وصَانَ جَنابَه- وثَمَّةَ حَصَانَةٌ أُخْرَى، هِيَ أَجْدَرُ وأَوْجَبُ، وآكَدُ وأَحْرَى، بِها حِفْظُ الدِّيْنِ وحِمَايَةُ العِرْضِ، وَصِيانَةُ الفَضِيْلَةِ وسَلامَةُ الأَخْلاق.

 

 حَصانَةُ الأُسْرَةِ، مِنْ مَزالِقِ الهَوى، وَحِمايَتِهَا مِنْ أَوْحَالِ الشَّهَوَات، وَوِقايَتِهَا مِنْ مَكَائِدِ الشَّيطانِ، والنأَيِ بِها عَن دُرُوبِ الضَّلالاتْ. حَصانَةٌ، تَبْقَى بِها الأُسْرَةُ في مَنَعَةٍ وسَلامَةٍ وثَبَات؛ فَأَخْطَرُ ما يُهَدِّدُ الأُسْرَةَ، أَنْ تَنْتَشِرَ فِيها المخُالَفاتُ الشَّرْعِيةُ، وأَفْجَعُ مَا يُصَابُ بِهِ أَفْرَادُها، أَنْ تَعْصِفَ فِيْهِمُ المنْكَرَات.

 

 المُنْكَراتْ فَسادٌ للدُّنْيا وخَرَابٌ للدِّيْن، وما اسْتَهانَتْ أُسْرَةٌ بِمُنْكَرٍ وَقَعَ فِيْها، إِلا ذَاقَتْ وبَالَ اسْتِهانَتِها بِه.

 

ورَبُّ الأُسْرَةِ، هُوَ في الأُسْرَةِ قَوَّامُ، يَقُومُ عَلى حَفْظِها وَرِعايَتِها، وصِيانَتِها وحِمَايَتِها، يَبْذُلُ في سَبِيْلِ صَلاحِها كُلَّ سَبَبْ، ويَطْرُقُ في سَبِيلِ نَجاتِها كُلَّ سَبِيْل.

 

وِقايَةُ الأُسْرَةِ مِنَ المُنْكَراتِ، وِقايَةٌ لَها مِنْ أَسْبابِ الهَلاك، ولا هَلاكَ أَعظَمَ مِنْ دُخُولِ النار؛ (رَبَّنَا إِنَّكَ مَن تُدْخِلِ النَّارَ فَقَدْ أَخْزَيْتَهُ وَمَا لِلظَّالِمِينَ مِنْ أَنصَار)، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا قُوا أَنفُسَكُمْ وَأَهْلِيكُمْ نَارًا وَقُودُهَا النَّاسُ وَالْحِجَارَةُ عَلَيْهَا مَلَائِكَةٌ غِلَاظٌ شِدَادٌ لَّا يَعْصُونَ اللَّهَ مَا أَمَرَهُمْ وَيَفْعَلُونَ مَا يُؤْمَرُونَ)؛ تُتَّقَى النَّارُ، بامْتِثالِ أَوامِرِ اللهِ وبِالوُقُوفِ عِنْدَ حُدُودِه، تُتَّقَى النَّارُ، بِأَداءِ الفَرَائِضِ واجْتِنابِ المُحَرَّمات، تُتَّقَى النَّارُ بِطَاعَةِ اللهِ ورَسُولِه؛ (وَمَن يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا).

 

يَتَّقِيْ المُسْلِمُ بِأَهْلِهِ النارَ، فَيَأَمُرَهُمْ بالصَّلاةِ لا يَفْتُرْ، يأَمُرُهُمْ بِها لا يَمَلّ، يأَمُرُهُم بِالصَّلاةِ عَلى وَقْتِها، يُذَكِّرُهُم بِمَكانَتِها، يَعِظُهُم في الحِفاظِ عَلَيْها، يأَمُرُهُم بِالصَّلاةِ، لِيُوثِقُوا حِبالَهُمْ باللهِ، ولِيُمْسِكُوا مَن عُرَى النَّجاةِ أَوثَقَ سَبب، فإِنَّها إِن ضَاعَتْ صَلاتُهُم، ضَاعَ دِيْنُهمُ وبَعُدَتْ نَجاتُهُم. عَنْ جابِرِ بنِ عبدِ اللهِ -رضي الله عنه- أَن رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-؛ قال: "إنَّ بيْنَ الرَّجُلِ وبيْنَ الشِّرْكِ والْكُفْرِ تَرْكَ الصَّلاةِ"(رواه مسلم)، وفي القُرآنِ قَالَ اللهُ: (فَخَلَفَ مِن بَعْدِهِمْ خَلْفٌ أَضَاعُوا الصَّلَاةَ وَاتَّبَعُوا الشَّهَوَاتِ فَسَوْفَ يَلْقَوْنَ غَيًّا).

 

يأَمُرُ الوَالِدُ ولَدَهُ بالصَلاةِ وَهُوَ ابْنُ سَبِعِ سِنِينَ لِيَنْشَأَ عَلِيْها؛ فَما أَضَاعَ شَابٌّ صَلاتَهُ إِلا وللتَفْرِيْطِ في التَرْبِيَةِ الأَولَى أَعْظَمَ أَثَرْ.

 

 يَأُمُرُ أَهلَهُ بالصَّلاة، ويَصْطَبِرُ هُوَ عَلَيْها؛ فَهُوَ في أَهْلِهِ أَبْرَزُ قُدْوَة؛ (وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِالصَّلَاةِ وَاصْطَبِرْ عَلَيْهَا لَا نَسْأَلُكَ رِزْقًا نَّحْنُ نَرْزُقُكَ وَالْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ)، ومَتَى ما أُقِيْمَتِ الصَلاةُ حَقّاً، قَامَ أَثَرُها في نُفُوسِ الأُسْرَةِ زكَاءً، وفي جَوارِحِهِمْ صَلاحاً، تَسْتَقِيْمُ الصَّلاةُ فَتَسْتَقِيْمُ الأَخلاقُ ويَنْتَفِيْ الخَبَث؛ (وَأَقِمِ الصَّلَاةَ إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَىٰ عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ).

 

وما رُئِيَ مُنْكَرٌ في أُسْرَةٍ، أَعْظَمُ مِنْ إِضَاعَةِ أَفرادِها للصَّلاة، وما فَرَّطَ وَلِيٌّ في أَمانَةٍ، أَعْظَمَ مِن تَفْرِيْطِهِ في أُسْرَتِهِ في شأَنِ الصَلاة، وَمَا وَقَى أَهْلَهُ النَّارَ، مَنْ لَمْ يَأَمُرْهُمْ ويُرَبِيْهِم عَلى إِقامَةِ الصَلاة؛ عَنْ أَبُي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه-: سَمِعْتُ رَسُولَ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ: "إِنَّ أَوَّلَ مَا يُحَاسَبُ بِهِ الْعَبْدُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ مِنْ عَمَلِهِ صَلَاتُهُ، فَإِنْ صَلُحَتْ فَقَدْ أَفْلَحَ وَأَنْجَحَ، وَإِنْ فَسَدَتْ فَقَدْ خَابَ وَخَسِرَ"(رواه الترمذي وصححه الأَلباني).

 

ومَنْ يَطْوِي الفَرائِضَ مُؤْثِرَاً للنَّوْم، فَقَدْ تَعَرَّضَ لِوَعِيدِ الله؛ (فَوَيْلٌ لِّلْمُصَلِّينَ الَّذِينَ هُمْ عَن صَلَاتِهِمْ سَاهُونَ)، ومَنْ أَقَرَّ وَلَدَهُ على هذا المُنْكَرِ، فَلَمْ يُجاهِدْ في إِيْقَاظَهَ، وَلَمْ يَصْدُقْ في وَعْظِه ونُصْحِه، فَقَدْ ضَيَّعَ أَمانَةً وحَمَلَ وِزْراً.  

 

يَتَّقِيْ المُسْلِمُ بِأَهْلِهِ النارَ، يَرْجُو لَهُم يُسْرَ الحِسابِ غَداً، يَرْجُو لَهُم فَضْلاً مِنَ الرَّحْمَنِ، يَرْجُو لَهُم طِيْبَ المُقامِ بِجَنَّةٍ، في دارِ خُلْدٍ مِنَّةَ المَنَّانِ.  

 

يَتَّقِيْ المُسْلِمُ بِأَهْلِهِ النارَ، فَلا يَعْلَمُ أَمْراً فيهِ صَلاحُهُم إِلا أَرْشَدَهُم إِليهِ وأَعانَهُم، ولا يَعْلَمُ أَمْراً في فَسادُهُم إِلا حذَّرَهُمْ مِنْه وحَجَزَهُم، يأَمُرُ أَهْلَهُ بالمعْرُوفِ، ويَنْهاهُمْ عَن المُنْكَر، رَحْمَةً بِهِم وخَوفاً عَلَيْهِم، طَمَعاً في أَنْ يَدْرِكُوا الفَوزَ الكَبَيْر، وحَذَراً مِنْ أَنْ تُحِيْطَ بِهِمُ الخَسارَةُ العُظْمَى؛ (قُلْ إِنَّ الْخَاسِرِينَ الَّذِينَ خَسِرُوا أَنفُسَهُمْ وَأَهْلِيهِمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ أَلَا ذَٰلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ).

 

يَتَّقِيْ المُسْلِمُ بِأَهْلِهِ النارَ، وتِلْكَ أَعظَمُ حَمَالَةٍ حُمِّلَها العَبدُ تِجاهَ أَهْلِه، ولَسَوفَ يُسْأَلُ؛ عَنْ عَبْدِ اللهِ بنِ عُمَرَ -رَضي الله عنهما- قالَ: سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- يَقُوْل: «كُلُّكُمْ رَاعٍ، وكُلُّكُمْ مَسْؤُوْلٌ عنْ رعِيَّتِهِ، الإِمَامُ رَاعٍ مَسْؤُوْلٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، والرَّجُلُ رَاعٍ في أَهْلِهِ مَسْؤُوْلٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، والمَرْأَةُ راعِيةٌ في بَيْتِ زَوْجِهَا ومسئولة عَنْ رعِيَّتِهَا، والخَادِمُ رَاعٍ في مالِ سيِّدِهِ ومسئولٌ عَنْ رَعِيَّتِهِ، فكُلُّكُمْ راعٍ ومسئولٌ عنْ رعِيَّتِهِ»(متفق عليه)، (فَوَرَبِّكَ لَنَسْأَلَنَّهُمْ أَجْمَعِينَ عَمَّا كَانُوا يَعْمَلُونَ).

 

باركَ اللهُ لي ولكم،،،

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ ربِّ العالمينَ، وأَشْهَدُ أَن لا إِله إلا اللهُ ولي الصالحين، وأَشهدُ أَن محمداً عبدهُ ورسولُهُ النبي الأَمين، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آلِهِ وأَصحابِه أجمعين؛ أَما بعد: فاتقوا الله -عباد الله- لعلكم ترحمون.

 

أَيُّهَا المُسْلِمُوْن: أَمْرُ الأَهْلِ بِالمعْرُوفِ ونَهْيُهُم عَنْ المُنْكَرِ، وَتَرْبِيَتُهُمْ عَلى الصَّلاحِ والتَّمَسُّكِ بالدِّيْن، وتَنْشِئَتُهُم عَلَى الاعْتِزازِ بِالفَضِيْلَةِ والثَّباتِ عَلى القِيَمْ، مَنْهَجٌ يَسْلُكُهُ كُلُّ وَلِيٍّ مُسْلِمٍ، قَوِيَ باللهِ إِيْمانُهُ، وصَحَّ بالآخِرَةِ يَقِيْنُه، يَسْتَحْضِرُ مَواقِفَ الحِسابِ والمُساءَلَةِ أَمامَ الله، فَقَلْبُهُ مِنْ مَواقِفِ الحِسابِ عَلى وَجَلْ.

 

أُسْرَةٌ، الْتَأَمَتْ ولَمَّتْ أَفْرَادَها في الدُّنْيا؛ فالفَردُ يَفْزَعُ إِليها في كُرْبَتِه، ويَرْكَنُ إِليها في شِدَّتِه، يأَويِ إِلَيْها في ضَائِقَتِه فَهِيَ لَهُ في الدُّنْيا بَعْدَ اللهِ مَلاذٌ، وهِيَ لَهُ في الدُّنْيا بَعدَ اللهِ سَنَدن لَنْ يَكُونَ أَمْرُها في القِيامَةِ كَذَلِك، بَلْ (يَفِرُّ الْمَرْءُ مِنْ أَخِيهِ وَأُمِّهِ وَأَبِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَبَنِيهِ لِكُلِّ امْرِئٍ مِّنْهُمْ يَوْمَئِذٍ شَأْنٌ يُغْنِيهِ).

 

أُسْرَةٌ كَانَتْ في الدُّنْيا تُفْدَى، يَوَدُ الهالِكُ يَومَ القِيامَةِ أَنْ يَنْجُو مِنْ العَذابِ، وَلَو كانَتْ الأُسْرَةُ كُلُّها لَهُ فِداءَ؛ (يَوَدُّ الْمُجْرِمُ لَوْ يَفْتَدِي مِنْ عَذَابِ يَوْمِئِذٍ بِبَنِيهِ وَصَاحِبَتِهِ وَأَخِيهِ وَفَصِيلَتِهِ الَّتِي تُؤْوِيهِ وَمَن فِي الْأَرْضِ جَمِيعًا ثُمَّ يُنجِيهِ).

 

وأَسْرَةٌ، نَشأَتْ في الدُّنْيا عَلى التَقْوَى، سَيَبْقَى في الآخِرَةِ جَمْعُها، وسَيُلْحَقُ بَعْضُهُا بِبَعْضِها في دَرَجاتِ النَّعِيْم؛ (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَاتَّبَعَتْهُمْ ذُرِّيَّتُهُم بِإِيمَانٍ أَلْحَقْنَا بِهِمْ ذُرِّيَّتَهُمْ وَمَا أَلَتْنَاهُم مِّنْ عَمَلِهِم مِّن شَيْءٍ كُلُّ امْرِئٍ بِمَا كَسَبَ رَهِينٌ).

 

عباد الله: وكُلُّ مُنْكَرٍ تَلُوحُ بَوادِرُهُ في الأُسْرَةِ أَو في أَحَدِ أَفْرادِها؛ فَواجِبٌ عَلى الوَلِيِّ وعلى الأُسْرَةِ جَمِيْعاً، أَنْ يَتَضَافَرُوا في النُّصْحِ والتَواصِي والإِنْكار.

 

حَلَّتِ اللَّعْنَةُ عَلى قَومٍ، لَمْ يَتَناهَوا عَنْ مُنْكَراتٍ وَقَعَتْ فِيهم؛ (لُعِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا مِن بَنِي إِسْرَائِيلَ عَلَىٰ لِسَانِ دَاوُودَ وَعِيسَى ابْنِ مَرْيَمَ ذَٰلِكَ بِمَا عَصَوا وَّكَانُوا يَعْتَدُونَ كَانُوا لَا يَتَنَاهَوْنَ عَن مُّنكَرٍ فَعَلُوهُ لَبِئْسَ مَا كَانُوا يَفْعَلُونَ).

 

مُنْكَراتٌ تَقَعُ في الأُسْرَةِ أَو في بَعضِ أَفْرَدِها، يَجِبُ أَنْ تُنْكَر، تَأَخِيْرُ الصَلَواتِ عَنْ وَقْتِها مُنْكَر، والتَفْرِيْطٍ في شُهُودِ الجُمَعِ والجَماعاتِ مُنْكَر.

 

اقْتِناءُ الصُورِ المُحَرَمَةِ في البُيُوتِ، مُنْكَر، وفي الحَدِيثِ: "لا تَدْخُلُ المَلائِكَةُ بَيْتًا فيه كَلْبٌ، ولا صُورَةُ تَماثِيلَ"(رواهُ الُبُخارِي).

 

اقْتِناءُ القَنَواتِ المُحَرَمةِ بِما تَعْرِضُهُ مِنْ فِتَنٍ ومُنْكَراتٍ، مُنْكَر، خُرُوجُ الفَتاةِ إِلى أَماكِنَ تَخْتَلِطُ فِيْها بالرِّجالِ، فَتُقِيْمُ بَيْنَهُم مَتَعَرِّضَةً ومُعَرِّضَةً غَيْرَها لِلفِتْنَةِ مُنْكَر، خُرُوجُ المَرْأَةِ مِنْ بَيْتِها مُتَبَرِّجةً، بِحِجابٍ يَجْلِبُ الفِتْنَةَ لا يَدْفَعُها، ويُقَرِّبُ الفِتْنَةَ لا يُقْصِيْها مُنْكَر، لِباسُ الخادِماتِ في بَعْضِ البُيُوتِ، لِباسُ فِتْنَةٍ مُنْكَر، لِباسُ المَرْأَةِ لِما يُظْهِرُ عَورَتَها، أَو يَمْحُو حَياءَها، أَو يَكْشِفُ مَفاتِنَها مُنْكَر، بَلْ لَعَمْرِي إِنَّ ذَاكَ لَمِنْ أَعْظَمِ المُنْكَر؛ عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- قَالَ :قالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "صِنْفانِ مِن أهْلِ النَّارِ لَمْ أرَهُما، -ثُمَّ ذَكَرَ منهما -ونِساءٌ كاسِياتٌ عارِياتٌ مُمِيلاتٌ مائِلاتٌ، رُؤُوسُهُنَّ كَأَسْنِمَةِ البُخْتِ المائِلَةِ، لا يَدْخُلْنَ الجَنَّةَ، ولا يَجِدْنَ رِيحَها، وإنَّ رِيحَها لَيُوجَدُ مِن مَسِيرَةِ كَذا وكَذا"(رواه مسلم)؛ قال العُلَماءُ في مَعَناهُ: (كاسِياتٌ)؛ أَي قَدْ لَبِسْنَ كِساءً. (عَارِياتٌ) لِكَونِ الكِسَاءِ غَيْرُ سَاتِر؛ فَهُنَّ في الصُّورَةِ كاسِياتٌ، وهُنَّ في الحَقِيْقَةِ عَارِيات.

قال ابنُ بازٍ -رحمه الله- في مَعَنَى (كاسِياتٍ عارِياتٍ، مَائِلاتٍ مُمِيْلات): "هُنَّ اللاتِيْ يَلْبَسْنَ لِبَاسًا لا يَسْتُرُهُنَّ، إِمَّا لِقِصَرِهِ، وإِمَّا لِرِقَّتِهِ، وإِمَّا لِضِيْقِه حَتَّى تَبْدُوْ أَحْجَامُ عَوْرَتِهنَّ، هَذِهِ كَاسِيَةُ بالاسْمِ عَارِيَةُ فِي الحَقِيْقَةِ. و(مَائِلاتٌ مُمِيْلاتٌ) مائِلاتٌ عَنِ العِفَّةِ، مَائِلاتٌ عَنْ الاسْتِقَامَة، مُمِيْلاتٌ لِغَيْرِهِنَّ، مُمِيْلاتٌ لِلنِّسَاءِ الأُخْرَيَاتِ، يَدْعُنَّ إِلى الفَسَادِ، وَيُعَلِّمْنَ النِّسَاءَ الفَسَادَ، وَيُشَجِّعْنَ عَلَى الفَسَادِ" ا.هـ رحمه الله

 

تَسْتَهِيْنُ الأُمُّ بِلِبَاسِ صَغِيْراتِها، فَيَكْبُرْنَ ويُكْبُرُ مَعَهُنَّ ضَعْفُ الحَياءِ، مُتَشَبِثَاتِ بِما اعتَدْنَ عَلَيْهِ مِنْ لِباسٍ نَشأَنَ عليهِ في الصِّغَر، ثُمّ أَصْبَحنَ مُمِيلاتٍ لِغَيْرِهِنَّ بالقُدوةِ السَّيئةِ في مَجامِعِ النِّساء؛ فَوَيْلٌ لَهُن ولِمَنْ عَلى سُوءِ اللِّباسِ أَنْشَأَهُنّ؛ عَنْ جَرِيرِ بْنِ عَبْدِ اللَّهِ -رضي الله عنه- قال: قَالَ رَسُولُ اللَّهِ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ-: "وَمَنْ سَنَّ فِي الْإِسْلَامِ سُنَّةً سَيِّئَةً فَعُمِلَ بِهَا بَعْدَهُ كُتِبَ عَلَيْهِ مِثْلُ وِزْرِ مَنْ عَمِلَ بِهَا، وَلَا يَنْقُصُ مِنْ أَوْزَارِهِمْ شَيْءٌ"(رواه مسلم).

 

رَبَّنا هبْ لَنا من أَزْواجِنا وذريَّاتِنا قُرةَ أَعين.

 

المرفقات

تحصين الأسرة من المنكرات.doc

تحصين الأسرة من المنكرات.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات