عناصر الخطبة
1/أهمية لباس التقوى وفضلها 2/ظاهرة لبس الرجال لخواتم وأسورة الذهب وخدش ذلك للرجولة 3/بعض الأدلة على تحريم لبس الذهب على الرجال وكيفية التخلص من ذلك 4/تنبيه الزوج على فظاعة لبس خاتم الذهب المكتوب عليه اسم زوجته والعكس 5/تحذير المسلمين من تقليد عادات الكفار 6/تميز المسلمين وبعض صفاتهماقتباس
إن من الناس من خلعوا لباس التقوى في لباس ما حرم الله عليهم من الزينة كأنهم شاركوا الرب -سبحانه- في التحليل والتحريم، فأحلوا لأنفسهم ما حرم الله عليهم، أو نابذوا الله -تعالى- في المعصية، فـ...
الخطبة الأولى:
الحمد لله الولي الحميد الواسع المجيد، حكم عباده كونا وشرعا بما يريد، فقضى لهم ما تقتضيه حكمته، وشرع لهم ما فيه مصلحتهم رحمة بهم، وهو أرحم الراحمين.
وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له الملك الحق المبين، وأشهد أن محمدا عبده ورسوله أفضل الخلق أجمعين أعلم الخلق بالله، وأتقاهم لله، وأنصحهم لعباد الله: (عَزِيزٌ عَلَيْهِ مَا عَنِتُّمْ حَرِيصٌ عَلَيْكُم بِالْمُؤْمِنِينَ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ)[التوبة: 128].
صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، وسلم تسليما.
أما بعد:
أيها المسلمون: اتقو الله -تعالى-، وتدرعوا بلباس التقوى، فلباس التقوى ذلك خير.
لباس التقوى لباس يقيكم من النار، ويكون سببا لرزقكم، وتيسير أموركم في هذه الدار.
إن لباس التقوى ما يقي به المرء محارم الله -تعالى-، ويستعين به على طاعته لتكون له العاقبة الحميدة في الدنيا والآخرة: (الْعَاقِبَةَ لِلْمُتَّقِينَ)[هود:49].
وإن من الناس من خلعوا لباس التقوى في لباس ما حرم الله عليهم من الزينة كأنهم شاركوا الرب -سبحانه- في التحليل والتحريم، فأحلوا لأنفسهم ما حرم الله عليهم، أو نابذوا الله -تعالى- في المعصية، فاجترؤوا على معصية الله غير مبالين بذلك.
لقد لبس قوم الذهب، لبسوه في أيديهم خواتيم وأسورة، ولبسوه في أعناقهم قلائد وسلاسل ولبسوه في صدورهم أزارير ومرصعات.
سبحان الله! رجال يتحلون بالذهب لينزلوا عن كمالهم الذي وهبهم الله إياه إلى نقص النساء: (أَوَمَن يُنَشَّأُ فِي الْحِلْيَةِ وَهُوَ فِي الْخِصَامِ غَيْرُ مُبِينٍ)[الزخرف: 18].
نزلوا بأنفسهم ليشاركوا النساء فيما خصهن الله به من الزينة تلك الزينة التي خصت بها المرأة لتتجمل بها لزوجها، فيرغب فيها، ولتجبر بها ما كان فيها من نقص.
إن مقتضى الرجولة: أن يكون الرجل كاملا برجولته يتطلب ما به كمال رجولته من شهامة وكرم ونظر في شؤون دينه ودنياه، وليس بحاجة أن ينزل بنفسه إلى مستوى النساء، وتتبع مثل هذه السفاسف التي تبعده عما هيئ له من الشئون العظيمة المثمرة في حياته الخاصة وحياة مجتمعه.
أيها المسلمون: لقد حرم رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لباس الذهب على ذكور أمته، فروى الإمام أحمد وأصحاب السنن عن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- أخذ حريرا وذهبا، فقال: "هذان حرام على ذكور أمتي حل لإناثهم"[أبو داود (4057) ابن ماجة (3595)].
قف، وتأمل قوله صلى الله عليه وسلم على ذكور أمتي، فإن هذه الإضافة تقتضي تأكيدا على المسلم في التزامه بهذا الحكم، وتجنبه لما حرمه رسوله إذا كان من أمته.
وفي صحيح مسلم عن ابن عباس -رضي الله عنهما-: أن النبي -صلى الله عليه وسلم- رأى خاتما من ذهب في يد رجل، فنزعه، وطرحه، وقال: "يعمد أحدكم على جمرة من نار، فيجعلها في يده" فقيل للرجل بعدما ذهب رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: خذ خاتمك انتفع به، فقال: لا والله لا أخذه، وقد طرحه رسول الله -صلى الله عليه وسلم-"[مسلم (2090)].
وفي سنن النسائي عن أبي سعيد -رضي الله عنه-: أن رجلا قدم من نجران على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وعليه خاتم من ذهب، فأعرض عنه رسول الله -صلى الله عليه وسلم- وقال: "إنك جئتني وفي يدك جمرة من نار"[النسائي (5188) أحمد (3/15)].
وروى الإمام أحمد من حديث عبد الله بن عمرو -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من مات من أمتي وهو يتحلى بالذهب حرم الله لباسه في الجنة"[أحمد (2/209)].
فهل بعد هذه الأدلة الواضحة خيار للرجل في لباس الذهب والتحلي به.
مرة يصرح النبي -صلى الله عليه وسلم- بأنه حرام، ومرة يصرح بأنه جمرة من نار يجعلها الإنسان في يده، ومرة يقول: "من مات وهو يتحلى به حرم الله عليه لباسه في الجنة".
أفبعد هذا يختار مؤمن أن يلبس ذهبا؟
(وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ وَلَا مُؤْمِنَةٍ إِذَا قَضَى اللَّهُ وَرَسُولُهُ أَمْرًا أَن يَكُونَ لَهُمُ الْخِيَرَةُ مِنْ أَمْرِهِمْ وَمَن يَعْصِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ ضَلَّ ضَلَالًا مُّبِينًا)[الأحزاب: 36].
فاتق الله -أيها المؤمن-: وتجنب ما حرم الله عليك، وتب إلى ربك قبل موتك، فتصدق بما تلبسه من ذهب على أهلك، أو غيرهم من قراباتك، والذي أرى أن نتصدق به على غير أهلك، حتى يبعد عنك، فلا تسول لك نفسك فيما بعد أن ترجع إليه لكونك تشاهده عليهم.
وإن أفظع من ذلك: أن يلبس الرجل خاتما يكتب عليه اسم زوجته، وتلبس زوجته خاتما يكتب عليه اسم زوجها عمل لا أصل له عند المسلمين، وإنما أصله من النصارى حين يضع الرجل للتزوج الخاتم على رأس إبهام الزوجة في اليد اليسرى، ويقول: باسم الأب، ثم ينقله في السبابة، ويقول: باسم الابن، ثم ينقله في الوسطى، ويقول: باسم روح القدس، وهذا إله النصارى؛ لأنهم يقولون إن الله ثالث ثلاثة، ثم ينقله إلى البنصر، قائلا: آمين، فيستقر في البنصر التي بين الوسطى والخنصر، فكيف يسوغ للمؤمن أن يتلقى عادة كان أصلها من النصارى؟
وينقلها إلى المسلمين، وهم مأمورون بمجانبتهم، والبعد عنهم حتى قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "من تشبه بقوم فهو منهم"[أبو داود (4031)].
قال شيخ الإسلام ابن تيمية: "أقل أحوال هذا الحديث التحريم، وإن كان ظاهره يقتضي كفر المتشبه بهم. فهذه العادة السيئة هي سيئة في نفسها، فإن اقترن بها عقيدة فاسدة ازدادت سواء قد يقترن بها اعتقاد أنها صلة ورابطة بين الزوج وزوجته، وليس في كتاب الله ولا سنة رسوله أن ذلك سبب يوجب المحبة والصلة، وليس في معلومنا أنها سبب طبيعي للصلة والمحبة، فإذا انتفى السببان الشرعي والطبيعي لم يبق لجعلها سببا سوى الوهم والخيال الذي لا ينبغي للعاقل فضلا عن المؤمن أن يبني تصرفه، وعمله عليهما، وكم من شخص لبس اسم زوجته ولبست اسمه، وانفصمت عرى المحبة والصلة بينهما، وكم من أشخاص لا يعرفون هذه العادات، أو عرفوها، وحكموا عقولهم، فلم يفعلوها، وكانت المحبة والصلة بينهم وبين زوجاتهم على أعلى ما يكون.
فاتقوا الله -عباد الله-: وترسموا هدي رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، وهدي أصحابه، فإن هديهم خير هدي، وطريقتهم أكمل طريقة، وإياكم وهذه التقاليد العمى التي لا خير فيها فليس كل جديد مقبولا ولا كل قديم مرفوضا وإنما العدل قبول الحق كيفما كان.
وبعد؛ فإننا لنأسف كل الأسف أن يأخذ أقوام من هذه الأمة المسلمة بكل ما ورد عليهم من عادات وتقاليد وشعارات من غير أن يتأنوا فيها، وينظروا إليها بنظر الشرع والعقل ينظروا فيها هل تخالف شريعة الله أم لا؟
إذا كانت تخالف شريعة الله رفضوها، واجتنبوها كما يرفض الجسم السليم جرثومة المرض، ثم نصحوا من كان متلبسا من إخوانهم المسلمين الذين وردوا بها، ونقلوها إلى مجتمعاتهم بدون تأمل أو نظر.
فهذه حقيقة المؤمن: أن يكون قوي الشخصية، نافذ العزيمة، بصير التكفير، صالحا مصلحا، وإذا كانت هذه العادات والتقاليد والشعارات الواردة إلينا لا تخالف الشريعة، فلينظر إليها بنظر العقل.
فلننظر ما نتيجتها في الحاضر أو المستقبل القريب أو البعيد، فإنها قد لا يكون له تأثير ملموس في الحاضر لكن لها تأثير مرتقب في المستقبل، ومتى سرنا بهذا الاتجاه، وعلى هذا الخط، فمعنى ذلك أننا نسير على بصيرة وفي اتجاه سليم موفق -بإذن الله-.
أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولكافة المسلمين من كل ذنب، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم