عناصر الخطبة
1/التأمل في نزول الأمطار وربيع الأرض 2/دلائل القدرة الربانية في الربيع والخضرة 3/التأمل في بديع خلق الله تعالى 4/اغتنام شهر شعبان 5/من الأعمال الصالحة في شهر شعبان.اقتباس
ترَى ربيعًا يَتَبسَّمُ، يكادُ من الحُسنِ أن يتكلمَ، وبقعةَ زهورٍ تتبلَّجَ عن وجهٍ بَهِجٍ، وروضٍ أرِجٍ. لكنَّ السؤالَ المهمَّ: ماذا أثرتْ تلكَ المناظرُ الخلابةُ في قلبِك، وماذا زادتْ من إيمانك؟ فلا يكنْ حظُّك منها المتعةَ والتصويرَ والنشرَ والوصفَ المجردَ من الاعتبارِ...
الخُطْبَة الأُولَى:
الحمدُ للهِ ربِّنا، تَعاظَمَ ملكوتُه فاقتدرَ، وتعالَى جَبَروتُه فقَهَرَ، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن نبيَنا محمداً عبدُه ورسولُه صلى اللُّه وسلمَ عليهِ تسليمًا كثيرًا.
أما بعدُ: تأملْ أخي: كمْ مرةً خرجتَ للنزهةِ هذا الموسمَ، فرأيتَ رياضًا نضِرةً، وروائحَ عطرةً، و(حَدَائِقَ ذَاتَ بَهْجَةٍ مَا كَانَ لَكُمْ أَنْ تُنْبِتُوا شَجَرَهَا)[النمل60]
من فاقِعٍ في ناصعٍ في قانِئٍ *** في ناضِرٍ صَبّاغُها الخلّاقُ
حتى تَراها في جَنَباتِ أيِّ طريقٍ، وكلِّ أرضٍ فضاءٍ، بل انظرْ أمامَ بيتِك وفي حوافِّ الأسفلتِ ترَى ربيعًا يَتَبسَّمُ، يكادُ من الحُسنِ أن يتكلمَ، وبقعةَ زهورٍ تتبلَّجَ عن وجهٍ بَهِجٍ، وروضٍ أرِجٍ.
لكنَّ السؤالَ المهمَّ: ماذا أثرتْ تلكَ المناظرُ الخلابةُ في قلبِك، وماذا زادتْ من إيمانك؟
فلا يكنْ حظُّك منها المتعةَ والتصويرَ والنشرَ والوصفَ المجردَ من الاعتبارِ، بدءًا بنزولِ الأمطارِ وحتى تَفَتُحِ الأزهارِ: (أَلَمْ تَرَ أَنَّ اللَّهَ أَنْزَلَ مِنَ السَّمَاءِ مَاءً فَتُصْبِحُ الْأَرْضُ مُخْضَرَّةً)[الحج63].
أبدَتْ لنا الأمطارُ فيه بدائعاً *** شهدَتْ بحكمةِ مُنزِلِ الأمطارِ
تلك الطبيعةُ قفْ بنا يا سارِي *** حتى أُريْك بديعَ صُنعِ الباري
فإنْ قلت: كيفَ أتفكرُ في هذا الربيعِ الذي كأنه عروسٌ تبدَّتْ لخُطّابها، في مصبَّغاتِ ثيابِها؟! فيُقالُ: اقرأ القرآنَ لتعرفَ مرادَ ربِّكَ من إبداعِه في خلقِها.
فربُّنا لما قالَ: (وَتَرَى الْأَرْضَ هَامِدَةً فَإِذَا أَنْزَلْنَا عَلَيْهَا الْمَاءَ اهْتَزَّتْ وَرَبَتْ وَأَنْبَتَتْ مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ)؛ ذكرَ بعدَها خمسَ فوائدَ نَجنِيها من هذا التفكُّرِ، فاسمعِ الخمسَ: (ذَلِكَ بِأَنَّ اللَّهَ هُوَ الْحَقُّ وَأَنَّهُ يُحْيِ الْمَوْتَى وَأَنَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ * وَأَنَّ السَّاعَةَ آتِيَةٌ لَا رَيْبَ فِيهَا وَأَنَّ اللَّهَ يَبْعَثُ مَنْ فِي الْقُبُورِ)[الحج: 6، 7].
فهذه الجناتُ لا بدَّ أن تُوقِظَ قلبَكَ، وتُرطِّبَ لسانَكَ، فتُبصِرَ وتَتذكرَ: (وَأَنْبَتْنَا فِيهَا مِنْ كُلِّ زَوْجٍ بَهِيجٍ * تَبْصِرَةً وَذِكْرَى لِكُلِّ عَبْدٍ مُنِيبٍ)[ق: 7 - 11]، وحينَها قلْ: (سُبْحَانَ الَّذِي خَلَقَ الْأَزْوَاجَ كُلَّهَا مِمَّا تُنْبِتُ الْأَرْضُ)[يس: 36].
وإذا تنزهتَ فـ:
تَأَمَّلْ فِي نَبَاتِ الْأَرْضِ وَانْظُرْ *** إِلَى آثَارِ مَا فَعَلَ الْمَلِيكُ
عُيُونٌ مِنْ لُجَيْنٍ فَاخِرَاتٌ *** بِأَحْدَاقٍ هِيَ الذَّهَبُ السَّبِيكُ
عَلَى قَصَبِ الزَّبَرْجَدِ شَاهِدَاتٌ *** بِأَنَّ اللَّهَ لَيْسَ لَهُ شَرِيكُ
وهذهِ الأرضُ باركَ لنا ربُّنا فيها، تحفظُ لنا الماءَ في جوفِها، وتُخرِجُ مرعًى للبهائمِ على ظهرِها، سواءٌ كانَ أخضرَ، أم غثاءً أصفرَ: (أَخْرَجَ مِنْهَا مَاءَهَا وَمَرْعَاهَا)[النازعات: 31]، (وَالَّذِي أَخْرَجَ الْمَرْعَى * فَجَعَلَهُ غُثَاءً أَحْوَى)[الأعلى4، 5].
وإذا رأيتَ بُقعَتينِ متجاوِرتينِ؛ إحداهما مُرْبِعةٌ والأخرَى مُمْحِلَةٌ؛ فتذكَّرْ قولَ ربِك: (وَالْبَلَدُ الطَّيِّبُ يَخْرُجُ نَبَاتُهُ بِإِذْنِ رَبِّهِ وَالَّذِي خَبُثَ لَا يَخْرُجُ إِلَّا نَكِدًا كَذَلِكَ نُصَرِّفُ الْآيَاتِ لِقَوْمٍ يَشْكُرُونَ)[الأعراف: 58].
وإذا رأيتَ سرعةَ اضمحلالِ الربيعِ، وتحوُّلَ نضرتِهِ وخُضرتهِ؛ فاذكرْ قولَ مَولاكَ ومُولِيكَ: (وَاضْرِبْ لَهُمْ مَثَلَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ فَأَصْبَحَ هَشِيمًا تَذْرُوهُ الرِّيَاحُ وَكَانَ اللَّهُ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ مُقْتَدِرًا)[الكهف:45].
وإذا رأيتَ جِنانَ الفِياضِ والرياضِ؛ وزهرَها بهّاجًا، فتذكَّرْ أن بدايتَه من غيومٍ ماؤُها كانَ ثجاجًا: (وَأَنْزَلْنَا مِنَ الْمُعْصِرَاتِ مَاءً ثَجَّاجًا * لِنُخْرِجَ بِهِ حَبًّا وَنَبَاتًا * وَجَنَّاتٍ أَلْفَافًا)[النبأ: 14 -16].
وإذا راقتْكَ روضةٌ ثم انتقلْتَ بين تلكَ الروضاتِ فتذكرْ روضةً لا كالروضاتِ: (وَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ فِي رَوْضَاتِ الْجَنَّاتِ لَهُمْ مَا يَشَاءُونَ عِنْدَ رَبِّهِمْ ذَلِكَ هُوَ الْفَضْلُ الْكَبِيرُ)[الشورى: 22].
الخطبة الثانية:
الحمدُ للهِ على لُطفهِ الخفيِّ، والصلاةُ والسلامُ على النبيِّ الحفِيِّ، أما بعدُ:
ألا إننا في شهرٍ يَغْفَلُ الناسُ عنهُ، كما قالَ الصادقُ المصدوقُ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- ألا وهو شهرُ شعبانَ، والعبادةُ زمنَ غفلةِ الناسِ أعظمُ أجرًا.
وها قدْ مضَى ثلثُ الشهرِ، والثلثُ كثيرٌ، فلنتدارَكْ موسمَ الخيراتِ، ولنبتَدِرْ الدقائقَ قبلَ الساعاتِ، ولنتدربْ قبل أن نَقتربَ ونترقبَ إطلالةَ رمضانَ: (أَمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ نَجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ)[الجاثية: 21].
أمَّا نبيُّك -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- فقدْ كانَ يصومُ أكثرَه، وكانَ التابعونَ الأولونَ يُسمُّونهُ شهرَ القُرّاء؛ لكثرةِ الختَماتِ.
أما حديثُ: "إِذَا انْتَصَفَ شَعْبَانُ فَلاَ تَصُومُوا"؛ فهو حديثٌ ضعيفٌ، أنكرَهُ الإمامُ أحمدُ وابنُ مَهديٍ، وأبو زُرعةَ والأثرمُ وابنُ رجبٍ.
ومَن كانَ عليهِ قضاءٌ فليُسارِعْ في قضائهِ قبلَ أن يَدخُلَ عليهِ رمضانُ، أو يفجأَهُ المرضُ أو الموتُ وقد فرط.
فاللهم ارحمْنا ومَن رحلَ عنا، وأحيِنا حياةً تُكسِبُ عملاً صالحًا يُرضِيكَ عنا. اللهم اجعلْنا بالصالحاتِ مِن المُضْعِفينَ، وبالحسناتِ مِن المُقَنْطِرِينَ.
اللهم لكَ الحمدُ كالذي تقولُ، وخيرًا مما نقولُ. اللهم إنا عاجزونَ عن شُكرِكَ، فنُحيلُ إلى عِلمِكَ وفضلِكَ. اللَّهُمَّ صُبَّ عَليْنا الخَيْر صَبَّا صَبَّا، ولا تَجْعَل عَيْشَنَا كَدَّا كَدَّا. اللَّهُمَّ لا تَحْرِمْنَا خَيْرَ ما عِنْدَكَ بِشَرِّ ما عِنْدَنَا.
اللهم أصلحْ أحوالَ المسلمينَ في كلِ مكانٍ, واهدِ ضالَهم, واكْسُ عاريَهم, واحملْ حافيَهم, وأطعمْ جائَعهم. اللهم آمِنَّا في أوطانِنا ودُورنِا، وأصلحْ أئمتَنا وولاةَ أمورنِا، وافرجْ لهم في المضائقِ, واكشفْ لهم وجوهَ الحقائقِ.
اللهم إنا نحمدُك ونستغفرُك، ونسألُك. نحمدُك على خيراتِ عامنا العميمةِ العظيمةِ. ونستغفرُك مما اقترفْنا واجترَحْنا، ونسألُك بفضلكَ أن ترسلَ السماءَ علينا مدرارًا.
اللهم صلِّ وسلِّمْ على عبدِكَ ورسولِكَ محمدٍ.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم