تأملات في اسم الله "الحليم"

فيصل بن جميل غزاوي

2024-12-13 - 1446/06/11 2024-12-14 - 1446/06/12
التصنيفات: التوحيد
عناصر الخطبة
1/من معاني اسم الله "الحليم" 2/لله القدرة المطلقة مع الحلم العظيم 3/التحذير من الجرأة على الله لعظيم حلمه 4/حلم الله تعالى يستوجب محبة العبد له

اقتباس

فَلْنَتُبْ -عبادَ اللهِ- إلى ربنا، ولنحذر موجباتِ سخَطِه علينا؛ لأنَّه الحليم، إذا غضب لم يقف لغضبه شيءٌ، ولا يغضب إلا على مَنْ لا يستحق الرحمةَ، ولا يَصلُح في حقِّه الحلمُ، وذلك بعد أن يعطي المهلةَ...

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ لله ربِّ العالَمِينَ، وفَّق مَنْ شاء لطاعته، فكان سعيُه مشكورًا، ثم أجزل لهم العطاء والمثوبة، فكان جزاؤهم موفورا، أحمده -سبحانه- وأشكره، وأتوب إليه وأستغفره، إنه كان حليمًا غفورًا، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ محمدًا عبدُه ورسولُه، صلى الله عليه، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعدُ: فاتقوا الله -عباد الله- حقَّ تقاته، وعظِّموه حقَّ تعظيمه، واقدروه قدرَه، واخضعوا لأمره، وانقادوا لشرعه، ولا تغترُّوا بحِلمه، وانظروا ماذا ادخرتُم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم معادكم، وعرضكم على ربكم؛ (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ)[الْحَشْرِ: 18].

 

أيها المسلمون: إنَّ من أسماء الله الحسنى الحليم، وقد وصف -تبارك وتعالى- نفسه بالحِلْم فقال: (وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ)[الْبَقَرَةِ: 235]، وَقَالَ -سُبْحَانَهُ-: (وَاللَّهُ غَنِيٌّ حَلِيمٌ)[الْبَقَرَةِ: 263]، وهي صفةُ كمالٍ، تقوم على الحكمة والعِلْم والصبر، والحليم -سبحانه- هو الصبور ذو الصفح والأناة، الذي لا يستخفه جهلُ الجاهلينَ، ولا عصيانُ العاصينَ، وهو يشاهد جحود الكفار، وفجور الأشرار، وكيد الفجار، ولكنه لا يعجل بالعذاب، ولا يسارع في الانتقام، مع كمال قدرته وقوته وجبروته، فيؤخر وينذر، ويؤجل ولا يعجل، ويستر ويغفر، وهو الحليم الذي يدر على خلقه النعم الظاهرة والباطنة، مع معاصيهم وكثرة ذلاتهم، وحلمه ليس عن عجز أو ضعف، حاشاه -سبحانه-، بل يحلم عن مقابلة العاصين بعصيانهم، ويستعتبهم كي يتوبوا، ويمهلهم كي ينيبوا، وليقيم الحجة عليهم، بأنهم لم يصلحوا قلوبهم وأعمالهم، بعد حلمه عليهم، ولو أنَّه -تعالى- عاجل العصاة بالعقوبة لما بقي أحد على وجه الأرض، قال -تعالى-: (وَلَوْ يُؤَاخِذُ اللَّهُ النَّاسَ بِظُلْمِهِمْ مَا تَرَكَ عَلَيْهَا مِنْ دَابَّةٍ وَلَكِنْ يُؤَخِّرُهُمْ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَإِذَا جَاءَ أَجَلُهُمْ لَا يَسْتَأْخِرُونَ سَاعَةً وَلَا يَسْتَقْدِمُونَ)[النَّحْلِ: 61]، وقال -عز وجل-: (وَرَبُّكَ الْغَفُورُ ذُو الرَّحْمَةِ لَوْ يُؤَاخِذُهُمْ بِمَا كَسَبُوا لَعَجَّلَ لَهُمُ الْعَذَابَ بَلْ لَهُمْ مَوْعِدٌ لَنْ يَجِدُوا مِنْ دُونِهِ مَوْئِلًا)[الْكَهْفِ: 58]، وعن أبي موسى -رضي الله عنه- قال: "قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: إن الله ليملي للظالم حتى إذا أخذه لم يفلته، قال ثُمَّ قَرَأَ: (وَكَذَلِكَ أَخْذُ رَبِّكَ إِذَا أَخَذَ الْقُرَى وَهِيَ ظَالِمَةٌ إِنَّ أَخْذَهُ أَلِيمٌ شَدِيدٌ)[هُودٍ: 102]".

 

عبادَ اللهِ: إن الله -عز وجل- لا يغيب عنه من أمرنا شيء؛ فهو -سبحانه- مطلع على أعمالنا، في كل وقت وحين، وعالِم بجميع أحوالنا في كل ساعة وفي كل نفس، وكل طرفة عين، قال -تعالى-: (وَمَا تَكُونُ في شَأْنٍ وَمَا تَتْلُو مِنْهُ مِنْ قُرْآنٍ وَلَا تَعْمَلُونَ مِنْ عَمَلٍ إِلَّا كُنَّا عَلَيْكُمْ شُهُودًا إِذْ تُفِيضُونَ فِيهِ وَمَا يَعْزُبُ عَنْ رَبِّكَ مِنْ مِثْقَالِ ذَرَّةٍ في الْأَرْضِ وَلَا في السَّمَاءِ وَلَا أَصْغَرَ مِنْ ذَلِكَ وَلَا أَكْبَرَ إِلَّا في كِتَابٍ مُبِينٍ)[يُونُسَ: 61].

 

وفي هذا تذكرة لكل من استحوذ عليه الشيطان، وسوَّلَتْ له نفسه العِصِيّ، أن الله -جل وعلا- كان معه حين عمل السيئات، وكان معه عندما فرَّط في جنب الله وارتكب الموبقاتِ، وهو -سبحانه- لو أراد أَخْذَهُ في وقته أَخَذَهُ، ولم يُمهله حتى يوافي أجلَه، كان يقدر أن يأخذه وهو يخالف الحقَّ ويتبع غيرَ سبيل المؤمنينَ، وهو يتهاون في أداء الصلاة وبحقها يستهين، وهو يُطلِق بصرَه في الحرام، ولا يصون سمعَه عن استماع اللهو والباطل وكل ما يشين، وهو يجلس مجالس أصحاب السوء ويخوض مع الخائضين، وهو يتعاظم في نفسه ويتفاخر على غيره، ويحقر الضعفاء والمساكين، وهو يشهد الزور ويفتري الكذب ويسلك طريق البغاة المعتدين، وهو يأكل أموال الناس بغير حق ويجحد الحقوق، ويسعى في الأذى والضرر بالآخَرين، وهو يتطاول على والديه ويجحد حقهما، غير مبال بجرمه وتوعُّد العاقِّين، وهو يرتكب قبيح الفعَّال، وما يوجب الإثم والنكال، فلم تعجل عقوبته وهو على هذا الحال، بل أملى له شديد المحال؛ لذا ينبغي لمن كان هذا حاله أن يستيقظ من غفلته، ويفيق من سكرته، وأن يستشعر فضل ربه عليه وعظيم منته، وكأن لسان حاله يقول: ما أحلم الله عني حيث أمهلني وقد تماديت في ذنبي ويسترني.

 

عبادَ اللهِ: إن ربنا هو الحليم، له الحلم الكامل، وسع حلمه أهل الكفر والفسوق والعصيان، قال -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يُمْسِكُ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ أَنْ تَزُولَا وَلَئِنْ زَالَتَا إِنْ أَمْسَكَهُمَا مِنْ أَحَدٍ مِنْ بَعْدِهِ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)[فَاطِرٍ: 41]، قال السعدي -رحمه الله-: "يُخبِر -تعالى- عن كمال قدرته وتمام رحمته، وسعة حِلمِه ومغفرته، وأنَّه -تعالى- يمسك السماوات والأرض عن الزوال؛ فإنهما لو زالتا ما أمسكهما أحد من الخلق، ولعجزت قدرتهم وقواهم عنهما، ولكنه -تعالى- قضى أن يكونا كما وجدا؛ ليحصل للخلق القرار والنفع والاعتبار، وليعلموا من عظيم سلطانه وقوة قدرته ما به تمتلئ قلوبهم له إجلالًا وتعظيمًا، ومحبة وتكريمًا، وليعلموا كمال حلمه ومغفرته، بإمهال المذنبين، وعدم معاجلَته للعاصين، مع أنَّه لو أمَر السماءَ لحصبَتْهم، ولو أَذِنَ للأرض لابتلعتُهم، ولكِنْ وسعَتْهم مغفرتُه، وحِلمُه، وكرمُه؛ (إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)[الْإِسْرَاءِ: 44]".

 

عبادَ اللهِ: ولما عظم جرم الكفرة المكذبينَ بالمعاد، الجاحدينَ البعث بعد الممات، المستهزئينَ بالرسول -صلى الله عليه وسلم- لَمَّا جاءهم بالأخبار الصادقة، هددهم -سبحانه- بسوء العاقبة، فقال: (إِنْ نَشَأْ نَخْسِفْ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ نُسْقِطْ عَلَيْهِمْ كِسَفًا مِنَ السَّمَاءِ)[سَبَأٍ: 9]؛ أي: لو شئنا لفعلنا بهم ذلك لظلمهم وقدرتنا عليهم، ولكن نؤخر ذلك لحلمنا وعفونا، وقال -تعالى-: (أَفَأَمِنَ الَّذِينَ مَكَرُوا السَّيِّئَاتِ أَنْ يَخْسِفَ اللَّهُ بِهِمُ الْأَرْضَ أَوْ يَأْتِيَهُمُ الْعَذَابُ مِنْ حَيْثُ لَا يَشْعُرُونَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ في تَقَلُّبِهِمْ فَمَا هُمْ بِمُعْجِزِينَ * أَوْ يَأْخُذَهُمْ عَلَى تَخَوُّفٍ فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)[النَّحْلِ: 45-47]، قال ابن كثير -رحمه الله-: "يُخبِر -تعالى- عن حلمه وإمهاله وإنظاره العصاة، الذين يعملون السيئات، ويدعون إليها، ويمكرون بالناس في دعائهم إياهم، وحملهم عليها، مع قدرته على أن يخسف الله بهم الأرض، أو يأتيهم العذاب من حيث لا يشعرون؛ أي: من حيث لا يعلمون مجيئه إليهم، ثم قال -تعالى-: (فَإِنَّ رَبَّكُمْ لَرَءُوفٌ رَحِيمٌ)[النَّحْلِ: 47]؛ أي: حيث لم يعاجلكم بالعقوبة.

 

مَنْ أعظمُ مِنْ ربِّنا جودًا وكرمًا؟! ومَنْ أوسعُ منه مغفرةً وحلمًا، كم من خير منه على خلقه نازل! وكم من شر إليه صاعد! يعصيه العاصون ويتجرأ عليه المتجرئون وهو شاهد غير غائب، ولأفعالهم مراقِب، يكلؤهم في مضاجعهم كأنهم لم يعصوه، ويتولَّى حفظَهم كأنهم لم يخالفوه، -سبحانه- وبحمده على حلمه بعد علمه، -سبحانه- وبحمده على عفوه بعد قدرته.

 

عبادَ اللهِ: ويتجلَّى حلمُ اللهِ في صبره -سبحانه- على خلقه؛ فعن أبي موسى الأشعري -رضي الله عنه-، عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا أحدَ أصبرَ على أذًى يسمَعُه من الله -عز وجل-؛ إنه يُشرَك به، ويُجعَل له الولدُ، ثم هو يعافيهم ويرزقهم"، وقد خاطب الله أصحاب هذه الفرية العظيمة بأشد الإنكار، فقال -سبحانه-: (وَقَالُوا اتَّخَذَ الرَّحْمَنُ وَلَدًا * لَقَدْ جِئْتُمْ شَيْئًا إِدًّا * تَكَادُ السَّمَاوَاتُ يَتَفَطَّرْنَ مِنْهُ وَتَنْشَقُّ الْأَرْضُ وَتَخِرُّ الْجِبَالُ هَدًّا * أَنْ دَعَوْا لِلرَّحْمَنِ وَلَدًا * وَمَا يَنْبَغِي لِلرَّحْمَنِ أَنْ يَتَّخِذَ وَلَدًا)[مَرْيَمَ: 88-92]؛ فالأجرام العظام هالها تلك الكلمة الشنعاء، والمقالة الخبيثة النكراء، وهي نسبتهم لله الولد، -تعالى- وتقدس وتنزه عن ذلك علوًّا كبيرًا، قال ابن العربيّ -رحمه الله-: "ولولا أن البارئ -تبارك وتعالى- لا يضعه كفر الكافر، ولا يرفعه إيمان المؤمن، ولا يزيد هذا في ملكه، كما لا ينقص ذلك من ملكه لما جرى شيء من هذا على الألسنة، ولكنه القدوس الحكيم الحليم، فلم يبال بعد ذلك بما يقول المبطلون، فما أحلم الله على من عصاه! لكن جهل العاصين قد يبلغ مداه، فالمشركون من عتوهم وعنادهم وشدة تكذيبهم استفتحوا على أنفسهم، واستعجلوا العذاب، وتقديم العقوبة، قال -سبحانه-: (وَإِذْ قَالُوا اللَّهُمَّ إِنْ كَانَ هَذَا هُوَ الْحَقَّ مِنْ عِنْدِكَ فَأَمْطِرْ عَلَيْنَا حِجَارَةً مِنَ السَّمَاءِ أَوِ ائْتِنَا بِعَذَابٍ أَلِيمٍ)[الْأَنْفَالِ: 32]، وكان الأولى لهم أن يقولوا: "اللهمَّ إن كان هذا هو الحق من عندك فاهدنا له، ووفقنا لاتباعه"، إنه الحليم -سبحانه- الذي (تُسَبِّحُ لَهُ السَّمَاوَاتُ السَّبْعُ وَالْأَرْضُ وَمَنْ فِيهِنَّ وَإِنْ مِنْ شَيْءٍ إِلَّا يُسَبِّحُ بِحَمْدِهِ وَلَكِنْ لَا تَفْقَهُونَ تَسْبِيحَهُمْ إِنَّهُ كَانَ حَلِيمًا غَفُورًا)[الْإِسْرَاءِ: 44]، قال الطبري -رحمه الله- : "إن الله كان ‌حليما ‌لا ‌يعجل ‌على ‌خَلْقه، الذين يخالفون أمرَه، ويكفرون به، ولولا ذلك لَعاجَلَ هؤلاء المشركينَ الذين يَدْعُونَ معه الآلهةَ والأندادَ بالعقوبة، وقوله: (غَفُورًا) ساترًا عليهم ذنوبهم، إذا هم تابُوا منها بالعفو منه لهم".

 

فَلْنَتُبْ -عبادَ اللهِ- إلى ربنا، ولنحذر موجباتِ سخَطِه علينا؛ لأنَّه الحليم، إذا غضب لم يقف لغضبه شيءٌ، ولا يغضب إلا على مَنْ لا يستحق الرحمةَ، ولا يَصلُح في حقِّه الحلمُ، وذلك بعد أن يعطي المهلةَ، قال -تعالى-: (فَلَمَّا آسَفُونَا انْتَقَمْنَا مِنْهُمْ فَأَغْرَقْنَاهُمْ أَجْمَعِينَ * فَجَعَلْنَاهُمْ سَلَفًا وَمَثَلًا لِلْآخِرِينَ)[الزُّخْرُفِ: 55-56].

 

فاللهم لا تجعلنا في غمرة، ولا تأخذنا في غرة، واجعلنا من المستبصِرينَ، ولا تجعلنا مع الغافلينَ.

 

أقول قولي هذا وأستغفِر اللهَ لي ولكم ولجميع المسلمين.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الحليم بعِباده، سبقت رحمته غضبه، وسبق حلمه مؤاخذته، وسبق عفوه عقوبته، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، وأشهد أنَّ سيدَنا ونبيَّنا محمدًا عبدُ اللهِ ورسولُه، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه وسلَّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعدُ: فإن الله -تعالى- يقول: (يَا أَيُّهَا الْإِنْسَانُ مَا غَرَّكَ بِرَبِّكَ الْكَرِيمِ)[الِانْفِطَارِ: 6]؛ أي شيء خدعك وجرأك على عصيانه، وجعلك تقصر في حقه، وتتهاون في أمره، وهو ربك الكريم، الذي أغدق عليك من كرمه وفضله وبره، فحذار أن تغتر عبد الله بكرم الله وإمهاله وحلمه، فإن ذلك لا يدعو المسيء إلى الاغترار بما هو عليه، بل يستوجب خشية الله والإنابة إليه، ويستدعي الجد في طاعته، وعدم الانهماك في معصيته.

 

عبادَ اللهِ: وحِلمُ اللهِ -تعالى- يستوجِب محبتَه؛ لأن الحليم محبوب، فكيف بربنا الجليل -سبحانه-، الموصوف بكمال الحِلم وتمامه، كما أن الحلم من الخصال العظيمة، التي يريد الله من عباده أن يتخلقوا بها، قال القرطبي -رحمه الله-: "فمن ‌الواجب ‌على ‌مَنْ ‌عرَف ‌أن ‌ربَّه ‌حليم ‌على ‌مَنْ ‌عصاه، أن يحلم هو على مَنْ خالَف أمرَه، فذاكَ به أَولى حتى يكون حليمًا، فينالَ مِنْ هذا الوصفِ بمقدارِ ما يَكسِر سورةَ غضبِه، ويرفعَ الانتقامَ عمَّن أساء إليه، بل يتعوَّد الصفحَ حتى يعودَ الحلمُ له سجيةً... قال -تعالى-: (وَلَمَنْ صَبَرَ وَغَفَرَ إِنَّ ذَلِكَ لَمِنْ عَزْمِ الْأُمُورِ)[الشُّورَى: 43]"، فكما تحب أن يحلم عليك ربك، فاحلم أنت على من تحت يديك؛ لأنك متعبد بالحلم مثاب عليه.

 

ألَا وصلُّوا وسلِّموا عباد الله على رسول الْهُدَى، كما أمركم ربكم -جل وعلا-: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 56]، اللهمَّ صلِّ وسلِّم وبارك على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

اللهمَّ أعزَّ الإسلامَ والمسلمينَ، وأذِلَّ الكفرَ والكافرينَ، اللهمَّ انصر المستضعَفين والمجاهدين في سبيلك، والمرابطين على الثغور، وحماة الحدود، واجعل بلدنا هذا آمِنًا رخاء وسعة، وسائرَ بلاد المسلمين.

 

اللهمَّ ادفع عَنَّا الغلاء والوباء والأدواء، والربا والزنا والزلازل، والمحن وسوء الفتن، ما ظهَر منها وما بطَن، عن بلدنا هذا خاصةً، وعن سائر بلاد المسلمين عامَّة، يا أرحم الراحمين.

 

اللهمَّ آمِنَّا في الأوطان والدُّور، وأصلِحِ الأئمةَ وولاةَ الأمور، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتبع رضاك، يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهمَّ وفِّق وليَّ أمرنا لما تحبه وترضاه، من الأقوال والأعمال، يا حي يا قيوم، وخذ بناصيته للبر والتقوى، اللهمَّ وفقه وولي عهده لهداك وتقواك، اللهمَّ إنَّا نسألك نصرًا عاجلًا، وفرجًا قريبًا، لإخواننا المسلمين، وأن تكتب لهم العزة والتمكين، اللهمَّ أنج المستضعَفين من المسلمين في فلسطين، وفي كل مكان، يا ربَّ العالمينَ، اللهمَّ اشف مرضاهم، وعاف مبتلاهم، واحقن دماءهم، وارحم موتاهم، وتقبل في الشهداء قتلاهم، اللهمَّ استر عوراتهم، وآمن روعاتهم، اللهمَّ فرج همهم، ونفس كربهم، وارحم ضعفهم، وكن لهم ولا تكن عليهم، وانصرهم على من بغى عليهم، وانتقم مِنْ عدوكَ وعدوِّهم، واشْدُدْ وطأتَكَ عليهم، واقذف الرعبَ في قلوبهم، ورُدَّ كيدَهم في نحورهم.

 

اللهمَّ إنَّا نعوذ بك أن نغتر بحلمك، فننتهك حرماتك، ونعوذ بك أن نأمن مكرك فنتجاوز حدودك، اللهمَّ صلِّ وسلِّمْ وبارِكْ على عبدك ورسولك محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

 

المرفقات

تأملات في اسم الله الحليم.doc

تأملات في اسم الله الحليم.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات