عناصر الخطبة
1/حرص الصحابة على تعلم القرآن 2/تعبد الرسول - صلى الله عليه وسلم - والصحابة بالقرآن في المرحلة المكية 3/جمع الصحابة بين تعلم القرآن والعمل به 4/قصص عجيبة في تأثير القرآن على قلوب الصحابة 5/ إسلام بعض الكفار بسبب تأثير القرآن 6/تأثير القرآن على القساوسة 7/تأثير القرآن في جيل الصحابة 8/بكاء الصحابة عند انقطاع الوحياقتباس
كان كل من يدخل الإسلام قبل الهجرة يلقن ما نزل من القرآن، فيحمل في قلبه آيات عذبة طرية، ويخرج بها فرحا كأنها الكنز الذي لا يقدر ثمنه، فيقوم يتلوها بالليل والناس نيام، يصلي بها لربه -جل وعلا-، فتجري آيات القرآن على لسانه، ويعيها قلبه، فتلتهب من معانيها مشاعره، فيزداد إيمانا بعد إيمان. لم يفرض في...
الخطبة الأولى:
إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، مَن يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له؛ وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلَّى الله عليه وعلى آله وسلم.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].
(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء: 1].
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70-71].
أما بعد:
فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.
كان حديثنا الماضي عن أثر القرآن على المشركين، وكيف تعجبوا منه، وكيف تحداهم القرآن وأعجزهم، ولكن كبرهم صدهم عن الاستجابة للحق، وهم يرونه كالشمس المشرقة، هكذا كان حال المشركين.
أما المؤمنون، فكان لهم مع القرآن شأن آخر، كان كل من يدخل الإسلام قبل الهجرة يلقن ما نزل من القرآن، فيحمل في قلبه آيات عذبة طرية، ويخرج بها فرحا كأنها الكنز الذي لا يقدر ثمنه، فيقوم يتلوها بالليل والناس نيام، يصلي بها لربه -جل وعلا-، فتجري آيات القرآن على لسانه، ويعيها قلبه، فتلتهب من معانيها مشاعره، فيزداد إيمانا بعد إيمان.
لم يفرض في المرحلة المكية من أركان الإسلام بعد الشهادتين إلا الصلاة، فكان القرآن يملأ حياة كل من أسلم، يتلوه في صلاته، وخارج صلاته، ليس له هم سوى ذلك القرآن، ثم القرآن، ثم القرآن.
وكان من أوائل ما نزل على النبي -صلى الله عليه وسلم- سورة المزمل، وكان فيها: (يَا أَيُّهَا الْمُزَّمِّلُ * قُمِ اللَّيْلَ إِلَّا قَلِيلًا * نِصْفَهُ أَوِ انْقُصْ مِنْهُ قَلِيلًا * أَوْ زِدْ عَلَيْهِ وَرَتِّلِ الْقُرْآَنَ تَرْتِيلًا)[المزمل: 1-4].
فقام النبي -صلى الله عليه وسلم- الليل يتهجد طويلا، وقام المؤمنون في بيوتهم يصلون في الليل، وكان من يمر في بيوتهم يسمع منها مثل دوي النحل من تلاوة القرآن، لقد قاموا طويلا مع نبيهم، حتى تورمت أقدامهم؛ فأنزل الله -تعالى-: (إِنَّ رَبَّكَ يَعْلَمُ أَنَّكَ تَقُومُ أَدْنَى مِن ثُلُثَيِ اللَّيْلِ وَنِصْفَهُ وَثُلُثَهُ وَطَائِفَةٌ مِّنَ الَّذِينَ مَعَكَ وَاللَّهُ يُقَدِّرُ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ عَلِمَ أَن لَّن تُحْصُوهُ فَتَابَ عَلَيْكُمْ فَاقْرَؤُوا مَا تَيَسَّرَ مِنَ الْقُرْآنِ) [المزمل: 20].
فخفف الله عنهم هذا الجهد العظيم، رحمة بهم، وكان من أثر هذا القيام الطويل أن كان بينهم وبين القرآن صلة قوية، لم تنقطع، ولم تفتر طوال حياتهم، لم تكن علاقتهم بالقرآن مجرد علاقة تلاوة وترتيل، ولا علاقة حفظ وتجويد، بل كانت علاقة أوسع وأشمل وأعمق من ذلك بكثير، لقد قرؤوا القرآن، وفهموا أنه منهج عملي، ولذلك كان ابن مسعود -رضي الله عنه- يقول: " كان الرجل منا إذا تعلم عشر آيات لم يجاوزهن حتى يعرف معانيهن، والعمل بهن".
وقال أبو عبد الرحمن السلمي التابعي: "حدثنا الذين كانوا يقرؤوننا أنهم كانوا يستقرؤون من النبي -صلى الله عليه وسلم-، وكانوا إذا تعلموا عشر آيات لم يخلفوها حتى يعملوا بما فيها من العمل، فتعلمن القرآن والعمل جميعا".
نعم، لقد عملوا بالقرآن بعد أن فهموا آياته، وحسبكم من فهمهم للقرآن وآياته أن ضحوا من أجله بالغالي والنفيس، ضحوا بأموالهم وديارهم وأرواحهم، عندما كان أولئك القوم يتلون القرآن بالليل كانوا يدركون معاني آياته تماما، كانوا يدركون تبعاتها في تلك المرحلة، والمخاطر الجسيمة التي سوف يجابهونها جراء تطبيق تلك الآيات، لكن القرآن الذي غمر قلوبهم، وأحسوا بلذته في أعماقهم، هون عليهم ذلك الكبد.
لقد كان القرآن يحدث في القلب السليم من الأثر ما يعجب منه المرء؛ جاء في الطبقات، وصفة الصفوة: "أن الطفيل بن عمرو الدوسي كان رجلا شريفا، شاعرا، مليئا، كثيرا الضيافة، -كان رجلا معروفا في قومه، رأسا فيهم-، قدم مكة ورسول الله -صلى الله عليه وسلم- بها، فمشى إليه رجال من قريش، فقالوا: يا طفيل، إنك قدمت بلادنا، وهذا الرجل الذي بين أظهرنا قد أعضل بنا، وفرق جماعتنا، وشتت أمرنا، وإنما قوله السحر، أي يقصدون القرآن، يفرق بين الرجل وبين أبيه، وبين الرجل وبين أخيه، وبين الرجل وبين زوجته، إنما نخشى عليك وعلى قومك مثلما دخل علينا، فلا تكلمه، ولا تسمع إليه.
قال الطفيل: فو الله ما زالوا بي حتى أجمعت أن لا أسمع منه شيئا، ولا أكلمه، استمروا في الكلام، والتخويف والترهيب، فغدوت إلى المسجد، وقد حشوت أذني كرسفا، يعني قطنا، خوفا أن يبلغني شيئا من قوله، فهو السحر، حتى كان يقال لي: ذو القطنتين، قال: فغدوت يوما إلى المسجد، فإذا رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قائم يصلي عند الكعبة، فكنت قريبا منه، فأبى الله إلا أن يسمعني بعض قوله، فسمعت كلاما حسنا.
فقلت في نفسي: وثكل أمي، والله إني لرجل لبيب شاعر، ما يخفى عليّ الحسن من القبيح، فما يمنعني أن أسمع من هذا الرجل ما يقول، فإن كان ما يأتي به حسنا قبلته، وإن كان قبيحا تركته، فمكثت حتى انصرف إلى بيته، ثم أتبعته، حتى إذا دخل بيته دخلت معه، فقلت: يا محمد إن قومك قالوا لي كذا وكذا، للذي قالوا لي، فو الله ما تركوني يخوفوني أمرك، حتى سددت أذني بكرسف؛ لئلا أسمع قولك، ثم إن الله أبى إلا يسمعنيه، فسمعت قولا حسنا، فاعرض علي أمرك، فعرض رسول الله -صلى الله عليه وسلم- عليه الإسلام، وتلى عليه القرآن، فقال الطفيل: لا، والله ما سمعت قولا قط أحسن من هذا، ولا أمرا أعدل منه.
فأسلمت، وشهدت شهادة الحق، في مكانه -أيها الإخوة-: فقلت: يا نبي الله، أصبح يناديه، بماذا؟ يا نبي، إني امرؤ مطاع في قومي، فهم الآيات، وعرف معانيها، فيلزمه أن يبلغ هذه الآيات إلى قومه، قال: إني امرؤ مطاع في قومي، وإني راجع إليهم، فداعيهم إلى الإسلام، فادع الله أن يكون لي عونا عليهم، فيما أدعوهم إليه، فقال: "اللهم اجعل له آية" الحديث...
أيها الإخوة: إن القرآن هو كلام الله، وكلام الله إذا نزل على النفس في هيئتها الطبيعية التي على الفطرة، أي أن صاحب تلك النفس الذي أعطاه الله الحواس والعقل والفهم والقدرة، لن يفسد نفسه، ولن يكسبها سيء الصفات، بل أبقاها على فطرتها وهذبها، فإن للقرآن في نهاية المطاف أثرا عظيما على نفسه، أين كان هذا الرجل، وسيكون له مع هذا التأثير موعد مكتوب.
في صحيح البخاري ومسند الحميدي يقول جبير بن مطعم وهو يذكر سبب هدايته -رضي الله عنه-: سمعت النبي -صلى الله عليه وسلم- يقرأ في المغرب بالطور، وأنا مشرك، فلما بلغ هذه الآية: (أَمْ خُلِقُوا مِنْ غَيْرِ شَيْءٍ أَمْ هُمُ الْخَالِقُونَ * أَمْ خَلَقُوا السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بَل لَا يُوقِنُونَ * أَمْ عِنْدَهُمْ خَزَائِنُ رَبِّكَ أَمْ هُمُ الْمُسَيْطِرُونَ) [الطور: 35- 37] يقول: "كاد قلبي أن يطير".
وكان الإمام الزاهد الفضيل بن عياض في بداية أمره شاطرا -أي لصا- يقطع الطريق، وكان يعشق جارية، فبينما هو يرتقي الجدران إليها، إذ سمع تاليا يتلوا: (أَلَمْ يَأْنِ لِلَّذِينَ آمَنُوا أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ لِذِكْرِ اللَّهِ وَمَا نَزَلَ مِنَ الْحَقِّ) [الحديد: 16] فلما سمعها، قال: بلى يا رب قد آن، فنزل من على الجدار، فآواه الليل إلى خربة، فإذا فيها سابلة، أي قوم على سفر، فقال بعضهم: نرتحل، وقال بعضهم: حتى نصبح، فإن فضيلا على الطريق يقطع علينا، قال: ففكرت، وقلت: أنا أسعى في الليل في المعاصي، وقوم من المسلمين ها هنا يخافونني، وما أرى الله ساقني إليهم إلا لأرتدع، اللهم إني تبت إليك، وجعلت توبتي مجاورة البيت الحرام" فكان هو الفضيل.
وبعدنا عن أجواء تدبر القرآن، قد نستغرب مثل هذه الأخبار، فالقرآن أمامنا نقرؤه، ولكن شيئا من هذه الأحوال لا نراها، ولا نحس بها، مع أن الله -تعالى- يقول: (اللَّهُ نَزَّلَ أَحْسَنَ الْحَدِيثِ كِتَابًا مُّتَشَابِهًا مَّثَانِيَ تَقْشَعِرُّ مِنْهُ جُلُودُ الَّذِينَ يَخْشَوْنَ رَبَّهُمْ ثُمَّ تَلِينُ جُلُودُهُمْ وَقُلُوبُهُمْ إِلَى ذِكْرِ اللَّهِ ذَلِكَ هُدَى اللَّهِ يَهْدِي بِهِ مَنْ يَشَاء وَمَن يُضْلِلْ اللَّهُ فَمَا لَهُ مِنْ هَادٍ) [الزمر: 23].
يقول الإمام بن القيم في معرض كلامه عن قسوة القلب ولينه: "إن بعض النفوس خيرة نورانية شريفة مائلة إلى الإلهيات، وبعضها كدرة خسيسة، مائلة إلى الجسمانيات، أي الشهوات الحسية، وهذا التفاوت أمر حاصل في جواهر النفوس البشرية، والمراد بشرح الصدر، أي في قوله تعالى: (أَفَمَن شَرَحَ اللَّهُ صَدْرَهُ لِلْإِسْلَامِ) [الزمر: 22].
ذلك هو الاستعداد الشديد الموجود في فطرة النفس، وإذا كان ذلك الاستعداد الشديد حاصلا فإنه يكفى خروج تلك الحالة من القوة إلى الفعل بأدنى سبب، مثل الكبريت الذي يشتعل بأدنى نار، مجرد ما يسمع الآيات سوف يتأثر قلبه، ويقبل على الحق.
بل حتى القساوسة ممن سلمت قلوبهم من الكبر والعناد، وكان فيها ذلك الاستعداد لقبول الحق، فالنجاشي وبعض ممن معه من القساوسة تأثروا بالقرآن أول ما سمعوه أيما تأثر؛ حتى ذكر القرآن هذا التأثر، وشهد الله لهم بذلك، في قوله تعالى: (وَإِذَا سَمِعُواْ مَا أُنزِلَ إِلَى الرَّسُولِ تَرَى أَعْيُنَهُمْ تَفِيضُ مِنَ الدَّمْعِ مِمَّا عَرَفُواْ مِنَ الْحَقِّ يَقُولُونَ رَبَّنَا آمَنَّا فَاكْتُبْنَا مَعَ الشَّاهِدِينَ) [المائدة: 83].
وقال تعالى فيهم وأمثالهم: (وَإِنَّ مِنْ أَهْلِ الْكِتَابِ لَمَن يُؤْمِنُ بِاللّهِ وَمَا أُنزِلَ إِلَيْكُمْ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْهِمْ خَاشِعِينَ لِلّهِ) [آل عمران: 199].
هذا هو أثر القرآن على من اجتنب العناد، وتواضع للحق.
أسأل الله أن يلهمنا رشدنا، وأن يجعل القرآن ربيع قلوبنا.
أقول ما تسمعون، وأستغفر الله فاستغفروه؛ إنه غفور رحيم.
الخطبة الثانية:
الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على خاتم الأنبياء وسيد المرسلين، وإمام المتقين، سيدنا ونبينا محمد، وعلى آله وصحبه أجمعين، وعلى من سار على نهجه، واستن بسنته إلى يوم الدين.
أما بعد:
فإن للقرآن على المسلم أكبر أثر، لو قرأ واعتبر، وليس المقصود بأثر القرآن أن يقبله المسلم، أو يضعه في مقدمة السيارة، أو يزين بآياته الجدران! ليس هذا هو الأثر المطلوب، وإنما المطلوب أن يفهم المسلم القرآن، ويجعل منه منهجا عمليا أخلاقيا، وسلوكيا في حياته.
نعم -أيها الإخوة الكرام-: سنظل نقرأ القرآن ونقرأه، ولكن متى يكون لهذه القراءة مفعولها؟
لقد كانت أمة محمد -صلى الله عليه وسلم- أمة أمية، لا تقرأ ولا تكتب، تشرب الخمر، وتأكل الميتة والدم، ويغير بعضهم على جاره، ويستعبد بعضهم بعضا، فنزل القرآن، فلما قرؤوه وفهموه، وعملوا به، نقلهم كتاب الله نقلة عظيمة، إلى أفضلية وخيرية، لم تبلغها أمة منذ بدء الخليقة: (كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ) [آل عمران: 110].
وما لم نصلح صلتنا بالقرآن، ليس بالقراءة فحسب، بل نعرف قدر القرآن ومكانته، ونفهم ما يطلبه القرآن منا، أفرادا وجماعات، فنطيع ونقتفي؛ فلن تُحدث قراءتنا له تلك النقطة الأصيلة التي حدثت للرعيل الأول، لقد كانت قراءتهم قراءة امتثال قبل أن تكون قراءة تجويد، وصوت جميل.
ولما صدقوا مع القرآن صدق القرآن معهم؛ فكان لقراءتهم أثر حتى على ملائكة الرحمن؛ في صحيح البخاري: "بينما أسيد بن حضير يقرأ من الليل سورة البقرة، وفرسه مربوط عنده، إذ جالت الفرس اضطربت، فسكت فسكتت، فقرأ فجالت الفرس، فسكت وسكتت الفرس، ثم قرأ فجالت الفرس فانصرف، وكان ابنه يحيى قريبا منها، فأشفق أن تصيبه، فلما اجتره؛ أي اجتر ولده من المكان الذي فيه، حتى لا تطأه الفرس، رفع رأسه إلى السماء، فإذا هو بمثل الظلة فيها أمثال المصابيح عرجت إلى السماء، حتى أنه لم يرها!.
فلما أصبح حدثّ النبي -صلى الله عليه وسلم-، فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اقرأ يا ابن حضير، اقرأ يا ابن حضير" قال: فأشفقت يا رسول الله أن تطأ يحيى، وكان منها قريبا، فرفعت رأسي فانصرفت إليه، فرفعت رأسي إلى السماء، فإذا مثل الظلة، مثل أمثال المصابيح، فخرجت حتى لا أراها، قال صلى الله عليه وسلم: "أتدري وما ذاك؟" قال: لا، قال: "تلك الملائكة دنت لصوتك" أي لو ظللت تقرأ لأصبحت يراها الناس ما تستتر منهم" الملائكة تدنوا!.
صدقوا مع القرآن فصدق القرآن معهم، لقد أثر القرآن في أولئك القوم، وأصبح لصيقا بحياتهم لدرجة حميمة، اختلطت فيها المبادئ مع العواطف، وأصبح القرآن في حياتهم ليس مصحفا يفتح ليقرأ قبل إقامة الصلاة، مكانته أعظم من ذلك بكثير، إنه الفرقان، إنه الذكر الحكيم، إنه كلام الله، إنه صلتهم بربهم، وبارئهم، وحبيبهم، إله العالمين، ومالك الخلق أجمعين، صلتهم به.
في صحيح مسلم وسنن ابن ماجة: قال أبو بكر -رضي الله عنه- بعد وفاة رسول الله -صلى الله عليه وآله وسلم - قال لعمر: انطلق بنا إلى أم أيمن، وهي حاضنة النبي -صلى الله عليه وسلم-، والتي كان النبي يحبها ويجلها، قال: انطلق بنا إلى أم أيمن نزورها، كما كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يزورها، فلما انتهينا إليها بكت، فقال لها: ما يبكيك، فما عند الله خير لرسوله -صلى الله عليه وسلم-؟ يحسبان أنها بكت لوفاة النبي -صلى الله عليه وسلم-، قالت: "إني لأعلم أن ما عند الله خير لرسوله، ولكن أبكي لأن الوحي قد انقطع من السماء، قالت: فهيجتهما على البكاء، فجعل يبكيان معها".
هكذا كانوا ينظرون إلى القرآن، وهكذا ملأ القرآن حياتهم.
اللهم اجعلنا من أهل القرآن وخاصته، واجعل القرآن ربيع قلوبنا، ونور صدورنا، وجلاء أحزاننا، وذهاب همومنا.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين، وأذل الشرك والمشركين.
اللهم عليك باليهود المجرمين والنصارى المعتدين، اللهم خالف بين قلوبهم، اللهم أرنا فيهم عجائب قدرتك، اللهم اجعل دائرة السوء تدور عليهم.
اللهم يا ذا الجلال والإكرام انصر إخواننا المسلمين الموحدين في كل مكان.
اللهم احفظ المسلمين في كل مكان.
اللهم آمنا في أوطاننا، وآمن المسلمين في أوطانهم، اللهم اجمع قلوب المسلمين على الحق.
اللهم اغفر لنا ذنوبنا، وكفر عنا سيئاتنا، وتوفنا مع الأبرار.
اللهم اغفر لنا ولموتانا ولموتى المسلمين.
وصل اللهم على محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم