بين طاقات البناء والهدم

عقيل بن محمد المقطري

2022-10-09 - 1444/03/13
عناصر الخطبة
1/ الإسلام ومكارم الأخلاق 2/ لماذا شرع الله الشرائع؟ 3/ الإخوة الإيمانية وأهميتها في المجتمع 4/ أحب الأعمال إلى الله سبحانه 5/ المؤامرات على الشعب اليمني 6/ المسلم أخو المسلم.

اقتباس

الجواب باختصار أن الطاقات الخيرة معطلة، وإن هؤلاء وجهوا طاقاتهم للشر، وباختصار أشد إنها أزمة أخلاق ها هو يوجهنا صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: "إرشادك الرجل بأرض الضلال لك فيه صدقة"، ما أبسطها وما أخفها لكن من الناس من إذا سئل عن الطريق أضلك ودلّك على الطريق غير الطريق الصحيح، "إن إرشادك الرجل البصير في أرض...

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلا تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمْ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيراً وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيباً) [النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيداً * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعْ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزاً عَظِيماً) [الأحزاب 70-71].

أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد صلى الله عليه وسلم، وشر الأمور محدثاتها وكل محدثة بدعة وكل بدعة ضلالة وكل ضلالة في النار.

فإن الإسلام دين سماوي جاء به جميع الأنبياء والرسل، جاءوا ليتمموا ويكملوا مكارم الأخلاق، جاءوا من أجل أن يكون دين الله تعالى هو السائد والغالب في الناس، جاءوا من أجل تعبيد الناس لرب الناس، وإخراج الناس من الذل والعبودية والطغيان (وَمَا أُمِرُوا إِلاَّ لِيَعْبُدُوا اللَّهَ مُخْلِصِينَ لَهُ الدِّينَ حُنَفَاءَ وَيُقِيمُوا الصَّلاةَ وَيُؤْتُوا الزَّكَاةَ وَذَلِكَ دِينُ الْقَيِّمَةِ) [البينة: 5]، جاء الأنبياء والرسل من أجل أن يخطوا طريقاً لهذه البشرية لتسلكه (وَأَنَّ هَذَا صِرَاطِي مُسْتَقِيماً فَاتَّبِعُوهُ وَلا تَتَّبِعُوا السُّبُلَ فَتَفَرَّقَ بِكُمْ عَنْ سَبِيلِهِ ذَلِكُمْ وَصَّاكُمْ بِهِ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ) [الأنعام: 153].

إن الله تعالى لم يتكفل بحفظ الكتب السابقة وتركها للناس كي يحفظوها، ولكنهم لم يقوموا بالواجب المنوط بهم، فغيروا وبدلوا وحرفوا واشتروا بآيات الله ثمناً قليلاً، فبئس ما يشترون، ولما ختم الله تعالى الكتب بالقرآن تكفل بحفظه ولما ختم النبوة بمحمد صلى الله عليه وآله وسلم صدح في الناس كلهم قائلاً: "إنما بعثت لأتمم مكارم الأخلاق"، وحفظ الله تعالى كتابه من التحريف والتغيير والتبديل، فها هو القرآن لا يزال غضاً طريًّا بين أيدينا كما أنزله الله تعالى محفوظاً بحفظه (إِنَّا نَحْنُ نَزَّلْنَا الذِّكْرَ وَإِنَّا لَهُ لَحَافِظُونَ) [الحجر: 9].

إن كلمات النبي صلى الله عليه وآله وسلم حينما قال: "إنما بعثت لأتمم مكارم" الأخلاق إنها كلمات موجزة كلمات جامعة، كلمات رصينة معناها الإسلام كله، معناها العبادات، معناها العقائد، معناها السلوك والأخلاق، معناها المعاملات، معناها الاقتصاد، معناها السياسة، معناها التعليم، معناها الصحة، معناها منهاج حياة للناس.

إن الله تعالى حين خلق الإنسان لم يخلقه كائناً خاملاً لا يحمل طاقات، ولكنه شحنه بالطاقات ليبتليه بهذه الطاقات التي فطره عليها طاقات الإنسان؛ إما أن يسخرها بالخير فتنفعه وترفعه فيفوز ويفلح في الدنيا والأخرى، وإما أن يسخرها في الشر فيَهلك ويُهلك الحرث والنسل، إنها طاقات هذا الإنسان الذي هو من أضعف مخلوقات الله عز وجل، لكن بطاقاته الخيرة تبنى الحضارة، وبطاقاته الشريرة تهدم الحضارة ويهلك الحرث والنسل.

أيها المسلمون: الإسلام جاء ليحث البشرية لتطلق طاقاتها في الخير والبناء ونهضة الأوطان، ورفاه الإنسان، وجاء ليكفّ الطاقات الشريرة وليكبح جماحها؛ فلذلك شرع الشرع الحكيم الحدود من أجل أن تكبح تلك الطاقات الجامحة الكائنة في هذا الإنسان، فأمر بقطع يد السارق؛ لأنه إنسان مفسد، وأمر بجلد الخمار لأنه يفسد، وأمر بجلد الزاني وإقامة الحد الشرعي عليه؛ لأنه مفسد، وجاء ليكبح هذه الطاقات الشريرة كي يسعد العالم، جاء من أجل أن يمسك بتلك الأيادي وتلك الطاقات التي تهلك الحرث والنسل، جاء ليقتص من القاتل النفس بالنفس، جاء ليقول: "انصر أخاك ظالماً أو مظلوماً" قال: أنصره مظلوماً، فكيف أنصره ظالماً؟ قال: "تكفه عن الشر"، تمنعه وتقف في وجهه، وتصدح بالحق في وجهه قائلاً : كُفّ عن الناس شرّك، وكف عن الناس آذاك، فـ"المسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده".

عباد الله: روى الطبراني في معجمه الكبير عن ابن عمر رضي الله تعالى عنهما: أن رجلاً جاء إلى النبي صلى الله عليه وسلم فقال: يا رسول الله أي الناس أحب إلى الله؟ وأي الأعمال أحب إلى الله؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: "أحب الناس إلى الله تعالى أنفعهم للناس، وأحب الأعمال إلى الله تعالى: سرور تدخله على مسلم، أو تكشف عنه كربة، أو تقضي عنه دينًا، أو تطرد عنه جوعًا، ولئن أمشي مع أخ لي في حاجة أحب إليَّ من أن أعتكف في هذا المسجد يعني مسجد المدينة شهرًا، ومن كف غضبه ستر الله عورته، ومن كظم غيظه ولو شاء أن يمضيه أمضاه ملأ الله قلبه رجاء يوم القيامة، ومن مشى مع أخيه في حاجة حتى يتهيأ له أثبت الله قدمه يوم تزول الأقدام".

هذا الحديث النبوي المبارك دعونا نقف معه وقفة إصغاء بالقلب والسمع، دعونا نقف معه وقفة إحساس ووقفة استشعار، ولنربطه في واقع المسلمين المعايش هذا الحديث تضمن ما يورث حب الله تعالى وحب خلقه ومن الذي لا يبتغي حب الله تعالى؟ ومن ذا الذي لا يرتضي ولا يسعى وراء حب الناس؟

إن محبة الناس لك نعمة من أجل نعم الله تعالى وأجل نعمة أن يحبك الله تعالى: (… فَسَوْفَ يَأْتِي اللَّهُ بِقَوْمٍ يُحِبُّهُمْ وَيُحِبُّونَهُ أَذِلَّةٍ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ أَعِزَّةٍ عَلَى الْكَافِرِينَ يُجَاهِدُونَ فِي سَبِيلِ اللَّهِ وَلا يَخَافُونَ لَوْمَةَ لائِمٍ ذَلِكَ فَضْلُ اللَّهِ يُؤْتِيهِ مَنْ يَشَاءُ وَاللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ) [المائدة: 54]، تضمن هذا الحديث ما يشيع روح الأخوة بين المسلمين، وما يقوي العلاقات بين المؤمنين كما تضمن من مبادئ الأخلاق أعلاها، ومن قيم الآداب أرفعها، ومن معالي المحاسن أزكاها، ومن معاني الشمائل أرقاها..

هذه التوجيهات التي تزكو بها النفوس وتصلح بها المجتمعات، وتسعد بها الأفراد والجماعات قيم اجتماعية لم يشهد التاريخ لها مثيلاً ومبادئ حضارية لم تعرف لها البشرية نظيراً إنها توجيهات من لا ينطق عن الهوى .

أيها المسلمون عباد الله: وقفتنا الأولى: في هذا الحديث تأكيد على بذل النفع للمسلمين بوجهه المختلفة وأشكالها المتعددة، فذلك سبب عظيم للفوز بالأجر الكبير، فيقول: "أحب الناس إلى الله أنفعهم للناس" هذا النفع نفع عام يدخل به النفع المادي والنفع المعنوي، النفع المادي بالمال والشفاعة وبالجاه، النفع المعنوي أن تدخل عليه سروراً تقضي له حاجة تتبسم في وجهه، تشاركه في أفراحه، وتشاركه في أتراحه، هذا كله يعتبر من نفع الناس نفع عام، ومن هنا قال صلى الله عليه وآله وسلم: "ولأن أمشي في حاجة أخي المسلم أحب إليّ من أن أعتكف في مسجدي هذا شهرًا" اعتكاف في مسجد النبي صلى الله عليه وآله وسلم فيه ذكر لله تعالى قراءة للقرآن وصلاة وتعبد وخضوع وتذلل ودعاء خلوة وبعد عن الناس، لكن هذا نفع خاص، والنفع العام أعظم أجراً عند الله تعالى من النفع الخاص، فانظر كيف كان يعيش صلى الله عليه وآله وسلم ويعيش لقومه، ما هذه الأنانية التي أصبنا بها وما هذا المرض والداء العضال الذي نزل بهذه الأمة، إن له علاج هذا العلاج بأيدينا نحن من نعالج أنفسنا ونحن من نسمو بها وبسلوكياتها وأخلاقها .

أيها الإخوة: إن هذه المعاني في حياتنا هل تنطبق هذه الصفات فينا؟ هل المسئولون والموظفون يستشعرون هذه المعاني أم أنهم يعيشون هم أنفسهم ومن معهم؟ لماذا لا تسير معاملات الناس بسلاسة لماذا تعرقل معاملات الناس؟ أمن أجل ابتزاز رخيص ودراهم معدودة يحاسب عليها هذا الإنسان، أهؤلاء الناس في قلوبهم رحمة؟! أهؤلاء من البشر أم أن لهم قلوب الذئاب؟! لكنها متلبسة في أجساد البشر؟!

الجواب باختصار أن الطاقات الخيرة معطلة، وإن هؤلاء وجهوا طاقاتهم للشر، وباختصار أشد إنها أزمة أخلاق ها هو يوجهنا صلى الله عليه وآله وسلم بقوله: "إرشادك الرجل بأرض الضلال لك فيه صدقة"، ما أبسطها وما أخفها لكن من الناس من إذا سئل عن الطريق أضلك ودلّك على الطريق غير الطريق الصحيح، "إن إرشادك الرجل البصير في أرض الضلال لك صدقة، وبصرك للرجل الردى البصر لك صدقة، وإماطتك الحجر والشجر والعظم عن الطريق لك صدقة، وإفراغك من دلوك لدلوي أخيك لك صدقة" معاني قليلة لكنها معاني التعاون، معاني الأخوة، معاني المحبة أن تميط الأذى عن الطريق، حياتنا اليوم مليئة بالأشواك ومليئة بالقمائم، ومليئة بالأذى ومليئة لا أقول بالقذى ولكنها بالأجذاع والقذى، فمن يميط هذا الأذى عن المسلمين؟!

أيها الإخوة: اسمحوا لي واعذروني أن أقول لكم: إنه ليس من العيب أن يتعاون المسلمون في ما بينهم في رفع الأذى عن الناس، فهذا من الإيمان ليس صحيحاً أيها المؤمنون أن رفع الأذى ورفع المخلفات تقوم بها شريحة مهمشة من الناس، هذه من المعاني الخاطئة ومن الثقافة الرديئة، انظروا إلى العالم المتحضر حولنا انظروا إلى اليابان انظروا إلى أمريكا وفرنسا وبريطانيا، من الذي يقوم بمثل هذه المهام وبمثل هذه الوظائف، إنها من أجل الوظائف، إننا اليوم نتأذى من هذه الروائح التي أزكمت النفوس أزكمت الأنوف وآذت القلوب، وأسقمت الأجساد نتأذى منها ولو أن الناس تعاونوا لارتفع عنهم هذا.

هنالك جملة كثيرة من الشباب عطلوا طاقاتهم إنهم يبحثون عن وظائف عالية ويا ليت هؤلاء تأهبوا لهذه الوظائف العالية أين التعليم المتميز؟ أين التخصصات الدقيقة؟ إن أحدهم ربما يحمل الثانوية بتقدير ضعيف ثم يبحث عن وظيفة مدير عام فإن لم تكن فلا أقل من نائب مدير أهذه همم الشباب ؟ نعم أقول يصلح للوزير أن يلبس بدلة العمل ليخرج إلى الشارع مع عامة الناس من أجل أن يرفع القمائم من أجل أن يرفع الأذى ليس هذا عيباً هذه خدمة نقدمها جميعاً للأوطان.

أقول وباختصار: من وراء هذه المعضلة أهؤلاء وطنيون حقاً ؟ أهؤلاء يحبون شعوبهم ؟ من وراء مثل هذه المشاكل أليست هذه الطاقات التي سلطت لعمل الشر نعوذ بالله تعالى من الشر وأهله .

إخوة الكرام : هل يحس ويشعر من أنعم الله تعالى عليه بالمال بأحوال قطاع عريض من الناس يتضورون جوعاً ويتلمظون من المرض؟ هل أحست هذه الطبقة التي أنعم الله عليها بهذه الطبقة المعدمة ؟

انظروا أيها الإخوة : إلى الاحتياطي العام في الدول الإسلامية كلها انظروا إلى الاحتياط العام الذي هو حق الشعوب تجد في هذا البلد احتياطي أربعة مليارات دولار وفي ذلك البلد ستة مليارات دولار، لكن تعال وقارنها بأرصدة المسئولين في الخارج في بنوك سويسرا وأوروبا وأمريكا تجدها بمئات المليارات كان الواجب أن يكون العكس أن تكون هذه الأموال للشعوب، وأن هذا الفتات هو ما يمتلكه هؤلاء مع محاسبتهم، من أين لك هذا؟ هذا مبدأ طبقه الإسلام الشفافية من أين لك هذا المال ؟ لكن هؤلاء فقد الإحساس من قلوبهم وارتفعت الرحمة عنهم وامتلأت قلوبهم حنقاً وغيظاً وكيداً .

وقفتنا الثانية : أكد الحديث على صفات خاصة من قضايا حوائج المسلمين لعظيم ثوابها منها الحرص قدر الإمكان في تنفيس كربة المؤمن أو قضاء دينه أو طرد جوعه، قال صلى الله عليه وآله وسلم: "فكوا العاني - يعني الأسير- وأطعموا الجائع، وعودوا المريض"، لكن اليوم المأسورون ليس لهم إلا الله، أنا أعجب أن دول الكفر إذا سُجن واحد منهم أقاموا الدنيا ولم يقعدوها وعملوا بكل طاقاتهم لإخراج هؤلاء المسجونين، أما أبناء الإسلام فيعذبون وراء القضبان وبعضهم فقد عقله وبعضهم تكالبت عليه الأمراض من كل مكان فجسمه كله عليل، وليس هنالك من يسأل عنه أو يطالب به. ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: "ألا رجل يمنح أهل بيت ناقة تغدو بعس إن أجرها لعظيم".

من باب التعاون بين الناس ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: "كان رجل يداين الناس، فكان يقول لفتاه إذا أتيت معسرًا فتجاوز عنه، لعل الله أن يتجاوز عنا قال: فلقي الله فتجاوز عنه". ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: "من سره أن ينجيه الله من كرب يوم القيامة فلينفّس عن معسر أو يضع عنه".

وقفتنا الثالثة: من الخصال التي حث عليها الحديث: إدخال السرور والسعادة على المسلمين، وتطيب خواطرهم بكلمة طيبة أو مساعدة ممكنة، "أحب الأعمال إلى الله سرور تدخله على المسلم". ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: "من لقي أخاه المسلم بما يحب ليسره بذلك سره الله يوم القيامة"، ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: "لا تحقرن من المعروف شيئًا ولو أن تلقى أخاك بوجه طلق"، يكفي أن تبتسم في وجه أخيك فهي صدقة.

أيها المسلمون: هل ما يقوم به البعض اليوم من تخريب لأبراج الكهرباء من أخلاق المسلمين؟ هل هذه أعمال يسر بها المسلمون؟ أم أنها تدخل عليهم الهموم والغموم والكروب وتزيد من معاناتهم. هل هؤلاء يحبون أوطانهم ويرحمون شعوبهم؟ أم أنها أخلاق الصغار المنبئة عن حقد دفين؟!

أيها المسلمون: هل إقلاق الأمن والسكينة وقتل الآمنين والمستأمنين يسر المؤمنين؟ أم أنها وقبل كل شيء تغضب رب العالمين؟! ماذا يريد هؤلاء المأجورون الذين ليس لهم همّ إلا أنفسهم ومصالحهم نحن نعرف نفسيتهم، وماذا يريدون لكن الله لهم بالمرصاد، ولا يحيق المكر السيئ إلا بأهله فالذين طغوا في البلاد فأكثروا فيها الفساد سيصب الله عليهم سوط عذاب وإنه لهم بالمرصاد .

وقفتنا الرابعة : من القيم العالية التي حثَّ عليها الإسلام: الصبر عند الغضب وعند ثورانه والاتصاف عنده بكظم الغيظ، فذلك من الخصال الحميدة التي يتصف بها الحلماء والحكماء والعظماء، إنها أخلاق الكبار، وأما الصغار فتطيش بهم الأهواء عند أول بذرة من ظهور الغضب يقول تعالى: (وَسَارِعُوا إِلَى مَغْفِرَةٍ مِنْ رَبِّكُمْ وَجَنَّةٍ عَرْضُهَا السَّمَوَاتُ وَالأَرْضُ أُعِدَّتْ لِلْمُتَّقِينَ * الَّذِينَ يُنْفِقُونَ فِي السَّرَّاءِ وَالضَّرَّاءِ وَالْكَاظِمِينَ الْغَيْظَ وَالْعَافِينَ عَنْ النَّاسِ وَاللَّهُ يُحِبُّ الْمُحْسِنِينَ * وَالَّذِينَ إِذَا فَعَلُوا فَاحِشَةً أَوْ ظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ ذَكَرُوا اللَّهَ فَاسْتَغْفَرُوا لِذُنُوبِهِمْ وَمَنْ يَغْفِرُ الذُّنُوبَ إِلاَّ اللَّهُ وَلَمْ يُصِرُّوا عَلَى مَا فَعَلُوا وَهُمْ يَعْلَمُونَ * أُوْلَئِكَ جَزَاؤُهُمْ مَغْفِرَةٌ مِنْ رَبِّهِمْ وَجَنَّاتٌ تَجْرِي مِنْ تَحْتِهَا الأَنْهَارُ خَالِدِينَ فِيهَا وَنِعْمَ أَجْرُ الْعَامِلِينَ) [آل عمران: 133- 136]، ويقول صلى الله عليه وآله وسلم: "من كظم غيظًا وهو قادر على أن ينفذه، دعاه الله عز وجل على رءوس الخلائق يوم القيامة حتى يخيره الله من أي الحور العين ما شاء".

أيها الإخوة: عام مضى من معاناة هذا الشعب كان بالإمكان أن تتدارك الأمور في مهدها، وألا ننتهي إلى ما ابتدأنا إليه، لكن حصل التطويل والتلاعب في الوقت ووصلت القضية إلى مجلس الأمن، وجاءت المبادرة الخليجية بمعنى أننا صرنا مرتهنين للغرب، وجاءت المبادرة الخليجية وحصل فيها ما حصل من التلاعب والمماطلة، والسؤال بعد الآخر حتى وقعت لكن بدأ التلاعب اليوم من جديد كما تعرفون، فلماذا لا تُترك حكومة الوفاق تعمل؟ ولماذا يتدخل في شئون رئيس الدولة المنتخب شرعياً والتي بلغت نسبة اختياره 99% ؟! لماذا لا تترك حكومة الوفاق تعمل كما تريد؟ لماذا يحاول البعض اليوم الالتفاف على المبادرة الخليجية؟ لماذا اليوم تتحدث حتى أمريكا على قضية تأجيل هيكلة الجيش؟ أليست هي من الدول الراعية لهذه المبادرة؟ أين موقف دول الإقليم من تنفيذ المبادرة الخليجية حرفياً ؟

إنه عبارة عن التفاف ونقض للعهود والمواثيق هل هذه الروح الانتقامية اليوم من سلوكيات الكبار ؟ ألم يسأم كثير من الناس من السلطة بعدُ ؟ هذا الحديث يذم سوء الخلق ذلكم أن الأخلاق السيئة سموم قاتلة ومهلكات واقعة ورذائل واضحة قال صلى الله عليه وآله وسلم: "إن العبد ليبلغ بحسن خلقه عظيم درجات الآخرة وشرف المنازل وإنه لضعيف العبادة، وإنه ليبلغ بسوء خلقه أسفل درجة في جهنم"، وقال صلى الله عليه وآله وسلم: "ما من شيء أثقل في ميزان المؤمن يوم القيامة من خلق حسن، وإن الله يبغض الفاحش البذيء".

أيها الإخوة المؤمنون: لنتق الله تعالى ولنستجب لله ولرسوله صلى الله عليه وآله وسلم إذا دعانا لما يحيينا، ولنلتزم بالأخلاق الكريمة، ولنحاصر أولئك الذين يتصفون بهذه الأخلاق الدنيئة لنفوز ونظفر.

أيها المسلمون: المسلم سهل العريكة جميل العشرة حسن التعامل، لين الجانب يبذل الندى ويكف الأذى، فالمسلم من سلم المسلمون من لسانه ويده.

أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم .

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله والصلاة والسلام على رسول الله وعلى آله وصحبه وسلم، وبعد :

أيها المسلمون: إيذاء المسلم ومكايدته وإلحاق الشر به، واتهامه بالباطل ورميه بالزور والبهتان، وتحقيره وتصغيره وثلم عرضه، وسبه وشتمه ولعنه وتهديده وترويعه واستفزازه وتتبع عورته، ونشر هفوته وتكفيره وتبديعه وتفسيقه، وقتاله وحمل السلاح عليه وسلبه ونهبه وسرقته وغشه وخداعه والمكر به، ومماطلته في حقه، وإيصال الأذى إليه بأي أنواع الأذى ظلم وجرم وعدوان لا يفعله إلا دنيء مهين لئيم وضيع ذميم صدره مليء بالكراهية والعداء فتنفش بالمجابهة وتشمر للمشاحنة ينصب الشرك، ويبرئ سهام الحد زعمه أن يحزن أخاه ويؤذيه وهمه أن يهلكه ويرديه، وكفى بذلك إثماً وحوباً وفسوقاً، وصدق رسول الله صلى الله عليه وآله وسلم: "يا معشر من قد أسلم بلسانه ولم يفض الإيمان إلى قلبه لا تؤذوا المسلمين، ولا تعيروهم، ولا تتبعوا عوراتهم؛ فإنه من تتبع عورة أخيه المسلم، تتبع الله عورته، ومن تتبع الله عورته يفضحه ولو في جوف رحله"، قال: ونظر ابن عمر يومًا إلى البيت أو إلى الكعبة، فقال: ما أعظمك؟! وأعظم حرمتك! والمؤمن أعظم حرمة عند الله منك".

وعن أبي هريرة قال: قيل للنبي صلى الله عليه وسلم: يا رسول الله ! إن فلانة تقوم الليل وتصوم النهار وتفعل وتصدق وتؤذي جيرانها بلسانها ! فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم : "لا خير فيها ؛ هي من أهل النار . قال : وفلانة تصلي المكتوبة وتصدق بأثوار من الأقط ولا تؤذي أحدًا. فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: هي من أهل الجنة".

قال تؤذي جيرانها بلسانها فكيف بمن يؤذيهم بلسانه ويده، وكيف بمن يؤذي شعباً بأكمله، لا شك أن هذا جرم عظيم إن من صور الإيذاء إيذاء الرجل لزوجته بالتهمة والتخوين والشك في غير ريبة ومعاملتها بالخلق السيئ واللسان البذيء التي لا تبقي معه عشرة ولا يدوم معه استقرار ولا سكون ولا راحة ومن صور إيذاء المعاندة والمعارضة والمكايدة والاستفزاز، وعدم رعاية حقه في المغيب والمشهد إلى غير ذلك من صور الأذى التي يرفضه الشرع الحكيم ويأباها الطبع السليم والخلق المستقيم.

اللهم اهدنا لأحسن الأخلاق واصرف عنا سيئها، ربنا لا تزغ قلوبنا بعد إذ هديتنا وهب لنا من لدنك رحمة إنك أنت الوهاب .

والحمد لله رب العالمين.

 

 

 

 

المرفقات

طاقات البناء والهدم

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات