بعدما حجوا وضحوا

الشيخ د علي بن عبدالعزيز بن علي الشبل

2024-06-21 - 1445/12/15 2024-06-20 - 1445/12/14
عناصر الخطبة
1/إتمام الحج والنسك والأضاحي 2/حسن الظن بالله تعالى 3/رجاء قبول العمل الصالح في مواسم الخيرات 4/أمر رباني عند قضاء المناسك.

اقتباس

ما تقرب المتقربون إلى الله -جَلَّ وَعَلا- بأعظم من حُسْن الظن به -سبحانه-، وأيضًا كمال الثقة بوعده وبنواله وبجزائه، وهذا ثمرة توحيد الله -عَزَّ وَجَلَّ-.. جثا سفيان الثوري على ركبتيه يوم عرفة، وعيناه تذرفان؛ فسأله ابن المبارك: مَن أسوأ الناس حالاً في هذا الموقف؟ قال: "أسوأ الناس حالاً في هذا الموقف من ظن أن الله لا يغفر له".

الخطبةُ الأولَى:

 

الحَمْدُ للهِ؛ نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ وَنَسْتَهْدِيه، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهَ، وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ نَبِيَّنَا مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه، ومن سلف من إخوانه من المرسلين، وسار على نهجه واقتفى أثرهم إلى يوم الدين، وسلّم تسليمًا كثيرًا.

 

أما بعد: أيها الناس! فإني أوصيكم ونفسي بتقوى الله، فاتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون.

 

أيها المؤمنون: حجَّ الحجاج ووقف الواقفون بعرفة، وضحَّى المضحون يوم العيد، فأتمَّ الحجاج نسكهم وأتمَّ المضحون ذبح هداياهم يرجون رحمة الله -جَلَّ وَعَلا- ويرجون ثوابه، فرحوا بيوم العيد، وبأيام التشريق بعده، كل هذا وحادي المؤمنين في هذا هو حسن ظنهم بالله -سبحانه وَتَعَالى- أن يتقبل منهم.

 

 نعم يا عباد الله؛ ما تقرب المتقربون إلى الله -جَلَّ وَعَلا- بأعظم من حُسْن الظن به -سبحانه-، وأيضًا كمال الثقة بوعده وبنواله وبجزائه، وهذا ثمرة توحيد الله -عَزَّ وَجَلَّ-.

 

 وقف سفيان الثوري في يوم عرفة، ووقف معه عبد الله بن المبارك، فجثا سفيان الثوري على ركبتيه، وعيناه تذرفان؛ فسأله تلميذه ابن المبارك: مَن أسوأ الناس حالاً في هذا الموقف؟ قال: "أسوأ الناس حالاً في هذا الموقف من ظن أن الله لا يغفر له". نعم؛ لأنه ساء بالله ظنه، ولم يسئ الظن بالله إلا المنافقون والمشركون وضعيفو الإيمان.

 

أنت -أيها المسلم- أدَّيتَ حجك، وأديتَ أضحيتك، وذكرتَ الله -جَلَّ وَعَلا-، وعظَّمته في يوم النحر وفي أيام التشريق.

 

 ومِن ذِكْر الله -عَزَّ وَجَلَّ-: ما يسَّر الله -عَزَّ وَجَلَّ- له الحجيج من أداء هذه العبادات بيسرٍ وطمأنينة، وسهولةٍ، وانسيابية، محققين ما قاله النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-: "إنما جُعل الطواف بالبيت، وبين الصفا والمروة، ورمي الجمار لإقامة ذكر الله"؛ أي: لتعظيم الله -جَلَّ وَعَلا- في قلوبكم بهذا الذكر رميًا، وبهذا الذكر بياتًا في منى، وبهذا الذكر طوافًا بالكعبة وبين الصفا والمروة.

 

 وهكذا كل العبادات -يا عباد الله-؛ من صلاةٍ وصيام وزكاةٍ وقيام وحجٍ وعمرة وغيرها كلها تحقق هذا المعنى من توحيد الله.

 

ألا فليهنك أيها الحاج، وأيها المضحي، وأيها المسلم مواسم الخيرات الفاضلة التي أقبلت عليك، وليهنكم يا ولاة أمر هذا البلد، ويا شعبه ما قمتم به من إكرام هؤلاء الحجيج، من إكرام وفادتهم؛ فإن النبي -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ- قال فيما رواه عنه الترمذي وغيره: "الحاجّ وفد الرحمن، من أكرمهم فكأنما أكرم اللهَ -عَزَّ وَجَلَّ-".

 

وهذا هو النيشان وهو الفخر، وهو العز؛ أن يقوم المسلم على ضيوف الله -جَلَّ وَعَلا-؛ خدمةً لهم، وسهرًا على أمنهم، وقيامًا بواجبهم، وهؤلاء رجال الأمن –جزاهم الله خيرًا- تعدى موقفهم، وتعدت أعمالهم موضوع الأمن بحد ذاته، إلى موضوع الكرامة والمروءة والشيم التي ما زالت تتابع فيهم، مع هؤلاء الحجيج، وليس هذا بغرو، بل هذا هو ثمرة الإيمان وثمرة العمل الصالح، وثمرة السمع والطاعة لولاة أمورنا.

 

 نفعني الله وَإِيَّاكُمْ بالقرآن العظيم، وما فيه من الآيات والذكر الحكيم، أقول ما سمعتم، وأستغفر الله لي ولكم، فاستغفروه إنه هو الغفور الرحيم.

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله، الحمد لله الذي أعاد مواسم الخيرات على عباده، فلا ينقضي موسمٌ إلا ويعقبه آخرُ مرةً بعد أخرى، فالموفق من وُفق في الأولى وسعد في الأخرى، والشقي من شقي في بطن أمه في الدنيا وفي الآخرة.

 

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن نبينا محمدًا عبده ورسوله، صلى الله عليه، وعلى آله، وأصحابه صلاةً نرجو بها النجاة يوم أن نقدم على ربنا في الدار الآخرة.

 

أما بعد:  عباد الله: فاتقوا الله -جَلَّ وَعَلا-، واعلموا أن رب الشهور واحد، وأن المعبود في الحج وفي الأضحية واحد، هو المعبود في سائر الأيام والمعبود في سائر الليالي، فاللهَ اللهَ عباد الله، أروا الله من أنفسكم خيرًا، في الاستمرار والثبات على عبادة الله وطاعته، وعلى خدمة وافدي بلدكم من هؤلاء الحجاج والعُمّار والزوار، فإنه شرفٌ لا ينافيكم فيه أحدٌ في شرفهم، ولا في خدمة هؤلاء الوافدين على بيته.

 

واعلموا أن الله -جَلَّ وَعَلا- نبَّه المؤمنين إلى أمرٍ يخالفون به المشركين عند قضائهم مناسكهم، فقال -جَلَّ وَعَلا-: (فَإِذَا قَضَيتُمْ مَنَاسِكَكُمْ فَاذْكُرُوا اللَّهَ كَذِكْرِكُمْ آَبَاءَكُمْ أَوْ أَشَدَّ ذِكْرًا فَمِنَ النَّاسِ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا وَمَا لَهُ فِي الْآَخِرَةِ مِنْ خَلَاقٍ)[البقرة: 200].

 

وهؤلاء الكفار كانوا يجتمعون بعد الحج في المُغمَّس شرقي عرفات، فيتذاكرون أمجادهم ومفاخرهم، ومآثر آبائهم وأسلافهم، وأما أهل الإيمان فقد قال الله -جَلَّ وَعَلا- فيهم: (وَمِنْهُمْ مَنْ يَقُولُ رَبَّنَا آَتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً وَفِي الْآَخِرَةِ حَسَنَةً وَقِنَا عَذَابَ النَّار * أُولَئِكَ لَهُمْ نَصِيبٌ مِمَّا كَسَبُوا وَاللَّهُ سَرِيعُ الْحِسَابِ)[البقرة: 201- 202].

 

ثُمَّ اعلموا -عباد الله- أنَّ أصدق الحديث كلام الله، وَخِيرَ الْهَدْيِ هَدْيُ مُحَمَّدٍ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وَسَلَّمَ-، وَشَرَّ الْأُمُورِ مُحْدَثَاتُهَا، وَكُلَّ مُحْدَثة بِدْعَةٌ، وَكُلَّ بِدْعَةٍ ضَلَالَةٌ، وعليكم عباد الله بالجماعة؛ فإنَّ يد الله عَلَى الجماعة، ومن شذَّ؛ شذَّ في النَّار، ولا يأكل الذئب إِلَّا من الغنم القاصية.

 

اللَّهُمَّ صَلِّ عَلَى مُحَمَّدٍ وَعَلَى آلِ مُحَمَّدٍ، كَمَا صَلَّيتَ عَلَى إِبْرَاهِيمَ، وَعَلَى آلِ إِبْرَاهِيمَ، فِي العَالَمِينَ، إِنَّكَ حَمِيدٌ مَجِيدٌ، اللَّهُمَّ وارضَ عن الأربعة الخلفاء، وعن المهاجرين والأنصار، وعن التابع لهم بإحسانٍ إِلَى يَومِ الدِّينِ، وعنَّا معهم بمنِّك ورحمتك يا أرحم الراحمين.

 

اللَّهُمَّ عِزًّا تعزّ به الإسلام وأهله، وذِلاً تذلّ به الكفر وأهله، اللَّهُمَّ أبرِم لهذِه الأُمَّة أمرًا رشدًا، يُعزُّ فيه أهل طاعتك، ويُهدى فيه أهل معصيتك، ويُؤمر فيه بالمعروف، ويُنهى فيه عن المنكر يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم ادفع عنا الغلاء، والوباء، والزنا، والزلازل والمحن، وسوء الفتن ما ظهر منها وما بطن عن بلدنا هذا خاصة، وعن بلاد المسلمين عامة، يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ آمنَّا والمسلمين في أوطاننا، اللَّهُمَّ أصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللَّهُمَّ اجعل ولاياتنا والمسلمين فيمن خافك واتقاك يا رب العالمين، اللَّهُمَّ وفِّق ولي أمرنا بتوفيقك، اللَّهُمَّ خُذ بناصيته للبر وَالتَّقْوَى، اللَّهُمَّ اجعله رحمةً عَلَى أوليائك، واجعله سخطًا ومقتًا عَلَى أعدائك يا ذا الجلال والإكرام، اللَّهُمَّ انصر به دينك، اللَّهُمَّ ارفع به كلمتك، اللَّهُمَّ اجعله إمامًا للمسلمين أَجْمَعِينَ يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللَّهُمَّ أنت الله لَا إِلَهَ إِلَّا أَنْتَ، أنت الغني ونحن الفقراء إليك، أنزل علينا الغيث ولا تجعلنا من القانطين، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا، اللَّهُمَّ أغثنا غيثًا مغيثًا، هنيئًا مريئًا، سحًّا طبقًا مجللاً، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، اللَّهُمَّ سُقيا رحمة، لا سُقيا عذابٍ، ولا هدمٍ، ولا غرقٍ، ولا نَصَبٍ، اللَّهُمَّ أغث بلادنا بالأمطار والأمن والخيرات، وأغث قلوبنا بمخافتك وتعظيمك وتوحيدك يا ذا الجلال والإكرام.

 

رَبَّنَا آتِنَا فِي الدُّنْيَا حَسَنَةً، وَفِي الْآخِرَةِ حَسَنَةً، وَقِنَا عَذَابَ النَّارِ.

 

عباد الله: إنَّ الله يأمر بالعدل والإحسان وإيتاء ذي القربى، وينهى عن الفحشاء والمنكر والبغي، يعظكم لعلكم تذكّرون، اذكروا الله يذكركم، واشكروه عَلَى نعمه يزدكم، ولذكر اللَّه أَكْبَر، والله يعلم ما تصنعون.

 

المرفقات

بعدما حجوا وضحوا.doc

بعدما حجوا وضحوا.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات