بركات الصلاة في المسجد الأقصى ودعوات لأهل غزة

عكرمة بن سعيد صبري

2024-03-15 - 1445/09/05 2024-03-18 - 1445/09/08
التصنيفات الفرعية: الزكاة
عناصر الخطبة
1/زحف المسلمين للصلاة في المسجد الأقصى زحف مبارك 2/ثلاث فضائل لصلاة الجمعة في المسجد الأقصى 3/الأحوال المؤسفة لأهل غزة في شهر رمضان المبارك 4/التحذير من شياطين الإنس وسماسرة الأراضي 5/ثلاث رسائل بشأن زكاة المال والعنف في المدارس والأقصى المبارك

اقتباس

إنَّ شياطينَ الجِنِّ مصفَّدةٌ ومربوطةٌ، في شهر رمضان المبارَك، ولكِنِ احذرُوا من شياطينِ الإنسِ، الذين يُفسِدون في الأرض، ويسفكون الدماء، ويُشِيعُونَ الفاحشةَ بين الأبرياء، احذروا -أيضًا- سماسرة الأرض، الذين يُسَرِّبُونَ البيوتَ، فهؤلاء جميعًا هم شياطينُ الإنسِ...

الخطبة الأولى:

 

الحمدُ لله ربِّ العالَمِينَ.

 

الحمد لله الذي اختار شهر رمضان المبارَك، سيد الشهور، أفاض فيه الخير والنور، يعيش فيه المسلمون، بسعة وحبور، -سبحانه- إنه يغفر الذنوب، ويستر العيوب، ويغيث المكروب، وهو علام الغيوب.

 

الحمد لله، أنعَم علينا بالصيام، في شهر رمضان، شهر الرحمة والغفران، شهر التوبة والهداية والقرآن، لقد عم فضله الأكوان، وأنعم بنعم كثيرة على الإنسان، يقبل التوبة، وينزل رحمته على المؤمنين، في كل زمان ومكان.

 

اللهُمَّ أنزِلْ رحمتَكَ على أهلنا في غزة، اللهمَّ فرِّج كربَهم، واجبُر كسرَهم، واحفظ ضَعْفَهم، اللهُمَّ إن أطفالهم جوعى فأطعِمْهم، اللهُمَّ إنَّ أطفالهم عطشى فاسقِهم، يا ربَّ العالمينَ.

 

ونشهد ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، فرَض علينا الصيامَ؛ تقوى للقلوب، وتهذيبًا للنفوس، بقوله -سبحانه وتعالى- في سورة البقرة: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[الْبَقَرَةِ: 183].

 

اللهمَّ اجعل في قلوبنا نورًا، وفي أسماعنا نورًا، وفي أبصارنا نورًا، وبين أيدينا نورًا، اللهُمَّ يسِّر أمورَنا، ووحِّد صفوفَنا، اللهُمَّ احقن دماءنا، واحقن دماء إخواننا في غزة، ونشهد أن سيدنا وحبيبنا وقائدنا وقدوتنا وشفيعنا محمدًا عبدُ اللهِ ونبيُّه ورسولُه، الصادق الأمين، إمام الأنبياء والمرسَلينَ، الذي غفَر اللهُ له ذنبَه، وشرَح له صدرَه، ووضَع عنه وِزرَه، ورفَع له ذِكرَه، فكان -عليه الصلاة والسلام- مُجِدًّا، وأكثر ما يكون في رمضان، وكان كريمًا، وأكثر ما يكون في رمضان، القائل: "من صام رمضان إيمانًا واحتسابًا غُفِرَ له ما تقدَّم مِنْ ذنبِه".

 

صلى الله عليك يا حبيبي يا رسول الله، ونحن في بَيْت الْمَقدسِ، وأكناف بَيْت الْمَقدسِ نصلي عليك، وعلى آلك الطاهرين المبجلين، وصحابتك الغر الميامين المحجلين، ومن تبعكم وجاهد جهادكم، من العلماء العاملين إلى يوم الدين.

 

أيها المسلمون، أيها المصلون، أيها الصائمون، أيها المحتسبون، يا من قصدتم الأقصى، من أنحاء فلسطين العزيزة، المقدَّسة، المباركة، يا من تخطيتم الحواجز العسكريَّة: أقول: إن زحفكم إلى الأقصى المبارَك لصلوات الفجر، وصلوات العشاء والتراويح، وصلوات الجمع والجماعات، رغم الإعاقات ليذكر مليارَيْ مسلمٍ، في أرجاء المعمورة بالأقصى الأسير، وأن هذه الزحوف المؤمنة إلى الأقصى لتمثل ردًّا إيمانيًّا عمليًّا ورسالة واضحة وموجهة للطامعين في الأقصى، وللمعتدين عليه، وللمقتحمين له، وعليه فلا مجال للمساومة على الأقصى، ولا للتفاوض حوله، ولا للتنازل عن ذرة تراب منه، وأن الأقصى أَسْمَى من أن يخضع لقوانين دوليَّة، ولا لقوانين محليَّة، وسيبقى مفتوحًا -بإذن الله- ورعايته، عامرًا بالمسلمين المتعبدين، المعتكفين، في رمضان، وفي غير رمضان، فأنتم أنتم أيها المرابطون، أيتها المرابطات المعادلة الصعبة، التي لا مجال للاختراق من خلالها.

 

أيها المصلون، أيها الصائمون، يا أبناء أرض الإسراء والمعراج: هذه هي الجمعة الأولى من شهر رمضان المبارَك، فَطُوبَى وهنيئًا لمن صلَّى الجمعةَ في المسجد الأقصى المبارَك، في هذا الشهر المبارَك، فيكون المصلي قد جمَع ثلاثَ فضائل معًا: الجمعة لها فضيلة، والأقصى له فضيلة، والصوم له فضيلة، فاحرصوا أيها الصائمون على الصلاة يوم الجمعة في المسجد الأقصى المبارك؛ وعليه فينبغي على كل مسلم أن يلبي نداء رسول الله محمد -صلى الله عليه وسلم- بشد الرحال إلى الأقصى المبارك؛ فإن من يمنع من الوصول إلى الأقصى فإنَّه يصلي حيث يُمنَع، وله ثوابٌ موازٍ لثواب مَنْ صلَّى في الأقصى، وهناك فتوى شرعية بذلك.

 

أيها المصلون، أيها الصائمون: جاء رمضان، وأطفال غزة جوعى وعطشى، ومحرومون من الدواء والعلاج، جاء رمضان وعائلات غزة مشردة ومنكوبة، وفي كوارث إنسانيَّة، جاء رمضان ومساجد غزة مدمرة، لا يرتفع على مآذنها نداء الله أكبر، فما موقف الحكومات في البلاد العربيَّة والإسلامية؟ إنه لأمر مؤلم ومؤسف، أن بعضها صامت وشامت، وأن بعضها يشجب ويستنكر، فلماذا هذا التخلف وهذا الانبطاح؟ فأين الكرامة، وأين الشهامة، وأين النخوة؟! فكأنهم لم يسمعوا بالأحاديث النبويَّة الشريفة التي تتعلَّق بالخذلان.

 

إن شعوبكم الحية تنتظر منكم أيها الحكامُ الشيءَ الكثيرَ، فلا تُحبطوها، لا تحبطوها، ورحم الله الخليفة العباسي المعتصم، صاحب النخوة والكرامة والشهامة، ولا حول ولا قوة إلا بالله العلي العظيم، حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ، قولوا: حسبُنا اللهُ ونِعمَ الوكيلُ.

 

أيها المصلون، أيها الصائمون: يقول رسولنا الكريم الأكرم، محمد -صلى الله عليه وسلم-: "‌إِذَا ‌جَاءَ ‌رَمَضَانُ، ‌فُتِّحَتْ ‌أَبْوَابُ ‌الْجَنَّةِ، وَغُلِّقَتْ أَبْوَابُ جهنم، وسلسلت الشَّيَاطِينُ"، وفي رواية: "صُفِّدَتِ الشياطينُ" والمعنى واحد، والحكمة من هذا الحديث النبوي الشريف حتى يكون للصائم حافز للإقبال على الله -سبحانه وتعالى-، وأن يكون باب التوبة مفتوحًا على مصراعيه للتائبين المستغفرين، فلا سلطان لشيطان الجن على الإنسان، فهل من تائب ليتوب الله عليه؟! هذا الشهر الذي أوله رحمة، وأوسطه مغفرة، وآخره عتق من النار، اللهُمَّ يا الله، يا ذا العرش المجيد، أن ترحمنا برحمتك، وأن تغفر لنا ذنوبنا، وأن تعتقنا وإيَّاكم من النار.

 

أيها المصلون، أيها الصائمون: نعم، إنَّ شياطينَ الجِنِّ مصفَّدةٌ ومربوطةٌ، في شهر رمضان المبارَك، ولكِنِ احذرُوا من شياطينِ الإنسِ، الذين يُفسِدون في الأرض، ويسفكون الدماء، ويُشِيعُونَ الفاحشةَ بين الأبرياء، احذروا أيضًا سماسرة الأرض، الذين يُسَرِّبُونَ البيوتَ، فهؤلاء جميعًا هم شياطينُ الإنسِ، لا توبة لهم، وإن إثمهم مضاعف في شهر رمضان المبارَك.

 

أيها المصلون، أيها الصائمون: أختم القسم الأول من هذه الخطبة بحديث نبوي شريف، مرتبط بالإيمان، اسمعوه جيِّدًا: "‌احْفَظِ ‌اللَّهَ ‌يَحْفَظْكَ، احْفَظِ اللَّهَ تَجِدْهُ تُجَاهَكَ، إِذَا سَأَلْتَ فَاسْأَلِ اللَّهَ، وَإِذَا اسْتَعَنْتَ فَاسْتَعِنْ بِاللَّهِ، وَاعْلَمْ أَنَّ الأُمَّةَ لَوِ اجْتَمَعَتْ عَلَى أَنْ يَنْفَعُوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَنْفَعُوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ لَكَ، وَلَوِ اجْتَمَعُوا عَلَى أَنْ يَضُرُّوكَ بِشَيْءٍ لَمْ يَضُرُّوكَ إِلَّا بِشَيْءٍ قَدْ كَتَبَهُ اللَّهُ عَلَيْكَ، رُفِعَتِ الأَقْلَامُ وَجَفَّتِ الصُّحُفُ"، وفي حديث آخَر: "‌احْفَظِ ‌اللَّهَ ‌تَجِدْهُ ‌أَمَامَكَ، ‌تَعَرَّفْ ‌إِلَى ‌اللَّهِ -عز وجل- ‌فِي ‌الرَّخَاءِ ‌يَعْرِفْكَ ‌فِي ‌الشِّدَّةِ، وَاعْلَمْ أَنَّ مَا أَصَابَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُخْطِئَكَ، وَمَا أَخْطَأَكَ لَمْ يَكُنْ لِيُصِيبَكَ، وَاعْلَمْ أَنَّ النَّصْرَ مَعَ الصَّبْرِ ، وَاعْلَمْ أَنَّ الْفَرَجَ مَعَ الْكَرْبِ، وَأَنَّ مَعَ الْعُسْرِ يُسْرًا" صدق رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.

 

ادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمينَ، والصلاةُ والسلامُ على نبيِّنا وحبيبِنا محمدٍ النبيِّ الأميِّ الأمينِ، وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

اللهمَّ صل على سيدنا محمد وعلى آل سيدنا محمد، كما صليت على سيدنا إبراهيم، وآل سيدنا إبراهيم، وبارك على سيدنا محمد، وآل سيدنا محمد، كما باركت على سيدنا إبراهيم وعلى آل سيدنا إبراهيم، في العالمين إنَّكَ حميدٌ مجيدٌ.

 

أيها المصلون، أيها الصائمون: أتناول في هذه الخطبة ثلاث رسائل وبإيجاز، الرسالة الأولى: موجَّهة إلى الأغنياء، والمقتدرين ماليًّا، وإلى الذين يملكون نصاب الزكاة، فإنَّه يتوجب عليكم إخراج زكاة أموالكم على اعتبار أن الزكاة هي ركن من أركان الإسلام، وأن الزكاة في الوقت نفسه هي حق للفقراء والمساكين، والمحتاجين والمنكوبين والمشردين والمحرومين، فيقول سبحانه وتعالى-، في سورة الذاريات: (وَفِي أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)[الذَّارِيَاتِ: 19]، ويقول -عز وجل- في سورة المعارج: (وَالَّذِينَ في أَمْوَالِهِمْ حَقٌّ مَعْلُومٌ * لِلسَّائِلِ وَالْمَحْرُومِ)[الْمَعَارِجِ: 24-25].

 

أيها المصلون، أيها الصائمون: الرسالة الثانية بشأن العنف في المدارس، نَعَم العنفُ في المدارس، وهي ظاهرة خطيرة، لِمَا لها مِن تداعيات سلبيَّة على التعليم وعلى المجتمع، فقد أخذت تنتشر في مدارس القدس أيضا؛ ممَّا يؤدِّي إلى الفوضى، وعدم استقرار التعليم، وإضعاف هيبة المعلم، كما انتقل هذا العنف إلى العائلات، وتوسعت رقعته في المجتمع، وكان الأجدر بأولياء أمور الطلاب والطالبات أن يعالجوا هذه الظاهرة بالحكمة وسعة الصدر والتسامح، وليس بالعنف المضاد، وذلك بالتعاون مع إدارات المدارس، والهيئات التربويَّة والتدريسيَّة، كما يتوجب على الآباء وعلى الأمهات، على أولياء أمور الطلاب والطالبات أن يحترموا إدارات المدارس، وأن يحافظوا على هيبة المعلِّمينَ والمعلِّمات، حتى تنجح العَمليَّة التربويَّة والتعليميَّة، وأن يحافظ الجميع على مستوى التعليم في بلادنا، اللهُمَّ هل بلغت، اللهُمَّ فاشهد.

 

أيها المصلون، أيها الصائمون: الرسالة الثالثة والأخيرة بشأن المسجد الأقصى المبارَك، الذي وضعه الاحتلال في أجواء الحرب، فاتخذ إجراءات مشددة في الأشهر الماضية، ونحن الآن في شهر رمضان المبارَك، شهر العبادة، شهر القرآن الكريم؛ فإنَّه من حق كل مسلم أن يصلي في المسجد الأقصى المبارك؛ وذلك التزامًا بنداء رسولنا الكريم الأكرم محمد -صلى الله عليه وسلم- الذي طالب المسلمين كافَّة في كل زمان ومكان بشد الرحال إلى الأقصى المبارَك، ونحن نطالب بإدخال طاقم الإسعاف والهلال الأحمر؛ لأن هناك من المرضى من يحتاج إلى الإسعاف، ولا يسعنا إلا أن نقول: حماك الله يا أقصى، قولوا: آمين.

 

أيها المصلون، أيها الصائمون: الساعةُ ساعةُ استجابةٍ، فأمِّنوا مِنْ بعدِي: اللهُمَّ تقبل صلاتنا، وقيامنا، وصيامنا، وصالح أعمالنا، اللهُمَّ آمِنًا في أوطاننا، وفرج الكرب عَنَّا، اللهمَّ هيئ من يوحد المسلمين، ويحذو حذو صلاح الدين، اللهُمَّ ارحم شهداءنا، وشهداء غزة، وشهداء المسلمين جميعًا، اللهُمَّ شافِ جرحاهم، وجرحى المسلمين جميعًا، اللهُمَّ أطلق سراح أسرانا، وسراح أسرى المسلمين جميعًا.

 

اللهمَّ إنَّا نعوذ بك من الهم والحزن، ونعوذ بك من العجز والكسل، ونعوذ بك من غلبة الدين وقهر الرجال، اللهُمَّ اجعل البيت الأبيض بالسواد يا ربَّ العالمينَ.

 

اللهمَّ إنَّا نسألكَ توبةً نصوحًا، توبةً قبلَ الممات، وراحةً عندَ الممات، ورحمةً ومغفرةً بعدَ الممات، اللهُمَّ انصر الإسلام والمسلمين، وأعلِ بفضلِكَ كلمتَي الحقِّ والدينِ، اللهمَّ اغفر للمؤمنين والمؤمنات، الأحياء منهم والأموات.

 

وأَقِمِ الصلاةَ؛ (إِنَّ الصَّلَاةَ تَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنْكَرِ وَلَذِكْرُ اللَّهِ أَكْبَرُ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ)[الْعَنْكَبُوتِ: 45].

 

 

المرفقات

بركات الصلاة في المسجد الأقصى ودعوات لأهل غزة.doc

بركات الصلاة في المسجد الأقصى ودعوات لأهل غزة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات