بذور الفتنة

عبد العزيز بن عبد الله السويدان

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/إسقاط أصول الدين ورموزه وسيلة شيطانية 2/الحيل الشيطانية التي سلكها ابن سبأ اليهودي في إضلال الناس 3/منهج أهل السنة في التعامل مع الخلاف الذي حصل بين الصحابة 4/فروق مهمة بين شيعة في القديم وبين شيعة اليوم

اقتباس

إن من وسائل أعداء الإسلام القديمة والحديثة في النيل من الإسلام: إسقاط أصوله ورموزه، وإثارة الشبهات حولهما، في محاولة منهم لزعزعة إيمان الناس به، وحتى يتم لهم ذلك بسلاسة، فإنهم ينتهجون أسلوب إبليس الماكر في التلبس بالدين ذاته، حتى ينخدع بهم الناس، ويقبلون منهم، لم يهدأ اليهود منذ. خرج عبد الله بن سبأ وهو يهودي يمني من أم حبشية يهودية؛ كما ذكر العديد من المؤرخين، والعلماء العدول، خرج زمن الخليفة عثمان بن عفان -رضى الله عنه- وفي قلبه حقد على الإسلام ناتج عن يهوديته، خرج على الناس بلسان...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ به من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله عليه وعلى آله وسلم.

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ) [آل عمران: 102].

(يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء:1].

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71].

 

أما بعد:

 

فإن أصدق الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

إن من وسائل أعداء الإسلام القديمة والحديثة في النيل من الإسلام: إسقاط أصوله ورموزه، وإثارة الشبهات حولهما، في محاولة منهم لزعزعة إيمان الناس به، وحتى يتم لهم ذلك بسلاسة، فإنهم ينتهجون أسلوب إبليس الماكر في التلبس بالدين ذاته، حتى ينخدع بهم الناس، ويقبلون منهم، لم يهدأ اليهود منذ ظهر دين الإسلام من حقدهم على الإٍسلام، وبغضهم لأهله كبرا وتعصبا أعمى، وكما قال العليم الخبير: (لَتَجِدَنَّ أَشَدَّ النَّاسِ عَدَاوَةً لِّلَّذِينَ آمَنُواْ الْيَهُودَ وَالَّذِينَ أَشْرَكُواْ)[المائدة: 82].

 

خرج عبد الله بن سبأ وهو يهودي يمني من أم حبشية يهودية؛ كما ذكر العديد من المؤرخين، والعلماء العدول، خرج زمن الخليفة عثمان بن عفان -رضى الله عنه- وفي قلبه حقد على الإسلام ناتج عن يهوديته، خرج على الناس بلسان عذب ومكر ودهاء، وقوة تأثير أتاه الله إياها، خرج يريد جمع الناس على الإعجاب به وبآرائه، ليحقق مآربه في تدمير الإسلام، فأظهر للناس الزهد والتدين والنصح، وآثر السرية في التعريف بهويته، فلا يسأله أحد إلا قال له: أنا رجل من أهل الكتاب رغب في الإسلام.

 

ذكر ابن كثير والطبري وابن الأثير: أن ابن سبأ أخذ يتنقل في بلاد المسلمين يريد ضلالتهم، فبدأ بالحجاز، ثم البصرة، ثم الكوفة، ثم الشام، فلم يقدر على شيء فيها، فأتى مصر واستقر بها، ووضع لهم عقيدتي: الوصية والرجعة، أي إظهار الغلو في على -رضي الله عنه- بدعوى الإمامة، والنص عليه فيها، وادعاء العصمة له، فقبلوها منه، وكون له في مصر أنصارا ممن استهواهم بآرائه الفاسدة.

 

لم يجد له أعوانا أو مريدين في الحجاز، وذلك قبل السنة الثلاثين من الهجرة، ولما لم يجد مبتغاه في الحجاز رحل إلى العراق، وبدأ بالبصرة، فنزل على حكيم بن جبلة العبدي.

 

وكان حكيم هذا لصا أعرابيا خشن الطباع إذا قتلت الجيوش خنس عنهم، فسعى في أرض فارس، فيغير على أهل الذمة، ويتنكر لهم، ويفسد في الأرض، ويصيب ما يشاء، ثم يرجع، فشكاه أهل الذمة وأهل القبلة إلى عثمان، فكتب إلى والي البصرة عبد الله بن عامر: أن احبسه، ومن كان مثله، فلا يخرج من البصرة، حتى تأنسوا له رشدا -أقامة جبرية في البصرة- فحبسه، فكان لا يستطيع أن يخرج منها، فلما قدم ابن السوداء -عبد الله بن سبأ- عرف عند من يرتع عند ذلك الرجل المغاضب الناقم، فنزل عليه، واجتمع إليه نفر من على شاكلة حكيم، فكلمهم فقبلوا منه واستعظموه، ولكن حينما بلغ والي البصرة ابن عامر خبر ابن سبأ أرسل إليه، وسأله: من أنت؟

 

فأخبره: أنه رجل من أهل الكتاب رغب في الإسلام والجوار، فقال ابن عامر: ما يبلغني ذلك، اخرج عني فأخرجه، فسار إلى الكوفة، ومكث بها لفترة، ولكنه لم يفلح في استقطاب إلا عدد قليل فيها.

 

فلم يمكث بها طويلا، حتى أخرجه أهلها منها، فسار نحو مصر في السنة الرابعة والثلاثين من الهجرة، واستقر فيها، وجعل يكاتب أهل البصرة والكوفة، ويكاتبونه، ويختلف الرجال بالرسائل بينهم؛ كما ذكر الطبري.

 

إذن، جد حتى وجد ضالته في أناس يستمعون لأرائه، ويميلون إليها في مصر والبصرة، وأخذ يحرك الفتنة ضد عثمان -رضي الله عنه- يؤججها وينفخ فيها، وهو في مصر سعيا منه لتدمير الإسلام بأيدي المسلمين أنفسهم من حيث لا يعلمون، وقد ويتساءل المرء: أين كان المسلمون من هذه الألاعيب والحيل؟

 

والجواب: أنه حين النظر إلى حال المسلمين في تلك المرحلة يجد الإنسان نوعا من التبرير، فالصحابة الباقون قلة متناثرة بعد أن كانوا في المدينة جمعهم عمر، ولم يرضَ لهم أن يخرجوا منها الصحابة قلة متناثرة وسط بحر متلاطم من البشر، والملايين من الناس حولهم حديث عهد بالإسلام، فبلاد المسلمين في عهد عثمان -رضي الله عنه- امتدت أطرافها إلى ما وراء أفغانستان شرقا، إلى أرمينيا شمالا، وفي أفريقيا إلى ما وراء القيروان غربا، والجزيرة العربية كلها جنوبا.

 

مملكة شاسعة المساحة، مترامية الأطراف، وفيها من نفوس البشر أنواعا متباينة، وقد عم الرخاء، وكثرت الغنائم، واهتم الرعاع بأمور الدنيا وزينتها، وكثر السبي بما فيه من منافع ومضار، واختلطت الأمة بعديد من الشعوب والقبائل التي لم تنل قسطا كافيا من التربية، ولم تتشبع بروح الإسلام، وقضى الفتح الإسلامي على ممالك كان أهلها أسيادا، بل كان يزدرون العرب ويحتقرونهم.

 

فالفرس الذين دك الإسلام عروشهم، وأزال سلطانهم، لما أصروا على صد كلمة الله، ومنعها من الوصول إلى الناس، فلما أسقط في أيدهم أظهروا الإسلام، وأضمروا الغل والحقد على الإسلام وأهله من العرب، وكانوا مهيئين لاستقبال أي مشروع للعودة إلى أمجادهم، ومجوسيتهم، واعتقادهم بألوهية البشر -إلا من رحم الله منهم-، ولأن قلبه ملئ حقدا على دين الإسلام.

 

وبينما كان الفاروق عمر -رضي الله عنه- مهيبا شديد الحزم في خلافته، كان عثمان بن عفان -رضي الله عنه- سمحا، لينا للناس، مما أطمع الناس فيه..

 

فكثرت المطالبات، ومنها مطالبتهم بعزل الولاة، وقد شجع هذا الجو أهل الأهواء في البدء في العمل التآمري في الخفاء أينما كانوا، ولذلك نقول: إن ابن سبأ وجد له أعوانا ومريدين بين هؤلاء، وأبدي لعامة الناس تفهمه للإسلام، ومعرفته، والعامة على فطرتهم لا يعرفون المناقشات والفلسفات، والأعراب الذين يعيشون معهم أكثر جلافة، وإذا اقتنعوا بشيء، واجتمعوا عليه، صعب استخراجه من نفوسهم، فأعجبوا به، واستخفهم فأطاعوه.

 

وكان يقول لهم في بداية الأمر: عجيب من يزعم أن عيسى يرجع، ويكذب بأن محمدا لا يرجع، والله -سبحانه- يقول له: (إِنَّ الَّذِي فَرَضَ عَلَيْكَ الْقُرْآنَ لَرَادُّكَ إِلَى مَعَادٍ)[القصص: 85].

 

فمحمد يكون أحق بالرجوع من عيسى، وهكذا بدأ بالتشكيك في العقيدة، ورأى هذا اليهودي: أن علي بن أبي طالب -رضي الله عنه- على رأس الصحابة الذين بقوا من حيث المكانة والتقدير، وهو الرجل الثاني بعد الخليفة، له قرابة بالرسول -صلى الله عليه وسلم-، فركز عليه، ودعا له بالتمكين، لا حبا فيه، وإنما لبذر الفتنة في المجتمع المسلم.

 

وهو يعرف أنه لو دعا لنفسه، أو لشخص مغمور، لافتضح أمره، وانكشف، ولما اجتمع عليه الناس وأصبح يقول: "إن لكل نبي وصيا، وعلي هو وصي النبي".

 

وأخذ يطعن في الخليفة الراشد عثمان -رضي الله عنه-، وبأسلوب إدارته وبولاته، واتهمه بالمحاباة والظلم، وأشاع هذه الأراجيف في أعوانه في البصرة والكوفة.

 

وحاول الخليفة استدراك الوضع، واستشار الصحابة في أمر المنحرفين، واجتهد رضي الله عنه، ولكن أمر الله كان قدرا مقدورا، وصارت الفتنة، وقتل الخليفة عثمان -رضي الله عنه-، وأصبح علي -رضي الله عنه- في مواجهة وضع صعب أمام تلك الجموع من الغوغاء المتوحشة من قتلة عثمان، لاسيما وأن جنود الخلافة في ثغورهم في أمصار المسلمين لم يصلوا بعد.

 

أيها الإخوة: لا نريد أن نسترسل في ذكر الأحداث، ولا نخوض في تفاصيلها بعد ذلك؛ لأن منهج الصحابة والتابعين من علماء الأمة، وسلفها الصالح، هو عدم ذكر وقائع الفتنة بعد ذلك.

 

قال الشافعي وغيره: "تلك فتنة عصم الله منها سيوفنا، فلنعصم منها ألسنتنا".

 

وإن من أكبر القوادح في الإيمان: تنقص أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- أو سبهم، أو تنقص أهل بيته الكرام.

 

فلقد علمنا الإسلام: أن نحب أهل بيت النبي -صلى الله عليه وسلم-، ونحب أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم-، ولا نغلو في حب أحد منهم، لا في علي -رضي الله عنه-، ولا في غيره، ولا نتبرأ من أحد منهم، بل نبغض من يبغضهم، وما ارتكبوه من أخطاء يذوب في بحر حسناتهم، فهم الذين رضي الله عنهم: (لَقَد تَّابَ الله عَلَى النَّبِيِّ وَالْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ الَّذِينَ اتَّبَعُوهُ فِي سَاعَةِ الْعُسْرَةِ مِن بَعْدِ مَا كَادَ يَزِيغُ قُلُوبُ فَرِيقٍ مِّنْهُمْ ثُمَّ تَابَ عَلَيْهِمْ إِنَّهُ بِهِمْ رَؤُوفٌ رَّحِيمٌ) [التوبة: 117].

 

ولا نذكرهم إلا بخير كما ذكرهم ربهم ومولاهم -تبارك وتعالى- بقوله: (وَالسَّابِقُونَ الأَوَّلُونَ مِنَ الْمُهَاجِرِينَ وَالأَنصَارِ وَالَّذِينَ اتَّبَعُوهُم بِإِحْسَانٍ رَّضِيَ اللّهُ عَنْهُمْ وَرَضُواْ عَنْهُ)[التوبة: 100].

 

وهو جل وعلا لما أنزل هذه الآيات يعلم مآلهم، ويعلم ما سيحدث بينهم، ومع ذلك يثني عليهم، ويرضى عنهم، ويتوب عليهم، فهم الذين ضحوا بالغالي والنفيس في سبيل إعلاء دينه وكلمته.

 

هم الذين نصروا نبيه، فدوه بأموالهم وأنفسهم -رضي الله عنه أجمعين-؛ فمذهب أهل السنة والجماعة فيما حدث بينهم من خلافات أو حروب هو: الإمساك عن ذلك كله، فهم بشر يصيبون ويخطئون، فنقول: هم أفضل البشر في الأمة بعد نبيها، ولهم رب يجمعهم يوم القيامة، ويحكم بينهم.

 

ونثبت الخلافة بعد الرسول -صلى الله عليه وسلم- لأبي بكر تفضيلا له وتقديما على جميع الأمة، ثم لعمر، ثم لعثمان، ثم لعلي -رضي الله عنهم أجمعين-.

 

أسأل الله -تعالى- أن يجمعنا بالنبي، وأهل بيته وصحابته الكرام.

 

وأستغفر الله فاستغفروه، إنه غفور رحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله رب العالمين، والصلاة والسلام على سيد الخلق، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

 

فيجب أن ندرك أن التشيع في زمن علي ومعاوية -رضي الله عنهما- لم يكن معتقدا في شكله اليوم، وإنما كان سياسيا محضا، أنصار أو شيعة علي وشيعة معاوية.

 

هكذا كان الخلاف بين الطرفين: طائفة علي يرون عليا -رضي الله عنه- صاحب حق شرعي في الخلافة، حيث انعقدت له بمشورة أهل الحل والعقد، من المهاجرين والأنصار.

 

وليس أمرا منصوصا عليه من السماء، كما يزعم من يعتقد ذلك اليوم من الباطنية، لا.

 

وطائفة معاوية -رضي الله عنه- رأت أن ذلك لا يكون حتى يقتص من قتلة عثمان الذين بالمدينة حول علي ذاته -رضي الله عنه-، وطالبوا بإخراجه قبل ذلك.

 

وما عدا السبئية من أتباع عبد الله بن سبأ من المنافقين واليهود والمجوس المندسين، بكلا الفريقين، لإحداث الشغب، وإذكاء الفتنة، وإيغار الصدور، وهم قلة، وكتلة مستقلة، لها أفكارها وعقائدها التي تضمرها، ولها أهدافها وأغراضها الخبيثة، ما عدا هؤلاء، كان الجميع من كلا الفريقين يترضون على أبي بكر وعمر وعثمان.

 

ولا يرون في القرآن نقصا ولا تحريفا، لا شيعة علي ولا شيعة معاوية.

 

ولا يستغيثون بأحد من البشر، فيما لا يقدر عليه إلا الله، ولا يطوفون حول القبور، ولا يعتقدون العصمة في أحد من البشر.

 

ولم يكن في صدورهم بغضا دفينا للسلف الصالح؛ كأبي بكر وعمر وعثمان، ولا اتهام بغيض لأزواج النبي -صلى الله عليه وسلم- وتخوينهن كلهن، ما عدا أم سلمة -رضي الله عنهن كلهن-، بل كانوا يحبون صحابته، ويعتبرون أزواجه أمهاتهم، فلهن المحبة والتقدير والاحترام.

 

هكذا كان الحال بالفريقين شيعة علي وشيعة معاوية، وخلافهم إنما كان حول قتلة عثمان، وتوقيت البت في الخلافة.

 

وقد كان واحد من الحزبين يعتقد بإيمان الآخر وإسلامه، ويتمنى الإصلاح والتوافق، ولذلك صالح الحسين بين علي -رضي الله عنه- معاوية بن أبي سفيان -رضي الله عنه- بعد مقتل أبيه من قبل الخارجي بن ملجم، وبايعه فيما يسمى بعام الجماعة.

 

ولو كان يظنه كافرا خارجا عن الإسلام لما اتفق معه، ولا بايعه، هكذا كان الحال، لكن الأمر تطور في المدائن حيث استقر ابن سبأ هناك عند بقايا المجوس من الفرس، وهناك كما قال الشهرستاني في كتابه الملل والنحل: أشهر القول بإمامة علي، وسائر أهل بيته، والبراءة من أعداء علي -رضي الله عنه-.

 

ويعني بعبارة أخرى البراءة من الصحابة -رضي الله عنهم-، ومن والاهم؛ لأنهم في زعمه هم الذين حرموه من حقه، وتطور الأمر أكثر من ذلك بعد مقتل الحسين -رضي الله عنه- في زمن الدولة الأموية.

 

وعكف أهل البدع من بقايا المجوس المتسترين بالإسلام باستغلال الحدث لإضافة المزيد على عقيدتهم الفاسدة، في ظل غياب مرجع ثابت يقفون عنده؛ كالكتاب والسنة، فإنه لا حدود للتغير والتبديل، يلعب الإنسان كيف يشاء، لا كتاب ولا سنة يردع، فابتدعوا مزيدا من الأصول الباطلة، واحدا تلو الآخر، تحت ستار حب أهل البيت، وبالغوا كعادة أهل البدع، ونسجوا الأساطير الخيالية، وظهرت آثار تراثهم العقدي القديم، الذي لا يمت للإسلام بصلة على معتقدهم الجديد.

 

فعظموا النيروز كما كان يعظم في زمن المجوس.

 

وجعلوا الإمامة العظمى بمنزلة النبوة، بل أكبر منها.

 

وزعموا لمن اصطفوهم من أهل البيت صفات إلهية، كما كان العقيدة الزرادشتية في عهد المجوس تؤمن بأن الله أنشأ روح زرادشت الحكيم في شجرة أنشأها في أعلى عليين، وأحف بها سبعين من الملائكة المقربين، ورجال القبيلة الدينية من نسل زرادشت، هم ظل الله في الأرض، وتتجسد فيهم الذات الإلهية.

 

وبالتالي فإن الحاكم يجب أن يكون الحاكم منهم، فكان شيء من ذلك الاعتقاد متعلقا بأهل البيت، وعلقوا أتباعهم بإمام غائب، يخرج آخر الزمان، فيتوجه إلى المدينة، ليخرج الصديق والفاروق وابنتيهما، فيحييهم ثم يقتلهم مرات عديدة، ثم يعمل القتل في أتباعهم من أهل السنة والجماعة.

 

هذا مدون في عقائدهم، إلى هذا اليوم.

 

وجعلوا التقية -وهي إظهار خلاف الباطن- معتقدا لا يصح الدين بدونها، وتداولوا مفهوم المظلومية لأهل البيت، وأججوا بها صدور عوام الناس أجيالا بعد أجيال، حتى حدث المبتغى.

 

وأصبح في الأمة من يدعي أن القرآن محرف! وأن أقرب الناس من النبي -صلى الله عليه وسلم- صحابته المقربين، وزوجاته، هم أكبر الخونة، وأشد الناس كفرا -نسأل الله السلامة والعافية-.

 

أيها الإخوة المسلمون: إن الجهل من أعدى أعداء الإنسان، وإذا اجتمع مع الجهل عاطفة عمياء، فكبر على المرء أربع تكبيرات، ولذلك نقول: ينبغي أن يكون المسلم يقظا واعيا، لا يخدع بمظاهر البطولة المزيفة، فقبل أن نوالي، أو نعادي، يجب أن نقيم من أمامنا بدينه ومعتقده، لا بصياحه وعباراته.

 

أسأل الله -تعالى- أن يحفظنا من شر كل ذي شر، وأن يجمع قلوب المسلمين على الحق والهدى.

 

اللهم أعل راية الإسلام، وأعز المسلمين.

 

اللهم هيئ للأمة من أمرها رشدا.

 

اللهم ألف بين قلوب المسلمين، واجمع كلمتهم على الحق.

 

اللهم انصر أهل السنة والجماعة في كل مكان.

 

 

 

 

المرفقات

الفتنة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات