بادروا بالأعمال

أحمد شريف النعسان

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/ كثرة الفتن في هذا الزمن وكيفية الاستفادة منها 2/ وجوب المبادرة بالأعمال الصالحة وفضل ذلك 3/ بعض حِكم الأزمات

اقتباس

هذهِ الأَزْمَةُ فَرَّقَتْ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ, وبَيْنَ المُنَافِقِينَ الزَّائِفِينَ, وأَظْهَرَتْ مَكْنُونَاتِ مَا في قُلُوبِ النَّاسِ, وأَخْرَجَتْ دَخَائِلَ نُفُوسِهِم, وأَظْهَرَتْ خَوَاطِرَ عُقُولِهِم, وكَشَفَتْ ذلكَ في فَلَتَاتِ أَلْسِنَتِهِم, في كَثِيرٍ من أَحْوَالِهِم وأَقْوَالِهِم وأَفْعَالِهِم ..

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله رب العالمين, وأفضل الصلاة وأتم التسليم على سيدنا محمد, وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد:

 

فيا عِبَادَ اللهِ: الإِيمَانُ باللهِ -تعالى- واليَوْمِ الآخِرِ لَيْسَ كَلِمَةً تُقَالُ, إِنَّمَا هُوَ حَقِيقَةٌ ذَاتُ تَكَالِيفَ وأَمَانَةٍ, وذَاتُ أَعْبَاءٍ وجِهَادٍ, يَحْتَاجُ إلى صَبْرٍ وجُهْدٍ, ويَحْتَاجُ إلى احْتِمَالٍ, والفِتْنَةُ والاخْتِبَارُ هِيَ دَلِيلٌ على صِدْقِ الإِيمَانِ: (الم * أَحَسِبَ النَّاسُ أَنْ يُتْرَكُوا أَنْ يَقُولُوا آمَنَّا وَهُمْ لَا يُفْتَنُونَ * وَلَقَدْ فَتَنَّا الَّذِينَ مِن قَبْلِهِمْ فَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ صَدَقُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْكَاذِبِينَ) [العنكبوت:1-3].

 

يَا عِبَادَ اللهِ: وَنَحْنُ لا نَشُكُّ أَبَدَاً أَنَّنَا في زَمَنِ الفِتَنِ والأَحْدَاثِ العَظِيمَةِ الجَلِيلَةِ, ولَكِنْ عِنْدَمَا نَنْظُرُ بِنُورِ اللهِ -تعالى-, ونَسْتَهْدِي بِهَدْيِ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ-, تَنْكَشِفُ لَنَا الحَقَائِقُ, وتَتَبَدَّى الظُّلُمَاتُ, ونَكُونُ على حَذَرٍ من إِغْوَاءِ شَيَاطِينِ الإِنْسِ والجِنِّ.

 

يَا عِبَادَ اللهِ: وَاقِعُنَا المَرِيرُ, وحَالَتُنَا الرَّاهِنَةُ, من تَكَالُبِ الأَعْدَاءِ على هذهِ الأُمَّةِ, ومن تَفَرُّقِ الآرَاءِ, وكَثْرَةِ الجَهْلِ, قَد وَصَفَهُ لَنَا سَيِّدُنَا رَسُولُ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ- بِقَوْلِهِ: "يَتَقَارَبُ الزَّمَانُ, وَيُقْبَضُ الْعِلْمُ, وَتَظْهَرُ الْفِتَنُ, وَيُلْقَى الشُّحُّ, وَيَكْثُرُ الْهَرْجُ" قَالُوا: وَمَا الْهَرْجُ؟ قَالَ: "الْقَتْلُ" [رواه مسلم].

 

هَلْ تَرَوْنَ صُورَةً أَوْضَحَ وأَدَقَّ في وَصْفِ أَحْوَالِنَا اليَوْمَ في تَقَارُبِ الزَّمَانِ, ومَوْتِ العُلَمَاءِ الرَّبَّانِيِّينَ وفَقْدِهِم, وذَهَابِ المُخْلِصِينَ الصَّادِقِينَ مِنْهُم إلا من رَحِمَ اللهُ -تعالى-, وظُهُورِ الفِتَنِ التي تُرَقِّقُ التي قَبْلَهَا, وظُهُورِ الشُّحِّ والبُخْلِ, وكَثْرَةِ الهَرْجِ والقَتْلِ؟

 

يَا عِبَادَ اللهِ: اُنْظُرُوا إلى صُورَةٍ أَوْضَحَ من ذلكَ في مَسْأَلَةِ الفِتَنِ, روى الشيخان عَنْ أُسَامَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- أَنَّ النَّبِيَّ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ- أَشْرَفَ عَلَى أُطُمٍ مِنْ آطَامِ الْمَدِينَةِ, ثُمَّ قَالَ: "هَلْ تَرَوْنَ مَا أَرَى؟ إِنِّي لَأَرَى مَوَاقِعَ الْفِتَنِ خِلَالَ بُيُوتِكُمْ كَمَوَاقِعِ الْقَطْرِ" أَلَيْسَ قَطْرُ المَطَرِ يُصِيبُ كُلَّ شَيْءٍ؟! لَقَد عَمَّتِ البَلْوَى, وشَاعَتِ الفِتَنُ.

 

يَا عِبَادَ اللهِ: لِنَسْمَعْ وَصِيَّةَ سَيِّدِنَا رَسُولِ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ- أَيَّامَ الفِتَنِ, والتي كَادَتْ أَنْ تُصِيبَ المُؤْمِنَ في دِينِهِ, روى الإمام مسلم عَنْ أَبِي هُرَيْرَةَ -رَضِيَ اللهُ عَنهُ- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صَلَّى اللهُ عَلَيهِ وعَلَى آلِهِ وصَحْبِهِ وسَلَّمَ- قَالَ: "بَادِرُوا بِالْأَعْمَالِ, فِتَنَاً كَقِطَعِ اللَّيْلِ الْمُظْلِمِ, يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُؤْمِنَاً وَيُمْسِي كَافِرَاً, أَوْ يُمْسِي مُؤْمِنَاً وَيُصْبِحُ كَافِرَاً, يَبِيعُ دِينَهُ بِعَرَضٍ مِن الدُّنْيَا".

 

يَا عِبَادَ اللهِ: واللهِ لَكَأَنَّا نَرَى ذلكَ رَأْيَ العَيْنِ, ونَرَى مَن اسْمُهُ من أَسْمَاءِ المُسْلِمِينَ, وسَمْتُهُ من سَمْتِهِم, ثمَّ نَرَى فِعْلَهُ وقَالَهُ وحَالَهُ وكَأَنَّهُ لا عَلاقَةَ لَهُ بالإِسْلامِ, بَلْ رُبَّمَا أَنْ يَكُونَ فِعْلُهُ أَشَدَّ من أَفْعَالِ الكَافِرِينَ في الفَسَادِ, ومَا ذَاكَ إلا لِتَعَلُّقِهِ بالدُّنْيَا وحِرْصِهِ عَلَيْهَا، يَقُولُ سَيِّدُنَا الحَسَنُ البَصْرِيُّ -رَحِمَهُ اللهُ تعالى-: "يُصْبِحُ الرَّجُلُ مُحَرِّمَاً لِدَمِ أَخِيهِ وَعِرْضِهِ وَمَالِهِ, وَيُمْسِي مُسْتَحِلَّاً لَهُ, وَيُمْسِي مُسْتَحِلَّاً لَهُ، وَيُصْبِحُ مُحَرِّمَاً لَهُ. ثمَّ يَقُولُ: فَوَاللهِ لَقَد رَأَيْنَاهُم صُوَرَاً ولا عُقُولَاً، وَأَجْسَامَاً ولا أَحْلَامَاً, فَرَاشَ نَارٍ, وَذُبَابَ طَمَعٍ، يَغْدُو يَبِيعُ دِينَهُ بِدِرْهَمَيْنِ, يَغْدُونَ بِدِرْهَمَيْنِ وَيَرُوحُونَ بِدِرْهَمَيْنِ, يَبِيعُ أَحَدُهُم دِينَهُ بِثَمَنِ العَنْزِ، واللهِ لَقَد رَأَيْنَاهُم".

 

يَا عِبَادَ اللهِ: هذهِ الأَزْمَةُ فَرَّقَتْ بَيْنَ المُؤْمِنِينَ الصَّادِقِينَ, وبَيْنَ المُنَافِقِينَ الزَّائِفِينَ, وأَظْهَرَتْ مَكْنُونَاتِ مَا في قُلُوبِ النَّاسِ, وأَخْرَجَتْ دَخَائِلَ نُفُوسِهِم, وأَظْهَرَتْ خَوَاطِرَ عُقُولِهِم, وكَشَفَتْ ذلكَ في فَلَتَاتِ أَلْسِنَتِهِم, في كَثِيرٍ من أَحْوَالِهِم وأَقْوَالِهِم وأَفْعَالِهِم, قَالَ تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَقُولُ آمَنَّا بِاللَّهِ فَإِذَا أُوذِيَ فِي اللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ النَّاسِ كَعَذَابِ اللَّهِ وَلَئِن جَاء نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ أَوَلَيْسَ اللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ الْعَالَمِينَ * وَلَيَعْلَمَنَّ اللَّهُ الَّذِينَ آمَنُوا وَلَيَعْلَمَنَّ الْمُنَافِقِينَ) [العنكبوت:10-11].

 

اِبْتِلاءٌ يَسِيرٌ, ومِحْنَةٌ عَارِضَةٌ, تَرَى البَعْضَ انْسَلَخَ مِن دِينِهِ, وتَجَرَّدَ من إِيمَانِهِ, وشَكَّ في قُدْرَةِ رَبِّهِ رَبِّ الأَرْبَابِ, وَمَلِكِ المُلُوكِ, وجَبَّارِ السَّمَاوَاتِ والأَرْضِ, ونَسِيَ أَنَّ أَمْرَ اللهِ -تعالى- بعد الكَافِ والنُّونِ.

 

بِابْتِلاءٍ يَسِيرٍ, ومِحْنَةٍ عَارِضَةٍ, اِنْقَلَبَ على وَجْهِهِ, خَسِرَ الدُّنْيَا والآخِرَةَ, قَالَ تعالى: (وَمِنَ النَّاسِ مَن يَعْبُدُ اللَّهَ عَلَى حَرْفٍ فَإِنْ أَصَابَهُ خَيْرٌ اطْمَأَنَّ بِهِ وَإِنْ أَصَابَتْهُ فِتْنَةٌ انقَلَبَ عَلَى وَجْهِهِ خَسِرَ الدُّنْيَا وَالْآخِرَةَ ذَلِكَ هُوَ الْخُسْرَانُ الْمُبِينُ * يَدْعُو مِنْ دُونِ اللهِ مَا لَا يَضُرُّهُ وَمَا لَا يَنْفَعُهُ ذَلِكَ هُوَ الضَّلَالُ الْبَعِيدُ * يَدْعُو لَمَن ضَرُّهُ أَقْرَبُ مِن نَّفْعِهِ لَبِئْسَ الْمَوْلَى وَلَبِئْسَ الْعَشِيرُ) [الحج:11-13].

 

نَسْأَلُ اللهَ -تعالى- أَنْ يَعْصِمَنَا من الذُّنُوبِ والخَطَايَا, وأَنْ لا نَضِيعَ مَعَ الضَّائِعِينَ, ولا نَزِيغَ مَعَ الزَّائِغِينَ, ولا نَهْلَكَ مَعَ الهَالِكِينَ, وأَنْ يُنَجِّيَنَا من جَمِيعِ الفِتَنِ مَا ظَهَرَ مِنْهَا ومَا بَطَنَ، آمين.

 

 

 

المرفقات

بالأعمال

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات