عناصر الخطبة
1/الوفاء تعريفه وحقيقته 2/مراتب الوفاء 3/من أنواع الوفاء 4/التحذير من إخلاف الوعداقتباس
وإِخْلَافُ الوَعْدِ لَا يَجُوزُ لأنه مِنْ عَلَامَاتِ المُنَافِقِينَ؛ فقد أَعْطَوْا اللهَ العُهودَ والمَواثِيقَ: (لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ)[التوبة: 75] من الدُّنيا فبَسَطَها لنا ووسَّعَها، (لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ)[التوبة: 75]، فنَصِلُ الرَّحِمَ، ونَقْرِي الضَّيفَ، ونُعِينُ على نَوائِبِ الحَقِّ،...
الخُطْبَةُ الأُولَى:
الحمد لله ربِّ العالمين، والصلاة والسلام على رسوله الكريم، وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمَّا بعد: الوَفَاءُ: هو تأدِيَةُ الحقِّ كاملاً غيرَ مَنْقوص، سواء في ذلك الحقوقِ المعنوية؛ كالاحترامِ والتَّقدير، والعِرْفانِ بالجَمِيل، أو الماديةِ بأنْ يُؤَدِّي ما عليه من حقوقٍ ماديةٍ بِتَمامِها وكمالِها، دون تلكُّؤٍ أو مُماطلَةٍ، أو مُراوغَةٍ أو تَعَنُّت.
والوَفَاءُ أخو الصِّدْقِ والعَدْل، والغَدْرُ أخو الكَذِبِ والجَوْر؛ لأنَّ الوفاءَ صِدْقُ اللِّسانِ والفِعْلِ مَعًا، والغَدْرَ كَذِبٌ بِهِما؛ لأنَّ فيه مع الكذبِ نَقْضَ العَهْد.
وصاحِبُ الوَفاءِ الأَوْفَى والأَعْلَى هو اللهُ -جَلَّ في عُلاه-: (وَمَنْ أَوْفَى بِعَهْدِهِ مِنْ اللَّهِ)[التوبة: 111]؛ وقال -سبحانه-: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِي أُوفِ بِعَهْدِكُمْ)[البقرة: 40]؛ وقال أيضًا: (قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ)[البقرة: 80]، ومِنْ دُعاءِ النبيِّ -صلى الله عليه وسلم- في صلاةِ الجِنازَةِ: "اللَّهُمَّ إِنَّ فُلَانَ بْنَ فُلَانٍ فِي ذِمَّتِكَ وَحَبْلِ جِوَارِكَ؛ فَقِهِ فِتْنَةَ القَبْرِ وَعَذَابَ النَّارِ، وَأَنْتَ أَهْلُ الوَفَاءِ وَالحَمْدِ"(صحيح، رواه أحمد وأبو داود).
ولِلوَفاءِ مَراتِبُ ثَلَاثَةٌ:
أوَّلُها: أنْ يَفِيَ الإنسانُ لِمَنْ يَفِي له، وهذا فَرْضٌ لازِم.
وثانِيها: الوَفاءُ لِمَنْ غَدَرَ، وفي الحديث: "وَإِنِ امْرُؤٌ شَتَمَكَ وَعَيَّرَكَ بِمَا يَعْلَمُ فِيكَ فَلَا تُعَيِّرْهُ بِمَا تَعْلَمُ فِيهِ؛ فَإِنَّمَا وَبَالُ ذَلِكَ عَلَيْهِ"(صحيح، رواه أبو داود)، فَمَنْ شِيمَتُه الوَفاء يَفِي لِلصَّديقِ والعدو، ومَنْ طَبِيعتُه الغَدْر لا يَفِي لأحَدٍ.
وثالِثُها: الوفاء بعدَ حُلولِ الموت، وهو أَحْسَنُ مِنَ الوفاءِ حالَ الحياة، ومع رَجاءِ اللِّقاء.
ومِنْ أَهَمِّ أنواعِ الوَفَاءِ:
الأول: الوَفَاءُ بِالعُهودِ: يُقال: وَفِيَ بِعَهْدِه يَفِي وَفَاءً وأَوْفَى، إذا تَمَّمَ العَهْدَ ولم يَنْقُضْ حِفْظَه، وضِدُّ العَهْدِ الغَدْر وهو التَّرْكُ. والقرآن الكريم جاء بلفظ: "أَوْفَى"، قال -تعالى-: (وَأَوْفُوا بِعَهْدِ اللَّهِ إِذَا عَاهَدْتُمْ)[النحل: 40]، (وَالْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُوا)[البقرة: 177]؛ (وَأَوْفُوا بِالْعَهْدِ إِنَّ الْعَهْدَ كَانَ مَسْئُولاً)[الإسراء: 34].
وأثنى اللهُ على الذين يُوفونَ بِالعهود فقال -سبحانه-: (إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ * الَّذِينَ يُوفُونَ بِعَهْدِ اللَّهِ وَلَا يَنْقُضُونَ الْمِيثَاقَ)[الرعد: 19، 20]، وبيَّن جزاءَهُم: (أُوْلَئِكَ لَهُمْ عُقْبَى الدَّارِ * جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا)[الرعد: 19-23].
ومِنْ أهَمِّ أنواعِ الوَفَاءِ: الوفاءُ بالعَهْدِ بين العبدِ وربِّه؛ (أَلَمْ أَعْهَدْ إِلَيْكُمْ يَا بَنِي آدَمَ أَنْ لَا تَعْبُدُوا الشَّيْطَانَ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ * وَأَنْ اعْبُدُونِي هَذَا صِرَاطٌ مُسْتَقِيمٌ)[يس: 60، 61]، وامتدحَ اللهُ إبراهيمَ -عليه السلام- بالوفاءِ بالعَهْد: (وَإِبْرَاهِيمَ الَّذِي وَفَّى)[النجم: 37]؛ أي: عَمِلَ بما أُمِرَ به، وبَلَّغَ رسالاتِ ربِّه.
الثاني: الوَفَاءُ بِالعُقودِ: قال -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا أَوْفُوا بِالْعُقُودِ)[المائدة: 1]، والمقصود الوفاءُ بما عَقَدُوهُ على أنفسِهم لله من طاعات؛ كالحجِّ والصيامِ، والاعتكافِ، والنَّذْرِ، وغيرِها، ويَشْمَل أيضًا ما عَقَدَه المرءُ على نفسِه؛ من بيعٍ وشراءٍ، وإجارةٍ، ونكاحٍ، وطلاقٍ، وتمليكٍ، ومُصالَحَةٍ، وغيرِها مِمَّا لا يُخالِفُ الشَّرْعَ، وجاء في الحديث الصحيح: "أُولَئِكَ خِيَارُ عِبَادِ اللَّهِ عِنْدَ اللَّهِ يَوْمَ القِيَامَةِ المُوفُونَ المُطِيبُونَ"(رواه أحمد)؛ أي: الذين يُؤَدُّونَ ما عليهم من الحَقِّ بِطِيبِ نَفْسٍ.
الثالث: الوَفَاءُ بِالأُجُورِ: قال النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "أَعْطُوا الأَجِيرَ أَجْرَهُ قَبْلَ أَنْ يَجِفَّ عَرَقُهُ"(صحيح، رواه ابن ماجه)، والوَفاءُ بإعطاءِ الأَجِيرِ أجْرَه من أسبابِ إجابةِ الدُّعاء؛ كما يدلُّ عليه حديثُ الثَّلاثةِ الذين أَوَوُا المَبِيتَ إلى الغار، والشاهد منه: "قَالَ الثَّالِثُ: اللَّهُمَّ إِنِّي اسْتَأْجَرْتُ أُجَرَاءَ فَأَعْطَيْتُهُمْ أَجْرَهُمْ غَيْرَ رَجُلٍ وَاحِدٍ تَرَكَ الَّذِي لَهُ وَذَهَبَ، فَثَمَّرْتُ أَجْرَهُ -أي: كَثَّرْتُ ونمَّيْتُ- حَتَّى كَثُرَتْ مِنْهُ الأَمْوَالُ، فَجَاءَنِي بَعْدَ حِينٍ فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ أَدِّ إِلَيَّ أَجْرِي، فَقُلْتُ لَهُ: كُلُّ مَا تَرَى مِنْ أَجْرِكَ؛ مِنَ الإِبِلِ وَالبَقَرِ وَالغَنَمِ وَالرَّقِيقِ، فَقَالَ: يَا عَبْدَ اللَّهِ لاَ تَسْتَهْزِئْ بِي! فَقُلْتُ: إِنِّي لاَ أَسْتَهْزِئُ بِكَ، فَأَخَذَهُ كُلَّهُ، فَاسْتَاقَهُ، فَلَمْ يَتْرُكْ مِنْهُ شَيْئًا، اللَّهُمَّ فَإِنْ كُنْتُ فَعَلْتُ ذَلِكَ ابْتِغَاءَ وَجْهِكَ، فَافْرُجْ عَنَّا مَا نَحْنُ فِيهِ. فَانْفَرَجَتِ الصَّخْرَةُ، فَخَرَجُوا يَمْشُونَ"(رواه البخاري).
الثالث: الوَفَاءُ بِالدُّيُونِ: الدَّينُ أمانةٌ عند المَدِين، وهو مأمورٌ بالوفاءِ بأدائه، عَنْ أَبِي ذَرٍّ -رضي الله عنه- قَالَ: كُنْتُ مَعَ النَّبِيِّ -صلى الله عليه وسلم- فَلَمَّا أَبْصَرَ -يَعْنِي أُحُدًا- قَالَ: "مَا أُحِبُّ أَنَّهُ يُحَوَّلُ لِي ذَهَبًا، يَمْكُثُ عِنْدِي مِنْهُ دِينَارٌ فَوْقَ ثَلاَثٍ، إِلاَّ دِينَارًا أُرْصِدُهُ لِدَيْنٍ"(رواه البخاري)، ففيه الاهتمامُ بأمرِ الدَّين، وتهيئَتُه لأدائه، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "نَفْسُ المُؤْمِنِ مُعَلَّقَةٌ بِدَيْنِهِ حَتَّى يُقْضَى عَنْهُ"(صحيح، رواه الترمذي)، والمَعْنَى كما قال النووي -رحمه الله-: "أَنَّ نَفْسَهُ مُطَالَبَةٌ بِمَا عَلَيْهِ، وَمَحْبُوسَةٌ عَنْ مَقَامِهَا الكَرِيمِ حَتَّى يُقْضَى، لَا أَنَّهُ يُعَذَّبُ، لَا سِيَّمَا إنْ كَانَ خَلْفَهُ وَفَاءٌ وَأَوْصَى بِهِ".
وقال -عليه الصلاة والسلام-: "مَنْ أَخَذَ أَمْوَالَ النَّاسِ يُرِيدُ أَدَاءَهَا؛ أَدَّى اللَّهُ عَنْهُ، وَمَنْ أَخَذَ يُرِيدُ إِتْلاَفَهَا؛ أَتْلَفَهُ اللَّهُ"(رواه البخاري)، وقال أيضًا: "أَيُّمَا رَجُلٍ يَدَيَّنُ دَيْنًا -أي: يَسْتَقْرِضُ- وَهُوَ مُجْمِعٌ -أي: عَازِمٌ- أَنْ لاَ يُوَفِّيَهُ إِيَّاهُ؛ لَقِيَ اللَّهَ سَارِقًا"(حسن، رواه ابن ماجه)، وعن عَبْدِ اللَّهِ بْنِ أَبِي رَبِيعَةَ المَخْزُومِيِّ -رضي الله عنه- أَنَّ النَّبِيَّ -صلى الله عليه وسلم- اسْتَسْلَفَ مِنْهُ -أي: أخَذَ مِنْهُ قَرْضًا- حِينَ غَزَا حُنَيْنًا ثَلاَثِينَ أَوْ أَرْبَعِينَ أَلْفًا، فَلَمَّا قَدِمَ قَضَاهَا إِيَّاهُ، ثُمَّ قَالَ لَهُ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "بَارَكَ اللَّهُ لَكَ فِي أَهْلِكَ وَمَالِكَ، إِنَّمَا جَزَاءُ السَّلَفِ الوَفَاءُ وَالحَمْدُ"؛ أي: الشُّكرُ له؛ بالدُّعاءِ له. (صحيح، رواه ابن ماجه).
أَقُولُ مَا تَسْمَعُونَ، وَأَسْتَغْفِرُ اللهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كِلِّ ذَنْبٍ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيم.
الخطبة الثانية:
الْحَمْدُ للهِ والصلاة رسُولِ الله، وَعَلَى آلِهِ وَصَحْبِهِ وَالتَّابِعِينَ.
أيها المسلمون: ومِنْ أنواعِ الوَفاءِ:
الخامس: الوَفَاءُ بِالنُّذُورِ: أثنى اللهُ على الأبرارِ بأنهم (يُوفُونَ بِالنَّذْرِ)[الإنسان: 7]؛ أي: بِمَا ألْزَمُوا به أنفسَهم لله من النُّذورِ والمُعاهَداتِ، قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ نَذَرَ أَنْ يُطِيعَ اللَّهَ فَلْيُطِعْهُ، وَمَنْ نَذَرَ أَنْ يَعْصِيَهُ فَلاَ يَعْصِهِ"(رواه البخاري)، وقال أيضًا: "إِنَّ خَيْرَكُمْ قَرْنِي، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ الَّذِينَ يَلُونَهُمْ، ثُمَّ يَكُونُ بَعْدَهُمْ قَوْمٌ يَشْهَدُونَ وَلاَ يُسْتَشْهَدُونَ، وَيَخُونُونَ وَلاَ يُؤْتَمَنُونَ، وَيَنْذُرُونَ وَلاَ يُوفُونَ، وَيَظْهَرُ فِيهِمُ السِّمَنُ"(رواه البخاري ومسلم).
السادس: الوَفَاءُ بِشُروطِ النِّكَاحِ: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "أَحَقُّ الشُّرُوطِ أَنْ تُوفُوا بِهِ مَا اسْتَحْلَلْتُمْ بِهِ الفُرُوجَ"(رواه البخاري)؛ يَعْنِي: شروطَ النِّكاح، ومُقْتَضَى الحَدِيث: أنَّ لَفْظَ "أَحَقُّ الشُّرُوطِ" يَقْتَضِي: أَنْ يَكُونَ بَعْضُ الشُّرُوطِ يَقْتَضِي الوَفَاءَ بِهَا، وَبَعْضُهَا أَشَدُّ اقْتِضَاءً، وَالشُّرُوطُ هِيَ مِنْ مُقْتَضَى العَقْدِ مُسْتَوِيَةٌ فِي وُجُوبِ الوَفَاءِ بِهَا؛ كَاشْتِرَاطِ العِشْرَةِ بِالمَعْرُوفِ، وَالإِنْفَاقِ عَلَيْهَا، وَكِسْوَتِهَا، وَسُكْنَاهَا بِالمَعْرُوفِ، وَأَنَّهُ لَا يُقَصِّرُ فِي شَيْءٍ مِنْ حُقُوقِهَا، وَيَقْسِمُ لَهَا كَغَيْرِهَا، وَأَنَّهَا لَا تَخْرُجُ مِنْ بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تَنْشِزُ عَلَيْهِ، وَلَا تَصُومُ تَطَوُّعًا بِغَيْرِ إِذْنِهِ، وَلَا تَأْذَنُ فِي بَيْتِهِ إِلَّا بِإِذْنِهِ، وَلَا تَتَصَرَّفُ فِي مَتَاعِهِ إِلَّا بِرِضَاهُ وَنَحْوِ ذَلِكَ.
السابع: الوَفَاءُ بِالمَوَاعِيدِ: وإذا ذُكِرَ الوفاءُ بالوعْدِ يُذْكَرُ إسماعيلُ -عليه السلام- قال -تعالى-: (وَاذْكُرْ فِي الْكِتَابِ إِسْمَاعِيلَ إِنَّهُ كَانَ صَادِقَ الْوَعْدِ وَكَانَ رَسُولًا نَبِيًّا)[مريم: 54]؛ أي: واذْكُرْ في القرآنِ الكريم هذا النبيَّ العظيمَ، الذي لا يَعِدُ وَعْدًا إلاَّ وفَّى به، وهذا شامِلٌ لِلوعْدِ الذي يَعْقِدُهُ مع اللهِ أو مع العِبادِ؛ ولهذا لَمَّا وَعَدَ من نَفْسِه الصَّبْرَ على ذَبْحِ أبيه له وقال: (سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ)[الصافات: 102]، وَفَّى بِهَذَا الوَعْدِ، وَمَنْ وَفَّى بِوَعْدِهِ فِي تَسْلِيمِ نَفْسِهِ لِلذَّبْحِ فَإِنَّ ذَلِكَ مِنْ أَعْظَمِ الأَدِلَّةِ عَلَى عَظِيمِ صِدْقِهِ فِي وَعْدِهِ.
وإِخْلَافُ الوَعْدِ لَا يَجُوزُ لأنه مِنْ عَلَامَاتِ المُنَافِقِينَ؛ فقد أَعْطَوْا اللهَ العُهودَ والمَواثِيقَ: (لَئِنْ آتَانَا مِنْ فَضْلِهِ)[التوبة: 75] من الدُّنيا فبَسَطَها لنا ووسَّعَها، (لَنَصَّدَّقَنَّ وَلَنَكُونَنَّ مِنَ الصَّالِحِينَ)[التوبة: 75]، فنَصِلُ الرَّحِمَ، ونَقْرِي الضَّيفَ، ونُعِينُ على نَوائِبِ الحَقِّ، ونَفْعَلُ الأفعالَ الحَسَنَةَ الصَّالحةَ، (فَلَمَّا آتَاهُمْ مِنْ فَضْلِهِ)[التوبة: 76] لم يَفُوا بما قالوا، بل (بَخِلُوا بِهِ وَتَوَلَّوْا)[التوبة: 76] عن الطاعةِ والانقيادِ، فاسْتَحَقُّوا العِقابَ؛ (فَأَعْقَبَهُمْ نِفَاقًا فِي قُلُوبِهِمْ إِلَى يَوْمِ يَلْقَوْنَهُ بِمَا أَخْلَفُوا اللَّهَ مَا وَعَدُوهُ وَبِمَا كَانُوا يَكْذِبُونَ)[التوبة: 77]، فمَنْ تَشَبَّهَ بقومٍ فهو منهم، ومِنْ صُوَرِ الغَدْرِ أنْ يُعْطِيَ مَوعِدًا، وفي نِيَّتِه عَدَمُ الوفاءِ به.
الثامن: الوَفَاءُ بِالأَمَانَاتِ: الأمانةُ ضِدُّ الخيانةِ، وتُطْلَقُ على كُلِّ ما عُهِدَ به إلى الإنسان من واجباتٍ اجتماعيةٍ، وتكالِيفَ شرعيةِ؛ كالعبادات، والودائع، ومن أعظمِ الودائِعِ كَتْمُ الأسرارِ،
وجاء الأَمْرُ بِحِفْظِ الأماناتِ ورِعايَتِها في قوله -تعالى-: (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُكُمْ أَنْ تُؤَدُّوا الأَمَانَاتِ إِلَى أَهْلِهَا)[النساء: 58]، وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "أَدِّ الأَمَانَةَ إِلَى مَنِ ائْتَمَنَكَ، وَلاَ تَخُنْ مَنْ خَانَكَ"(صحيح، رواه أبو داود والترمذي)، وتَضْييعُ الأمانَةِ علامةٌ على ضَعْفِ الإيمانِ؛ لقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "لاَ إِيمَانَ لِمَنْ لاَ أَمَانَةَ لَهُ، وَلاَ دِينَ لِمَنْ لاَ عَهْدَ لَهُ"(صحيح، رواه أحمد).
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم