الوصية الإلهية

حسام بن عبد العزيز الجبرين

2022-10-12 - 1444/03/16
التصنيفات: أحوال القلوب
عناصر الخطبة
1/ وصية الله للأولين والآخرين 2/ حقيقة تقوى الله سبحانه 3/ أحوالنا مع الأوامر الشرعية 4/ حالنا مع هذه النواهي والآثام 5/ فاستقم كما أمرت 6/ الاستقامة في سلوك الصراط المستقيم

اقتباس

أليس الله أمرنا بالتوبة والاستغفار وإتباع السيئة بالحسنة، ووعدنا من رحمته وكرمه وفضله أن يبدل سيئاتنا حسنات، هل أخذنا بأسباب الهداية الاستقامة؟! هل نحن حين نسأل الله الهداية نسأله سؤال اضطرار وانكسار وإلحاح... أليس عجيبًا أن نخالف أمر العظيم ونُصِرُّ؟! نعم نحن بشر، ومن طبيعتنا التقصير والخطأ ولكن هل نحن نندم عند المخالفة؟! هل نحن نبادر إلى التوبة؟! وهل نُتبع السيئة بحسنة؟! إن تقوى الله التي كثيرًا ما نسمعها تشمل فعل الأوامر وترك النواهي.

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللهَ وَقُولُوا قَوْلاً سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب: 70- 71].

 

 أما بعد: فإن خير الحديث كتاب الله، وخير الهدي هدي محمد، وشر الأمور محدثاتها، وكل بدعة ضلالة.

 

معشر الكرام: لو قُدر أن أحدنا قابل رجلاً حكيمًا قد عركته السنون، وصقلته التجارب، لكان من الحصافة والذكاء الاستفادة من مشوار حياته الحافل، وأخذ وصاياه بالاهتمام، ولكن ماذا عن حالي وحالك مع أعظم وصية! هي من الرب العليم الحكيم الغني الرحيم إلى عباده الفقراء المساكين هذه الوصية التي أوصنا الله بها وأوصى الأمم من قبلنا (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ مِنْ قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُوا اللَّهَ) [النساء: 131].

 

إخوة الإيمان: حقيقة تقوى الله –سبحانه- يدور حول أصلين: هما فعل الأوامر وترك النواهي، أمر الله ورسوله عليه الصلاة والسلام بعبادات كثيرة متنوعة كالإخلاص لله والمحبة، والخوف والرجاء، وحسن الظن، وغيرها كثير من عبادات القلوب، ومن عبادات الجوارح الصلاة والزكاة، والصوم والذكر، وبر الوالدين، وصلة الرحم، وإعفاء اللحية، والصدق والأمانة، والابتسامة وبشاشة الوجه، ومساعدة المحتاج، وحسن الظن، وإنظار المعسر، وقائمة من الطاعات يطول تعدادها، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اسْتَجِيبُوا لِلَّهِ وَلِلرَّسُولِ إِذَا دَعَاكُمْ لِمَا يُحْيِيكُمْ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَحُولُ بَيْنَ الْمَرْءِ وَقَلْبِهِ وَأَنَّهُ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ) [الأنفال: 24].

 

والسؤال الذي يجب أن يسأل كل واحد منا نفسه: ما مدى استجابتي لأوامر الله ورسوله؟!

لماذا نفعل بعض الأوامر الشرعية ونترك بعضًا، ألم يأمرنا الله في كتابه بالعمل بجميع شرائع الإسلام (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً وَلَا تَتَّبِعُوا خُطُوَاتِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ لَكُمْ عَدُوٌّ مُبِينٌ) [البقرة: 280]، قال مجاهد: أي: اعملوا بجميع الأعمال ووجوه البر.

 

أيها المصلون: تعالوا لنقف مع أنفسنا في شق التقوى الآخر: ترك النواهي، وهي متعددة متنوعة كالشرك والرياء، والعجب وسوء الظن، والكبر والغيبة، وعقوق الوالدين وقطعية الرحم، والزنا وعمل قوم لوط، والكذب والنميمة، والربا والغناء، وغيرها من المحرمات القلبية والعملية.

 

والسؤال الذي يجب أن نحاسب أنفسنا عليه: ما حالنا مع هذه النواهي والآثام؟ والحق سبحانه توعّد المخالف لأمر رسوله - عليه الصلاة والسلام - (لَا تَجْعَلُوا دُعَاءَ الرَّسُولِ بَيْنَكُمْ كَدُعَاءِ بَعْضِكُمْ بَعْضًا قَدْ يَعْلَمُ اللَّهُ الَّذِينَ يَتَسَلَّلُونَ مِنْكُمْ لِوَاذًا فَلْيَحْذَرِ الَّذِينَ يُخَالِفُونَ عَنْ أَمْرِهِ أَنْ تُصِيبَهُمْ فِتْنَةٌ أَوْ يُصِيبَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ) [النور: 63]، وفي آية أخرى: (وَذَرُوا ظَاهِرَ الْإِثْمِ وَبَاطِنَهُ إِنَّ الَّذِينَ يَكْسِبُونَ الْإِثْمَ سَيُجْزَوْنَ بِمَا كَانُوا يَقْتَرِفُونَ) [الأنعام: 120].

 

أليس عجيبًا أن نخالف أمر العظيم ونُصِرُّ؟! نعم نحن بشر، ومن طبيعتنا التقصير والخطأ ولكن هل نحن نندم عند المخالفة؟! هل نحن نبادر إلى التوبة؟! وهل نُتبع السيئة بحسنة؟!

إن تقوى الله التي كثيرًا ما نسمعها تشمل فعل الأوامر وترك النواهي.

 

عبد الله: هل أبهرتك يومًا سلاسل الجبال الراسيات الشامخات؟! هل تفكرت يومًا في هذه الأرض ذات الفجاج الواسعة مترامية الأطراف؟! هل زاد إيمانك يومًا وأنت تتأمل عظمة السموات في سعتها وفي رفع الله لها بلا عمد؟! إن الجبال والأرض والسموات لما عرضت عليها الأمانة فامتنعت عن حملها (إِنَّا عَرَضْنَا الْأَمَانَةَ عَلَى السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَالْجِبَالِ فَأَبَيْنَ أَنْ يَحْمِلْنَهَا وَأَشْفَقْنَ مِنْهَا وَحَمَلَهَا الْإِنْسَانُ إِنَّهُ كَانَ ظَلُومًا جَهُولًا) [الأحزاب: 72]، قال العوفي: عن ابن عباس: يعني بالأمانة: الطاعة، وقال علي بن أبي طلحة، عن ابن عباس، الأمانة: الفرائض.

 

اللهم إنا نسألك الهدى والتقى والعفاف الغنى، اللهم حبب إلينا الإيمان وزينه في قلوبنا، وكره إلينا الكفر والفسوق العصيان، واجعلنا من الراشدين، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله غافر الذنب قابل التوب شديد العقاب لا إله إلا هو إليه المصير، وصلى الله وسلم على نبيه وعبده وعلى آله وصحبه أما بعد:

 

فعن أبي عمرو سفيان بن عبد الله الثقفي، -رضي الله عنه- قال: قلت: يا رسول الله، قل لي في الإسلام قولاً لا أسأل عنه أحدًا غيرك، قال: "قل: آمنت بالله، ثم استقم" (رواه مسلم).

 

قال ابن رجب -رحمه الله-: "والاستقامة في سلوك الصراط المستقيم، وهو الدين القويم من غير تعويج عنه يمنة ولا يسرة، ويشمل ذلك فعل الطاعات كلها: الظاهرة والباطنة، وترك المنهيات كلها".

 

 قال الحق سبحانه: (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ وَمَنْ تَابَ مَعَكَ وَلَا تَطْغَوْا إِنَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ) [هود: 112]، الإشكال حين نكون مع أوامر الله ورسوله ونواهي الله ورسوله حسب أهوائنا، تأمل الآية (فَاسْتَقِمْ كَمَا أُمِرْتَ) ليست فاستقم كما أردت أو اشتهيت.

 

ومهما حرص العبد، فإنه سيذنب، قال سبحانه: (فَاسْتَقِيمُوا إِلَيْهِ وَاسْتَغْفِرُوهُ) [فصلت: 6]، قال السعدي: "ولما كان العبد، -ولو حرص على الاستقامة- لا بد أن يحصل منه خلل بتقصير بمأمور، أو ارتكاب منهي، أمره بدواء ذلك بالاستغفار المتضمن للتوبة فقال: (وَاسْتَغْفِرُوهُ)" اهـ، وفي الحديث "استقيموا ولن تحصوا" (صححه الألباني).

 

عبد الله: أليس الخالق المنعم هو الله؟! أليس المحاسب والمجازي هو الله؟! أليست الطاعات طريقًا لرحمة الله وجنته؟! أليست الذنوب سببًا لسخط الله وعذابه؟! أليست الدنيا ممرّ والآخرة هي المقرّ؟! متى ننفذ ما يريده ربنا جل جلاله منّا؟! ألسنا نحن الفقراء الضعفاء والله هو الغني القوي الرحيم مالك كل شيء.

 

أليس الله أمرنا بالتوبة والاستغفار وإتباع السيئة بالحسنة، ووعدنا من رحمته وكرمه وفضله أن يبدل سيئاتنا حسنات، هل أخذنا بأسباب الهداية الاستقامة؟! هل نحن حين نسأل الله الهداية نسأله سؤال اضطرار وانكسار وإلحاح.

 

عبد الله: ها قد أقبل شهر الترقي في سلم التقوى (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا كُتِبَ عَلَيْكُمُ الصِّيَامُ كَمَا كُتِبَ عَلَى الَّذِينَ مِنْ قَبْلِكُمْ لَعَلَّكُمْ تَتَّقُونَ)[البقرة: 183].

 

 عبد الله: أقبل على الخير وأبشر واهجر الذنب واصبر، (وَجَزَاهُمْ بِمَا صَبَرُوا جَنَّةً وَحَرِيرًا) [الإنسان: 12]، فهو شهر الرحمة والإحسان والمغفرة والرضوان تُفتح فيه أبواب الجنان وتُغلق أبواب النيران وتصفد مردة الشياطين.

 

(وَآَخَرُونَ اعْتَرَفُوا بِذُنُوبِهِمْ خَلَطُوا عَمَلًا صَالِحًا وَآَخَرَ سَيِّئًا عَسَى اللَّهُ أَنْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ إِنَّ اللَّهَ غَفُورٌ رَحِيمٌ) [التوبة: 102].

 

اللهم يا رب إني قد وعظت بأمرٍ أنا مقصر فيه، اللهم إني أعترف بذنوبي فاغفر لي، اللهم اغفر لنا ما قدمنا وما أخرنا وما أسررنا وما أعلنا وما أسرفنا وما أنت أعلم به منا، ربنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين.

 

 

 

المرفقات

الإلهية

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات