الوسادة وتضييع الصلاة

عبد الرزاق بن عبد المحسن البدر

2022-10-06 - 1444/03/10
عناصر الخطبة
1/ خطورة تضييع صلاة الفجر 2/ أسباب النوم عن صلاة الفجر 3/ خطورة الاستسلام للوسادة 4/ الحث على الاستيقاظ لصلاة الفجر.

اقتباس

ثمة غوالب كثيرة تغلب الناس على الصلاة وبخاصةٍ صلاة الفجر.. الوسادة التي يضع المرء رأسه عليها لينام، فكم من أناسٍ وأناس غلبتهم هذه الوسادة على صلاتهم وبخاصة صلاة الفجر، إذا اجتمعت على المرء عقَد الشيطان، ووسادةٌ وثيرة، وغرفةٌ مكيفة، وعدم أخذ بأسباب القيام إلى الصلاة؛ فكم هنالك يحدث من الخسران والحرمان والإضاعة لهذه الصلاة المكتوبة. ولو نظرنا في يومنا هذا يوم الجمعة الأغر المبارك؛ كم من أناسٍ غلبتهم هذه الوسادة على صلاتهم في الجماعة مع المسلمين..

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمد لله؛ نحمدُه ونستعينُه ونستغفرُه ونتوبُ إليه، ونعوذُ بالله من شرور أنفسنا وسيئاتِ أعمالنا، من يهدِه الله فلا مضلَّ له، ومن يُضلِل فلا هادي له، وأشهدُ أن لا إلهَ إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبدُه ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أمَّا بعدُ أيها المؤمنون عباد الله: اتقوا الله تعالى، وراقبوه في السر والعلانية والغيب والشهادة مراقبة من يعلمُ أن ربَّه يسمعُه ويراه.

 

أيها المؤمنون: روى البخاري ومسلم في صحيحيهما عن جرير بن عبدالله -رضي الله عنه- قال: كُنَّا جُلُوسًا عِنْدَ النَّبِيِّ -صَلَّى اللهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- إِذْ نَظَرَ إِلَى القَمَرِ لَيْلَةَ البَدْرِ، قَالَ: "أَمَا إِنَّكُمْ سَتَرَوْنَ رَبَّكُمْ يَوْمَ القِيَامَةِكَمَا تَرَوْنَ هَذَا القَمَرَ، لاَ تُضَامُونَ فِي رُؤْيَتِهِ، فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا عَلَى صَلاَةٍ قَبْلَ طُلُوعِ الشَّمْسِ وَصَلاَةٍ قَبْلَ غُرُوبِ الشَّمْسِ، فَافْعَلُوا".

 

أيها المؤمنون: هذا الحديث العظيم فيه بيان أن ثمة غوالب كثيرة تغلب الناس على الصلاة وبخاصةٍ صلاة الفجر؛ ولهذا -عباد الله- ينبغي على المسلم أن يكون حصيفًا في هذا الباب عارفًا بهذه الغوالب التي تغلبه على صلاته فيكون منها على حيطةٍ وحذر، وإلا فإنَّ الأمر جد خطير، «فَإِنِ اسْتَطَعْتُمْ أَنْ لاَ تُغْلَبُوا» أي أن الأمر فيه غليبة، وثمة غوالب تغلب على الصلاة، وهي كثيرة يجب على المسلم أن يكون على حذر منها، لأنه إن غُلب على صلاته خسر خسرانًا عظيمًا.

 

وسأتحدث -يا معاشر العباد- عن واحدٍ من هذه الغوالب التي غلبت كثيرًا من الناس على صلاتهم، ولا تعجبوا من الأمر؛ إنها -أيها العباد- «الوسادة التي يضع المرء رأسه عليها لينام»، فكم من أناسٍ وأناس غلبتهم هذه الوسادة على صلاتهم وبخاصة صلاة الفجر، وقد جاء في الصحيحين عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- أنه قال: "يَعْقِدُ الشَّيْطَانُ عَلَى قَافِيَةِ رَأْسِ أَحَدِكُمْ إِذَا هُوَ نَامَ ثَلاَثَ عُقَدٍ، يَضْرِبُ كُلَّ عُقْدَةٍ مَكَانَهَا؛ عَلَيْكَ لَيْلٌ طَوِيلٌ فَارْقُدْ".

 

 فتأمل يا رعاك الله إذا اجتمعت على المرء عقَد الشيطان، ووسادةٌ وثيرة، وغرفةٌ مكيفة، وعدم أخذ بأسباب القيام إلى الصلاة؛ فكم هنالك يحدث من الخسران والحرمان والإضاعة لهذه الصلاة المكتوبة.  

 

ولو نظرنا في يومنا هذا يوم الجمعة الأغر المبارك؛ كم من أناسٍ غلبتهم هذه الوسادة على صلاتهم في الجماعة مع المسلمين، وقد جاء في الحديث عن ابن عمر -رضي الله عنه-ما أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "أَفْضَلُ الصَّلَوَاتِ عِنْدَ اللهِ صَلَاةُ الصُّبْحِ يَوْمَ الْجُمُعَةِ فِي جَمَاعَةٍ"، فكم هؤلاء الذين غلبتهم الوسادة على صلاة الفجر يوم الجمعة!! ولاسيما أن ليلة الجمعة عند غالب الناس في هذا الزمان ليلة سهر في لهوٍ ومرح، ثم من بعد ذلك نوم متأخر، ثم على إثر ذلك تكون الغليبة تلو الغليبة.

 

أيها المؤمنون: تأملوا في هذا الحديث وهو في صحيح مسلم عن أبي قتادة -رضي الله عنه- قال: «كَانَ رَسُولُ اللهِ --صلى الله عليه وسلم-- إِذَا كَانَ فِي سَفَرٍ فَعَرَّسَ بِلَيْلٍ -أي نام- اضْطَجَعَ عَلَى يَمِينِهِ، وَإِذَا عَرَّسَ قُبَيْلَ الصُّبْحِ -أي نام قبيل الصبح- نَصَبَ ذِرَاعَهُ وَوَضَعَ رَأْسَهُ عَلَى كَفِّهِ» أي ينام على هذه الهيئة؛ لا يضع رأسه على الوسادة في الوقت المتأخر من الليل لأن في ذلك خطورةً على صلاة الفجر التي لا يبالي كثير من الناس بأمرها العظيم ومقامها الجليل.

 

أيها العباد: ولننظر في هذا المقام إلى العقوبة بل العقوبات التي تكون بتفويت هذه الصلاة والنوم عنها والتثاقل عن القيام إليها؛ فقدة جاء في صحيح البخاري من حديث أبي هريرة -رضي الله عنه- في قصة الرؤيا التي رآها عليه الصلاة والسلام فحدَّث بها أصحابه وأنه أتاه آتيان فابتعثاه من مقامه وانطلقا به، فقال عليه الصلاة والسلام: "وَإِنَّا أَتَيْنَا عَلَى رَجُلٍ مُضْطَجِعٍ، وَإِذَا آخَرُ قَائِمٌ عَلَيْهِ بِصَخْرَةٍ، وَإِذَا هُوَ يَهْوِي بِالصَّخْرَةِ لِرَأْسِهِ فَيَثْلَغُ رَأْسَهُ، فَيَتَدَهْدَهُ الحَجَرُ -أي يتدحرج- هَا هُنَا، فَيَتْبَعُ الحَجَرَ فَيَأْخُذُهُ، فَلاَ يَرْجِعُ إِلَيْهِ حَتَّى يَصِحَّ رَأْسُهُ كَمَا كَانَ، ثُمَّ يَعُودُ عَلَيْهِ فَيَفْعَلُ بِهِ مِثْلَ مَا فَعَلَ المَرَّةَ الأُولَى"؛ وفي تمام الحديث قالا له: "أَمَّا الرَّجُلُ الَّذِي أَتَيْتَ عَلَيْهِ يُثْلَغُ رَأْسُهُ بِالحَجَرِ، فَإِنَّهُ الرَّجُلُ يَأْخُذُ القُرْآنَ فَيَرْفُضُهُ وَيَنَامُ عَنِ الصَّلاَةِ المَكْتُوبَةِ". قال العلماء لما كان الرأس محل النوم كانت العقوبة عليه يوم القيامة بأن يُثلغ مرة تلو الأخرى لأنه قد تكرر منه النوم على الوسادة مرات ومرات.

 

ألا فلنتقف الله -يا عباد الله- ولنحذر من العوائق التي تعوق عن الصلاة؛ الوسادة وغيرها. ولنتأمل في هذا المقام قصةً أوردها الإمام البخاري في صحيحه وساقها بإسناده إلى الصحابي الجليل أُهْبان بن أوس -رضي الله عنه- أنه -رضي الله عنه- «كَانَ اشْتَكَى رُكْبَتَهُ، وَكَانَ إِذَا سَجَدَ جَعَلَ تَحْتَ رُكْبَتِهِ وِسَادَةً» أي ليخف عليه الألم.

 

فانظر هذا الاستخدام للوسادة معاونة على أداء الصلاة مع اشتداد الألم في الركبة، وألمها لا يخفى شدّته، ومع ذلك ما أضاع الصلاة، فكيف بحال من تكون الوسادة هي التي أعاقتهم عن الصلاة وحرمتهم من بيوت الله إتيانا إليها واصطفافًا مع المسلمين وأداءً لهذه الصلاة العظيمة المكتوبة.

 

نسأل الله عز وجل أن يعيننا في أنفسنا وأهلينا وذرياتنا على إقام الصلاة على الوجه الذي يحبه ويرضاه، وأن يعيذنا من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا.

 

أقولُ هذا القول وأستغفرُ اللهَ لي ولكم ولسائرِ المسلمين من كل ذنب فاستغفروه يغفر لكم إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله كثيرًا، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ محمداً عبده ورسوله؛ صلى الله وسلَّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.

 

أما بعد أيها المؤمنون: اتقوا الله تعالى، وراقبوه في السر والعلانية والغيب والشهادة مراقبة من يعلم أن ربَّه يسمعُه ويراه. وتقوى الله جلَّ وعلا: عملٌ بطاعة الله على نورٍ من الله رجاء ثواب الله، وتركٌ لمعصية الله على نورٍ من الله خيفة عذاب الله.

 

واعلموا -رعاكم الله- أنَّ أصدق الحديث كلامُ الله، وخير الهدى هُدى محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرّ الأمور محدثاتها، وكلَّ محدثةٍ بدعة، وكلَّ بدعةٍ ضلالة، وعليكم بالجماعة فإنَّ يد الله على الجماعة.

 

وصَلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمَّد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه فقال: (إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا) [الأحزاب:56]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ صَلَّى عَلَيَّ صَلَاةً صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ بِهَا عَشْرًا ".

 

اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صليتَ على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد، وبارك على محمدٍ وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنّك حميدٌ مجيد. وارض اللهم عن الخلفاء الراشدين؛ أبي بكرٍ وعمرَ وعثمانَ وعلي، وعن الصحب أجمعين، ومَن تبعهم بإحسانٍ إلى يوم الدين.

 

اللهم آتِ نفوسنا تقواها، وزكِّها أنت خير من زكاها، أنت وليُّها ومولاها، اللهم آمنَّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، واجعل ولايتنا فيمن خافك واتقاك واتَّبع رضاك يا رب العالمين، اللهم وفِّق ولي أمرنا لهداك، وأعنه على طاعتك، وسدِّده في أقواله وأعماله يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم أعز الإسلام والمسلمين، اللهم وانصر إخواننا المسلمين المستضعفين في كل مكان، اللهم احقن دماءهم وآمن روعاتهم، وفرِّج كرباتهم يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام، اللهم وعليك بأعداء الدين فإنهم لا يعجزونك، اللهم إنا نجعلك في نحورهم ونعوذ بك اللهم من شرورهم.

 

ربنا إنا ظلمنا أنفسنا وإن لم تغفر لنا وترحمنا لنكونن من الخاسرين، ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.

 

وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.

 

 

المرفقات

وتضييع الصلاة

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات