عناصر الخطبة
1/ أسماء الله وصفاته توقيفية 2/لله تعالى صفات الكمال والجلال والعظمة 3/قواعد مهمة في الإيمان بأسماء الله وصفاته 4/أسماء الله غير محصورة بعدد معين 5/التحذير من تأويل الصفات أو تمثيلها بصفات المخلوقين 6/الهدف من تعلم الأسماء والصفات.اقتباس
كيف يكون حالك لو أنك تعمل في مؤسسة مديرُها ناظرٌ إليك؟ هل ستتجرأ على فعل، أو قول شيء لا يُرضيه؟ فمالَك تتجرأ على معصية ربِّك؟! ومالَك تتجرأ على ما لا يرضي ربَّك؟! ألا تعلم أن الله يرَاك؟ ألا تعلم أن الله ناظرٌ إليك؟ ألا تعلم أن الله يسمعُك؟...
الخُطْبَة الأُولَى:
إن الحمدَ لله؛ نحمدُه، ونستعينُه، ونستغفرُه، ونعوذُ بالله من شرورِ أنفسِنا، ومن سيئاتِ أعمالِنا، من يهدِه اللهُ فلا مضلَّ له، ومن يضللْ فلا هاديَ لهُ، وأشهدُ أن لا إله إلا الله وحدَه لا شريكَ له، وأشهدُ أن محمدًا عبدُه ورسولُه.
(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الأحزاب: 70، 71].
أما بعد: فإن أصدق الحديث كتاب الله -تعالى-، وخيرَ الهدي هديُ محمدٍ -صلى الله عليه وسلم-، وشرَّ الأمورِ محدثاتُها، وكلَّ محدثةٍ بدعةٌ، وكلَّ بدعةٍ ضلالةٌ، وكلَّ ضلالةٍ في النارِ.
أما بعدُ: حَدِيثُنَا معَ حضراتِكم في هذه الدقائقِ المعدوداتِ عنْ موضوع بعنوان: "الواجب علينا نحو أسماء الله -تعالى-، وصفاته"، واللهَ أسألُ أن يجعلنا مِمَّنْ يستمعونَ القولَ، فَيتبعونَ أحسنَهُ، أولئك الذين هداهمُ اللهُ، وأولئك هم أولو الألباب.
اعلموا -أيها الإخوة المؤمنون- أن أسماءَ اللهِ، وصفاتِه توقيفيةٌ لا مجالَ للعقلِ فيها، أي يتوقفُ إثباتُها على ما جاءَ عن الشرعِ، فلا يُزادُ فيها ولا يُنقصُ؛ لأنَّ العقلَ لا يمكنُه إدراكُ ما يستحقُّه -تعالى- من الأسماءِ فوجبَ الوقوفُ في ذلك على ما جاءَ في القرآنِ العظيم، والسُّنةِ النبويةِ الصحيحةِ.
قَالَ -تعالى-: (وَلَا تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ إِنَّ السَّمْعَ وَالْبَصَرَ وَالْفُؤَادَ كُلُّ أُولَئِكَ كَانَ عَنْهُ مَسْئُولًا)[الإسراء: 36]، وقَالَ -تعالى-: (قُلْ إِنَّمَا حَرَّمَ رَبِّيَ الْفَوَاحِشَ مَا ظَهَرَ مِنْهَا وَمَا بَطَنَ وَالْإِثْمَ وَالْبَغْيَ بِغَيْرِ الْحَقِّ وَأَنْ تُشْرِكُوا بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ سُلْطَانًا وَأَنْ تَقُولُوا عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ)[الأعراف: 33].
وأسماءُ اللهِ كلُّها حسنى أي بالغةٌ في الحُسنِ غايتَه، فلا أحسنَ، ولا أكمل منها؛ لأنها متضمِّنةٌ لصفاتٍ كاملةٍ لا نقصَ فيها بوجهٍ من الوجوهِ، كَمَا قالَ اللهُ -تعالى-: (وَلِلَّهِ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى)[الأعراف: 180]؛ وذلك لدلالتِها على أحسنِ مُسمًّى، وأشرفِ مدلولٍ وهو اللهُ -تعالى-، ولأنَّها متضمِّنةٌ لصفاتٍ كاملةٍ لا نقصَ فيها بوجهٍ من الوجوهِ.
مثالُ ذلك: "الحي" اسمٌ من أسماءِ اللهِ -تعالى- متضمِّنٌ للحياةِ الكاملةِ التي لم تُسبقْ بعدمٍ، ولا يلحقُها زوالٌ، الحياةُ المستلزِمةُ لكمالِ الصفاتِ من العلمِ، والقدرةِ، والسمعِ، والبصرِ، وغيرِها. وأما حياةُ المخلوقِ، فهي حياةٌ ناقصةٌ؛ لأنها مسبوقةٌ بعدمٍ، ويلحقُها، زوالٌ، وفَناءٌ.
ومثالٌ آخرُ: "العليم" اسمٌ من أسماءِ اللهِ -تعالى- متضمِّنٌ للعلمِ الكاملِ الَّذِي لم يُسبقْ بجهلٍ، ولا يَلحقُه نِسيانٌ؛ قالَ اللهُ -تعالى-: (قَالَ عِلْمُهَا عِنْدَ رَبِّي فِي كِتَابٍ لَا يَضِلُّ رَبِّي وَلَا يَنْسَى)[طه: 52].
وعلمُ اللهِ علمٌ واسعٌ محيطٌ بكلِّ شيءٍ جملةً، وتفصيلًا سواءٌ ما يتعلقُ بأفعالِه، أو أفعالِ خلقِه؛ كما قالَ اللهُ -تعالى-: (يَعْلَمُ خَائِنَةَ الْأَعْيُنِ وَمَا تُخْفِي الصُّدُورُ)[غافر: 19]؛ أما علمُ الإنسانِ فعلمٌ ناقصٌ؛ لأنَّه مسبوقٌ بجهلٍ، ويَلحقُه النسيانُ.
وأسماءُ اللهِ غيرُ محصورةٍ بعددٍ معيَّنٍ؛ لِمَا رواهُ الإمام أحمد بسند صحيح عنْ عَبْدِ اللهِ بنِ مسْعُودٍ -رضي الله عنه-، قَالَ: قَالَ رَسُولُ اللهِ -صلى الله عليه وسلم-: "مَا أَصَابَ أَحَدًا قَطُّ هَمٌّ وَلَا حَزَنٌ، فَقَالَ: اللهُمَّ إِنِّي عَبْدُكَ، ابْنُ عَبْدِكَ، ابْنُ أَمَتِكَ، نَاصِيَتِي بِيَدِكَ، مَاضٍ فِيَّ حُكْمُكَ، عَدْلٌ فِيَّ قَضَاؤُكَ، أَسْأَلُكَ بِكُلِّ اسْمٍ هُوَ لَكَ سَمَّيْتَ بِهِ نَفْسَكَ، أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ، أَوْ أَنْزَلْتَهُ فِي كِتَابِكَ، أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ، أَنْ تَجْعَلَ الْقُرْآنَ رَبِيعَ قَلْبِي، وَنُورَ صَدْرِي، وَجِلَاءَ حُزْنِي، وَذَهَابَ هَمِّي، إِلَّا أَذْهَبَ اللهُ هَمَّهُ وَحُزْنَهُ، وَأَبْدَلَهُ مَكَانَهُ فَرَحًا"، قَالَ: فَقِيلَ: يَا رَسُولَ اللهِ، أَلَا نَتَعَلَّمُهَا؟ فَقَالَ: "بَلَى، يَنْبَغِي لِمَنْ سَمِعَهَا أَنْ يَتَعَلَّمَهَا".
فقولُه -صلى الله عليه وسلم-: "أَوْ عَلَّمْتَهُ أَحَدًا مِنْ خَلْقِكَ... أَوِ اسْتَأْثَرْتَ بِهِ فِي عِلْمِ الْغَيْبِ عِنْدَكَ"؛ يدلُّ على أَنَّ أسماءَ اللهِ -تعالى- غيرُ محصورةٍ في عددٍ معيَّنٍ.
أمَّا حديثُ أَبِي هُرَيْرَةَ -رضي الله عنه- أَنَّ رَسُولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- قَالَ: "إِنَّ للهِ تِسْعَةً وَتِسْعِينَ اسْمًا مِائَةً إِلَّا وَاحِدًا، مَنْ أَحْصَاهَا دَخَلَ الجَنَّةَ"؛ فَليسَ معناهُ أن أسماءَ الله -سبحانه وتعالى- تسعةٌ وتسعونَ اسمًا فقط، وإنما معناهُ: أن منْ أسماءِ اللهِ -تعالى- تسعةً وتسعينَ اسمًا، ونظيرُ ذَلكَ أن تقولَ: لزيدٍ ألفُ درهمٍ أعدَّها للصدقةِ، أو: لعمرٍو مائةُ ثوبٍ من زارَه ألبسَه إياهَا، وليس معنى ذلك أنه لا يوجد عنده غيرها.
وإنما خصَّها النبيُّ -صلى الله عليه وسلم-؛ لكونها أكثرَ الأسماءِ، وأبينَها معاني. وليس المعنى أنه ليس لله-تعالى- غير هذه الأسماء.
ويجب علينا تنزيهُ اللهِ -سبحانه وتعالى- عن أن يُشبِهَ شيءٌ مِن صفاتِه شيئًا من صفاتِ المخلوقينَ؛ قَالَ -تعالى-: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى: 11]، كما يجب علينا ألا نطمع في إدراكِ حقيقةِ كيفيةِ صفاتِ اللهِ -تعالى-؛ لأنَّ إدراكَ المخلوقِ لذلك مستحيلٌ، قَالَ -تعالى-: (يَعْلَمُ مَا بَيْنَ أَيْدِيهِمْ وَمَا خَلْفَهُمْ وَلَا يُحِيطُونَ بِهِ عِلْمًا)[طه: 110].
اعلموا -أيها الإخوة المؤمنون- أنه لا يجوز لأحد أن يُحرِّفَ شيئًا من صفات الله -تعالى-، سواء كان التحريف في المعنى، أو اللفظ؛ فلا يجوز تحريفِ كلمةِ استوى فِي قَولِهِ -تعالى-: (الرَّحْمَنُ عَلَى الْعَرْشِ اسْتَوَى)[طه: 5] إلى استولى. والصوابُ أن نقولَ: استواءٌ حقيقيٌّ يليقُ بجلالِه وعظمتِه، لا نؤوِّلُه، ولا نُمَثِّلُهُ.
ولا يجوز تحريف "يد اللهِ -تعالى-" إلى القوةِ، أو النِّعمةِ. ولا يجوز تحريف "وجه اللهِ -تعالى-" إلى الثوابِ. ولا يجوز تحريف "عين اللهِ -تعالى-" إلى الرِّعايةِ. وهذا كله باطلٌ، والصوابُ أن نقولَ: نثبتُ لله يدينِ، ووجهًا، وعينين على الوجهِ اللائقِ به سبحانَه، لا نؤوِّلُ شيئًا من هذا، ولَا نُمَثِّلُهُ؛ لقَولِهِ -تعالى-: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى: 11].
ولا يجوز لنا تمثيل صفات الله بصفات المخلوقين. كمَن يقولُ: يدُ الله كيدِ الإنسانِ، أو عينُ الله كعينِ الإنسانِ. وكمَن يقولُ: عينُ الإنسانِ كعينِ اللهِ، أو يدُ الإنسانِ كيدِ اللهِ. فهذَا كله باطلٌ لا يجوز؛ لأن صفات الله -تعالى- لا تشبه صفات المخلوقين؛ لقولِ اللهِ -تعالى-: (لَيْسَ كَمِثْلِهِ شَيْءٌ وَهُوَ السَّمِيعُ الْبَصِيرُ)[الشورى: 11].
فهذا هو الواجب علينا نحو أسماء الله -تعالى- أن نعلم أنها توقيفية غير محصورة بعددٍ، وأنها كلها حسنى، وأنه لا يجوز لأحد أن يغير منها شيئًا.
أقولُ قولي هذا، وأَستغفرُ اللهَ لي، ولكُم.
الخطبة الثانية:
الحمدُ لله وكفى، وصلاةً وَسَلامًا على عبدِه الذي اصطفى، وآلهِ المستكملين الشُّرفا.
أما بعد: فإن الغاية من تعلمِ الأسماء والصفات أن تؤثرَ في سلوكك، فإذا حققنا الإيمان بأسماء الله وصفاته، انصلحت أحوالنا كلها، وانصلح المجتمع بأثره. فإذا آمنا بأن الله هو الرزاق توكلنَا عليه وحدَه في جلب الرزق دون ما سواه.
وإذا آمنا بأن الله يسمعنا ويرانا، فلن نقول قولًا، ولن نفعل فعلًا يغضب الله -سبحانه وتعالى-، لن نكذب؛ لأننا نوقن أن الله يسمعنا، ولن نغتاب أحدًا؛ لأننا نوقن أن الله يسمعنا، ولن نسمع الأغاني؛ لأننا نوقن أن الله يسمعنا، ولن ننظر إلى امرأة لا تحلُّ لنا؛ لأننا نوقن أن الله يرانا، ولن نتكاسل عن الصلاة؛ لأننا نوقن أن الله يرانا.
فالذي يكذبُ إنما يكذب لأجل أنه حدث عنده ضعف في الإيمان باسم الله "السميع"، والذي يغتابُ إنما يغتاب؛ لأجل أنه حدث عنده ضعف في الإيمان باسم الله "السميع"، والذي يسمع الأغاني إنما يسمعها؛ لأجل أنه حدث عنده ضعف في الإيمان باسم الله "السميع".
والذي يتكاسل عن الصلاة إنما يتكاسل عنها؛ لأجل أنه حدث عنده ضعف في الإيمان باسم الله "البصير"، والذي ينظرُ إلى المتبرجات إنما ينظر إليهن؛ لأجل أنه حدث عنده ضعف في الإيمان باسم الله "البصير"، والذي يظلم إخوانه المسلمين إنما يظلمهم؛ لأجل أنه حدث عنده ضعف في الإيمان بأن الله "ينتقم من الظالمين".
أيها العاصي المتجرِّئُ على معصية ربك... كيف يكون حالك لو أنك تعمل في مؤسسة مديرُها ناظرٌ إليك؟ هل ستتجرأ على فعل، أو قول شيء لا يُرضيه؟ فمالَك تتجرأ على معصية ربِّك؟! ومالَك تتجرأ على ما لا يرضي ربَّك؟! ألا تعلم أن الله يرَاك؟ ألا تعلم أن الله ناظرٌ إليك؟ ألا تعلم أن الله يسمعُك؟ ألا تعلم أن الله يعلم ما تُخفيه في نفسك؟ ألا تعلم أن الله يحيط بك علمًا؟ ألا تعلم أن الله قادر على الانتقام منك؟
فلماذا لا تحافظ على الصلوات الخمس في جماعة؟ ولماذا تسمع الأغاني؟ ولماذا تنظر إلى المتبرجات؟ ولماذا تكذب في حديثك مع الناس؟ نسأل الله العفو، والعافية.
اللهم ثبِّت قلوبَنا على الإيمان.
ربنا آتنا من لدنك رحمة وهيِّئ لنا من أمرنا رشدًا.
ربنا آمنا فاغفر لنا وارحمنا وأنت خيرُ الراحمين.
ربنا ارحمنا فإنك بنا راحم.
ربنا اصرف عنا عذاب جهنم إن عذابها كان غرامًا.
ربنا اجعلنا ممن يستمعون القول فيتبعون أحسنه.
ربنا هبْ لنا من أزواجنا وذرياتنا قرةَ أعينٍ، واجعلنا للمتقين إمامًا.
أقول قولي هذا، وأقم الصلاة.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم