الهدف السامي في هذه الحياة

الشيخ سعد بن عبدالرحمن بن قاسم

2024-09-20 - 1446/03/17 2024-10-09 - 1446/04/06
عناصر الخطبة
1/ الاستعداد للمستقبل الحقيقي الخالد 2/الغاية من الخلق 3/العمل الصالح سبيل النجاة 4/أسس السعادة في الدنيا والآخرة 5/حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا.

اقتباس

إخلاص العبادة لله وحده، والعمل بما يرضيه راجيًا رضى الله عنه، وإكرامه له في هذه الحياة، بأن يحييه الحياة الطيبة، فيعيش في ولاية الله وحفظه، ينظر بنور الله، يؤدي العبادات التي أمره الله بها، فيتلذذ فيها بمناجاة الله -تعالى-، ويذكر...

الخطبةُ الأولَى:

 

الحمد لله الذي أرسل رسله مبشرين ومنذرين، وختمهم بمحمد -صلى الله عليه وسلم- سيد الأولين والآخرين، وعمّم برسالته جميع الثقلين من الإنس والجن، وأمرهم باتباعه وطاعته، وقد كانوا قبله في ضلال مبين، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، إله الأولين والآخرين، وقيوم السماوات والأرضين، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، وخليله الصادق الأمين، صلى الله عليه وعلى آله الطيبين الطاهرين، ومن تبعهم واستقام على طريقهم إلى يوم الدين.

 

أما بعد: فيا أيها المسلمون: اتقوا الله -تعالى-، وتذكَّروا الهدف السامي، الذي وجَّه الله -سبحانه- عباده المسلمين إليه، وأنه ليس إلى هذه الحياة الدنيا وما فيها من المغريات الفانية، وإنما هو الاستعداد للمستقبل الحقيقي الخالد، وهو الحياة في الآخرة بعد الموت.

 

فليعمل المسلم الصادق في إسلامه في هذه الحياة الدنيا، باعتبار أنها وسيلةٌ للحياة الآخرة ومزرعة لها، وليست غاية في ذاتها، فيتذكر قوله -تعالى-: (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذاريات: ٥٦]، وقوله -تعالى-: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَلْتَنْظُرْ نَفْسٌ مَا قَدَّمَتْ لِغَدٍ وَاتَّقُوا اللَّهَ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا تَعْمَلُونَ * وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ * لَا يَسْتَوِي أَصْحَابُ النَّارِ وَأَصْحَابُ الْجَنَّةِ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمُ الْفَائِزُونَ)[الحشر: ١٨ – ٢٠]، وقوله -تعالى-: (فَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرًّا يَرَهُ)[الزلزلة: ٧ – ٨].

 

عباد الله: ليتذكر المسلم هذه الآيات العظيمة، وما ماثلها من كلام الله -تعالى-، الذي يوجّه الله به عباده للغاية التي خلقهم من أجلها، والمستقبل الخالد، بإخلاص العبادة لله وحده، والعمل بما يرضيه راجيًا رضى الله عنه، وإكرامه له في هذه الحياة، بأن يحييه الحياة الطيبة، فيعيش في ولاية الله وحفظه، ينظر بنور الله، يؤدي العبادات التي أمره الله بها، فيتلذذ فيها بمناجاة الله -تعالى-، ويذكر الله في قلبه وبلسانه، فيطمئن بذلك قلبه.

 

ويحسن إلى الناس بقوله وفعله، فيسمع من الكرام منهم الاعتراف بإحسانه، والدعاء له، ما يسره ويشرح صدره، ويرى من الحساد اللئام نكران جميله، فلا يمنع الإحسان إليهم؛ لأنه إنما يريد به وجه الله وثوابه، ويسمع من الأشرار المبغضين للدين وأهله من الاستهزاء، ويرى منهم من الأذى ما يذكره برسل الله، فيعلم أن هذا في سبيل الله، فيزداد حبًّا للإسلام وثباتًا عليه.

 

عباد الله: ليعمل المسلم بيده في المكتب، أو المزرعة، أو المتجر، أو المصنع، لكي ينفع الإسلام والمسلمين بإنتاجه، وليحصل له الأجر من الله يوم لقائه، على إخلاصه ونيته الصالحة، وسيحصل على الكسب الطيب الذي ينفقه على نفسه وأسرته، ويتصدقُ منه، فيعيش غني القلب شريفًا قانعًا عفيفًا، يأكل ويشرب وينام بدون إسراف، يتقوى بذلك على طاعة الله، يربي أولاده تربية صالحة، ويشكر الله على كل نعمه.

 

ويعلمُ أن ما يصيبهُ أحيانًا من الجوع والخوف والمرض، إنما هو اختبار من الله له، وهو أعلم به ليظهر مدى صبره ورضاه بقدر الله، فإذا عاش المسلم في هذه الحياة كما أمره الله، بهذه الروح العالية الشريفة، فهو بلا شك السعيد في هذه الحياة الدنيا، والسعيد في الآخرة بعد الموت؛ قال -تعالى-: (مَنْ عَمِلَ صَالِحًا مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ)[النحل: ٩٧]، وقال -تعالى-: (تِلْكَ الدَّارُ الْآَخِرَةُ نَجْعَلُهَا لِلَّذِينَ لَا يُرِيدُونَ عُلُوًّا فِي الْأَرْضِ وَلَا فَسَادًا وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ)[القصص: ٨٣].

 

وفي صحيح مسلم عن صهيب بن سنان -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم- "عجبًا لأمر المؤمن، إن أمره كلَّه خير، وليس ذلك لأحد إلا للمؤمن، إن أصابته سراء شكر فكان خيرًا له، وإن أصابته ضراء صبر فكان خيرًا".

 

فاتقوا الله -عباد الله- وأنيبوا إليه وعظِّموا شرائعه، وقوموا بها أتم قيام، تأهبوا للعرض الأكبر على الله، لا تغرنّكم الحياة الدنيا بزخرفها، ولا يغرنّكم بالله الغرور.

 

 أعوذ بالله من الشيطان الرجيم؛ (إِنَّمَا مَثَلُ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا كَمَاءٍ أَنْزَلْنَاهُ مِنَ السَّمَاءِ فَاخْتَلَطَ بِهِ نَبَاتُ الْأَرْضِ مِمَّا يَأْكُلُ النَّاسُ وَالْأَنْعَامُ حَتَّى إِذَا أَخَذَتِ الْأَرْضُ زُخْرُفَهَا وَازَّيَّنَتْ وَظَنَّ أَهْلُهَا أَنَّهُمْ قَادِرُونَ عَلَيْهَا أَتَاهَا أَمْرُنَا لَيْلًا أَوْ نَهَارًا فَجَعَلْنَاهَا حَصِيدًا كَأَنْ لَمْ تَغْنَ بِالْأَمْسِ كَذَلِكَ نُفَصِّلُ الْآَيَاتِ لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ)[يونس: ٢٤]، بارك الله...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله الواحد القهار، العزيز الغفار، الذي أيقظ من خلقه من اصطفاهم وشغلهم بمراقبته، ووفقهم للدأب على طاعته، والتأهب لدار القرار، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، البَّر الكريم، الرؤوف الرحيم، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله، الداعي إلى دين قويم، صلوات الله وسلامه عليه، وعلى سائر النبيين، وآل كلٍّ وسائر الصالحين.

 

أما بعد: أيها المسلمون: فحقّ على المكلف أن يذهب بنفسه مذهب الأخيار، ويسلك مسلك أولي النهى والأبصار.

 

عباد الله: حاسبوا أنفسكم قبل أن تحاسبوا، وانظروا ماذا ادخرتم لأنفسكم من الأعمال الصالحة ليوم المعاد، والعرض على رب العباد، ولقد خطب أبو بكر -رضي الله عنه- ذات يوم، ومما قال في خطبته: "تعلمون أنكم تغدون وتروحون لأجل معلوم، فمن استطاع أن يقضي الأجل وهو في عمل الله -عز وجل- فليفعل، ولن تنالوا ذلك إلا بالله -عز وجل-، إن قومًا جعلوا آجالهم لغيرهم، فنهاكم الله -عز وجل- أن تكونوا أمثالهم، فقال -تعالى-: (وَلَا تَكُونُوا كَالَّذِينَ نَسُوا اللَّهَ فَأَنْسَاهُمْ أَنْفُسَهُمْ أُولَئِكَ هُمُ الْفَاسِقُونَ)[الحشر: ١٩].

 

أين من تعرفون من إخوانكم؟ قدموا على ما قدموا في أيام سلفهم، وخلوا بالشقوة أو السعادة؟ أين الجبارون الأولون الذين بنوا المدائن، وحصنوها بالحوائط، قد صاروا تحت الصخر والآبار، هذا كتاب الله لا تفنى عجائبه، فاستضيئوا منه ليوم ظلمة، واستضيئوا بسنائه وبيانه، إن الله -تعالى- أثنى على زكريا وأهل بيته، فقال -تعالى-: (إِنَّهُمْ كَانُوا يُسَارِعُونَ فِي الْخَيْرَاتِ وَيَدْعُونَنَا رَغَبًا وَرَهَبًا وَكَانُوا لَنَا خَاشِعِينَ)[الأنبياء: ٩٠]، لا خير في قولٍ لا يُراد به وجه الله، ولا خير في مال لا يُنفَق في سبيل الله، ولا خير فيمن يغلِبُ جهلُه حِلمَه، ولا خير فيمن يخاف في الله لومة لائم" انتهى قوله -رضي الله عنه-.

 

 اللهم فقِّهنا في الدين، واشرح صدورنا للإسلام، وأعنَّا على القيام به يا حي يا قيوم يا ذا الجلال والإكرام.

 

اللهم اجعلنا من (الَّذِينَ يَسْتَمِعُونَ الْقَوْلَ فَيَتَّبِعُونَ أَحْسَنَهُ أُولَئِكَ الَّذِينَ هَدَاهُمُ اللَّهُ وَأُولَئِكَ هُمْ أُولُو الْأَلْبَابِ)[سورة الزمر:18].

 

(إِنَّ اللَّهَ وَمَلَائِكَتَهُ يُصَلُّونَ عَلَى النَّبِيِّ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا صَلُّوا عَلَيْهِ وَسَلِّمُوا تَسْلِيمًا)[الأحزاب: 56].

 

المرفقات

الهدف السامي في هذه الحياة.doc

الهدف السامي في هذه الحياة.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات