عناصر الخطبة
1/صيانة الإسلام للعقيدة الصحيحة وعنايته بها 2/الطيرة من عادات الجاهلية وتحذير الإسلام منها 3/الطيرة المذمومة المؤثرة على السلوك والتصرفات 4/تفاءل المؤمن بسماعه للكلمة الطيبةاقتباس
أيها المؤمنون: لقد جاء الإسلام بما فيه بناء المسلم على العقيدة القويمة، والإيمان الراسخ، والثقة الكاملة بالله، وحُسن التوكل عليه جل في علاه، والبعد عن الأوهام والظنون والخرافة، ونحو ذلك من التعلقات الباطلات. ومما يتنافى مع هذا الاعتقادـ، والثقة بالله، وحسن التوكل عليه جل في علاه: الطيرة والتطير والتشاؤم؛ فإنها من أعمال الجاهلية، وهدي أهل الضلال والباطل، وهي...
الخطبة الأولى:
الحمد لله؛ لا يأتي بالحسنات إلا هو، ولا يصرف السيئات إلا هو، ولا إله إلا هو، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أمّا بعد: أيها المؤمنون: اتقوا الله ربكم، وراقبوه في جميع أعمالكم، مراقبة من يعلم أن ربّه يسمعُه ويراه.
أيها المؤمنون: لقد جاء الإسلام بما فيه بناء المسلم على العقيدة القويمة والإيمان الراسخ والثقة الكاملة بالله وحُسن التوكل عليه جل في علاه، والبعد عن الأوهام والظنون والخرافة، ونحو ذلك من التعلقات الباطلات، قال الله -تعالى-: (ومنْ يتوكّلْ على اللّهِ فهُو حسْبُهُ)[الطلاق: 3]، وقال تعالى: (قُلْ لنْ يُصِيبنا إِلّا ما كتب اللّهُ لنا هُو موْلانا وعلى اللّهِ فلْيتوكّلِ الْمُؤْمِنُون)[التوبة: 51].
أيها المؤمنون: ومما يتنافى مع هذا الاعتقاد والثقة بالله وحسن التوكل عليه جل في علاه: الطيرة والتطير والتشاؤم؛ فإنها من أعمال الجاهلية، وهدي أهل الضلال والباطل، وهي اعتقادٌ مبني على الوهم والخرافة، والظنون الكاسدة الفاسدة.
الطيرة -عباد الله- سوء ظن بالله، ومجلبة للأوهام والظنون، واتباع لخطوات الشيطان، وخللٌ في الإيمان والاعتقاد، وضعفٌ في الثقة بالله، والتوكل عليه، ومجلبةٌ للشرور والآفات؛ ولهذا -عباد الله- تكاثرت الأحاديث عن نبينا -صلى الله عليه وسلم- تحذيرًا منها ونهيًا عنها وبيانًا لفساد التعلق بها، ففي الصحيحين أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا عدْوى ولا طِيرة ولا هامة ولا صفر"، وهذه كلها من ظنون أهل الجاهلية، وتعلقاتهم الباطلة.
وأصل الطيرة -عباد الله- عند أهل الجاهلية: تعلق هؤلاء بحركات الطير وأصواتها وهيئاتها، فيتشاءمون من بعض أصواتها، أو بعض حركاتها، أو بعض أصناف الطير؛ مما يجعل الواحد منهم ينثني عن حاجته ولا يقوم بمقصده عند حصول هذا التشاؤم له، جاء في صحيح مسلم عن معاوية بن الحكم السلمي -رضي الله عنه- وهو يسأل النبي -صلى الله عليه وسلم- عن بعض أعمال أهل الجاهلية التي كانوا يصنعونها قال: "كُنّا نتطيّرُ" فقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "ذاك شيْءٌ يجِدُهُ أحدُكُمْ فِي نفْسِهِ فلا يصُدّنّكُمْ" أي ليحذر المؤمن بالله الواثق به جل في علاه أن يصده ما يهجم على قلبه من هذا التطير لشيء يراه أو يسمعه، "فلا يصُدّنّكُمْ" أي عن حاجتكم.
وفي سنن أبي داود عن ابن مسعود -رضي الله عنه- قال: قال رسول الله -صلى الله عليه وسلم-: "الطِّيرةُ شِرْكٌ الطِّيرةُ شِرْكٌ"، "وما مِنّا إِلاّ وهذا من قول ابن مسعود "ولكِنّ اللّه يُذْهِبُهُ بِالتّوكُّلِ"؛ "وما مِنّا إِلاّ" أي قد يهجم على القلب في بعض الأوقات شيء من ذلك لصوتٍ سمعه أو أمرٍ شاهده "ولكِنّ اللّه يُذْهِبُهُ بِالتّوكُّلِ" أي توكلُ المؤمن الصادق على الله -جل في علاه- يُذهب عنه هذا الوهم ويطرد عنه هذه الخرافة، كان ابن عباس -رضي الله عنهما- مع نفرٍ من أصحابه في طريق فسمع أحدهم طائرًا يصيح فقال: "خيرٌ خير" فقال ابن عباس -رضي الله عنهما-: "لا خير ولا شر".
وكان طاووس مع صاحب له في طريق فسمع صوت غراب يصيح فقال: "خير" فقال: "وأيُّ خير عند هذا!"
نعم -عباد الله- هذه مجرد تعلقات باطلة قد تعلق في القلب فإذا صدّت المرء عن حاجته فقد وقع في بابٍ من أبواب الشرك وضربٍ من ضروب الجاهلية التي ما أنزل الله بها من سلطان.
أيها المؤمنون: وخطورة الطيرة على العبد إنما هي عندما يكون لها تأثيرٌ في سلوكه وعمله، ولهذا جاء في الحديث الصحيح في المسند وغيره عن ابن عمر -رضي الله عنهما- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "منْ ردّتْهُ الطِّيرةُ مِنْ حاجةٍ فقدْ أشْرك" أي وقع في بابٍ من أبواب الشرك. لكن المسلم الواثق بالله إذا عرض له شيء من ذلك لم يلتفت إليه ولم يبالِ به ومضى في حاجته مستعينا بالله متوكلا عليه، قال عليه الصلاة والسلام: "منْ ردّتْهُ الطِّيرةُ مِنْ حاجةٍ فقدْ أشْرك" قالُوا: يا رسُول اللهِ ما كفّارةُ ذلِك؟ قال: "أنْ يقُول أحدُهُمْ: اللّهُمّ لا خيْر إِلاّ خيْرُك، ولا طيْر إِلاّ طيْرُك، ولا إِله غيْرُك"(حديث صحيح).
أيها المؤمنون: والطيرة عندما تكون مسلكًا للإنسان أي يعتني بها ويهتم لها ويبني عليها كانت حينئذ سبب شرٍ وبلاءٍ عليه؛ ولهذا روى ابن حبان في صحيحه عن أنس -رضي الله عنه- أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "لا طِيرة، والطِّيرةُ على منْ تطيّر"، وتأملوا قول نبينا -عليه الصلاة والسلام-: "والطِّيرةُ على منْ تطيّر" أي أنها عندما تكون مسلكًا للمرء تكون مجلبةً للشرور عليه عقوبةً من الله له.
أما المؤمن المتوكل على الله -جل في علاه- فلا يضره شيء من ذلك.
أيها المؤمنون: نحمد الله -جل في علاه- أن هدانا لهذا الدين العظيم، وأن جعلنا من أهل الإسلام، وأن نجّانا بهذا الدين من الخرافة والضلال والباطل؛ فلله الحمد أولًا وآخر، وله الشكر ظاهرًا وباطنا، حمدًا كثيرًا طيبًا مباركًا فيه كما يحب ربنا -جل وعلا- ويرضى.
الخطبة الثانية:
الحمد لله كثيرا، وأشهد أن لا إله إلا اللهُ وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، صلى الله وسلّم عليه وعلى آله وصحبه أجمعين.
أما بعد: أيها المؤمنون: اتقوا الله..
عباد الله: وفي هذا الباب -باب التحذير من الطيرة- يقول نبينا -عليه الصلاة والسلام- كما في الصحيحين: "لا عدْوى ولا طِيرة ويُعْجِبُنِي الْفأْلُ" قالُوا: "وما الْفأْلُ؟" قال: "الْكلِمةُ الطّيِّبةُ".
عباد الله: الكلمة الطيبة حين يسمعها المؤمن وهو ماضٍ في حاجته تُحدِث له في نفسه سرورًا وغبطة وفرحًا وهناءة، وهي من مقتضى الطبيعة والفطرة التي فطر الله العباد عليها، فهي لا تضر المؤمن، وتبعث في قلبه سرورا ونشاطا، ولهذا كان عليه الصلاة والسلام يعجبه الفأل ويُسرُّ به صلوات الله وسلامه وبركاته عليه، لكن ومع ذلك لا يبني المرء عمله وسيْره في مصالحه على فأل سمعه؛ فإنه إن فعل ذلك دخل في ضربٍ من ضروب الطيرة المذمومة المنافية للتوكل على الله، لكنه إن سمع ما يسُره يُسر بذلك ويمضي في حاجته بنشاط وهمة، وثقته كلها بالله، واعتماده كله عليه وحده جل في علاه.
رزقنا الله -جل وعلا- أجمعين حُسن الثقة به وتمام التوكل عليه، وأصلح لنا أجمعين شأننا كله إنه ولي التوفيق والسداد لا شريك له جل في علاه.
وصلُّوا وسلِّموا -رعاكم الله- على محمد بن عبد الله كما أمركم الله بذلك في كتابه، فقال: (إِنّ اللّه وملائِكتهُ يُصلُّون على النّبِيِّ يا أيُّها الّذِين آمنُوا صلُّوا عليْهِ وسلِّمُوا تسْلِيماً)[الأحزاب: ٥٦].
اللهم صلِّ على محمدٍ وعلى آل محمد كما صلّيت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد، وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميدٌ مجيد. وارض اللهم عن الصحابة أجمعين ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين.
اللهم أعز الإسلام والمسلمين.
اللهم آمنّا في أوطاننا وأصلح أئمتنا وولاة أمورنا، اللهم اغفر لنا ووالدينا وللمسلمين والمسلمات والمؤمنين والمؤمنات الأحياء منهم والأموات.
ربنا آتنا في الدنيا حسنة وفي الآخرة حسنة وقنا عذاب النار.
وآخر دعوانا أن الحمد لله رب العالمين.
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم