عناصر الخطبة
1/ حرص الإسلام على المحبة والتآخي 2/ المقصود بالنميمة والتحذير منها 3/ آثار النميمة وصفات النمام 4/ انتشار النميمة وتفشيها 5/ التعامل الأمثل مع النمام 6/ عواقب النميمة والتوبة منهااقتباس
النميمة مرض عُضال فتاك، وداء خبيث، وشر خطير يُولِّد أَعظم الشرور، ويُنتج أشد المفاسد في المجتمعات، ويُوَرث فيها العداوة والبغضاء، فتنهدم الأسر، ويقع التفريق بين الأحبة والأزواج، وتتقطع الأرحام. النميمة هي بضاعة إبليس التي...
الخطبة الأولى:
إن من المقاصد العظمى التي دعت إليها شريعة الإسلام: الحفاظ على المحبة والتآخي والصفاء بين عباد الله المسلمين، لذا أمر ربنا -سبحانه- بفعل واتباع كل ما يعين على الإبقاء على هذا الأصل وتوطيده وتقويته، ونهى عن كل الأسباب التي تُفضي إلى زعزعته وإضعافه، وذلك لما في المحبة والتآخي من المصالح الكبرى للفرد والمجتمع.
ولما كان الأمر كذلك كان الشيطان وأعوانه من شياطين الإنس والجن أحرص ما يكونون على هدم بنيان هذا الأصل واجتثاثه، وتقطيع أواصر المحبة والتآخي بين أفراد المجتمع الواحد، وإثارة أجواء القلق الاجتماعي وتضخيم الخلافات، وتسميم البيئة المسلمة.
فكانت الوسيلة المستعملة هي النميمة.
وهذا هو موضوع خطبة اليوم -بإذن الله-: "النميمة وعاقبة النمام".
فالنميمة هي: نقل الكلام بين الناس قصد الإفساد والتحريش وإيقاع العداوةِ والبغضاءِ بينهم.
وقد جاء في الحديث الصحيح أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "ألا أُنبِّئُكم ما العَضه؟ هي النَّمِيمَة، القَالة بين الناس".
فالنميمة تعد من الذنوب العظيمة التي حذر الله ورسوله منها، فهي عادة ذميمة، وعمل لئيم، وجريمة أخلاقية منكِرة، تعددت آثارها السيئة، وتكاثرت عواقبها الوخيمة، فلا يُحسنها إلا الضعفاء والجبناء، ولا يتقبلها إلا الأراذل والتافهون.
النميمة مرض عُضال فتاك، وداء خبيث، وشر خطير يُولِّد أَعظم الشرور، ويُنتج أشد المفاسد في المجتمعات، ويُوَرث فيها العداوة والبغضاء، فتنهدم الأسر، ويقع التفريق بين الأحبة والأزواج، وتتقطع الأرحام.
النميمة هي بضاعة إبليس التي يُعرضها على الناس ليشتروها بثمن بخس، فلم يسلم من شرها وضررها لا كبير ولا صغير إلا من رحم الله؛ ففي الحديث الصحيح يقول النبي -صلى الله عليه وسلم-: "إنَّ الشَّيطانَ قد أيِسَ أن يعبُدَه المصلُّونَ في جزيرةِ العربِ ولَكنْ في التَّحريشِ بينَهم" الشيطان لم ييئس ولن ييئس من السعي في التفريق بين الناس، والتحريش بينهم، وإذكاء العداوات المفرقة بين الأحبة والأصدقاء.
النمام إنسان ذو قلب خبيث، ولسان سليط.
النمام هو إنسان ذو وجهين يقابل كل من يعاملهم بوجه، فهو كالحِرباء يتلَوَّن بحسب المصالح والمنافع، وبحسب الموقف الذي يريده.
النمام يمشي بين الناس وهمه إفساد القلوب، وقطع الصِلات والأرحام، وهدمُ الأسر، وهتكُ الأسرار، يثير الفتن، ويسعى للوقيعة بين الأحباب، والتفريق بين الأصحاب، يزرع الأحقاد والضغائن في القلوب، ويُشعل نيران الكراهية في الصدور، ويجعل الصديقين عدوين، والأخوين متقاطعين، والزوجين متنافرين.
النمام عون للشيطان، يبيع دينَه بدنيا غيره، ورضا الناس بسخَط الله، لذا حذر ربنا -سبحانه- من أمثال هؤلاء، فقال: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ * مَنَّاعٍ لِلْخَيْرِ مُعْتَدٍ أَثِيمٍ * عُتُلٍّ بَعْدَ ذَلِكَ زَنِيمٍ) [القلم: 10 - 13] عشر صفات متواليات، ونعوتٍ مُتتابعات كلها ذميمة وردت على صيغ المبالغة التي تدل على كثرة وقوع الإنسان في هذه الصفات، وكل خصلة أشد من الأخرى.
"حلاف" كثيرُ الحلِف، ولا يكثر الحلف إلا إنسان كاذب؛ لأنه يعلم من نفسه عدَمَ صِدقِه.
وهو "مَهينٌ" حقير، والمهانة صفة نفسية تُلصَقُ بالمرء ولو كان ذا جاه أو مال أو جمال.
"هماز" يهمز الناس ويعيبهم بالقول والإشارة في حضورهم أو في غيبتهم.
"مشاء بنميم" يمشي بين الناس بما يُفسد قلوبهم، ويَقطع صلاتهم.
وهو "مناع للخير" يمنع الخير عن نفسه وعن غيره.
"مُعتدٍ أثيم" مُتجاوز للحق ظالم وواقع في المحرمّات، والمعاصي.
"عُتُل" فظٌّ قاسٍ مكروه ولو بدَا فيه لُطفٌ مُتصنَّع ورقَّةٌ مُتكلَّفة.
"زنيم" شِرِّير يحبُّ الإيذاء ويستمتعُ ببذل الشرّ وزرع الأحقاد؛ كما حذر النبي -صلى اله عليه وسلم- من أمثال هؤلاء فقال: "تجِدُ من شرِّ النَّاسِ يومَ القيامةِ عندَ اللهِ، ذا الوَجهينِ، الذى يأتِي هؤلاءِ بوجهٍ، وهؤلاءِ بوَجهٍ".
وقال صلى الله عليه وسلم: "خيار عباد الله الذين إذا رؤوا ذُكر الله، وشرار عباد الله المشاؤون بالنميمة، المفسدون بين الأحبة، الباغون للبرآء العنت" أي الذين يسببون بهذه النميمة التعب والمشقة والمصائب والمحن للأبرياء.
الخطبة الثانية:
لقد أصبحت النميمة وقرينتها الغيبة لدى بعض أفراد وشرائح المجتمع عادةً يومية لا يمكنهم التخلي عنها أو العيشَ دونَها، فلا تكادُ تخلو مجالس الرجال وتجمعات النساء من رائحة النميمة ونقلِ الكلام والطعن والسخرية.
بل تفنَّنُوا وابتكروا لها أساليبَ عديدة، واستُخدمت في ذلك التقنيات الحديثة، لاسيما مع انتشار شبكات التواصل الاجتماعي، التي أصبحت باحاتٍ مفتوحةً لتناقل أخبار وأعراض الناس، وإشاعة الأكاذيب وإلصاق التهم بالأبرياء ولمزهم والطعن فيهم.
فالواجب على كل مسلم وكل مسلمة أن يتق الله، ولا يُلق بنفسه في تيار النميمة، فإنها خصلة قبيحة ذات خطر كبير على العلاقات الأخوية والروابط الاجتماعية.
على كل مسلم أن يجتنب النميمة والنمامين فلطالما خُرٍّبت بيوت عامرة، وفُرقت أسر مجتمعة، وأزهقت أرواح بريئة، بسب النميمة والنمامين على كل مسلم أن يَتثبت إذا نَقل إليه النمام ما يُجرح المشاعر أو يثيرها، قال ربنا: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنْ جَاءَكُمْ فَاسِقٌ بِنَبَإٍ فَتَبَيَّنُوا أَنْ تُصِيبُوا قَوْمًا بِجَهَالَةٍ فَتُصْبِحُوا عَلَى مَا فَعَلْتُمْ نَادِمِينَ) [الحجرات: 6].
فإذا أتاك -أيها المسلم- نمام وبدأ ينقل إليك ما يفسد الوُد والمحبة ويَزرع الحقد، فأسكته، وعظه، وانصحه، وخوفه بالله، وذكره بتحريم النميمة، وسوء منقلب صاحبها لعله يتذكر أو يخشى، وإياك والانخداع بالنمامين فإن من نم لك نم عليك.
وتذكر -أخي المسلم أختي المسلمة- أن الله –تعالى- قد حذر من الاستماع للنمام، فقال سبحانه: (وَلَا تُطِعْ كُلَّ حَلَّافٍ مَهِينٍ * هَمَّازٍ مَشَّاءٍ بِنَمِيمٍ) [القلم: 10- 11].
فالنمام خائن ولو كان صادقا مستهين بالتعاليم الربانية التي ذَمَّت وتوعدت كل (هَمَّازٍ مَّشَّاء بِنَمِيمٍ) [القلم: 11]، ففي الحديث الصحيح أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- مر بقبرين فقال: "إنهما ليعذبان وما يعذبان في كبير، أما أحدهما: فكان يمشي بالنميمة، وأما الآخر فكان لا يستتر من البول".
وقد توعد النبي -صلى الله عليه وسلم- من ينقل كلام الناس بقصد الإفساد بينهم، فقال: "لا يدخل الجنة نمام".
وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "مَن كان له وجهانِ في الدنيا كان له يومَ القيامةِ لسانانِ من نارٍ".
فمن كان واقعا في شيء من النميمة فليتب منها عاجلا ما دام قادرا على التوبة وما دام باب التوبة مفتوحاً.
فلنتق الله -تعالى-، ولنحفظ ألسنتنا من كلام السوء، وشر النمامين، فقد كان ابن عباس -رضي الله عنهما- يأخذ بلسانه، وهو يقول: "ويحك، قل خيرا تغنم، واسكت عن سوء تسلم، وإلا فاعلم أنك ستندم".
إضافة تعليق
ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم