النصر للمؤمنين الصادقين المرابطين

الشيخ د محمد أحمد حسين

2023-12-22 - 1445/06/09 2023-12-24 - 1445/06/11
عناصر الخطبة
1/تحية إجلال وإكبار للشهداء والأسرى 2/النصر لا يأتي إلا بالصبر والتضحيات 3/فضيلة الرباط في أرض الإسراء والمعراج 4/الحديث الكاذب للعالم عن حقوق الإنسان 5/الوصية بإعمار المسجد الأقصى

اقتباس

يتحدَّثون في العالَمِ بأَسْرِه عن حقوق الإنسان، وقضايا الإنسان، والأعراف الدوليَّة وغيرها وغيرها من المواثيق والأحكام الدوليَّة العامَّة، ولكننا إذا نظرنا في الواقع، وهو أكبر شاهد على أن هذا العالَم بأسره ومع الأسف الشديد يتنكَّر لحقوق الإنسان، ويتنكَّر للأعراف والقوانين الدوليَّة...

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمدَ لله، نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، مَنْ يهدِ اللهُ فلا مضلَّ له، ومَنْ يُضلِلْ فلا هاديَ له، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ وحدَه لا شريكَ له، بيده الخير وهو على كل شيء قدير، وأشهدُ أنَّ سيدنا وحبيبنا ورسولنا وقدوتنا محمدًا عبدُ الله ورسولُه، وصَفِيُّه من خَلقِه وخليلُه، صلى الله عليه وعلى آله الطاهرين، وصحابته الغُرِّ الميامينِ، وعلى مَنْ سار على نهجهم، واقتفى أثرَهم، واستنَّ سُنَّتَهم إلى يوم الدين، والصلاة والسلام على الأنبياء والمرسَلينَ، والصحابة والتابعين، وعلى الشهداء والمكلومين، وعلى الأسرى والمعتقَلينَ، وعلى الراكعين الساجدين، في المسجد الأقصى المبارَك، وفي كل بقعة من ديار المسلمين.

 

وبعدُ، أيها المسلمون، يا أبناء شعبنا الصابر المرابط: هناك في غزة هاشم، وهنا في القدس الشريف، قلب فلسطين، وموطن الإسراء والمعراج برسولنا الكريم، نحييكم بتحية طيبة مباركة، في كل مدينة، وقرية وريف ومخيم، من أهلنا في هذه الديار المبارَكة، ديار الإسراء والمعراج، وقد صدق فيكم: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اصْبِرُوا وَصَابِرُوا وَرَابِطُوا وَاتَّقُوا اللَّهَ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 200].

 

أيها المسلمون، يا أبناء بَيْت الْمَقدسِ وأكناف بَيْت الْمَقدسِ، أيها المرابطون في هذه الديار المبارَكة، التي بارَك اللهُ فيها، ونسأله أن يبارك فيكم جميعًا: نترحم من علياء هذا المنبر الشريف على كل شهدائنا الأبرار، الأكرمين منا دائمًا، كما نحيي أسرانا البواسل، الذين صبروا وصابروا ورابطوا، سائلين المولى -عز وجل- من علياء هذا المنبر الشريف، أن يفرج كربهم، وأن ييسر خلاصهم، إنه على ذلك قدير.

 

كما نترحم على كل الذين لا نعلم أين هم، هل هم في عداد الشهداء؟ أم لا زالوا مفقودين، وندعو الله -سبحانه وتعالى- للجرحى بالشفاء العاجل، ولكل مريض من أبناء شعبنا وأمتنا حيثما كان، سائلين المولى -عز وجل- حسن الثبات والرباط لأبناء شعبنا الصابر المرابط، واسمعوا -أيها المرابطون- قولَ الله -تعالى-، يخاطب عباده المؤمنين: (أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَأْتِكُمْ مَثَلُ الَّذِينَ خَلَوْا مِنْ قَبْلِكُمْ مَسَّتْهُمُ الْبَأْسَاءُ وَالضَّرَّاءُ وَزُلْزِلُوا حَتَّى يَقُولَ الرَّسُولُ وَالَّذِينَ آمَنُوا مَعَهُ مَتَى نَصْرُ اللَّهِ أَلَا إِنَّ نَصْرَ اللَّهِ قَرِيبٌ)[الْبَقَرَةِ: 214].

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: الفوز في الدنيا يحتاج إلى السير على هدي رسولنا الأكرم، وعلى هدي الصالحين من صحابته الكرام، وتابعيه بإحسان إلى يوم الدين، كما أن الفوز بالآخرة يحتاج إلى الصبر على كل متطلَّبات العقيدة والإيمان، والثبات على هذه العقيدة بكل إخلاص، وبكل تفان في سبيل النجاة في الدنيا والآخرة، ألا إن سلعة الله غالية، ألا إن سلعة الله الجنة.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: هذه سُنَّة الله في الأمم التي خلت، وهي سنة الله في سيرة الحبيب المصطفى -صلى الله عليه وسلم-، وهي سنة الصالحين والصابرين والمرابطين إلى أن يرث الله الأرض وما عليها، فعليكم بالصبر والثبات والرباط، فإنَّها غنيمة ناجحة في هذه الأيام، لا بل إنها طريق واضح للنجاة في الحياة الدنيا والفوز في الآخرة.

 

قال علماء التفسير، في أسباب نزول هذه الآية الكريمة: "إنها نزلت تُحدِّثُ المسلمينَ عمَّا جرى للأمم السابقة مع أنبيائها، وهي كذلك نزلت في غزوة الأحزاب، التي اجتمع فيها كل الكفر في جزيرة العرب، يعاونهم المنافقون، وغيرهم، للقضاء على الدعوة الإسلاميَّة في المدينة المنوَّرة، وكانت الشدة والشدائد، ولكن كان الصبر، وكانت المصابرة، وكانت عزيمة المؤمنين، بقيادة رسولنا الأكرم -صلى الله عليه وسلم-، هي عزيمة الصابرين، عزيمة الثابتين، عزيمة المرابطين، ففرج الله كربهم، وشتت شمل عدوهم، وأنزل عليهم نصره، وأنزل جنودا لم يروها، مع أن القلوب بلغت الحناجر، والضيق بلغ بهم مسالك الضيق، ولكنه فرج الله -تعالى- يتنزل متى يشاء، وحيثما يشاء، وكيفما يشاء، على المعتصمين بحبله المتين، وعلى الواثقين بأن الله -سبحانه وتعالى- لا يضيع المؤمنين، ولا يخذل الصابرين، بل يمدهم بمدد من عنده؛ (وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ)[الْمُدَّثِّرِ: 31].

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج، أيها المرابطون في هذه الديار المبارَكة: لقد أكرمكم الله أن تكونوا أبناءها الأوفياء، وأن تكونوا حراسها الأوفياء، وأن تكونوا المتمسكين بها الذين تذودون عنها وعن مقدساتها رغم كل الظروف والأهوال والأحوال، ويكفيكم بشارة رسولنا الأكرم -صلى الله عليه وسلم-: "رباطُ يومٍ في سبيلِ اللهِ خيرٌ من الدنيا وما عليها، وموضعُ سوطِ أحدِكم مِنَ الجنةِ خيرٌ من الدنيا وما عليها، والروحةُ يَرُوحُها العبدُ أو الغدوةُ في سبيلِ اللهِ خيرٌ من الدنيا وما عليها"، أو كما قال صلى الله عليه وسلم، فيا فوز المستغفرين، استغفروا الله، وادعوا الله وأنتم موقنون بالإجابة.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحدَه، والصلاة والسلام على سيدنا محمد لا نبيَّ بعدَه، وأشهدُ ألَّا إلهَ إلَّا اللهُ، أحبَّ لعباده أن يعملوا لدِينِهم ودُنياهم، حتى يفوزوا بنِعَمِ اللهِ وينالوا رضوانَه، وأشهد أنَّ سيدَنا محمدًا عبدُه ورسولُه، أدَّى الأمانةَ وبلَّغ الرسالةَ ونصَح للأمة، وتركَنا على المحجَّة البيضاء، ليلها كنهارها، لا يزيغ عنها إلا هالك.

 

أيها المسلمون، يا أبناء ديار الإسراء والمعراج: سنصلي صلاة الغائب على أرواح الشهداء بعد صلاة الجمعة مباشرة.

 

أيها الإخوة المؤمنون، أيها الصابرون المرابطون في بَيْت الْمَقدسِ وأكناف بَيْت الْمَقدسِ: يتحدَّثون في العالَمِ بأَسْرِه عن حقوق الإنسان، وقضايا الإنسان، والأعراف الدوليَّة وغيرها وغيرها من المواثيق والأحكام الدوليَّة العامَّة، ولكننا إذا نظرنا في الواقع، وهو أكبر شاهد على أن هذا العالَم بأسره ومع الأسف الشديد يتنكر لحقوق الإنسان، ويتنكر للأعراف والقوانين الدوليَّة، وإذا اعترف بها فلا يُطبِّق منها إلا النَّذْرَ اليسيرَ إن تيسَّر له ذلك، نقول للعرب وللمسلمين ولكل العالم: تقرؤون في أدبيَّات الأمم معنى النجدة والنخوة والكرامة والمروءة، ولكن هل تجدون من ذلك شيئًا بين أظهركم؟ وكأنني بما قاله الشاعر ملخَّصًا كل مثل هذه الأمور، يقول ويتحدث عن المروءة والنجدة:

مررتُ على المروءةِ وَهْي تبكي *** فقلتُ: علامَ تنتحبُ الفتاةُ

فقالت: كيف لا أبكي وأهلي *** جَمِيعًا دُونَ خلقِ اللهِ ماتُوا

 

فلا حول ولا قوة إلا بالله العظيم، وحسبنا الله ونعم الوكيل، قالها سيدنا إبراهيم فأنجاه الله من النار، وقالها سيدنا محمد -صلى الله عليه وسلم- فانقلبوا بنعمة من الله ورضوان.

 

أيها المسلمون، أبناء ديار الإسراء والمعراج: أمَّا المسجد الأقصى المبارَك، قِبلة المسلمين الأُولى، وثاني بيت يُوضَع في الأرض بعد البيت الحرام، ومسرى نبيكم ومعراجه إلى السماوات العلا، والمسجد الذي لا تُشَدّ الرحالُ إلا إليه وإلى المسجدين الحرام والمسجد النبوي، إنه أمانة في أعناقنا جميعًا، فلنعقد العزم على شد الرحال إليه في جميع الظروف والأوقات والأحوال، وإننا على يقين وعلى علم بأن هناك كثيرًا من الحواجز والموانع التي تَحُول دونَ وصول المصلين إليه، لكننا نقول ونؤكد بأن المسلمين في هذه الديار سيبقون كما أخبرهم رسولنا الأكرم -صلى الله عليه وسلم- وهو يجيب ذاك الصحابي الجليل: "أين تأمرنا يا رسول الله إن ابتُلينا بعدَكَ بالبقاء؟ فيقول -صلى الله عليه وسلم-: "عليكَ ببيتِ المقدسِ، لعلَّ اللهَ يرزقك ذريةً يَغدُونَ إلى ذلك المسجد ويروحون"، فكونوا الذَّريَّة التي بشَّر بها نبينا -عليه الصلاة والسلام-، وكونوا خير خلف لخير سلف، فأنتم أحفاد الفاروق وصلاح الدين والصحابة الكرام، وتابعيهم بإحسان إلى يوم الدين.

 

اللهُمَّ رُدَّنا إليكَ ردًّا جميلًا، وهيئ لنا وللمسلمين فرجًا عاجلًا قريبًا، وقائدًا مؤمنًا رحيمًا، يُوحِّد صفَّنا، ويَجمَع شملَنا، وينتصر لنا، اللهُمَّ أرنا الحق حقًّا وارزقنا اتباعه، وأرنا الباطل باطلًا ووفقنا اجتنابه، اللهُمَّ احفظ المسلمين والمسلمات، والمؤمنين والمؤمنات، وارحمهم جميعًا الأحياء منهم والأموات، واختم أعمالنا بالصالحات، اللهُمَّ مدنا بمدد من عندك، وانصرنا بنصرك العزيز، إنك يا مولانا على كل شيء قدير، وبالإجابة جدير، وَصَلَّى الله وسلم وبارك على سيدنا محمد وعلى آله وأصحابه أجمعين، وأنتَ يا مُقيمَ الصلاة أَقِمِ الصلاةَ.

 

 

المرفقات

النصر للمؤمنين الصادقين المرابطين.doc

النصر للمؤمنين الصادقين المرابطين.pdf

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات
عضو نشط
زائر
21-01-2024

جزاكم الله