النزهة أحكام وآداب

عمر بن عبد الله بن مشاري المشاري

2020-12-04 - 1442/04/19 2022-10-12 - 1444/03/16
عناصر الخطبة
1/النزهة والخروج إلى البَرّ أمور مباحة 2/الترويح عن النفس بالحلال الطيّب 3/أحكام النزهة والخروج إلى البَرّ وآدابهما.

اقتباس

تفكّر في السهل والجبل والوادي والشِّعب والشجر والنبات والكائنات والدواب على كثرة أنواعها وما اختص الله به بعضها على بعض، والتفكر في أنواع التربة وتعدّد مكوناتها، وإمعان النظر عندما يرى رمالاً تنتقل ذرَّاتها بالهواء، وتربةً مغبرَّة....

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونتوب إليه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضلَّ له، ومن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أنَّ نبينا محمداً عبده ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه وسلم تسليماً.

 

 أمَّا بعد: فيا عباد الله: إنَّ النزهة والخروج إلى البَرّ هو من الترويح عن النفس، ولها أحكام وآداب نذكرها في وقفات:

 

الوقفة الأولى: أهميَّة إقامة الصلاة في وقتها، والأفضل في أول الوقت، فمن الناس من إذا خرج للنزهة والبر أخَّر الصلاة عن وقتها، وكما هو معلوم أنَّ لكلِّ صلاة وقتها المحدد دخولاً وخروجاً، فتأديتها في وقتها من أهمِّ الأمور، قال الله -تعالى-: (إِنَّ الصَّلَاةَ كَانَتْ عَلَى الْمُؤْمِنِينَ كِتَابًا مَوْقُوتًا)[النساء: 103].

 

ويستحب لمن كان في البر رفع الأذان عند دخول وقت الصلاة، يؤذن مع رفع صوته، حتى ولو كان وحده، قال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يَعْجَبُ رَبُّكُمْ مِنْ رَاعِي غَنَمٍ فِي رَأْسِ شَظِيَّةٍ بِجَبَلٍ، يُؤَذِّنُ بِالصَّلَاةِ، وَيُصَلِّي، فَيَقُولُ اللَّهُ -عَزَّ وَجَلَّ-: انْظُرُوا إِلَى عَبْدِي هَذَا يُؤَذِّنُ وَيُقِيمُ الصَّلَاةَ، يَخَافُ مِنِّي، قَدْ غَفَرْتُ لِعَبْدِي وَأَدْخَلْتُهُ الْجَنَّةَ"(رواه أبو داود 1203، وصححه الألباني في الصحيحة:41).

 

وقال أبو سعيد الخدري -رضي الله عنه- لرجل: "إِنِّي أَرَاكَ تُحِبُّ الغَنَمَ وَالبَادِيَةَ، فَإِذَا كُنْتَ فِي غَنَمِكَ أَوْ بَادِيَتِكَ، فَأَذَّنْتَ بِالصَّلاَةِ فَارْفَعْ صَوْتَكَ بِالنِّدَاءِ، فَإِنَّهُ: "لاَ يَسْمَعُ مَدَى صَوْتِ المُؤَذِّنِ، جِنٌّ وَلاَ إِنْسٌ وَلاَ شَيْءٌ، إِلَّا شَهِدَ لَهُ يَوْمَ القِيَامَةِ"، قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-.(رواه البخاري:609).

 

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "الْمُؤَذِّنُ يُغْفَرُ لَهُ مَدَّ صَوْتِهِ، وَيَشْهَدُ لَهُ كُلُّ رَطْبٍ وَيَابِسٍ"(رواه الإمام أحمد 9906، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح: 667)؛ فليحرص مَن خرج إلى البَرّ على رفع الأذان ومدَّ الصوت به؛ اغتناماً للأجر واتباعاً للسنة وإعلاماً بدخول الوقت.

 

الوقفة الثانية: أهميَّة اختيار المكان المناسب، فلا يناسب من معه أطفال الجلوس بالقرب من السيول أو المستنقعات أو الحفر والآبار المفتوحة أو بطون الأودية؛ لخطورة ذلك عليهم.

 

الوقفة الثالثة: أهميَّة دعاء المنزل؛ فبه يحفظه الله بحفظه، عن خولة بنت حكيم -رضي الله عنها- قالت: سمعت رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يقول: "مَنْ نَزَلَ مَنْزِلًا ثُمَّ قَالَ: أَعُوذُ بِكَلِمَاتِ اللهِ التَّامَّاتِ مِنْ شَرِّ مَا خَلَقَ، لَمْ يَضُرَّهُ شَيْءٌ، حَتَّى يَرْتَحِلَ مِنْ مَنْزِلِهِ ذَلِكَ"(رواه مسلم: 2708). فحافظوا على هذا الدعاء ولقّنوه أبناءكم.

 

الوقفة الرابعة: التأمل والتفكُّر، تفكّر في السهل والجبل والوادي والشِّعب والشجر والنبات والكائنات والدواب على كثرة أنواعها وما اختص الله به بعضها على بعض، والتفكر في أنواع التربة وتعدّد مكوناتها، وإمعان النظر عندما يرى رمالاً تنتقل ذرَّاتها بالهواء، وتربةً مغبرَّة توصَمُ بالريغاء، إن سلك إليها سالك أثارت غباراً يكتُم الأنفاس ويحجب الرؤية، وتربةً طينيةٍ عند المطر لا يُستطاع المشي عليها، وأرضاً سبخة، تُسمك الماء ولا تُنبتُ شجراً.

 

وعندما يرى أحجام الجبال التي جعلها الله أوتاد الأرض ويرى ألوانها المختلفة: بيضُ وصفر وحمر وغرابيبُ سود ويرى ما فيها من الكهوف، وعندما يرى في الأرض منخفضات ومرتفعات ودحول وعيون وأنهار، فتفكر وتأمل وأبصر واستبصر، وانظر إلى عظمة الخالق -سبحانه وتعالى-، كيف نصب الجبال وسطح الأرض، ورفع السماء وزيّنها بالنجوم، وجعلها رجوماً للشياطين، وعلامات تدلّ على الجهات، وأحيا الأرض بالمطر، وجعل فيها بحكمته من الكائنات والمخلوقات والنباتات ما لا يستطيع حصره عادٌّ، نملٌ ونحل، وذباب وبعوض، وزواحف وحشرات، وطيور متنوعة، تختلف أصواتها وأحجامها وألوانها وطباعها، عشاشٌ بعضها في الجبال وبعضها في الشجر وأخرى على الأرض؛ فسبحان الله العظيم العزيز الحكيم، الذي له الحكمة البالغة في ذلك.

 

الوقفة الخامسة: أهميَّة اصطحاب الصحبة الصالحة عند الخروج إلى البَرّ؛ ذلك أنَّهم يعينون على طاعة الله، فصحبتهم غنيمة ومكسب، فاحرصوا أيُّها الشباب على ذلك، وإيَّاكم ومصاحبة أهل السوء الذين يزيِّنون المعصية ويثبِّطون عن الأعمال الصالحة، والمرء عندما يخرج إلى النزهة فإنَّه ينشد الراحة والسعادة، ولا راحة ولا سعادة مع المعصية والإثم، وإنَّما هي أثقال وأوزار وخسارة وبوار في الدنيا والآخرة، حتى لو رأى المقترف لها أنَّ سعادته فيها، ذلك أنَّ الشيطان يُزيِّن المعصية ويُسهِّل فعلها ويُحقِّر عواقبها، فالحذر الحذر. 

 

الوقفة السادسة: أهميَّة اختيار المكان المناسب عند الخلاء، مكان ساتر لا يكون طريقاً أو ظلاً لشجرة ولا يستنجي بروث أو عظم، ولا يستقبل القبلة ببولٍ أو غائط، عن رويفع بن ثابتٍ -رضي الله عنه- قال: قال ليَ النبي -صلى الله عليه وسلم-: "يَا رُوَيْفِعُ، لَعَلَّ الْحَيَاةَ سَتَطُولُ بِكَ بَعْدِي، فَأَخْبِرِ النَّاسَ أَنَّهُ مَنْ عَقَدَ لِحْيَتَهُ، أَوْ تَقَلَّدَ وَتَرًا، أَوْ اسْتَنْجَى بِرَجِيعِ دَابَّةٍ أَوْ عَظْمٍ، فَإِنَّ مُحَمَّدًا بَرِيءٌ مِنْهُ"(رواه الإمام أحمد 16996، وصححه الألباني في مشكاة المصابيح برقم 351).

 

وقيل لسلمانَ الفارسيِّ -رضي الله عنه-: قَدْ عَلَّمَكُمْ نَبِيُّكُمْ -صلى الله عليه وسلم- كُلَّ شَيْءٍ حَتَّى الْخِرَاءَةَ قَالَ: فَقَالَ: أَجَلْ "لَقَدْ نَهَانَا أَنْ نَسْتَقْبِلَ الْقِبْلَةَ لِغَائِطٍ أَوْ بَوْلٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِالْيَمِينِ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِأَقَلَّ مِنْ ثَلَاثَةِ أَحْجَارٍ، أَوْ أَنْ نَسْتَنْجِيَ بِرَجِيعٍ أَوْ بِعَظْمٍ"(رواه مسلم:262).

 

وقال النبي -صلى الله عليه وسلم-: "اتَّقُوا اللَّعَّانَيْنِ" قَالُوا: وَمَا اللَّعَّانَانِ يَا رَسُولَ اللهِ؟ قَالَ: "الَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ، أَوْ فِي ظِلِّهِمْ"(رواه مسلم:269). قال النووي -رحمه الله-: "معناه -والله وأعلم- اتقوا فِعْل اللَّعَّانَيْنِ أَيْ صَاحِبَيِ اللَّعْنِ وَهُمَا اللَّذَانِ يَلْعَنْهُمَا النَّاسُ فِي الْعَادَةِ.. والَّذِي يَتَخَلَّى فِي طَرِيقِ النَّاسِ فَمَعْنَاهُ يَتَغَوَّطُ فِي مَوْضِعٍ يَمُرُّ بِهِ النَّاسُ وَمَا نَهَى عَنْهُ فِي الظِّلِّ وَالطَّرِيقِ؛ لِمَا فِيهِ مِنْ إِيذَاءِ الْمُسْلِمِينَ بِتَنْجِيسِ مَنْ يَمُرّ به ونتنه واستقذاره، والله أعلم"(شرح النووي على صحيح مسلم: 3/162-161).

 

ونستكمل بقية أحكام وآداب النزهة في الجمعة القادمة إن شاء الله، اللهم علّمنا ما ينفعنا وانفعنا بما علمتنا وزدنا علمًا، وارزقنا صواباً وإخلاصاً في القول والعمل.

 

بارك الله لي في القرآن العظيم ونفعني وإياكم بما فيه من الآيات والذكر الحكيم أقول قولي هذا، وأستغفر الله لي ولكم ولسائر المسلمين من كل ذنب وخطيئة؛ فاستغفروه، إنَّه هو الغفور الرحيم.

 

المرفقات

النزهة أحكام وآداب.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات