المهمة القذرة

تركي بن عبدالله الميمان

2022-11-18 - 1444/04/24 2022-11-19 - 1444/04/25
عناصر الخطبة
1/التفريق بين الزوجين من أعظم أعمال الشيطان 2/الحياة الزوجية خير كثير 3/حكم الطلاق 4/الإصلاح بين الزوجين عند الخلاف 5/الزواج عقد مقدس

اقتباس

والزوجُ العاقل لا يُبادِرُ إلى الفِراقُ والطلاقُ بمجرد الخلاف والشِّقَاق؛ فهو يُغَلِّبُ دِينَه وعقلَه، ويراعي الفروقات، وَيَحْذَر مِنَ المُقارِنَات، ويتغافل عن الزلات، ويستر العورات؛ فالكَيِّسُ العاقل هو الفَطِنُ المتغافل...

الخطبة الأولى:

 

أمَّا بعد: مِنْ أَحَبِّ الأعمال التي يَفرحُ بها إبليس التحريشُ بين المسلمين، والتفريقُ بينهم؛ خصوصاً بين الزوجين؛ ولهذا يرسلُ إبليسُ جنودَه في الأرض؛ مِنْ أَجْلِ تنفيذِ هذه المُهِمَّة القَذِرَة، قال -صلى الله عليه وسلم-: "إِنَّ إِبْلِيسَ يَضَعُ عَرْشَهُ عَلَى الْمَاءِ، ثُمَّ يَبْعَثُ سَرَايَاهُ، فَأَدْنَاهُمْ مِنْهُ مَنْزِلَةً أَعْظَمُهُمْ فِتْنَةً، يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: فَعَلْتُ كَذَا وَكَذَا، فَيَقُولُ: مَا صَنَعْتَ شَيْئًا، قَالَ: ثُمَّ يَجِيءُ أَحَدُهُمْ فَيَقُولُ: مَا تَرَكْتُهُ حَتَّى فَرَّقْتُ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأَتِهِ، قَالَ: فَيُدْنِيهِ مِنْهُ وَيَقُولُ: نِعْمَ أَنْتَ!"(رواه مسلم).

 

والتفريقُ بين الزوجين؛ عِلْمٌ يتعلَّمُه شياطينُ الإنس مِنَ السَّحَرَةِ والحَسَدَة! (فَيَتَعَلَّمُونَ مِنْهُمَا مَا يُفَرِّقُونَ بِهِ بَيْنَ الْمَرْءِ وَزَوْجِهِ)[البقرة:102]، وقال -صلى الله عليه وسلم-: "مَنْ أَفْسَدَ امْرَأَةً عَلَى زَوْجِهَا فَلَيْسَ مِنَّا"(رواه أبوداود، وصححه الألباني).

 

والحياة الزوجية ليستْ صَفْوَاً مِنَ المَكارِه؛ بل إنَّ وراءَها خيراً كثيراً، قال تعالى: (فَإِنْ كَرِهْتُمُوهُنَّ فعَسَى أَنْ تَكْرَهُوا شَيْئاً وَيَجْعَلَ اللَّهُ فِيهِ خَيْراً كَثِيراً)[النساء:19]. قال ابن كثير: "أَيْ: فَعَسَى أَنْ يَكُونَ صَبْرُكُمْ مَعَ إِمْسَاكِكُمْ لَهُنَّ وَكَرَاهَتِهِنَّ فِيهِ، خَيْرٌ كَثِيرٌ لَكُمْ فِي الدُّنْيَا وَالْآخِرَةِ".

 

وينبغي للزوجين أن يتذكَّرَ كلٌّ منهما محاسنَ الآخر، ويتغافلَ عن مساوئِه، قال تعالى في حق الزوجين: (وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ)[البقرة:237]، قال -صلى الله عليه وسلم-: "لَا يَفْرَكْ -أي لا يبغض- مُؤْمِنٌ مُؤْمِنَةً؛ إِنْ كَرِهَ مِنْهَا خُلُقًا، رَضِيَ مِنْهَا آخَرَ"(رواه مسلم).

 

والزوجُ العاقل لا يُبادِرُ إلى الفِراقُ والطلاقُ بمجرد الخلاف والشِّقَاق؛ فهو يُغَلِّبُ دِينَه وعقلَه، ويراعي الفروقات، وَيَحْذَر مِنَ المُقارِنَات، ويتغافل عن الزلات، ويستر العورات؛ فالكَيِّسُ العاقل هو الفَطِنُ المتغافل، قال تعالى: (وَإِذْ أَسَرَّ النَّبِيُّ إِلَى بَعْضِ أَزْوَاجِهِ حَدِيثًا فَلَمَّا نَبَّأَتْ بِهِ وَأَظْهَرَهُ اللَّهُ عَلَيْهِ عَرَّفَ بَعْضَهُ وَأَعْرَضَ عَنْ بَعْضٍ)[التحريم: 3]، قال بعضهم: "مَا اسْتَقْصَى كَرِيمٌ قَطُّ، ومَا زَالَ التَّغَافُلُ مِنْ فِعْلِ الْكِرَامِ"، قال الأعمش: "التغافل يُطْفِئُ شَرَّاً كثيراً".

 

والأصل في الطلاق الحظر والمنع، ولكنَّ اللهَ أباحه بقدرِ الحاجة والضرورة، فَمَنْ طَلَبَه في غير موضعه؛ كان وبالاً عليه، قال -صلى الله عليه وسلم-: "أَيُّمَا امْرَأَةٍ سَأَلَتْ زَوْجَهَا طَلَاقًا فِي غَيْرِ مَا بَأْسٍ؛ فَحَرَامٌ عَلَيْهَا رَائِحَةُ الْجَنَّةِ"(رواه أبو داود، وصححه الألباني).

 

وفي الإصلاحِ بين الزوجين قَطْعُ الطريقِ على إبليس؛ فمن ذلك: توسيطُ أهل العقل والحكمة؛ ليحولوا دون إيقاع الطلاق؛ قال تعالى: (فَلا جُناحَ عَلَيْهِما أَنْ يُصْلِحا بَيْنَهُما صُلْحاً وَالصُّلْحُ خَيْرٌ)[النساء: 128]، قال ابن كثير: "(وَالصُّلْحُ خَيْرٌ) أَيْ مِنَ الْفِرَاقِ".

 

 

الخطبة الثانية:

 

أمَّا بعد: فإنَّ الزواج عقدٌ مقدَّس، وميثاقٌ غليظ؛ ينبغي على الزوجين إقامة حدوده، وأداء حقوقه، والصبر على ذلك: طاعةً للرحمن، وَدَحْرَاً للشيطان، وطَلَباً للجِنَان! (جَنَّاتُ عَدْنٍ يَدْخُلُونَهَا وَمَنْ صَلَحَ مِنْ آبَائِهِمْ وَأَزْوَاجِهِمْ وَذُرِّيَّاتِهِمْ وَالْمَلَائِكَةُ يَدْخُلُونَ عَلَيْهِمْ مِنْ كُلِّ بَابٍ * سَلَامٌ عَلَيْكُمْ بِمَا صَبَرْتُمْ فَنِعْمَ عُقْبَى الدَّارِ)[الرعد: 23]. 

 

اللهم ألِّفْ بين قلوب المسلمين، وأصلح ذات بينهم، واهدهم سبل السلام.

المرفقات

المهمة القذرة.pdf

المهمة القذرة.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات