المنهج الشرعي في نصح السلطان

الشيخ د فيصل بن عبد الرحمن الشدي

2022-10-10 - 1444/03/14
عناصر الخطبة
1/ كل ما يجري في الكون بتقدير الله 2/ بعض نعم الله على بلاد الحرمين 3/ عدم العصمة من الأخطاء وأهمية سلوك المنهج الشرعي لمعالجتها 4/ خطر المناداة بالاعتصامات والمظاهرات في بلاد الحرمين وفتاوى العلماء في ذلك 5/ بعض مفاسد الاعتصامات والمظاهرات 6/ الواجبات الشرعية تجاه الأخطاء والإنكار على ولاة الأمر

اقتباس

جعلوا المظاهرات سبيلا للإصلاح الذي يقصدونه، وتصحيحاً للخطأ ينشدونه، أفي كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يؤيد ذلك أو يدل عليه، فضلا أن يدعو إليه؟ أيعقل أن تكون هذه المظاهرات سبيلاً عظيماً من سبل الإصلاح ولا يرشدنا إليه كتاب الله أو سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؟...

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحَمْدُ لله الغَنِيِّ الكَرِيمِ الوَلِيِّ الحَمِيدِ؛ أَصَابَ عِبَادَهُ بِالخَيرِ وَالسَّرَّاءِ، وَدَفَعَ عَنْهُمُ البَلَاءَ وَالضَّرَّاءَ، وَجَعَلَهُمْ فِي دَارِ امْتِحَانٍ وَابْتِلَاءٍ؛ لِيَجِدُوا مَا عَمِلُوا يَوْمَ الجَزَاءِ: (فَمَن يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ خَيْرًا يَرَهُ * وَمَنْ يَعْمَلْ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ شَرَّاً يَرَهُ) [الزلزلة: 7 - 8].

وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيْكَ لَهُ؛ خَلَقَ الْخَلْقَ فَدَبَّرَهُمْ، وَغَلَبَتْ قُدْرَتُهُ سُبْحَانَهُ قُدْرَتَهُمْ؛ فَهُمْ عَبِيدُهُ وَإِنْ رَغِمُوا، وَهُمْ أُسَرَاؤُهُ وَإِنْ أَنِفُوا، لَا خُرُوْجَ لَهُمْ عَنْ أَمْرِهِ، وَلَا حِيْلَةَ لَهُمْ أَمَامَ قَدَرِهِ: (وَكَانَ أَمْرُ اللَّهِ قَدَرًا مَّقْدُورًا) [الأحزاب: 38].

وَأَشْهَدُ أَنْ مُحَمَّدَاً عَبْدُهُ وَرَسُوْلُهُ؛ أَرْأَفُ الْأُمَّةِ بِالْأُمَّةِ، وَأَنْصَحُهُمْ لَهَا، وَأَصْدَقُهُمْ مَعَهَا، وَأَعْلَمُهُمْ بِمَا يُصْلِحُهَا، لَا خَيرَ إِلَّا دَلَّنَا عَلَيهِ، وَلَا شَرَّ إِلَّا حَذَّرَنَا مِنْهُ، تَرَكَنَا عَلَى بَيْضَاءَ لَيْلُهَا كَنَهَارِهَا لَا يَزِيغُ عَنْهَا إِلَّا هَالِكٌ، صَلَّى اللهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَأَزْوَاجِهِ وَأَتْبَاعِهِ إِلَى يَومِ الدِّينِ.

 

أَمَّا بَعْدُ:

 

فَأُوصِي نَفْسِي وَإِيَّاكُمْ -عِبَادَ الله- بِتَقْوَى الله -تَعَالَى- فِي السِّرِّ وَالْعَلَنِ، وَتَعَلُّقِ الْقَلْبِ بِهِ دُوْنَ سِوَاهُ؛ فَإِنَّهُ سُبْحَانَهُ رَافِعُ الْبَلَاءِ، وَكَاشِفُ الضَّرَّاءِ، وَمُتَمِّمُ الْنَّعْمَاءِ، وَهُوَ المُسْتَعَانُ فِي كُلِّ الْأَحْوَالِ: (قَالَ رَبِّ احْكُم بِالْحَقِّ وَرَبُّنَا الرَّحْمَنُ الْمُسْتَعَانُ عَلَى مَا تَصِفُونَ) [الأنبياء: 112].

 

عباد الله: اعْلَمُوا أَنَّ كُلَّ شَيءٍ بِقَدَرِ الله -تَعَالَى- لَحِكْمَةٍ يُرِيدُهَا، وَمَا تَمُوجُ بِهِ الأَرْضُ مِنْ مِحَنٍ وَفِتَنٍ وَابْتِلَاءَاتٍ وثورات لَا يَخْرُجُ عَنْ قَدَرِ الله -تَعَالَى- وَأَمْرِهِ: (أَلاَ لَهُ الْخَلْقُ وَالأَمْرُ تَبَارَكَ اللّهُ رَبُّ الْعَالَمِينَ) [الأعراف: 54].

 

وَتَمْتِينُ الإِيمَانِ بِالقَدَرِ فِي هَذِهِ الأَحْوَالِ مِنْ أَسْبَابِ الثَّبَاتِ عَلَى الحَقِّ؛ لِئَلَّا تَمِيدَ بِالعَبْدِ فِتْنَةٌ فَيَنْحَرِفَ إِلَى البَاطِلِ.

 

فكل ما يجري في هذا الكون فهو مقدر مكتوب، إن خيرًا أو شرًّا، ولرُبَّ خيرٍ ضُمِّن شرًّا أو شرٍّ ضُمِّن خيرًا، ولا يعلم الغيب إلا الله -سبحانه-، وهذا يدعونا إلى اللجوء إلى الله، والانطراح بين يدي الله أن يجعل عواقب الأمور خيرا، ويدفع بها عنا شرا، ويجمع بها لنا أمرا.

 

إخوة الإسلام: إن من كفران النعم جحودها، ومن شكرها ذكرها وشهودها: (وَأَمَّا بِنِعْمَةِ رَبِّكَ فَحَدِّثْ) [الضحى: 11]، فنعمة الإسلام الدين الذي ندين الله به أعظم نعمة على الإطلاق، فأكثر من فوق الأرض يكفرون برب السموات والأرض، وأكثر من فوق الأرض لم يتذوقوا حلاوة الدين، ورب العالمين اصطفاك، وبالخير اجتباك، ومن الخلد في نار جهنم نجاك، يوم أن كنت مسلما لله قانتا حنيفا.

 

ومن نعمة الله علينا: أن اصطفانا من بين كثير من المسلمين لننشأ في بيئة نقية في التوحيد، صافية المعتقد، خالصة من مظاهر الشرك المعلنة، في حين أن كثيراً من بلاد المسلمين تموج في بدع وشركيات قام بعضهم عليها وشابت رؤوسهم وهم يتعبدون الله بها ظانين أنها الدين الحق.

 

ثم إن من نعم الله علينا: الأمن الذي نتفيأ ظلاله، وننعم بحسنه ونواله، نأمن على ديننا، وعلى أموالنا، وعلى محارمنا، وفي طرقاتنا، وبيوتنا ومساجدنا، نقطع بلادنا طولها وعرضها في أسفارنا آمنين على أنفسنا.

 

في حين أن ننا نرى بعض جيراننا في حال لا تسر قلب مسلم من انفلات الأمن وضياعه وفي العراق وفي لبنان وغيرها ما له العين تدمع: (أَوَلَمْ يَرَوْا أَنَّا جَعَلْنَا حَرَمًا آمِنًا وَيُتَخَطَّفُ النَّاسُ مِنْ حَوْلِهِمْ أَفَبِالْبَاطِلِ يُؤْمِنُونَ وَبِنِعْمَةِ اللَّهِ يَكْفُرُونَ) [العنكبوت 67].

 

كما أن كثيراً منا في رغد من العيش، ونعمة ظاهرة، نقولها شكراً لله، وإقراراً بفضل الله، ورب العالمين يقول: (وَإِذْ تَأَذَّنَ رَبُّكُمْ لَئِن شَكَرْتُمْ لأَزِيدَنَّكُمْ وَلَئِن كَفَرْتُمْ إِنَّ عَذَابِي لَشَدِيدٌ) [إبراهيم: 7].

 

ثم إن من نعم الله -جل وعلا-: أننا في بلاد لا تحكم قوانين وضعية في عامة أمورها وليس لها دساتير بشرية، وإنما نظام الحكم فيها ينص على أن "المرجعية للكتاب والسنة"، وأنهما الحاكمان على جميع أنظمة البلاد وأن مايعارضهما محكوم عليه بالفساد والبطلان.

 

ومن نعم الله علينا: أن جمع شملنا وكلمتنا ووحد صفوفنا، بعد أن كنا قبائل شتى في حروب ومنازعات، ودماء وانتهاكات، سلمنا الله من دمائها وشرها وأثرها، لنكون تحت راية واحدة، لا فرق بين شرقي وغربي، ولا شمالي ولا جنوبي، فالكل في الحق سواء، والكل في الواجبات سواء، وهذه نعمة كبيرة لا تقدر بثمن: (وَاذْكُرُواْ نِعْمَةَ اللّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنتُمْ أَعْدَاء فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُم بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا) [آل عمران: 103].

 

وما أكثر نعم الله علينا ولو عددنا ما يميزنا من خير وقيام بالدين لوجدنا نعماً عددا: (وَإِن تَعُدُّواْ نِعْمَةَ اللّهِ لاَ تُحْصُوهَا) [النحل: 18].

 

عباد الله: إن أعداءكم من الكفار والمنافقين وأهل البدعة والحاسدين لا يروق لهم ما أنتم فيه من النعم؛ فيريدون أن يفرقوا كلمتكم، ويريدون أن يفسدوا أمركم، وأن يشتتوا جماعتكم، ويفرقوا دولتكم، وإن هذا مشاهد في هذه الأيام؛ لأن الكفار يعلمون مكانة هذه البلاد وأنها معقل الإسلام، ومأرز الدين.

 

فلذا لجؤوا إلى طريقة خبيثة وهي تفريق المسلمين، ونشر المعايب والمظالم، وتحريك مشاعر بعض العامة من أبواب الأرزاق والأموال حتى يقوموا على بلادهم فتعم الفوضى، وتسفك الدماء، وتضيع الأموال والفروج، ويفسد الأمر، عند ذلك تقرُّ أعين الأعداء؛ ويتمنى حينها أقوام من المسلمين أنهم لم يستشرفوا تلك الفتن ولم يذكوا أوارها، ورفع المظالم لا تستجلب بمظالم أعظم، ولا بمآثم ومغارم أطم وأعم.

 

عباد الله: إن هذه النعم التي ننعم بها في بلادنا لا تعني بحال عدم وجود تجاوزات أو مظالم أو تقصير، أو سوء استخدام للسلطة أحيانًا من بعض من ولي من الأمر شيئًا، ولا يعني بحال عدم الرغبة في الإصلاح أو المطالبة بمعالجة أوجه القصور، كلا -والله-، ولكن معالجة هذا القصور لا بد أن نسلك فيه المنهج الشرعي، لا بد أن ننطلق فيه من شرعنا وكتاب ربنا وسنة نبينا -صلى الله عليه وسلم- التي علمتنا أدق الأمور في حياتنا علمتنا كيف نقضي حاجاتنا؟! أفلا يكون فيها بيان كيفية رفع المظالم وإصلاح الأخطاء وتوجيه الأمة، بلى -وربي- فيها البيان والصفاء والشفاء، فالمؤمن المتعلق بربه ليس منطلقه دعوات مجهولة في الانترنت، أو فضائيات تنفخ القضايا، أو عواطف وحماسات تفتح عيونها كباراً على الأخطاء، وتصغر عيونها وتضيق في رؤية النعم والمكتسبات، بل المؤمن ينطلق من الكتاب والسنة، وَصِيَّةِ نَبِيِّهِ -عَلَيهِ الصَّلاةُ وَالسَّلامُ- وَنَالَ بِشَارَتَهُ، حَيثُ قَالَ في حَجَّةِ الوَدَاعِ: "تَرَكتُ فِيكُم مَا إِنِ اعتَصَمتُم بِهِ فَلَن تَضِلُّوا أَبَدًا: كِتَابَ اللهِ وَسُنَّةَ نَبِيِّهِ" [رَوَاهُ الحَاكِمُ وَصَحَّحَهُ الأَلبَانيُّ].

 

وأقرب الأمة لفهمها العلماء، بل هم الأمنة الموقعون عن الله، المبلغون لشرعه: (فَاسْأَلُواْ أَهْلَ الذِّكْرِ إِن كُنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) [الأنبياء: 7]، فالصدور عنهم معذرة في الدنيا والآخرة.

 

إخوة الإسلام: تنادات بعض الدعوات على الشكبة العنكبوتية بالمظاهرات في بلادنا طالبين الإصلاح كما قالوا، فجعلوا المظاهرات سبيلا للإصلاح الذي يقصدونه، وتصحيحاً للخطأ ينشدونه، أفي كتاب الله وسنة رسول الله -صلى الله عليه وسلم- ما يؤيد ذلك أو يدل عليه فضلا أن يدعو إليه؟ أيعقل أن تكون هذه المظاهرات سبيلاً عظيماً من سبل الإصلاح ولا يرشدنا إليه كتاب الله أو سنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-؟

 

وعند التحقيق في الأمر وجد أن منشأ هذه المظاهرات ومبتداها من الكفار ومن بلاد الكفار، وليست من دين المسلمين في شيء.

 

واسمعوا -يا رعاكم الله- إلى العلماء الربانيين الذين نحسبهم أنهم يصدعون بكلمة الحق ولا يخافون في الله لومة لائم، ولا نزكي على الله أحدا، سئل الشيخ ابن عثيمين -رحمه الله- عن الاعتصامات والمظاهرات والاحتجاجات، فقال رحمه الله: "العجبُ من قوم يفعلون هذا ولم يتفطَّنوا لما حصل في البلاد الأخرى التي سار شبابها على مثل هذا المنوال! ماذا حصل؟ هل أنتجوا شيئاً؟

 

بالأمس تقول إذاعة لندن: إن الذين قُتلوا من الجزائريين في خلال ثلاث سنوات بلغوا أربعين ألفاً! أربعون ألفاً! عدد كبير خسرهم المسلمون من أجل إحداث مثل هذه الفوضى!

 

والنار -كما تعلمون- أوّلها شرارة ثم تكون جحيماً؛ لأن الناس إذا كره بعضُهم بعضاً وكرهوا ولاة أمورهم حملوا السلاح ما الذي يمنعهم؟ فيحصل الشرّ والفوضى، وقد أمر النبيّ -عليه الصلاة والسلام- من رأى من أميره شيئا يكرهه أن يصبر، وقال: "من مات على غير إمام مات ميتة جاهلية".

 

الواجب علينا: أن ننصح بقدر المستطاع، أما أن نُظْهر المبارزة والاحتجاجات عَلَناً، فهذا خلاف هَدي السلف، وقد علمتم الآن أن هذه الأمور لا تَمُتّ إلى الشريعة بصلة ولا إلى الإصلاح بصلة، ما هي إلا مضرّة...، الخليفة المأمون قَتل مِن العلماء الذين لم يقولوا بقوله في خَلْق القرآن، قتل جمعاً من العلماء وأجبر الناسَ على أن يقولوا بهذا القول الباطل، ما سمعنا عن الإمام أحمد وغيره من الأئمة أن أحداً منهم اعتصم في أي مسجد أبداً، ولا سمعنا أنهم كانوا ينشرون معايبه من أجل أن يَحمل الناسُ عليه الحقد والبغضاء والكراهية... ولا نؤيِّد المظاهرات أو الاعتصامات أو ما أشبه ذلك، لا نؤيِّدها إطلاقاً، ويمكن الإصلاح بدونها، لكن لا بدّ أن هناك أصابع خفيّة داخلية أو خارجية تحاول بثّ مثل هذه الأمور.

 

رحمة الله على الشيخ ابن عثيمين، ونور الله ضريحه، وأعلى الله مقامه، ولكأنه يتكلم عن زماننا الآن وواقعنا.

 

ثم -يا رعاكم الله- كم في هذه المظاهرات من الفتن ومن تعطيل مصالح الناس اليومية، وإغلاق طرقهم؟ وكم فيها تفريق الكلمة وإثارة العدوات؟ أضف إلى أن كثيراً منها لايسلم من إتلاف الممتلكات، والتعدي على الآخرين؟

 

سئل سماحة الشيخ عبد العزيز بن عبد الله بن باز -رحمه الله-: هل المظاهرات الرجالية والنسائية ضد الحكام والولاة تعتبر وسيلة من وسائل الدعوة؟ وهل من يموت فيها يعتبر شهيداً؟

 

الجواب: لا أرى المظاهرات النسائية والرجالية من العلاج، ولكني أرى أنها من أسباب الفتن، ومن أسباب الشرور، ومن أسباب ظلم بعض الناس، والتعدي على بعض الناس بغير حق،  فالمسيرات في الشوارع والهتافات ليست هي الطريق الصحيح للإصلاح والدعوة، وعلماؤنا -رحم الله على الأموات وحفظ الأحياء- على هذا النهج سائرون، ولذا صدر بيان هيئة كبار العلماء في حرمة المظاهرات نصرة لدين الله، وبياناً لشرع الله، وحفاظاً على وحدة هذه البلاد وأمنها واجتماع كلمتها: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) [آل عمران: 103].

 

بارك الله لي ولكم في القرآن...

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله على إحسانه...

 

إخوة الإسلام: إذن ما هو المنهج الشرعي والهدي النبوي في إصلاح الأخطاء والإنكار على ولاة الأمر والمسؤولين، وطلب الحقوق منهم؟ قال الله -تعالى-: (وَإِذَا جَاءهُمْ أَمْرٌ مِّنَ الأَمْنِ أَوِ الْخَوْفِ أَذَاعُواْ بِهِ وَلَوْ رَدُّوهُ إِلَى الرَّسُولِ وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ مِنْهُمْ لَعَلِمَهُ الَّذِينَ يَسْتَنبِطُونَهُ مِنْهُمْ وَلَوْلاَ فَضْلُ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَرَحْمَتُهُ لاَتَّبَعْتُمُ الشَّيْطَانَ إِلاَّ قَلِيلاً) [النساء: 83].

 

قال الشيخ العلامة صالح الفوزان -حفظه الله- معلقاً على هذه الآية في واقعنا قال: "فإذا جاءهم أمر من الخوف، مثل ما يحصل الآن، أو من الأمن، فلا يستعجل العوام والغوغاء والدهماء وأصحاب الفكر المحدود، لا يستعجلون بالبحث فيه ونشره، وإبداء الآراء فيه، هذا ليس من شأنهم، هذا يرد إلى الرسول -صلى الله عليه وسلم- في حياته، وإلى سنته بعد وفاته: (وَإِلَى أُوْلِي الأَمْرِ) وهم أهل العلم، وأهل السياسة والعقل من ولاة الأمور، فيحلون هذه المشاكل، ويضعون لها الحلول الناجحة بإذن الله -عز وجل-، هذا هو طريق الحل في هذه المسألة.

 

ويتولى ذلك أهل العلم وأهل الرأي والبصيرة والعقول، ما هو بالفوضى والدهماء والمظاهرات، هذا ما يزيد الأمر إلا شدة -والعياذ بالله-، ومن العواقب بعدها انفلات في الأمر، وإذا انفلت الأمر ضاعت الحقوق، هم يطالبون بحقوق قد تكون يسيرة أو يصبر عنها، لكن تضيع الحقوق عامة، ولا يبقى حق -نسأل الله العافية-.

 

فالواجب أن نتبصر في هذا الأمر، وأن نرده لأهل الشأن ليقوموا بحله، وإبداء الآراء الناجحة فيه، لا نتعجل في هذا الأمر كلٌّ يُبدي رأيه في حديث المجالس، هذا لا يجوز، هذه فوضى فكرية ستؤول إلى فوضى بدنية -نسأل الله العافية- انتهى كلامه حفظه الله.

 

نعم فالواجب الأول الرد والرجوع إلى كتاب الله وسنة رسوله -صلى الله عليه وسلم-، والرجوع إلى أهل العلم وولاة الأمر، والصدور عنهم، لا الصدور عن صفحات الإنترنت والكتاب المجاهيل، أو تحليلات فضائيات لا زمام لها، أو دعاة فتنة هنا وهناك.

 

ثم إن الواجب الثاني: قال تعالى: (وَاعْتَصِمُواْ بِحَبْلِ اللّهِ جَمِيعًا وَلاَ تَفَرَّقُواْ) [آل عمران: 103].

 

وَفِي آيَةٍ أُخْرَى: (وَلاَ تَكُونُواْ كَالَّذِينَ تَفَرَّقُواْ وَاخْتَلَفُواْ) [آل عمران: 105].

 

وَقَالَ النَّبِيُّ -صلى الله عليه وسلم-: "يَدُ الله مَعَ الجَمَاعَةِ" [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ، وَقَالَ: "حَسَنٌ غَرِيبٌ"].

 

فيتأكد الأَمْرُ بِاجْتِمَاعِ الكَلِمَةُ، وَالنَّهْيُ عَنِ الِاخْتِلَافِ وَالفُرْقَةِ؛ لِأَنَّ الِاخْتِلَافَ يُؤَدِّي إِلَى الِاحْترَابِ وَالقِتَالِ.

 

والواجب الثالث: النصيحة لولاة الأمور صح في مسلم أن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "الدين النصيحة" قلنا: لمن يا رسول الله؟ قال: "لله ولكتابه ولرسوله ولأئمة المسلمين وعامتهم".

 

وأكد الشرع الحنيف على مناصحة ولي الأمر، قال صلى الله عليه وسلم: "إن الله يرضى لكم ثلاثا: أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا، وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا، وأن تناصحوا من ولَّاه الله أمركم" [رواه الإمام أحمد].

 

قال سماحة الشيخ عبد العزيز بن باز -رحمات الله عليه-: "لا أرى المظاهرات النسائية والرجالية من العلاج، ولكني أرى أنها من أسباب الفتن، ومن أسباب الشرور، ومن أسباب ظلم بعض الناس والتعدي على بعض الناس بغير حق، ولكن الأسباب الشرعية، المكاتبة، والنصيحة، والدعوة إلى الخير بالطرق السليمة.. الطرق التي سلكها أهل العلم وسلكها أصحاب النبي -صلى الله عليه وسلم- وأتباعهم بإحسان بالمكاتبة والمشافهة مع الأمير ومع السلطان والاتصال به ومناصحته والمكاتبة له دون التشهير في المنابر وغيرها بأنه فعل كذا، وصار منه كذا".

 

فالنصيحة النصيحة وأبواب ولاة الأمر مفتوحة كل على قدر طاقته، ولا شك أن على أهل العلم حملٌ ليس مثله على عامة الناس في هذا، وأبشركم أن علماءكم في تواصل ونصح وبيان، وهذا الواجب عليهم، وقد درأ الله بنصحهم وبيانهم شرا كثيرا وجلب خيراً كبيرا.

 

وبعد النصح أمرنا حبينا -صلى الله عليه وسلم- بِالْصَّبْرِ، وحذر من الفتراق والخروج على الجماعة، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم: "مْنَ رَأَى مِنْ أَمِيْرِهِ شَيئَاً يَكْرَهُهُ فَلْيَصْبِرْ عَلَيهِ فَإِنَّهُ مَنْ فَارَقَ الجَمَاعَةَ شِبْرَاً فَمَاتَ إِلَّا مَاتَ مِيتَةً جَاهِلِيَّةً" [رَوَاهُ الشَّيخَانِ].

 

وأمرنا بالدعاء، فقال صلى الله عليه وسلم: "إِنَّكُمْ سَتَرَونَ بَعْدِي أَثَرَةً وَأُمُورَاً تُنْكِرُونَهَا، قَالُوا: فَمَا تَأْمُرُنَا يَا رَسُولَ الله؟ قَالَ: أَدُّوا إِلَيهِمْ حَقَّهُمْ وَسَلُوا اللهَ الَّذِي لَكُمْ" [رَوَاهُ التِّرْمِذِيُّ وَقَالَ: "حَسَنٌ صَحِيحٌ".

 

وَقَالَ تَعَالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ إِذَا لَقِيتُمْ فِئَةً فَاثْبُتُواْ وَاذْكُرُواْ اللّهَ كَثِيرًا) [الأنفال: 45]، فَاللُّجُوءُ إِلى اللهِ في كُلِّ حَالٍ مُتَأَكِّدٌ، وَهُوَ عِندَ حُلُولِ المَصَائِبِ وَنُزُولِ المِحَنِ آكَدُ، وَذِكرُ اللهِ مِمَّا يُتَقَوَّى بِهِ عَلَى الأَعدَاءِ، وَتُثَبَّتُ بِهِ الأَقدَامُ عِندَ اللِّقَاءِ.

 

أَلا فَاتَّقُوا اللهَ وَأَكثِرُوا مِنَ الدُّعَاءِ وَالابتِهَالِ إِلَيهِ سُبحَانَهُ أَن يُصلِحَ الأَحوَالَ، وَيَكبِتَ الأَعدَاءَ؛ فَ "الدُّعَاءُ هُوَ العِبَادَةُ".

 

(وَقَالَ رَبُّكُمُ ادْعُونِي أَسْتَجِبْ لَكُمْ) [غافر: 60].

 

عباد الله: علينا جميعًا التنبه لما يرفع من شعارات، ومعرفة ما تنطوي عليه الدعوات من مبادئ براقة ومصطلحات فاتنة، وعلينا أيام الفتن أن نرفع شعار التهدئة لا التصعيد، والتجميع لا التفريق، وأن نحذر من تأزيم الأمور، وعلينا أن نحرص على جمع الكلمة ووحدة الصف، وأن نكون يدًا واحدة، ولحمة واحدة، مع علمائنا وولاتنا في هذه الظروف التي تعصف بالناس من حولنا، ولا نتيح لمغرض أو حاقد أن يندس بيننا، أو يفرق جمعنا، أو يشتت صفنا.

 

 

المرفقات

الشرعي في نصح السلطان

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات