المكرمون والمهانون يوم الدين (3)

حسام بن عبد العزيز الجبرين

2022-10-04 - 1444/03/08
التصنيفات: الحياة الآخرة
عناصر الخطبة
1/أهمية تجديد التوبة 2/تفاوت أحوال الناس في الآخرة 3/بعض أصناف المنعمين يوم القيامة 4/بعض أصناف المعذبين يوم القيامة

اقتباس

إخوة الإيمان: تقسو قلوبنا فتحتاج إلى ما يلينها، عسى أن تزداد من الله قرباً وتزوداً من خصال التقوى. وإن مما يلينها: تذكُّر اليوم الآخر الذي أكثر الله ذكره في كتابه، والقلوب تحتاج إلى الترغيب والترهيب. معشر الكرام: سنقف مع بعض النصوص التي تذكر شيئاً من أحوال الناس يوم العرض، فنورد شيئاً من كرامة الله لفريق من عباده، وإهانة وعقاب آخرين من عباده: (يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)[غافر: 16-17]. إن من عدل الله: ألا يكون العباد على...

 

 

 

 

 

الخطبة الأولى:

 

الحمد لله الذي أنشأ وبرا، وأبدع كل شيء وذرا، لا يغيب عن بصره صغير النمل في الليل إذا سرى.

وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له: (لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَمَا فِي الْأَرْضِ وَمَا بَيْنَهُمَا وَمَا تَحْتَ الثَّرَى)[طه: 6].

وأشهد أن محمدا عبده ورسوله، وصفيه وخليله، صلى الله وسلم وبارك عليه وعلى آله وأصحابه وأتباعه إلى يوم الدين.

 

أما بعد:

 

فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله، فهي وصية الرحمن لنا وللناس من قبلنا: (وَلَقَدْ وَصَّيْنَا الَّذِينَ أُوتُواْ الْكِتَابَ مِن قَبْلِكُمْ وَإِيَّاكُمْ أَنِ اتَّقُواْ اللّهَ)[النساء: 131].

 

فلنتفقد أنفسنا مع أوامر الله ورسوله، ولننظر في حالنا مع ما نهى عنه الله ورسوله، ولنجدد التوبة بعد كل ذنب.

 

إن الثوب الذي يغسل فور اتساخه ليس كالثوب الذي تتراكم عليه الأوساخ أزماناً ثم يغسل؛ إنه سيحتاج إلى جهد أكبر، كي ينصع بياضه، وكذلك القلوب مع الذنوب.

 

إخوة الإيمان: تقسو قلوبنا فتحتاج إلى ما يلينها، عسى أن تزداد من الله قرباً وتزوداً من خصال التقوى.

 

وإن مما يلينها: تذكُّر اليوم الآخر الذي أكثر الله ذكره في كتابه، والقلوب تحتاج إلى الترغيب والترهيب.

 

معشر الكرام: سنقف مع بعض النصوص التي تذكر شيئاً من أحوال الناس يوم العرض، فنورد شيئاً من كرامة الله لفريق من عباده، وإهانة وعقاب آخرين من عباده: (يَوْمَ هُم بَارِزُونَ لَا يَخْفَى عَلَى اللَّهِ مِنْهُمْ شَيْءٌ لِّمَنِ الْمُلْكُ الْيَوْمَ لِلَّهِ الْوَاحِدِ الْقَهَّارِ * الْيَوْمَ تُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا كَسَبَتْ لَا ظُلْمَ الْيَوْمَ إِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ)[غافر: 16-17].

 

إن من عدل الله: ألا يكون العباد على حال واحدة في الآخرة: (أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ)[الجاثية: 21].

 

إن ممن يظهر فضلهم يوم القيامة: المؤذنون، فهم أطول الناس أعناقاً في ذلك اليوم، قال عليه الصلاة والسلام: "المؤذنون أطوال الناس أعناقا يوم القيامة"[رواه مسلم].

 

والمؤذن يشهد له في ذلك اليوم كل شيء سمع صوته عندما كان يرفع صوته بالأذان في الدنيا؛ ففي صحيح البخاري: أن أبا سعيد الخدري -رضي الله عنه- قال لعبد الرحمن بن صعصعة: "إني أراك تحب الغنم والبادية، فإذا كنت في غنمك أو باديتك فأذنت بالصلاة فارفع صوتك بالنداء، فإنه لا يسمع مدى صوت المؤذن جنٌ ولا إنسٌ ولا شيء إلا شهد له يوم القيامة" قال أبو سعيد: سمعته من رسول الله -صلى الله عليه وسلم-".

 

قال بعض شراح الحديث: "المراد من هذه الشهادة اشتهار المشهود له يوم القيامة بالفضل، وعلو الدرجة، وكما أن الله يفضح بالشهادة قوما، فكذلك يكرم بالشهادة آخرين".

 

أيها الكرام: والشيب يكون نوراً لصاحبه إذا كان مسلماً يوم القيامة؛ ففي سنن الترمذي والنسائي عن كعب بن مرة: أن رسول الله -صلى الله عليه وسلم- قال: "من شاب شيبة في الإسلام كانت له نورا يوم القيامة"[صححه الألباني].

 

كما أن الوضوء يظهر فضله يوم العرض؛ فقد أخرج مسلم عن أبي هريرة -رضي الله عنه-: أنَّ رسولَ اللهِ -صلى الله عليه وسلم- أتى المقبرةَ، فقال: "السلامُ عليكُمْ دارَ قومٍ مُؤمنينَ، وإنا إنْ شاء اللهُ، بكمْ لاحقونَ، وددتُ أنا قدْ رأينا إخوانَنا، قالوا: أو لسنَا إخوانَك يا رسولَ اللهِ؟ قال: أنتمْ أصحابي، وإخوانُنا الذين لمْ يأتوا بعدُ، فقالوا: كيفَ تعرفُ منْ لم يأتِ بعدُ من أمتكِ يا رسولِ اللهِ؟ فقال: أرأيتَ لو أنَّ رجلًا لهُ خيلٌ غرٌّ محجَّلةٌ، بين ظهرِي خيلٍ دهمٍ بهمْ، ألا يعرف خيلَهُ؟ قالوا: بلى يا رسولَ اللهِ! قال: فإنهمْ يأتونَ غرًّا مُحجَّلينَ منَ الوضوءِ، وأنا فرَطُهمْ على الحوضِ، ألا ليذادنَّ رجالٌ عنْ حوضِي كما يذادُ البعيرُ الضالُّ، أُناديهم: ألا هلُمُّ! فيقال: إنهمْ قد بدَّلوا بعدَكَ، فأقولُ: سُحقًا سُحقًا".

 

وفي روايةٍ: "وفيهِ فلُيذادنَّ رجالٌ عن حوضِي"[رواه مسلم].

 

وأخرج الشيخان من حديث أبي هريرة مرفوعاً: "إن أمتي يأتون يومَ القيامةِ غرًا محجَّلين من أثرِ الوضوءِ".

 

والمراد بالغرة: النور الكائن في وجوه أمة محمد -صلى الله عليه وسلم-.

 

وأما التحجيل: فنور في الأطراف.

 

بارك الله لي ولكم في القرآن والسنة، وبما فيهما من الآي والحكمة.

 

واستغفروا الله إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمد لله وحده، وصلى الله وسلم وبارك على نبيه وعبده وعلى آله وصحبه.

 

أما بعد:

 

فأوصي نفسي وإياكم بتقوى الله، وتجديد التوبة، فإن المعاصي شؤم في الحياة وبعد الممات، والطاعات بركة في الحياة وبعد الممات: (أًمْ حَسِبَ الَّذِينَ اجْتَرَحُوا السَّيِّئَاتِ أّن نَّجْعَلَهُمْ كَالَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ سَوَاء مَّحْيَاهُم وَمَمَاتُهُمْ سَاء مَا يَحْكُمُونَ)[الجاثية: 21].

 

إخوة الإيمان: يكرم عباد يوم العرض ويهان آخرون، وممن يهان: الغادر، الذي يواعد على أمر ولا يفي به، قال عليه الصلاة والسلام: "إذا جمعَ اللهُ الأولينَ والآخرينِ يومَ القيامةِ، يُرفعُ لكل غادرٍ لواءٌ، فقيل: هذه غدرةُ فلانِ بن فلانٍ"[رواه مسلم].

 

واللواء الراية أو ما تعارف الناس على تسميته بالعَلَم، وتكون عادة مع قادة الجيش في الحرب.

 

وقد كانت العرب ترفع للغادر لواء في المحافل وموسم الحج.

 

فالغادر يوم القيامة ترفع له راية تفضحه، وكلما عظمت الغدرة ارتفعت الراية التي يفضح بها؛ ففي الحديث الذي أخرجه مسلم: "لكل غادرٍ لواءٌ يومُ القيامةِ يُرفعُ له بقدرِ غدرِهِ، ألا ولا غادرَ أعظمَ غَدْرا من أميرُ عامةٍ".

 

وأمير العامة الحاكم أو الخليفة وكانت غدرته كذلك؛ لأن ضرره يتعدى إلى خلق كثير، ولأنه يملك القوة والسلطان، فلا حاجة للغدر.

 

عباد الله: إن الله -عز وجل- حرم الظلم على نفسه، وجعله محرماً بين العباد، وقد جاء الوعيد على غاصب الأرض، قال عليه الصلاة والسلام: "من أخذ شيئًا من الأرضِ بغيرِ حقِّه، خُسِفَ به يومَ القيامةِ إلى سبعِ أرَضينَ" [أخرجه البخاري].

 

كما يعاقب يوم القيامة الذي يكذب في حلمه، بأن يكلف أن يعقد بين شعيرتين.

 

كما أن الذي يستمع لحديث الناس وهم يكرهون ذلك يعاقب بأن يصب في أذنيه الآنك، وهو الرصاص المذاب؛ ففي الحديث الذي أخرجه البخاري عن ابن عباس -رضي الله عنهما- عن النبي -صلى الله عليه وسلم- قال: "من تحلَّمَ بحلمٍ لم يرَهُ كُلِّفَ أن يعقدَ بين شعيرتيْنِ، ولن يفعل، ومن استمع إلى حديثِ قومٍ، وهم له كارهون، أو يفرُّون منه، صُبَّ في أذنِه الآنكُ يومَ القيامةِ، ومن صوَّرَ صورةً عُذِّبَ، وكُلِّفَ أن ينفخَ فيها، وليس بنافخٍ".

 

والمقصود: صور ذوات الأرواح.

 

وقد اختلف العلماء اختلافاً كثيراً في تحديد الصورة المحرمة هل هي بالنحت والتجسيم، أم يدخل فيها الرسم باليد؟ وهل تدخل فيها الصور الفوتوغرافية؟

 

وليس هذا موضع بيانه إنما أحببت الإشارة والتنبيه.

 

وبعد -عباد الله-: صلوا وسلموا...

 

 

 

 

المرفقات

والمهانون يوم الدين (3)

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات