المُصَــوِّرُ -جل جلاله-

د عبدالله بن مشبب القحطاني

2021-01-08 - 1442/05/24 2022-10-11 - 1444/03/15
التصنيفات: التوحيد
عناصر الخطبة
1/ ورود اسم الله المصور في القرآن والسنة 2/بعض نعم الله على عباده والسبيل إلى شكر المنعم.

اقتباس

وَمِنْ هَذِهِ النِّعَمِ؛ أَنَّهُ صَوَّرَ الْإِنْسَانَ، وَمَنَحَهُ الْعَقْلَ، وَالرِّزْقَ، وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ لِأَجْلِهِ، وَأَعْطَاهُ كُلَّ مَا سَأَلَ، وَأَعَانَهَ عَلَى نَوَائِبِ الدَّهْرِ.. وَمِنْ أَعْظَمِ الشُّكْرِ؛ اسْتِخْدَامُ نِعَمِ اللَّهِ فِي طَاعَتِهِ، وَإِبْعَادُهَا عَنْ...

الخطبة الأولى:

 

إِنَّ الْحَمْدَ لِلَّهِ، نَحْمَدُهُ وَنَسْتَعِينُهُ وَنَسْتَغْفِرُهُ، وَنَعُوذُ بِاللَّهِ مِنْ شُرُورِ أَنْفُسِنَا، وَمِنْ سَيِّئَاتِ أَعْمَالِنَا، مَنْ يَهْدِهِ اللَّهُ فَلَا مُضِلَّ لَهُ، وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَا هَادِيَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ)[آلِ عِمْرَانَ: 102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النِّسَاءِ: 1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا)[الْأَحْزَابِ: 70-71]، أَمَّا بَعْدُ:

 

أَمَّا بَعْدُ: قَالَ ابْنُ الْقَيِّمِ -رَحِمَهُ اللَّهُ-: "وَإِذَا تَأَمَّلْتَ مَا دَعَا اللَّهُ فِي كِتَابِهِ عِبَادَهُ إِلَى الْفِكْرِ فِيهِ؛ أَوْقَعَكَ عَلَى الْعِلْمِ بِهِ وَبِوَحْدَانِيَّتِهِ وَصِفَاتِ كَمَالِهِ وَنُعُوتِ جَلَالِهِ".

 

كَمْ فِي كِتَابِ الْكَوْنِ مِنْ عِبَرٍ *** لِأُولِي النُّهَى وَالْبَحْثِ وَالنَّظَرِ

فِي الْأَرْضِ، فِي الْآفَاقِ قَاطِبَةً *** فِي النَّفْسِ، فِي الْأَصْوَاتِ، فِي الصُّوَرِ

 

نَقِفُ مَعَ اسْمِ اللَّهِ الْمُصَوِّرِ -سُبْحَانَهُ وَتَعَالَى-، قَالَ تَعَالَى: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[الْحَشْرِ: 24]؛ فَرَبُّنَا الَّذِي صَوَّرَ خَلْقَهُ كَيْفَ شَاءَ، وَصَوَّرَ جَمِيعَ الْمَوْجُودَاتِ؛ وَرَتَّبَهَا فَأَعْطَى كُلَّ شَيْءٍ مِنْهَا صُورَةً خَاصَّةً، وَهَيْئَةً مُفْرَدَةً يَتَمَيَّزُ بِهَا عَلَى اخْتِلَافِهَا وَكَثْرَتِهَا، وَقَدْ صَوَّرَ كُلَّ صُورَةٍ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يُرِيدُ، وَالصُّورَةِ الَّتِي يَخْتَارُ، وَهُوَ يُنَفِّذُ مَا يُرِيدُ عَلَى الصِّفَةِ الَّتِي يُرِيدُهَا؛ (فِي أَيِّ صُورَةٍ مَا شَاءَ رَكَّبَكَ)[الِانْفِطَارِ: 8].

 

وَرَبُّنَا هُوَ الَّذِي هَيَّأَ خَلْقَهُ وَعَدَّلَهمْ إِلَى الْأَشْكَالِ وَالْهَيْئَاتِ الَّتِي تُوَافِقُ تَقْدِيرَهُ وَعِلْمَهُ وَرَحْمَتَهُ، وَالَّتِي تَتَنَاسَبُ مَعَ مَصَالِحِ الْخَلْقِ وَمَنَافِعِهِمْ؛ فَأَتَتْ عَلَى صُوَرٍ مُخْتَلِفَةٍ، وَهَيْئَاتٍ مُتَبَايِنَةٍ؛ مِنَ الطُّولِ وَالْقِصَرِ، وَالْحُسْنِ وَالْقُبْحِ، وَالذُّكُورَةِ وَالْأُنُوثَةِ، كُلُّ وَاحِدٍ بِصُورَتِهِ الْخَاصَّةِ؛ قَالَ تَعَالَى: (وَلَقَدْ خَلَقْنَاكُمْ ثُمَّ صَوَّرْنَاكُمْ ثُمَّ قُلْنَا لِلْمَلَائِكَةِ اسْجُدُوا لِآدَمَ فَسَجَدُوا إِلَّا إِبْلِيسَ لَمْ يَكُنْ مِنَ السَّاجِدِينَ)[الْأَعْرَافِ: 11]، وَقَالَ سُبْحَانَهُ: (خَلَقَ السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضَ بِالْحَقِّ وَصَوَّرَكُمْ فَأَحْسَنَ صُوَرَكُمْ وَإِلَيْهِ الْمَصِيرُ)[التَّغَابُنِ: 3].

 

يَا عَالِمَ الْغَيْبِ مِنَّا وَالشَّهَادَةِ يَا *** رَبَّ الْبَرِيَّةِ تَرْكِيبًا وَتَصْوِيرَا

شَهِدْتُ أَنَّكَ فَرْدٌ وَاحِدٌ أَحَدٌ *** شَهَادِةً لَمْ تَكُنْ مَيْنًا وَلَا زُورَا

وَجَّهْتُ وَجْهِيَ فِي سِرِّيِ وَفِي عَلَنِي *** إِلَيْكَ حَمْدًا وَتَهْلِيلًا وَتَكْبِيرَا

 

وَقَالَ تَعَالَى: (هُوَ اللَّهُ الْخَالِقُ الْبَارِئُ الْمُصَوِّرُ لَهُ الْأَسْمَاءُ الْحُسْنَى يُسَبِّحُ لَهُ مَا فِي السَّمَاوَاتِ وَالْأَرْضِ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ)[الْحَشْرِ: 24]؛ فَالْأَسْمَاءُ الثَّلَاثَةُ؛ (الْخَالِقُ، وَالْبَارِئُ، وَالْمُصَوِّرُ) إِذَا اجْتَمَعَتْ دَلَّ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهَا عَلَى مَعْنًى؛ فَالْخَلْقُ هُنَا: التَّقْدِيرُ، وَالْبَرْءُ هُنَا: الِاخْتِرَاعُ، وَالتَّصْوِيرُ هُنَا: إِعْطَاءُ كُلِّ شَيْءٍ صُورَتَهُ.

 

فَرَبُّنَا أَرَادَ وَقَدَّرَ ثُمَّ بَرَأَ، أَيْ: خَلَقَ وَأَوْجَدَ، ثُمَّ خَصَّ كُلَّ مَخْلُوقٍ بِالصُّورَةِ وَالْهَيْئَةِ الْمُنَاسِبَةِ؛ (مَا اتَّخَذَ اللَّهُ مِنْ وَلَدٍ وَمَا كَانَ مَعَهُ مِنْ إِلَهٍ إِذًا لَذَهَبَ كُلُّ إِلَهٍ بِمَا خَلَقَ وَلَعَلَا بَعْضُهُمْ عَلَى بَعْضٍ سُبْحَانَ اللَّهِ عَمَّا يَصِفُونَ)[الْمُؤْمِنُونَ: 91].

 

فَهُوَ الَّذِي أَوْجَدَ مِنَ الْعَدَمِ، وَأَحْيَا مِنَ الْمَوَاتِ، وَبَرَأَ الْخَلْقَ. وَهُوَ الَّذِي يُنْشِئُ النَّشْأَةَ الْآخِرَةَ، وَيُعَذِّبُ مَنْ يَشَاءُ، وَيَرْحَمُ مَنْ يَشَاءُ، وَإِلَيْهِ تُقْلَبُونَ؛ (أَوَلَمْ يَرَ الْإِنْسَانُ أَنَّا خَلَقْنَاهُ مِنْ نُطْفَةٍ فَإِذَا هُوَ خَصِيمٌ مُبِينٌ * وَضَرَبَ لَنَا مَثَلًا وَنَسِيَ خَلْقَهُ قَالَ مَنْ يُحْيِي الْعِظَامَ وَهِيَ رَمِيمٌ * قُلْ يُحْيِيهَا الَّذِي أَنْشَأَهَا أَوَّلَ مَرَّةٍ وَهُوَ بِكُلِّ خَلْقٍ عَلِيمٌ)[يس: 77-79].

 

كَانَ النَّبِيُّ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يَقُولُ فِي سُجُودِهِ: "اللَّهُمَّ لَكَ سَجَدْتُ، وَبِكَ آمَنْتُ، وَلَكَ أَسْلَمْتُ، سَجَدَ وَجْهِي لِلَّذِي خَلَقَهُ، وَصَوَّرَهُ، وَشَقَّ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ، تَبَارَكَ اللَّهُ أَحْسَنُ الْخَالِقِينَ"(أَخْرَجَهُ مُسْلِمٌ).

 

خَلْقُ الْإِنْسَانِ؛ آيَةٌ لِلْمُتَوَسِّمِينَ، وَعِبْرَةٌ لِلْمُعْتَبِرِينَ، وَعِظَةٌ لِلْمُتَّعِظِينَ؛ (وَفِي أَنْفُسِكُمْ أَفَلَا تُبْصِرُونَ)[الذَّارِيَاتِ: 21].

 

وَفِي نَفْسِ الْإِنْسَانِ وَخَلْقِهِ؛ أَعْظَمُ الدَّلَائِلِ عَلَى خَالِقِهِ وَفَاطِرِهِ؛ وَأَقْرَبُ شَيْءٍ إِلَى الْإِنْسَانِ: نَفْسُهُ، وَفِيهِ مِنَ الْعَجَائِبِ الدَّالَةِ عَلَى عَظَمَةِ اللَّهِ -سُبْحَانَهُ- مَا تَنْقَضِي الْأَعْمَارُ فِي الْوُقُوفِ عَلَى بَعْضِهِ، وَلَكِنَّ الْإِنْسَانَ مُعْرِضٌ عَنْ ذَلِكَ، وَلَوْ تَأَمَّلَ قَلِيلًا لَانْزَجَرَ عَنْ كُفْرِهِ وُجُحُودِهِ؛ (قُتِلَ الْإِنْسَانُ مَا أَكْفَرَهُ * مِنْ أَيِّ شَيْءٍ خَلَقَهُ * مِنْ نُطْفَةٍ خَلَقَهُ فَقَدَّرَهُ * ثُمَّ السَّبِيلَ يَسَّرَهُ * ثُمَّ أَمَاتَهُ فَأَقْبَرَهُ * ثُمَّ إِذَا شَاءَ أَنْشَرَهُ)[عَبَسَ: 17-22].

 

يَعِيشُ فَوْقَ الْأَرْضِ مَا يَزِيدُ عَلَى سَبْعَةِ مِلْيَارَاتِ نَسَمَةٍ، كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمْ تُغَايِرُ صُورَتُهُ صُورَةَ غَيْرِهِ فِي الْمَلَامِحِ وَالسِّمَاتِ وَالْأَلْوَانِ وَالْهَيْئَاتِ، وَالْأَبُ وَاحِدٌ وَالْأُمُّ وَاحِدَةٌ؛ آدَمُ وَحَوَّاءُ، وَلَكِنَّهُ صُنْعُ اللَّهِ؛ (وَتَرَى الْجِبَالَ تَحْسَبُهَا جَامِدَةً وَهِيَ تَمُرُّ مَرَّ السَّحَابِ صُنْعَ اللَّهِ الَّذِي أَتْقَنَ كُلَّ شَيْءٍ إِنَّهُ خَبِيرٌ بِمَا تَفْعَلُونَ)[النَّمْلِ: 88]؛ أَلَا يَسْتَوْجِبُ ذَلِكَ الشُّكْرَ؟! وَالْعَبْدُ يَرَى نِعَمَ اللَّهِ عَلَيْهِ مُنْذُ كَانَ نُطْفَةً فِي بَطْنِ أُمِّهِ، ثُمَّ صَوَّرَ سَمْعَهُ وَبَصَرَهُ وَنَفَخَ فِيهِ مِنَ الرُّوحِ، ثُمَّ غَذَّاهُ وَسَقَاهُ وَكَسَاهُ وَآوَاهُ وَكَفَاهُ، وَمِنْ كُلِّ مَا سَأَلَ أَعْطَاهُ؛ (أَلَمْ نَجْعَلْ لَهُ عَيْنَيْنِ * وَلِسَانًا وَشَفَتَيْنِ * وَهَدَيْنَاهُ النَّجْدَيْنِ)[الْبَلَدِ: 8-10].

 

وَمِنْ هَذِهِ النِّعَمِ؛ أَنَّهُ صَوَّرَ الْإِنْسَانَ، وَمَنَحَهُ الْعَقْلَ، وَالرِّزْقَ، وَأَرْسَلَ الرُّسُلَ وَأَنْزَلَ الْكُتُبَ لِأَجْلِهِ، وَأَعْطَاهُ كُلَّ مَا سَأَلَ، وَأَعَانَهَ عَلَى نَوَائِبِ الدَّهْرِ.

 

وَإِنَّ كَبِيرَهُمْ وَصَغِيرَهُمْ، غَنِيَّهُمْ وَفَقِيرَهُمْ، مَلِكَهُمْ وَمَمْلُوكَهُمْ؛ لَا يَسْتَغْنُونَ عَنْ رَبَّهِمْ وَخَالِقِهِمْ طَرْفَةَ عَيْنٍ، قَالَ: (يَا أَيُّهَا النَّاسُ أَنْتُمُ الْفُقَرَاءُ إِلَى اللَّهِ وَاللَّهُ هُوَ الْغَنِيُّ الْحَمِيدُ)[فَاطِرٍ: 15].

 

وَالْحَبِيبُ -صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ- يُوصِي أَحَبَّ الْخَلْقِ إِلَى قَلْبِهِ: ابْنَتَهُ فَاطِمَةَ بِهَذِهِ الْوَصِيَّةِ: أَنْ تَقُولَ: "يَا حَيُّ.. يَا قَيُّومُ! بِرَحْمَتِكَ أَسْتَغِيثُ؛ أَصْلِحْ لِي شَأْنِي كُلَّهُ، وَلَا تَكِلْنِي إِلَى نَفْسِي طَرْفَةَ عَيْنٍ"(حَدِيثٌ صَحِيحٌ رَوَاهُ النَّسَائِيُّ).

 

وَاللَّهُ الَّذِي خَلَقَنَا وَصَوَّرَنَا وَأَحْسَنَ صُوَرَنَا، لَا يُرِيدُ مِنَّا إِلَّا أَنْ نَعْبُدَهُ؛ (وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ)[الذَّارِيَاتِ: 56].

 

اللَّهُمَّ اجْعَلْنَا مِنْ عِبَادِكَ الصَّالِحِينَ يَا رَبَّ الْعَالَمِينَ.

 

أَقُولُ قَوْلِي هَذَا وَأَسْتَغْفِرُ اللَّهَ لِي وَلَكُمْ مِنْ كُلِّ ذَنْبٍ؛ فَاسْتَغْفِرُوهُ؛ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الْحَمْدُ لِلَّهِ حَمْدًا طَيِّبًا كَثِيرًا مُبَارَكًا فِيهِ كَمَا يُحِبُّ رَبُّنَا وَيَرْضَى، وَأَشْهَدُ أَنْ لَا إِلَهَ إِلَّا اللَّهُ وَحْدَهُ لَا شَرِيكَ لَهُ، وَأَشْهَدُ أَنَّ مُحَمَّدًا عَبْدُهُ وَرَسُولُهُ، صَلَّى اللَّهُ وَسَلَّمَ وَبَارَكَ عَلَيْهِ وَعَلَى آلِهِ وَأَصْحَابِهِ وَمَنِ اهْتَدَى بِهُدَاهُمْ إِلَى يَوْمِ الدِّينِ.

 

قَالَ أَحَدُ الْحُكَمَاءِ لِفَقِيرٍ شَكَا الْبَأْسَاءَ وَجَوْرَ أَهْلِ الزَّمَانِ؛ وَكَأَنَّهُ يَشْتَكِي الْخَالِقَ لِلْمَخْلُوقِ! فَقَالَ لَهُ: هَلْ تُرِيدُ فِي بَصَرِكَ أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: هَلْ تُرِيدُ فِي سَمْعِكَ أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ؟ قَالَ: لَا، قَالَ: هَلْ تُرِيدُ فِي يَدِكَ أَلْفَ أَلْفِ دِينَارٍ؟ قَالَ: لَا، فَأَخَذَ يَعُدُّ عَلَيْهِ أَعْضَاءَهُ وَمَوَاهِبَ اللَّهِ عَلَيْهِ؛ فَلَمَّا انْتَهَى قَالَ لَهُ: فَهَلْ شَكَرْتَ رَبَّكَ عَلَى ذَلِكَ؟ فَقَالَ: لَا، فَقَالَ: يَا هَذَا! عِنْدَكَ دُيُونٌ مَحْفُوظَةٌ، وَحُقُوقٌ مُثْبَتَةٌ، وَأَنْتَ مَا أَدَّيْتَهَا، وَتَطْلُبُ الزِّيَادَةَ؟!

 

وَمِنْ أَعْظَمِ الشُّكْرِ؛ اسْتِخْدَامُ نِعَمِ اللَّهِ فِي طَاعَتِهِ، وَإِبْعَادُهَا عَنْ مَعْصِيَتِهِ وَمَا يَغْضَبُهُ؛ (وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ اللَّهِ لَا تُحْصُوهَا إِنَّ اللَّهَ لَغَفُورٌ رَحِيمٌ)[النَّحْلِ: 18].

 

قُلْ لِلْجَنِينِ يَعِيشُ مَعْزُولًا بِلَا *** رَاعٍ وَمَرْعًى مَا الَّذِي يَرْعَاكَا

قُلْ لِلْوَلِيدِ بَكَى وَأَجْهَشَ بِالْبُكَا *** عِنْدَ الْوِلَادَةِ مَا الَّذِي أَبْكَاكَا

فَاسْجُدْ لِمَوْلَاكَ الْقَدِيرِ فَإِنَّمَا *** لَا بُدَّ يَوْمًا تَنْتَهِي دُنْيَاكَا

وَاللَّهُ فِي كُلِّ الْعَجَائِبِ مُبْدِعٌ *** إِنْ لَمْ تَكُنْ لِتَرَاهُ فَهْوَ يَرَاكَا

 

اللَّهُمَّ يَا مُصَوِّرُ! نَسْأَلُكَ أَنْ تَجْعَلَنَا مِنْ خِيرَةِ خَلْقِكَ، وَتَرْحَمَنَا يَوْمَ الْعَرْضِ عَلَيْكَ.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالسَّدَادَ، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْهُدَى وَالتُّقَى وَالْعِفَّةَ وَالْغِنَى، اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ الْجَنَّةَ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ النَّارِ، وَمَا قَرَّبَ إِلَيْهَا مِنْ قَوْلٍ أَوْ عَمَلٍ.

 

اللَّهُمَّ إِنَّا نَسْأَلُكَ مِنَ الْخَيْرِ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَنَعُوذُ بِكَ مِنَ الشَّرِّ كُلِّهِ؛ عَاجِلِهِ وَآجِلِهِ، مَا عَلِمْنَا مِنْهُ وَمَا لَمْ نَعْلَمْ، وَأَنْ تَجْعَلَ كُلَّ قَضَاءٍ قَضَيْتَهُ لَنَا خَيْرًا.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ لَنَا دِينَنَا الَّذِي هُوَ عِصْمَةُ أَمْرِنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا دُنْيَانَا الَّتِي فِيهَا مَعَاشُنَا، وَأَصْلِحْ لَنَا آخِرَتَنَا الَّتِي فِيهَا مَعَادُنَا، وَاجْعَلِ الْحَيَاةَ زِيَادَةً لَنَا فِي كُلِّ خَيْرٍ، وَالْمَوْتَ رَاحَةً لَنَا مِنْ كُلِّ شَرٍّ.

 

اللَّهُمَّ أَصْلِحْ ذَاتَ بَيْنِنَا، وَأَلِّفْ بَيْنَ قُلُوبِنَا، وَاهْدِنَا سُبُلَ السَّلَامِ، وَأَخْرِجْنَا مِنَ الظُّلُمَاتِ إِلَى النُّورِ، وَبَارِكْ لَنَا فِي أَسْمَاعِنَا وَأَبْصَارِنَا وَقُوَّاتِنَا، وَأَزْوَاجِنَا وَذُرِّيَّتِنَا وَأَمْوَالِنَا، وَاجْعَلْنَا مُبَارَكِينَ أَيْنَمَا كُنَّا.

 

وَآخِرُ دَعْوَانَا أَنِ الْحَمْدُ لِلَّهِ رَبِّ الْعَالَمِينَ.

المرفقات

المُصَــوِّرُ -جل جلاله-.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات