المسجد الأقصى

محمد بن عبدالرحمن العريفي

2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/ فضائل المسجد الأقصى 2/ وصف المسجد الأقصى وأهم معالمه 3/ كثرة الاعتداءات الصهيونية على المسجد الأقصى 4/ تعدد محاولات هدم المسجد الأقصى 5/ ليس لليهود حق في فلسطين 6/ واجب الأمة نحو الأقصى.

اقتباس

إنَّ قضيةَ فلسطينَ هي قضيةُ المسلمينَ جميعاً، وليستْ قضيةً مُتعلِّقةً ببلدٍ واحدٍ، إنها قضيةٌ قديمةٌ، قديمةٌ بقدمِ الزمانِ، ليسَ لأجلِ أنَّها أرضٌ إسلاميَّةٌ اعتدى عليها الكفارُ فحسبْ، كلّا وإنّما لأنّها أرضٌ مُكرَّمةٌ مُشَرَّفةٌ، فهيَ أشرفُ بُقْعَةٍ بعدَ الحرمينِ الشريفين. بيتُ المَقْدِسِ الذي سمَّاهُ اللهُ –تعالى-، وسماهُ النبيُّ -عليه الصلاةُ والسلامُ- الأرضَ المباركةَ والبُقعةَ المقدَّسةَ، هوَ أولُ القِبلَتين، وهو ثاني مَسجدٍ وُضعَ في الأرض.

الخطبة الأولى:

 

إن الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستهديه، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا وسيئات أعمالنا، من يهده الله فهو المهتد، ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبدُ الله ورسوله صلى الله عليه وعلى آله وأصحابه أجمعين وتابعيهم وسلم تسليمًا كثيرًا.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ) [آل عمران:102]، (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُوا رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُمْ مِنْ نَفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاءً وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامَ إِنَّ اللَّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا) [النساء:1]، (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ وَقُولُوا قَوْلًا سَدِيدًا * يُصْلِحْ لَكُمْ أَعْمَالَكُمْ وَيَغْفِرْ لَكُمْ ذُنُوبَكُمْ وَمَنْ يُطِعِ اللَّهَ وَرَسُولَهُ فَقَدْ فَازَ فَوْزًا عَظِيمًا) [الأحزاب:70-71].

 

أما بعد: فإنَّ خير الحديث كتابُ الله، وخير الهدي هديُ محمد -صلى الله عليه وسلم-، وشر الأمور محدثاتها، وكل محدثة بدعة، وكل بدعة ضلالة، وكل ضلالة في النار.

 

أيها المسلمون: نقفُ اليومَ وقد مَضَتْ أكثرُ من خمسينَ سنةٍ، على احتلالِ المسجدِ الأقصَى المُبارك، نقفُ ونحنُ نرى ونسمعُ صُمودَ شَعبٍ غُرِّبَ سَنواتٍ، وحُوربَ بكلِّ أنواعِ الحروبِ.

 

إنَّ قضيةَ فلسطينَ هي قضيةُ المسلمينَ جميعاً، وليستْ قضيةً مُتعلِّقةً ببلدٍ واحدٍ، إنها قضيةٌ قديمةٌ، قديمةٌ بقدمِ الزمانِ، ليسَ لأجلِ أنَّها أرضٌ إسلاميَّةٌ اعتدى عليها الكفارُ فحسبْ، كلّا وإنّما لأنّها أرضٌ مُكرَّمةٌ مُشَرَّفةٌ، فهيَ أشرفُ بُقْعَةٍ بعدَ الحرمينِ الشريفين.

 

بيتُ المَقْدِسِ الذي سمَّاهُ اللهُ –تعالى-، وسماهُ النبيُّ -عليه الصلاةُ والسلامُ- الأرضَ المباركةَ والبُقعةَ المقدَّسةَ، هوَ أولُ القِبلَتين، وهو ثاني مَسجدٍ وُضعَ في الأرض.

 

روى البخاريُ في صحيحه عن أبي ذرٍّ -رضي الله عنه- قال: "قلتُ يا رسولَ اللهِ أيُّ مسجدٍ وُضِعَ في الأرضِ أوَّلاً؟ فقالَ -عليه الصلاةُ والسلامُ-: "المسجدُ الحرام" قال أبو ذر: ثم أيٌّ يا رسولَ الله؟ قال: "المسجدُ الأقصى" قال: كم بينَهما؟ قال: "أربعونَ سنةٍ ثم أينَما أدركتَ الصلاةَ بَعْدُ فَصَلِّهْ فإنَّ الفضلَ فيه".

 

فالمسجدُ الأقصى أُسريَ بالنبيِّ -عليهِ الصلاة والسلام- إليهِ، وذلكَ قبلَ أنْ يُعرَجَ بهِ إلى السماءِ، كما قال اللهُ -جلَّ وعلا-: (سُبْحَانَ الَّذِي أَسْرَى بِعَبْدِهِ لَيْلاً مِّنَ الْمَسْجِدِ الْحَرَامِ إِلَى الْمَسْجِدِ الأَقْصَى الَّذِي بَارَكْنَا حَوْلَهُ لِنُرِيَهُ مِنْ آيَاتِنَا إِنَّهُ هُوَ السَّمِيعُ البَصِير) [الإسراء: 1]؛ ففلسْطينُ هيَ الأرضُ المباركةُ.. ففيها المسجدُ الأقصَى الذي باركَ اللهُ حَولَه.

 

الأرضُ المباركةُ هيَ التي أخبرَ الله -تعالى- عنها، كما كانت في كتُبِ الأنبياءِ السابقين، ففي قِصَّةِ إبراهيمَ -عليهِ السلام-، قال -تعالى- عنه: (وَنَجَّيْنَاهُ وَلُوطًا إِلَى الأَرْضِ الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا لِلْعَالَمِينَ) [الأنبياء: 71].

 

المسجدُ الأقصى أُسْرِيَ برسولِ اللهِ -صلى اللهُ عليهِ وسلمَ- إليه، وأُمِرَ بالصلاةِ إليهِ شَطْراً من حياتهِ -عليهِ الصلاة والسلام-.

 

فإنَّ المسلمينَ صَلُّوا إليهِ، حتى بعدَما هاجروا إلى المدينةِ لَبِثوا سَنَتينِ كامِلَتينِ يتَوجَّهونَ في صلاتِهم إلى المسجدِ الأقصى، كما توجهوا إليهِ لما كانوا في مَكةَ، بلْ إنَّ مسجدَ قُباء أولُ ما بُنِيَ، بُنيَ مُتَّجِهاً إلى المسجدِ الأقصى، ثُم عُدِّلَ بعدَ ذلك، ويوجدُ في المدينةِ مسجدُ القِبلَتين، ولا يزالُ على حالِه، وقد كان النبي -صلى الله عليه وسلم- أرسلَ بعض أصحابهِ إلى مسجدِ القبلتين، لأجلِ أنْ يُنَبِّهَهُم بتحويلِ القِبلةِ من المسجدِ الأقصى إلى المسجدِ الحرامِ فتحولوا وهم في أثناءِ صلاتِهم.

 

المسجدُ الأقصى، ذَكرَ النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- لهُ فضائِلَ: من ذلكَ ما رواهُ الإمامُ أحمدُ في مُسنَدِهِ، وابنُ ماجَه في سُننهِ، عن مَيمونةَ -رضي الله عنها- قالت: يا نَبيَّ اللهِ أفْتِنا في بيتِ المقدِسِ؟ فقال -عليهِ الصلاة والسلام-: "أرضُ المَنْشَرِ والمَحْشَرِ ائْتُوهُ فَصلّوا فيه".

 

وهو أحدُ المساجدِ الثلاثةِ التي لا يجوزُ أنْ تُشَدَّ الرِّحالُ إلّا إليها، كما في الصحيحين قال -عليهِ الصلاة والسلام-: "لا تُشَدُّ الرِّحَالُ إلّا إلى ثَلاثَةِ مَساجِدَ: مسجدِ الحرام، ومسجدِ الأقصى، ومسجدي هذا ".

وهو أُولَى القِبلَتين كما تقدم معنا.

 

المسجدُ الأقصى، ما هي مساحتُه؟ ومتى تغَلَّبَ عليهِ اليهودُ؟ وما هيَ الخُطَطُ التي تقعُ لأجلِ هدمهِ؟

ولماذا يحرصُ اليهودُ على هدمِه؟ ألَيستْ أرضُ المقدسِ واسعةً! يستطيعون أن يُنشِئوا هَيكلَ سُليمانَ في أيِّ مَوطنٍ فيها؟! لماذا يحرصونَ على إنشاءِ هيكلِ سُليمانَ في موضعِ المسجدِ تحديداً؟!

ومتى بدأتِ الاعتِدَاءاتِ على المسجدِ الأقصى تحديداً، مِنْ حَرقٍ أو هَدمٍ أو تخريبٍ أو غيرِ ذلك من الأمور؟ لعلَّنا نقفُ على ذلكَ في هذه الدقائق.

 

المسجدُ الأقصى، إذا رأيتَهُ رأيتَهُ مُستطيلَ الشَّكلِ، يقعُ في الحيِّ القديمِ من مدينةِ القُدس، طولُه من الجِهةِ الغربيَّةِ والجِهةِ الشرقيةِ قُرابةَ الخَمسمائةِ متراً، ومن الشماليةِ قُرابةَ الثلاثمائةِ وخمسينَ متراً، لهُ عشرةُ أبوابٍ مفتوحةٍ وأربعةُ أبوابٍ مُغلقةٍ، منها بابُ النبي -عليه الصلاة والسلام-، ومنها البوابةُ الأُحادِيَّةِ، التي تُسمى ببابِ مِحرابِ مريم، ومنها بابُ المغاربةِ.

 

من مَعَالمِ المسجدِ الأقصى، حَائِطُ البُراقِ، والذي يُسميهِ اليهودُ بحائِطِ المَبْكَى.

اخْتُلِفَ في أوّلِ من بَنى المسجدَ الأقصى، من هو؟ فقيل: أحَدُ أبناءِ آدمَ -عليه السلام-.

وقيل: إنَّ الملائكةَ قد بنتهُ بعدَ بناءِ المسجدِ الحرام. وقيل: غيرَ ذلك.

 

ما هيَ قصةُ العبثِ بالمسجدِ الأقصى؟ ولماذا يحرصُ النصارى دائماً على دعمِ اليهود؟

وماذا يعتقدُ اليهودُ أصلاً في هيكلِ سُليمان؟ إقامةُ هيكلِ سليمان في موضعِ المسجد الأقصى ليستْ عقيدةً يهوديةً فقط، كلا.. بل هي عقيدةٌ يهوديةٌ مسيحيةٌ صَهيونيةٌ.

 

يعتقدُ المسيحيونَ النصارى أنه إذا أقامَ اليهودُ هيكلَ سليمانَ الذي لا ينبغي أنْ يُقامَ إلّا على موضعِ المسجدِ الأقصى تحديداً، فلا بُدَّ من هَدمِ المسجد الأقصى لأجلِ أن يُبنَى هيكلُ سليمانَ، يَعتقدُ النصارى أنه إذا بُني هيكلُ سليمانَ خرجَ المسيحُ الدَّجَالُ الذي هو المهديُ الذي تنتظرُهُ اليهودُ.

 

وقد حدَّثنا النبيُّ -صلى الله عليه وسلم- عن علاقَةِ اليهودِ بالمسيحِ الدجالِ، وأخبرَ -صلى الله عليه وسلم- أنَّه مُعَظَّمٌ عندَهم، فقالَ في حديثٍ رواهُ الإمام أحمد وغيره: "يَتبعُ المسيحَ الدجالَ من يهودِ أصبَهان سبعونَ ألفاً عليهمُ الطيَالِسَة"، يعني عليهم ثيابُ قساوسَتهم وحاخاماتهم، إذنْ هم سبعونَ ألفَ عالمٍ من علماءِ اليهود، فلا يمكنُ أبداً في عقيدةِ اليهودِ والنصارى، أنْ يظهرَ المسيحُ الدجالُ حتى يَتِمَّ بناءُ هيكلِ سليمان، وعند النصارى أنه إذا خرجَ المسيحُ الدجالُ خرجَ المسيحُ عيسى ابنُ مريمَ -عليه السلام-، ويعتقدونَ أنه إذا خرجَ المسيحُ عيسى ابنُ مريمَ ، فقد بدَأتِ الألفيةُ السعيدةُ للنصارى وعندَها ستقومُ معركةُ "هَرْمَجْدون" التي على أساسِها يقتلُ النصارى جميعَ المسلمين، ويقتلونَ اليهودَ أيضاً.

 

وبمعنى آخر: النصارى يعتقدونَ أنه لا يمكنُ أن يخرجَ المسيحُ ابنُ مريمَ الذي يترتبُ على ظهورهِ ظُهورُ النصارى، وتحكُّمُهم في الأرضِ كلِّها، لا يمكن أن يخرج المسيحُ حتى تتحَقَّقَ علامةٌ قبلَه وهيَ خروجُ المسيحُ الدجال، ولا يمكنُ أن يخرجَ المسيحُ الدجالُ حتى يُبنَى هيكلُ سليمان، ولا يمكنُ أن يُبْنى هيكلُ سليمان حتى يُهدمَ المسجدُ الأقصى، فإذا هُدِمَ المسجدُ الأقصى وبُنِيَ الهيكلُ، عندها يخرجُ المسيحُ الدجال، وبالتالي يخرجُ المسيحُ عيسى ابنُ مريم، وتكونُ انتصاراتٌ متتابعةٌ للنصارى يقتلون على إثرها المسلمين واليهود.

 

إذن هل علمتم لماذا يحرصُ النصارى على نُصرةِ اليهود؟ ويدعمونَهم في المحافلِ الدوليةِ، ويمدُّونهم بآلافِ الملياراتِ من الأموال!

 

إنما يفعلونَ ذلكَ لاعتقادهم أنه ببقاءِ دَولةِ إسرائيلَ يبقى النصارى، وسُقوطِ إسرائيل يُسقُطُ النصارى، وأنَّ إسرائيل الآن تقومُ بخدمةٍ جليلةٍ لهم، وهيَ التعجيلُ بخروجِ المسيحِ عيسى ابنِ مريم، بالاعتداءِ على الفلسطينيين، وزعزعةِ بناءِ المسجدِ الأقصى، ثُم بناءِ هيكلِ سليمان الذي يُعجِّلُ بخروجِ المسيحِ الدجال، وصدقَ اللهُ -تعالى- إذْ قال: (وَالَّذينَ كَفَرُوا بَعْضُهُمْ أَوْلِيَاء بَعْضٍ) [الأنفال: 73].

 

أيها المسلمون: ولا تزالُ الأعمالُ الصَهيونيةُ مُتواصلةً لهدمِ المسجدِ الأقصى المبارك. فما هو تاريخُ محاولاتِ هدمِ المسجد الأقصى؟ تعالَوا ننظُرُ إلى أولِ سنةٍ وأولِ حادثةٍ وقعَ فيها الاعتداءُ على المسجد الأقصى!

 

في عام 1967م تمكَّنت إسرائيلُ التمكنَ التامَّ من فلسطين، وفي عام 1969م يعني بعدما تمكَّنت خلال سنتين فقط بدأتْ التَّحَرُّكَ لهدمِ المسجد الأقصى، في تلك السنةِ في عام 1969م دخلَ رجلٌ نصرانيٌّ من مذهبِ "البروتستانت" أستراليٌّ لاحظ ليس يهودياً ولا إسرائيلياً قدم من أستراليا، قدم في 21/ 8/1969م، ودخلَ إلى المسجد الأقصى مُتَخَفِّياً وعاونَه بعضُ اليهود، وكانَ معهم بعضُ الموادِ الحارقةِ فنَشَروها في المسجد الأقصى، ثم قاموا بإحراقِ المسجد الأقصى الحريقَ الأولَ في ذلك العام، وقد تَهدَّمت بعضُ جُدرانِ المسجدِ الأقصى من شِدَّةِ اشتعالِ الحريقِ في الأخشابِ الموجودةِ.

 

وقد قُبضَ على ذلك الرجل، ورُفع إلى المحكمةِ اليهوديةِ، فخرجَ ببراءةٍ؛ لأنهم اعتبروهُ مجنوناً جُنوناً مُتقطِّعاً، يعني مصابٌ بصَرَعٍ -نوعٌ من الجنون- وأنه في تلك اللَّحظةِ التي خَطَّطَ فيها ودخلَ مُتَخفِّياً بذكَاءٍ إلى المسجد الأقصى، وخطط مع أصحابه لأجلِ حرقِ المسجد، وانتشروا في المسجد وألقَوا الموادَّ الحارقةَ، زعموا أنه كان يفعل ذلك وهو مجنون، ثم أفاقَ من جُنونهِ أثناءَ المُحاكمةِ، وخرجَ بعدَها ببراءةٍ، فهذا نصرانيٌّ ينصرُ عقيدةَ اليهودِ.

 

بعد ذلكَ تتابعت الأحداثُ بعد الأحداثِ، ولن أذكرَ جميعَ الأحداثِ لكن سأذكرُ أبرَزَها.

 

في عام 1980م قامت مجموعةٌ اسمها مجموعةُ الدِّفاعِ اليهوديةِ يقودُهم رجلٌ اسمه "مائير كهانا" و "باريق كرين"، هؤلاءِ خَطَّطوا لنسفِ المسجدِ الأقصى، وتَفجيرهِ، لكنَّ المسلمين اكتَشَفوهم وقامَ قتالٌ بالأيدي، ووقعَ على إثرهِ عددٌ من الجرحى، ولم يتحققْ لهم ما أرادوا.

 

بعدها بسنتين في عام 1982م خططت مجموعةٌ سِرِّيةٌ صَهيونيةٌ تتكونُ من سبعةٍ وعشرين شخصاً بقيادةِ رجلٍ اسمه "يهودا" خطَّطوا لنسفِ المسجدِ الأقصى ومساجدَ أخرى في القُدسِ المُحتلَّةِ، فلمَّا دخلوا في زَحمَةِ المصلين انتبهَ المسلمون وكشفوا مُخططهم، وتمَّ القبضُ عليهم.

 

ثم في عام 1989م قامت جماعةٌ اسمُها "غوش أمنيوم" باقتحامِ المسجد الأقصى، وحاولوا هدمَه أو حَرقَه، وأفسدوا شيئاً منه، لكنه لم يقعْ عليه هدمٌ.

 

ودولةُ إسرائيلَ لا تزالُ تنتظرُ اللحظةَ الحاسمةَ لهدمِ المسجدِ الأقصى، حتى بدأتْ تظهرُ الآنَ جماعاتٌ مُتَنوِّعةٌ تدعو لإقامةِ هيكلِ سليمان، منها مثلاً جماعةٌ تُسمى بجماعة "أبناءِ الهيكل" قامت عام 1988م، هذه الجماعةُ تشتغلُ اليومَ رسمياً وهي التي تقومُ بالحفرياتِ تحتَ المسجد الأقصى، هذه الجماعةُ كوَّنت مُؤسَّسةً تسمى بمؤسسةِ العلومِ والأبحاثِ وبناءِ الهيكل، مؤسسةُ علومٍ وأبحاثٍ "جيولوجيا"؛ بحيث إنها تُنقِّبُ الأرضَ وتنظر في الآثارِ ويُظهرونَ أنَّهم لا يريدونَ هدمَ المسجدِ الأقصى، وإنَّما تنقيبَ الأرضِ، وكأنهم ضاقت عليهم الأرضُ بما رَحُبَتْ ولم يجدوا أرضاً يُنَقِّبونَها إلّا تحتَ المسجد الأقصى.

 

هذه الجماعةُ أسَّسَها رجلٌ يهوديٌ اسمه "إسرائيل أرييل"، وهو رجلٌ مشبوهٌ لهُ تاريخٌ أسودُ بحربِ المسلمين عموماً وهدمِ المسجد الأقصى، وكلُّ اليهودُ على ذلك، وأحدُ زُعمائِهم وهو "حاخام" اسمه "مناحيل مكوبر"، يقول: إنه في كلِّ الأحوالِ وتحتَ أيِّ ظروفٍ سوفَ يَتِمُّ بناءُ الهيكل، وهدمُ المسجد الأقصى، إنه في الوقتِ الذي سوفَ نحصلُ فيه على الضوءِ الأخضرِ سَيَتِمُّ بناءُ الهيكلِ خِلالَ بضعةِ أشهرٍ فقط باستخدام أحدث الوسائلِ التكنولوجية، ثم قال: والمساجدُ الموجودةُ في تلك المنطقةِ بما فيها المسجدُ الأقصى وقُبَّةُ الصخرةِ هي مُجَرَّدُ مجموعةٍ من الأحجارِ يجبُ إزالَتها" انتهى كلامه.

 

ونحن نقولُ له: اخْسَأ عدُوَّ الله فدونَ ذلكَ سَحْقُ الجَماجِمِ وواللهِ لنْ يَصِلوا -بإذنِ الله- إلى ما يُريدونَ إلّا وقد تَقطَّعَ المسلمونَ أجزاءً في سبيلِ حمايةِ مسجدِهم:

أيَا رايةَ الإسلامِ نُورُكِ قد عَلا *** وتِلْكَ جُنودِ الحَقِّ تَنهى وتَأمُرُ

إذا مَا دَعتْ فالكُلُّ يَفدي بروحِهِ *** ولا عَاشَ مَن يَهوى الحياةَ ويُؤثِرُ

تَمضي عُصورُ الذُّلِّ والهَمِّ والوَنَى *** سَتَمضي كما مَرَّتْ صُروفٌ وأدْهُرُ

لنا في ضَواحي الصِّرْبِ حِصْنٌ ومَسجِدٌ *** وفي سَاحَةِ الأسْبانِ غَرْسٌ ومِنْبَرُ

وفي الهِنْدِ آثَارٌ وفي الرُّوسِ إخْوَةٌ  *** وتَجري لنَا في بَاحَةِ الصِّينِ أَنْهُرُ

 

وإذا نظرتَ اليومَ في حالِ المسلمينَ المقيمينَ هناكَ، وجدتَ أنهم لا يزالونَ -وللِه الحمد- يفدونَ الأقصى ويسْتَشهِدون في سبيلِ ذلك، ونسألُ اللهَ -تعالى- الأجر العظيم والثواب الجزيل، أقولُ ما تَسمعونَ وأستغفِرُ اللهَ العظيمَ من كُلِّ ذنبٍ فاستغفروه وتوبوا إليه إنه هو الغفور الرحيم.

 

 

الخطبة الثانية:

 

الحمدُ للهِ على إحسانهِ والشكرُ لهُ على توفيقهِ وامتنانهِ، وأشهدُ أنْ لا إلهَ إلّا اللهُ وحدَهُ لا شريكَ له، تعظيماً لشأنه وأشهدُ أنَّ محمداً عبدُه ورسولُه الداعي إلى رِضوانِه، صلى الله وسلمَ وباركَ عليه وعلى آلهِ وصحبهِ وإخوانهِ وخِلَّانِه ومن سارَ على نهجهِ واقْتَفى أثَرَهُ واسْتَنَّ بسُنَّتِه إلى يوم الدين.

 

أما بعدُ: أيها الإخوةُ المسلمون: هل اليهودُ لهم حقٌ في فلسطين؟  وهل سكنَها أجدَادُهم؟

هل لهم قديماً علاقةٌ بأرضِ فلسطين؟ انظُر إلى تاريخِ فلسطين حتى تعلمَ أنهم لا حَقَّ لهم بها، لا قديماً ولا حديثاً.

 

سكنَتِ القبائِلُ العربيةُ بيتَ المقدِسِ مُنذُ عهدٍ بعيدٍ، استَوطَنَها أولاً العَموريُّون والآرَاميُّون والكَنْعانيُّون، كانَ اسمُ فلسطينَ آنَذاك "يَبوث" نسبةً إلى اليَبوثيين، وهم بطنُ من بُطونِ العربِ الكنعانيين، لذلك تُسمى أرضُ فلسطين أرضُ كنعان.

 

ثم أُطلِقَ عليها بعدَ ذلك اسمَ "يورسالين"، ثم تحرَّفت إلى "أورشلين"، ثم استوطَنَها الآشوريون والبابليون، جاءَ بعدَهم الفُرسُ ثم الإغريق ثم الرُّومان وسماها الرومان "إيليا" وطولُ هذه الفتراتِ لم يسكُنْها اليهودُ ولم يعْرِفوها، بل لما أقبلَ عمرُ -رضي الله عنه- لفتحِها عام 15 للهجرةِ لم يكن اليهودُ هم الذينَ يحكُمونها، وإنما كان يحكُمها النصارى، فاليهودُ لم يحكموها حتى ما قبلَ الإسلام، بل كان هناك أقلياتٌ من اليهودِ يسكنون فلسطين كما يوجد أقلياتٌ من اليهودِ في إفريقيا وفي روسيا وفي غيرها.

 

وهذه الأقلياتُ كانت مُسْتضعَفةً، ولذلكَ لما جاءَ عمرُ -رضي الله عنه- دخلَ إلى المسجدِ ورأى الصَّخْرَةَ، فأقبلَ إليها فإذا النصارى قد جعلوها مَزبَلةً، أيْ مكاناً يجمعونَ فيه الزَبَل؛ لأن اليهودَ يعظمونها فجعلها النصارى مزبلةً، ولم يستطعْ اليهودُ أن يدافعوا عنها أبداً، حتى أقبلَ عمرُ -رضيَ الله عنه- وخلع رِداءَه وجعلَ يحملُ عنها الزبلَ من المسجدِ بنفسهِ وساعدَهُ المسلمون على ذلك.

 

إذن حتى في عام 15 للهجرةِ لما فتحَها المسلمون لم يكن اليهودُ يحكُمونها، حتى العهدِ الذي كتبَه عمرُ -رضي الله عنه- لأهلِ فلسطينَ المسمَّى "الصحيفةَ العُمريةَ" لم يُذكَرْ فيها شيءٌ يتعلقُ باليهودِ لأنهُ ليسَ لهم شأنٌ ولا حُكمٌ فيها، واسمَع إلى شيءٍ من هذهِ الصحيفةِ، كتبَ عمرُ رضي الله -تعالى- عنه: "هَذا مَا أعطَى عَبدُ اللهِ عُمرُ أميرُ المؤمنينَ أهلَ إيلياءِ من الأمانِ لأنفُسِهم وأموالهم وكنائِسِهم وصُلبانهم، لا تُسكَنْ كنائِسُهم ولا تُهدَم ولا يُنتقَص منها ولا من غيرها ولا من صُلبُهم ولا من أموالهم ولا يُكرَهون على دينهم ولا يَسكُنْ بإيلياءِ معَهم أحدٌ من اليهودِ".

 

لاحِظْ.. يقولُ: لا يُمَكَّنْ أحدٌ من اليهودِ من السَّكَنِ معهم، وذلكِ لأنه لما سَقَطَ مُلكُ الرومان، أَمِنَ اليهودُ على أنفُسِهم، وقد يَنتَقِلونَ إلى فلسطين؛ لأنَّ عَيشَهم في ظِلِّ الإسلامِ أعدَل مِن عَيشِهم في ظِلِّ النصرانيةِ، لكنَّ عمرُ يقول: "لا يُمكَّنُ اليهودُ من ذلك"، ثم قال في آخرِ كتابه: "وعلى ما في هذا الكتابِ عَهْدُ اللهِ وذِمَّةُ رسولهِ -صلى الله عليه وسلم- وذِمةُ الخُلَفاءِ وذِمةُ المسلمين إذَا أعْطُوا الذي عليهم من الجِزْيَةِ" إلى آخرِ ما ذُكِر.. وهذه مَشهُورة في كُتُبِ التاريخ.

 

أيها المسلمون: بقِيَتْ فلسطينُ بعدَ ذلكَ لم يتمكَّنْ منها يهودٌ ولا نَصارى حتى عام 492 للهجرةِ، يعنى بقيت قُرابةَ الخمسِمائة سنة يحكُمُها المسلمون، منذُ فتحَها عمرُ عامَ 15 للهجرةِ إلى عامِ 492هـ وفلسطينُ تحتَ حُكْمِ الإسلامِ، ولما ضَعفَت الدولةُ العباسيةُ في هذا العام 492هـ تغلَّبَ عليها الصليبيون واحتلُّوها.

 

والصليبيون قد أحدَثوا فيها مَقتَلةً عظيمةً من المسلمين، واستباحُوا المساجدَ والحُرُمات، قُتِلَ في يومٍ واحدٍ أكثرَ من 40 ألف مسلمٍ، حتى جَرَتْ الشوارعُ من دِماءِ المسلمين، وقَتلوهم قتلاً ذريعاً ولم يعاملوهم كما عاملَ عمرُ -رضي الله عنه- النصارى عندَما فتَحَها في عام 15 للهجرة، بل أهلَكوهم حَرقاً وتَقْتيلاً، وبقيَ القُدسُ أسيرَ الصليبيين 90 سنةً.. إلى أنْ استعادَهُ المسلمونَ على يدِ صلاحِ الدينِ الأيُّوبي في عام 583 للهجرة، ثم بعدَ ذلكَ توالتْ عليهِ أحداثٌ حتى احتلَّهُ اليهودُ من قُرابةِ الخمسينَ سنة

 

فنسألُ اللهَ -تعالى- أنْ يُقَيِّضَ للمسلمين ناصراً يقُودُهم بقيادةِ اللهِ –تعالى- بكتابِ اللهِ وسُنةِ رسولهِ -صلى الله عليه وسلم- حتى نَستعيدَ القُدسَ ونُعيدَها إلى حِياضِ أمَّةِ الإسلام.

 

اللهمَّ أعِزَّ الإسلامَ والمسلمين، وانصر عبادك المستضعفين، اللهم انصر دينك وكتابك وعبادك الموحدين.

 

اللهمّ لا تدع لنا في مقامنا هذا ذنباً إلا غفرته، ولا همّاً إلا فرّجْته، ولا دَيناً إلا قضيته، ولا مريضاً إلا شفيته، ولا مبتلى إلا عافيته، ولا عقيماً إلا ذرية صالحةً رزقته، ولا ولداً عاقّاً إلا هديته وأصلحته يا ربَّ العالمين.

 

اللهم إنا نسألك الجنة وما قرب إليها من قول أو عمل، ونعوذ بك من النار وما قرب إليها من قول أو عمل، اللهم إنا نسألك الجنة لنا ولوالدينا، ولمن له حق علينا، وللمسلمين أجمعين.

 

اللهم صلّ على محمد وعلى آل محمد كما صليت على إبراهيم وعلى آل إبراهيم وبارك على محمد وعلى آل محمد كما باركت إلى إبراهيم وعلى آل إبراهيم إنك حميد مجيد.

 

عباد الله (إِنَّ اللَّهَ يَأْمُرُ بِالْعَدْلِ وَالْإِحْسَانِ وَإِيتَاءِ ذِي الْقُرْبَى وَيَنْهَى عَنِ الْفَحْشَاءِ وَالْمُنكَرِ وَالْبَغْيِ يَعِظُكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ)، فاذكروا الله يذكركم واشكروه على نعمه يزدكم، ولذكر الله أكبر والله يعلم ما تصنعون.

 

سبحان ربك رب العزة عمّا يصفون، وسلام على المرسلين، والحمد لله رب العالمين.

المرفقات

المسجد الأقصى

المسجد الأقصى

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات