المرأة والهمة والوقت

سليمان بن حمد العودة

2022-10-04 - 1444/03/08
عناصر الخطبة
1/ أهمية الحديث للمرأة 2/ أهمية اعتناء المرأة بالوقت 3/ خطورة التسويف 4/ طريقة الاستفادة من الوقت

اقتباس

وسبق لي حديث عن الإجازة والوقت، وكان الحديث في أصله موجهاً للشباب، وإن جاءت الإشارة عرضاً للنساء.. ولقد رأيت أنهن أهل للتخصيص بالحديث.. لماذا؟ لأن النساء محصورات مقصورات، وبالإفساد والمخططات الرهيبة مقصودات، وما مؤتمر المرأة في بكين فيما مضى وما يحاك للمرأة حاضراً ومستقبلاً.. إلا نماذج صارخة تشهد بالتركيز على المرأة بالإفساد ..

 

 

 

 

 

إن الحمد لله نحمده ونستعينه ونستغفره..

اتقوا الله -عباد الله- حق التقوى، واستمسكوا من الإسلام بالعروة الوثقى، واحذروا مضلات الفتن فإن أجسامكم على النار لا تقوى.

إخوة الإيمان: وسبق لي حديث عن الإجازة والوقت، وكان الحديث في أصله موجهاً للشباب، وإن جاءت الإشارة عرضاً للنساء.. ولقد رأيت أنهن أهل للتخصيص بالحديث.. لماذا؟ لأن النساء محصورات مقصورات، وبالإفساد والمخططات الرهيبة مقصودات، وما مؤتمر المرأة في بكين فيما مضى وما يحاك للمرأة حاضراً ومستقبلاً.. إلا نماذج صارخة تشهد بالتركيز على المرأة بالإفساد، وإذا أفسدت المرأة فقل على المجتمع الإسلام.. ولا يغيب هذا الهدف عن اللئام!

لم لا يكون الحديث -بكثرة- عن المرأة، ونحن نسمع بين الحين والآخر عن قانون جديد يصدر للمرأة ظاهره فيه الدفاع عن حقوقها المنتهكة -فيما يزعمون- وباطنه فيه الهلكة والضياع للمرأة لو يعلمون؟ والمصيبة حين تصدر هذه القوانين في بلاد المسلمين ويعجز البشر أن يأتوا بتشريع أعدل وأوفى من تشريع الإسلام للمرأة، ولكن الظالمين بآيات الله يجحدون.

الحديث للمرأة يكون لأن النساء قادرات على العطاء والإسهام لفاعل الخير في المجتمع إذا علم الدور، واستثمر الزمن.

لم لا يكون الحديث خاصاً للمرأة وعددهن في المجتمع كثير ودورهن في الإصلاح كبير.

ويتأكد الحديث للمرأة، لأن هناك من يخاطبها بلهجة المصلح المتباكي، والمحرر والمنقذ، والله أعلم بما يكتمون؟

ويكون الحديث للمرأة لأن ثمة هدراً في وقتها، وتقطيعاً لأيامها وسني عمرها سدى، واشتغالاً بالتوافه ومحقرات الأمور، ونسياناً أو تناسياً للقيم الكبرى والهدف من الوجود.

أختاه: أنت محل اهتمام الإسلام وتقديره منذ أيامه الأولى، ولا تزال آيات القرآن النازلة بشأنكن تتلى، وأنت محل اهتمام رسول الله صلى الله عليه وسلم ووصيته، وهو القائل: "استوصوا بالنساء خيراً"، ولقد خصص للمرأة يوماً للحديث والفتيا.. وجاء خلفاؤه الراشدون من بعده يؤكدون العناية بالنساء، وفي سير أعلام النبلاء أن عمر رضي الله عنه أمر عمرو بن حريث رضي الله عنه أن يؤم النساء في رمضان.

أختاه: أنت مستودع للخير بما تملكين، ولئن عذرت عن حمل السيف ونكاية العدو، فسلاح القلب وقوة التأثير في مجالات كثيرة تستطيعين، ولقد أبكيت الأئمة، وأنت بالتأثير على غيرهم حرية، وهاك أنموذجاً فاعقليه.

دخل سفيان الثوري رحمه الله على امرأة زاهدة عابدة تدعى أم حسان فلم ير في بيتها غير قطعة حصير. فقال لها: لو كتبت رقعة إلى بعض بني أعمامك ليغيروا من سوء حالك. فقالت: يا سفيان؛ لقد كنت في عيني أعظم، وفي قلبي أكبر. يا سفيان من ساعتك هذه أما إني لم أسأل الدنيا من يملكها فكيف أسأل من لا يملكها. يا سفيان، والله ما أحب أن يأتي علي وقت وأنا متشاغلة فيه عن الله بغير الله. فبكى سفيان.. وحق له البكاء.

ويعترف العدو -مع الصديق- بأثرك المشهود في نشر الإسلام والدعوة إليه، ويقول توماس وآرنولد: ومما يثير اهتمامنا ما نلاحظه من أن نشر الإسلام لم يكن من عمل الرجال وحدهم، بل لقد قام النساء المسلمات أيضاً بنصيبهن في هذه المهمة الدينية.

أختاه: لقد ذلك لك الجبابرة المستكبرون وأذعنوا، وفاق أثر إيمانك جبروت الطغاة وإن ظلموا. لم يستجب فرعون الطاغية لآسية المؤمنة في شأن إبقاء موسى -عليه السلام- وهو مطلبه الأوحد، ومن أجله كان يقتل ويستحي قال تعالى: (وَقَالَتِ امْرَأَتُ فِرْعَوْنَ قُرَّتُ عَيْنٍ لِي وَلَكَ لا تَقْتُلُوهُ عَسَى أَنْ يَنْفَعَنَا أَوْ نَتَّخِذَهُ وَلَداً وَهُمْ لا يَشْعُرُونَ) [القصص:9].

ويحدثنا التأريخ أن المغول مع همجيتهم وشدتهم على الإسلام والمسلمين تأثروا بالنساء، ويقال: إن الفضل في إسلام كثير من أمراء المغول -يرجع بعد الله- إلى تأثير زوجة مسلمة.

ويقال أيضاً: ولا يبعد أن يكون مثل هذا التأثير سبباً في إسلام كثير من الأتراك الوثنيين حين أغاروا على الأقطار الإسلامية.

أيتها المسلمات: لا يستكثر هذا ومثله على نساء خالط الإيمان قلوبهن، واستشعرن قيمة الحياة، وقدر الزمن. وكم هو البون شاسع بين هذه النماذج ونماذج أخرى من النساء، الهدف الأسمى عندهن غائب، والوقت يضيع هدراً، الاهتمامات عندهن بسيطة، وهممهن لتقديم الخير لهن ولغيرهن ضعيفة، فتتثاقل إحداهن أداء الواجبات المشروعة، ولربما كانت خطواتها المثيرة للفتنة سريعة.

ولهذا الصنف من النساء يقال: لا بد من التحرر من الوهم، لا بد من الاستيقاظ من النوم، لا بد من الخلاص من عقدة الشعور بالنقص والرغبة في مجاراة الآخرين إن لم تحمد سلوكياتهم، لا بد أن يمتلئ قلب المرأة المسلمة ثقة ويقيناً بأنها قادرة على تقديم الخير في مجتمعها الصغير والكبير، وأن بإمكانها أن تدفع الشر عن نفسها وبنات جنسها.

أيتها المؤمنات: وحين يكون الحديث عن وقت المرأة وهمتها ولا يتسع المجال للتفصيل في المجالات التي يمكن للمرأة أن تستثمر وقتها فيه، فحسبي أن أثير تساؤلات أدع للمرأة فرصة الإجابة عليها، واختيار ما تراه الأنسب منها، وأقول: أيتها المرأة المثقفة ماذا تقرئين؟ وما الهدف مما تقرئين؟ وما الخطوة الأخرى بعدما تقرئين؟ وهل بغير سهم الإسلام تضربين؟ إن الثقافة قد تكون نعمة، وقد تكون نقمة فمن أي الفريقين تكونين؟

أيتها المرأة العاملة: لماذا تعملين؟ وما أثرك في الإصلاح مع زميلات العمل؟ وهل يلازمك الحياء والبعد عن الخلطة بالرجال قدر ما تستطيعين؟

أيتها المعلمة: هل تشعرين بشرف المهمة، وتقدرين الإمانة وحجم المسؤولية؟ ما موقعك في المدرسة؟ وأي أثر خلفت على الزميلة والطالبة؟

أيتها الطالبة: لماذا تتعلمين؟ وبأي نوع من الأدب تتجملين؟ وهل تطبقين ما تتعلمين؟ كيف العلاقة مع الزميلات وما نوع الاحترام للمعلمات؟

ربة البيت: هل تتذكرين عظيم الأجر فيما تعملين؟ وهل تديرين شؤون المنزل، وترعين حقوق الزوج، وتقدرين مسؤولية التربية، ومع هذا يعطر المنزل بالذكر، وتفوح في جوانبه التقوى، ويكون لك قدوة بمن قيل فيها:

فمها يرتل آي ربك بينما *** يدها تدير على الشعير رحاها
بلت وسادتها لآلئ دمعها *** من طول خشيتها ومن تقواها

أعوذ بالله من الشيطان الرجيم: (مَنْ عَمِلَ صَالِحاً مِنْ ذَكَرٍ أَوْ أُنْثَى وَهُوَ مُؤْمِنٌ فَلَنُحْيِيَنَّهُ حَيَاةً طَيِّبَةً وَلَنَجْزِيَنَّهُمْ أَجْرَهُمْ بِأَحْسَنِ مَا كَانُوا يَعْمَلُونَ) [النحل:97].

 

 

الخطبة الثانية:

الحمد لله رب العالمين، أحمده تعالى وأشكره، وأثني عليه الخير كله، وأشهد أن لا إليه إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمداً عبده ورسوله، اللهم صل وسلم عليه وعلى سائر النبيين.

أعود للمرأة قائلاً:

أيتها الفتاة البكر: بم تفكرين؟ وما مواصفات شريك الحياة الذي ترغبين؟ وما نوع الحياة الزوجية التي تأملين؟ وإلام بعد الزواج تتطلعين؟ هل قرأت عن حقوق الزوج؟ وهل لديك عزم وحزم على تربية جيل يسعد أمته ولا يشقيها، ويبني ما تهدم من أركانها؟

أيتها النساء عموماً، بل أيها المسلمون جميعاً: إن الوقت ثروة عظيمة والمغبون حقاً من فرط فيها، وإن الحياة تمضي سريعاً. والعاجزون هم أصحاب التمني والتسويف فيها، واسمعوا إلى كلام الحسين البصري يرحمه الله وهو يحذر من التسويف، ويقول: "إياك والتسويف، فإنك بيومك ولست بغدك، فإن يكن غد لك فكن فيه -أي اجتهد فيه- كما كنت في اليوم، وإلا يكن الغد لك لم تندم على ما فرطت في اليوم".

ويقول ابن الجوزي: إياك والتسويف، فإنه أكبر جنود إبليس (صيد الخاطر).

أما ابن القيم فيشير إلى صوارف الخير بـ"لعل" و"عسى" محذراً حيث يقول: كلما جاء طارق الخير صرفه بواب: (لعل) و(عسى) (الفوائد).

إخوة الإسلام: إن الكسل والتسويف بضاعة الحمقى والمفاليس ولذا قيل: تزوج التواني الكسل فتولد منهما الخسران.

وليس يخفى أن العمر، والعام، والشهر، واليوم مضبوط بساعات ودقائق وثوان لا تزيد، ولكنك مع ذلك تلحظ البون شاسعاً بين الناس في استثمارها، وكم بنى بها المشمرون قصوراً عالية في الجنان، وكم كانت سبباً لهلكة أقوام ومعبراً لهم إلى النار، كم شيد فيها أولو همم وأصحاب عزائم من بيوت للعلم، أصبحت منائر تضئ للسالكين، وكم خمل فيها ذكر آخرين، ومرت عليهم السنون، وهم في ظلمات الجهل يتقلبون، كم أشاد فيها عاملون نشطون من صروح الحضارة ما بقي ذكره في العالمين.. وكم ثرب التاريخ على أمم عاشوا على فتات حضارات الآخرين؟

إنه الزمن لك أو عليك، ومن لم يستثمر حياته بالخير وعمل الصالحات قادته نفسه الأمارة بالسوء إلى مهاوي الردى وعمل السيئات، ولا ينفع الندم حين كشف الحساب عند أهل الغواية والجهل، وبطول مكثهم وعدم استثمار أوقاتهم في الخير يشهد عليهم أهل العلم والإيمان (وَيَوْمَ تَقُومُ السَّاعَةُ يُقْسِمُ الْمُجْرِمُونَ مَا لَبِثُوا غَيْرَ سَاعَةٍ كَذَلِكَ كَانُوا يُؤْفَكُونَ * وَقَالَ الَّذِينَ أُوتُوا الْعِلْمَ وَالْأِيمَانَ لَقَدْ لَبِثْتُمْ فِي كِتَابِ اللَّهِ إِلَى يَوْمِ الْبَعْثِ فَهَذَا يَوْمُ الْبَعْثِ وَلَكِنَّكُمْ كُنْتُمْ لا تَعْلَمُونَ * فَيَوْمَئِذٍ لا يَنْفَعُ الَّذِينَ ظَلَمُوا مَعْذِرَتُهُمْ وَلا هُمْ يُسْتَعْتَبُونَ) [الروم:من الآية 55-57].

إنه مشهد غائب حاضر لا يستبعده إلا الغافلون (مَنْ كَانَ يَرْجُو لِقَاءَ اللَّهِ فَإِنَّ أَجَلَ اللَّهِ لَآتٍ وَهُوَ السَّمِيعُ الْعَلِيمُ * وَمَنْ جَاهَدَ فَإِنَّمَا يُجَاهِدُ لِنَفْسِهِ إِنَّ اللَّهَ لَغَنِيٌّ عَنِ الْعَالَمِينَ) [العنكبوت: من الآية 5-6].

(فَمَنْ كَانَ يَرْجُوا لِقَاءَ رَبِّهِ فَلْيَعْمَلْ عَمَلاً صَالِحاً وَلا يُشْرِكْ بِعِبَادَةِ رَبِّهِ أَحَداً) [الكهف: من الآية110]

أختاه في الإسلام: حنانيك أن يضيع وقتك سدى عبر جلسات مطولة لا فائدة فيها، بل ربما حملت نفسك أوزاراً من خلال الحديث المحرم فيها. ووقتك أغلى من أن يضيع في العكوف على سماع أو رؤية أصوات أو مشاهد الفجور والخنا وعمرك أنفس من إضاعته بكثرة النوم. وربما لم تصل الفجر حتى تعالى الضحى، ولربما كان النوم سبباً للخصام مع الزوج للتقصير في الأداء، وضياع الوقت هدراً، وغدا الأطفال يسرحون ويفسدون، وأنت غائبة لطول موتتك الصغرى.

أختاه: ومن الخطأ أن تعتقدي أن في الذهاب للأسواق بكثرة ما يقطع الوقت، ويجلب السرور والسلوى.. والبيت نعم المستقر لك، وقد قيل لمن قبلك من خيرة النساء: (وَقَرْنَ فِي بُيُوتِكُنَّ وَلا تَبَرَّجْنَ تَبَرُّجَ الْجَاهِلِيَّةِ الْأُولَى وَأَقِمْنَ الصَّلاةَ وَآتِينَ الزَّكَاةَ وَأَطِعْنَ اللَّهَ وَرَسُولَهُ إِنَّمَا يُرِيدُ اللَّهُ لِيُذْهِبَ عَنْكُمُ الرِّجْسَ أَهْلَ الْبَيْتِ وَيُطَهِّرَكُمْ تَطْهِيراً) [الأحزاب:33].

كما أن من الخطأ أن تظني أن رفع سماعة الهاتف وقتاً طويلاً دونما فائدة ترتجى، يجلب السعادة ويمضي به الوقت سريعاً؟

أختاه: ليس ذلك حصراً لمواطن هدر الوقت سدى عند بعض النساء. أنت بذلك وغيره أدرى، فاحذري وحذري غيرك من النساء من إضاعة الوقت سدى.

كما أنت أدرى بمواطن استثمار الوقت، وهي من الكثيرة بحيث أوصلها بعضهم إلى (مائة وخمس وعشرين طريقة لحفظ الوقت/ أبو القعقاع محمد بن صالح آل عبدالله) يمكن أن يزاد عليها.

إن الخطوة الأولى -لنا معاشر الرجال، ولكن معاشر النساء- نحو استثمار الوقت هي الشعور بأهميته، يتبع ذلك خطوة أخرى بالهمة والعزيمة الصادقة، ثم تكون الخطوة الثالثة بالعمل والتنفيذ، مع مراعاة القصد حتى تبلغوا، وطاقة النفس حتى لا تملوا "عليكم من الأعمال ما تطيقون، فإن الله لا يمل حتى تملوا".

أيها الرجال: هذه كلمات وتوجيهات، وإن كانت في أصلها موجهة للنساء، فنحن شركاء في المسؤولية، والمرأة ليست جسماً غريباً عنا، فهي "أم" أو "زوجة" أو "أخت" أو "بنت" أو "قريبة" لنا، والله أمرنا بالتعاون على البر والتقوى، ونهانا عن التعاون على الإثم والعدوان وعليكم كفل من مسؤولية البلاغ والنصح والمتابعة، فكلكم راع ومسؤول عن رعيته.

هذا فضلاً عن كون بعض ما جاء فيها يصلح أن يكون خطاباً يوجه للرجل والمرأة على حد سواء.

اللهم وفقنا لاستثمار أعمارنا بعمل الصالحات، اللهم أيقظنا من رقدات الغفلة واتباع الهوى والشهوات.
 

 

 

 

 

 

 

المرفقات

والهمة والوقت

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات