المخدرات حرب على الدين والوطن

د. منصور الصقعوب

2020-12-25 - 1442/05/10 2022-10-11 - 1444/03/15
عناصر الخطبة
1/مكانة العقل في الإسلام 2/حرب المخدرات على بلاد الحرمين 3/أضرار المخدرات والمسكرات 4/أسباب الوقوع في براثن الإدمان 5/طهارة المجتمع وسلامتُه وأمنه مسؤولية جماعية 6/أعظمُ سلاحين في وجه المخدرات.

اقتباس

إنها حربٌ حقيقيةٌ إذن, يُراد منها تدميرُ الإنسان, ليعيش أسيرَ الإدمان, فلا يتعلم علمًا يَنفعُ به نفسَه وتَنهضُ به أمتُه, ولا يعمل عملاً يرتقي به وطنُه, ولا يستثمر ماله فيما ينهض بالاقتصاد, بل يشتري بماله ما يدمِّرُ بهِ نفسَه ووطنَه, وكلُّ ذلك مما يغضب الله –تعالى-, ويسعى له الأعداء.

الخطبة الأولى:

 

إنَّ الحمد لله؛ نحمده ونستعينه ونستغفره، ونعوذ بالله من شرور أنفسنا، ومن سيئات أعمالنا، من يهده الله فلا مضل له، ومَن يضلل فلا هادي له، وأشهد أن لا إله إلا الله وحده لا شريك له، وأشهد أن محمدًا عبده ورسوله.

 

(يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ اتَّقُواْ اللهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلاَ تَمُوتُنَّ إِلاَّ وَأَنتُم مُّسْلِمُونَ)[آل عمران: 102]؛ (يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالًا كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا)[النساء: 1].

 

معشر الكرام: حربٌ شعواء, تلك التي تُشَنُّ على هذه البلاد الطاهرة, حربٌ سياسيةٌ, وحربٌ على الأخلاق والقِيم, حربٌ على التمسك بدين الإسلام, وحربٌ على أبناءها.

 

حربٌ ضروس يبذل فيها أعداءُ الدينِ كلَّ دنيئةٍ لأجل القضاء على تمسك أهل هذه البلاد, وحديثنا اليومَ -بإذن الله تعالى- عن إحدى وسائل الأعداء في تدمير شباب ورجال ونساء هذه البلاد.

 

كم دمّرت هذه الوسيلةُ مِن بيوت!, وكم أتلفت من عقول!, كم ضيّعت مِن مستقبل!, وكم أبكت من أمٍ وأب!, كم كتب في طرقاتنا, وردّد صغارنا وكبارنا محذرين عنها!, وما أحرانا اليوم إلى أن نستشعر بقلوبنا أن لا مكان في بلدنا لها.

 

حديث اليوم هو عن المخدرات, وقبل الحديث عنها لا بد من تقدمة بين يدي ذلك, لا بد من القول -يا كرام- بأن للعقل مكانةً عظيمة, وهو نعمةٌ على بني آدم جليلة, وبه يتمايزُ الناس, وبِفقده يُصبح المرءُ كالبهائم والجمادات, بل وينحطُّ عن ذلك, ولذا فأيُّ أمرٍ يؤثِّرُ على العقلِ فإن الشريعة تُحرِّمُه؛ إذ العقلُ من الضروراتِ الخمسِ التي جاءت الشريعةُ بِحفظِها.

 

ومِن أجل ذلك حُرِّمت الخمور وكلّ أنواع المسكرات والمخدرات,  لمِا تطمس من أنوار العقول, وتهوي بالإنسان إلى أسفل سافلين (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا إِنَّمَا الْخَمْرُ وَالْمَيْسِرُ وَالْأَنْصَابُ وَالْأَزْلَامُ رِجْسٌ مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ فَاجْتَنِبُوهُ لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ)[المائدة:90] قال الغزالي: "حرّم الشرعُ شُربَ الخمرِ لأنه يُزيل العقلَ، وبقاءُ العقلِ مقصودٌ في الشرع لأنه آلة الفهمِ وحَملِ الأمانة ومحلُ خطابِ التكليف, فالعقلُ مِلاك أمور الدينِ والدنيا".

 

ولعمرُ الحقّ: إنّ غيابَ العقل لمفسدةٌ أيُّ مفسدة, وما قيمةُ الإنسانِ إذا غاب عقلُه وانطفأت بصيرَتُه وتخلى عن إنسانيتِه؟!, وأهلُ الجاهلية برغم جاهليتهم كان منهم رجالٌ حرّموا الخمر على أنفسهم لمَّا رأوا ما تفعلُه بالرجلِ العاقلِ الرشيد.

 

ومع تطوُّرِ الحضارةِ, تَطوَّر ما يَهدِمُ الحضارةَ كذلك, فتطورت صناعةُ المسكرات حتى ظهرت المخدرات والتي هي أشدُّها على الأفراد والأمم.

 

وعندما نتحدث عن المخدِّرات فإننا لا نتحدث عن أمرٍ هامشيّ, بل الحديثُ هو عن حرب, نعم عن حربٍ بالمعنى الحقيقيّ على هذه البلاد لتدمير الإنسان فيها.

 

هذه الحربُ استُخدِمَتْ في جهاتٍ عديدةٍ لضرب المجتمعات التي يُراد القضاءُ عليها, لقد استُخدِمتْ المخدرات كسلاحٍ سياسيّ قذرٍ يُخضِعُ الأُمَم ويدمّرُ المجتمعات, ويفعلُ فِعلَ الجيوشِ وأكثر, في أمريكا استخدمت الطبقة العليا ذاتُ الأصولِ الأوروبيةِ سلاحَ المخدرات ضد الجالية الإفريقية لتدمير قواها وسلبها القدرة على المنافسة على التجارة والرئاسة والمناصب العليا.

 

وفي العراق لما أُسقِط النظام السابق, غزا الفرسُ الصفويونَ شبابَ العراقِ بِشُحناتِ المخدرات على أيدي العصابات حتى غدا ما بين ثلاثين إلى أربعين من كل مائة شابٍ يتعاطى المخدرات الإيرانية التي هي أشدُّ أنواع المخدرات سُمِّيَةً, حيث تُتلِفُ الجهازَ العصبيَ خلال أشهرٍ قليلة كما أشارت إلى ذلك وزارة الصحة العراقية.

 

وأما هذه البلادُ المباركة فكانت ولا زالت هدفاً لأعداء الدين كي يُوبقوا شبابها في أوحال هذه الشرور, وهي أمورٌ لم تَعُدْ خافيةً, بل في العلن تظهر في الكميات المضبوطة وأعداد المروّجين وحجمِ التجارة في العام الواحد, والأساليبِ المختلفة للتهريب والترويج, نسأل الله أن يرد كيدهم.

 

تشير تقارير وزارة الداخلية إلى أن نحوًا 33% من كمية أقراص الكبتاغون في العالم يتم مصادرتها في السعودية, كما تُصادِرُ المملكةُ نحوَ 60 طنًّا من الحشيش سنويًّا، وما بين 50 إلى 60 كيلوجرام من الهيرويين.

 

بحسب تقارير حكومية تنظر محاكمُ المملكة ما معدله (161) مائةٌ وواحد وستين قضية مخدراتٍ يوميًّا.

 

إنها حربٌ حقيقيةٌ إذن, يُراد منها تدميرُ الإنسان, ليعيش أسيرَ الإدمان, فلا يتعلم علمًا يَنفعُ به نفسَه وتَنهضُ به أمتُه, ولا يعمل عملاً يرتقي به وطنُه, ولا يستثمر ماله فيما ينهض بالاقتصاد, بل يشتري بماله ما يدمِّرُ بهِ نفسَه ووطنَه, وكلُّ ذلك مما يغضب الله –تعالى-, ويسعى له الأعداء.

 

وليس بنا اليوم أن نذكر أضرار المخدرات, الدينيةِ منها والنفسيةِ والبدنيةِ والاجتماعيةِ, فتلك أكثرُ من أن يُحاطَ بها في خطبة, وإنما حسبُنا أن نقول -يا كرام-: مشوار الإدمان غالباً ما يبدأه الشاب بدافع التخلص مِن الهمومِ والمشاكلِ المحيطة, ثم ما يلبثُ أن يسقُطَ في وَحلِ الإدمان فيدمّر نفسه ويزدادُ غرقًا في همومه.

 

يؤزّه للمخدرات ضعفُ الإيمان, وخواءُ الروحِ من تعظيم الرحمن, ويبقى حُبّ الاستطلاعِ، ورفقةُ السوءِ,, والسفرُ للخارجِ مرتعًا خصبًا للوقوع في هذه السموم.

 

والإدمان لا يعرف عمرًا معينًا ولا جنسًا مخصوصًا, الإدمان يأتي للصغير والكبير, للشاب والطفل, للرجل والمرأة, فليحذر كلّ منَّا من هذه الآفة الخطيرة, وليتعاهد من تحت يديه, بالتحصين بالتوعية بخطورة المخدرات, وبضررها عليهم في العاجل والآجل.

 

المسؤوليةُ عليك -أيها الأب- ليست هيّنةً, تابِع ابنكَ وتواصل معه, وإن لاحظتَ عليه علامةً مِن علاماتِ الإدمان, فسارع بعلاجها, واحتواءِ المشكلة, وحتى لو استدعى الأمر للإبلاغ عنه, فإنَّ الإبلاغَ عنه اليومَ أهونُ من الإبلاغ عن مصيبةٍ يرتكبها غدًا لا قدّر الله, احتووهم, اقتربوا منهم, وقبل كل هذا ادعوا الله أن يعصمهم ومِن طُرُقِ الشرِّ يحفظهم.

 

أما من ابتلاه الله بهذه البلية فليعلم أنه ما جعل الله داءً إلا جعل له دواء, وأن الرجوع إلى الحقّ خيرٌ من التمادي في الباطل, وأنه من يعمل مثقال ذرة شرًّا يره, وليعلم كذلك أن الله تعالى أمهله ومِنَ التوبة مكَّنه, فليرجع إلى الله -تعالى- وليتب قبل أن يختم له بخاتمة السوء.

 

ليفكّرْ بنفسه وبالمستقبل الذي ينتظره, ليفكرْ في والديه, وكم هي السعادةُ التي ستدخل عليهم عند توبته, ليفكرْ في أولاده, ليفَكرْ في فرح ربِّه بتوبته, ليفكر في كل ذلك.

 

ثم ليتخذ الخطوات العاجلة للفكاك من هذا الداء, ليراجع المختصين في مستشفيات الأمل, وجمعيات وعيادات مكافحة المخدِّرات وعلاجه, ليترك تلك الصحبة التي تُعينه على الشرّ, ليتب إلى الله, وليستعن بدعائه, وليلح عليه بصدق أن يعينه على الإقلاع عن هذا الطريق الفاسد, وليحسن الظن بالله, فالله عند حسن ظن عبده به.

 

 

الخطبة الثانية:

 

يا مؤمنون: طهارة المجتمع وسلامتُه وأمنه ليست منوطةً بالأجهزة المختصة فحسب, إنّ أمن المجتمع منوطٌ بالمجتمع نفسِه بكل أفرادِه وفِئاته وشرائِحه, فرجالُ مكافحة المخدرات يقومون ببطولات عظيمة, ويقدّمون تضحياتٍ جسيمة, يُدافعون عن مُهَجِ أبنائِنا ودينِهِمْ وعُقولِهم ومُستقبلِهم, يُدافعون عن أرضنا وأعراضنا, ولكنهم وحدهم لن يستطيعوا صَدَّ المعركةِ المفتوحةِ الشرسةِ وقد بلغت هذا المدى.

 

إن الأمنَ الشاملَ المُترابِطَ مطلوبٌ من الجميع, سواء كانوا دعاة أو معلمين أو إعلاميين أو آباء أو أجهزةً أمنية أو غيرَهم.

 

إنَّ الضحية ليست أموالاً هالكة يُستعاضُ عنها أو منازلَ متهدمةً يُعاد بناؤها, إن الضحية جيلٌ بأكمله وأمةٌ بأكملها.

 

الواجب يُحَتِّمُ الضربَ بيدٍ من حديد مِن قِبَل مَن بيدهم الأمرُ على المروّجين ومَن أدخلها إلى بلادنا, والتشهيرَ بهم, فمثل هؤلاء الأشرار لا ينفع معهم سوى الحزم والردع, وعلينا جميعاً التعاونُ مع الجهاتِ ذاتِ العلاقةِ بالإبلاغِ عن كل مروِّجٍ وموزِّع.

 

وبعدُ يا كرام: فأعظمُ سلاحين في وجه المخدرات هما: حُسن التربيةِ والاعتناءُ بالبيوت.

والثاني: تقوية رقابة الله في القلب, وتعظيمُ الله في النفس, إنَّ مُعضلة الخمور في المدينة النبوية لم تحتجّ إلا إلى آيةٍ واحدة يقول فيها الله: (فَهَلْ أَنْتُمْ مُنْتَهُون)[المائدة:91]، وإذا بالخمورِ تُتْلَف, وإذا بالمدمنين ينتهون, وإذا بسكك المدينة تجري فيها الخمور المُرَاقَة, فإذا تحقق هذان فأُمتنا وشبابنا إلى خير؛ إن شاء الله.

 

اللهم اعصمنا والمسلمين من الشرور ما ظهر منها وما بطن.

المرفقات

المخدرات حرب على الدين والوطن.doc

إضافة تعليق

ملاحظة: يمكنك اضافة @ لتتمكن من الاشارة الى مستخدم

التعليقات